نحن مسيحيون فقط إذا ما التقينا بالمسيح

المسيحية ليست فلسفة أو إيديولوجية بل حدث لقاء مع المسيح القائم من الأموات

 

الفاتيكان، الأربعاء 4 سبتمبر 2008 (Zenit.org).

يخطئ من يعتبر المسيحية مدرسةً فكرية، أو فلسفية أو خلقية، مع أن المسيحية تتضمن فكرًا، وفلسفةً ونهجًا خلقيًا. إلا أن جوهر المسيحية هو اللقاء بشخص يسوع المسيح القائم من الموت والإجابة السخية على الدعوة إلى اتباعه والعيش معه وفيه. "الحياة في المسيح" هي من المبادئ العزيزة على قلب بولس الرسول، الذي لا ينفك يرددها بعد أن التقى بالقائم من الموت على طريق دمشق ولم يعد يحي لذاته بل لذلك الذي مات وقام لأجله. فـ الحياة لبولس "هي المسيح"، وهو لا يحيا من بعد لذاته بل لمن وهب ذاته لأجله: " فما أَنا أَحْيا بَعدَ ذلِك، بلِ المسيحُ يَحْيا فِيَّ. وإِذا كُنتُ أَحْيا الآنَ حَياةً بَشَرِيَّة، فإِنِّي أَحْياها في الإِيمانِ بِابنِ اللهِ الَّذي أَحبَّني وجادَ بِنَفْسِه مِن أًجْلي" (غلا 2، 20).

وإنما ما يعرف بـ "ارتداد" بولس هو التوصل إلى هذا الفهم الكياني، لا بفضل بحث عقلي أو تقدم أدبي، بل بفضل لقائه بالمسيح الذي لاقاه في حياته بشكل شخصي وفتّان. في تعليقه على هذه الحادثة المحورية في وجود رسول الأمم، تحدث الأب الأقدس بندكتس السادس عشر البارحة الأربعاء في المقابلة العامة عن جوهر هذا الحدث، وعن ما يمكن أن يعنيه بالنسبة لنا اليوم.

تحدث البابا عن لقاء بولس بيسوع على طريق دمشق واصفًا إلياه بـ "القفزة النوعية" لافتًا إلى أن هذا التحول في كل كيانه "لم يكن ثمرة عملية نفسية، أو ثمرة نضوج أو تطور فكري أو خلقي، بل جاء من الخارج: لم يكن ثمرة فكره، بل ثمرة اللقاء مع يسوع المسيح. بهذا المعنى لم يكن مجرد ارتداد، ونضوج لأناه، بل كان موتًا وقيامة بالنسبة له بالذات: لقد مات عن وجوده وولد لوجود جديد مع المسيح القائم".

ونبّه بندكتس السادس عشر أنه ما من سبيل آخر لفهم هذا التجدد في بولس. فكل التحاليل النفسية لا تستطيع أن توضح وتحل هذه المسألة. وشدد قائلاً: "فقط الحدث، فقط اللقاء القوي مع المسيح، هو المفتاح لفهم ما قد حدث: الموت والقيامة، والتجديد من قبل ذاك الذي أظهر نفسه وتحدث إلى بولس. بهذا المعنى العميق يمكننا بل يجب علينا أن نتحدث عن الارتداد. هذا اللقاء هو حدث واقعي غير كل مقاييسه. الآن يستطيع أن يقول أن ما كان جوهريًا وأساسياً بالنسبة له من قبل، صار الآن "نفاية"؛ لم يعد "ربحًا"، بل خسرانًا، لأن ما يهم الآن هو الحياة في المسيح فقط".

 لقاء بولس بالمسيح: خبرة انفتاح

ولكن هذا اللقاء بالمسيح لم يكن البتة دافعًا للانغلاق على نفسه في "حدث أعمى". بل العكس هو الصحيح، "لأن المسيح القائم هو نور الحق، نور الله بالذات"، وهذا الأمر "شرّع قلب بولس، وجعله منفتحًا على الجميع. في هذه اللحظة لم يفقد ما كان خيّرًا وحقًا في حياته، في إرثه، بل فهم الحكمة، والحقيقة، وعمق الشريعة والأنبياء بشكل جديد، واعتنقها بطريقة جديدة".

وتابع البابا: "في الوقت عينه، انفتح فكره على حكمة الوثنيين: بما أنه انفتح على المسيح بكل قلبه، صار قادرًا أن يقوم بحوار واسع مع الجميع، صار قادرًا أن يكون كلاً للكل. وبهذا الشكل أصبح حقًا بإمكانه أن يكون رسول الأمم".

 أصداء معاصرة: المسيحي هو من التقى بالمسيح

ثم تحدث البابا إلى المؤمنين عن معنى خبرة بولس بالنسبة لمسيحيي اليوم، وقال أن هذا الحدث يعني أن "المسيحية بالنسبة لنا أيضًا ليست فلسفة جديدة أو علم أخلاق جديد". فـ "نحن مسيحيين فقط إذا ما التقينا بالمسيح".

وأوضح: "بكل تأكيد، هو لا يكشف ذاته لنا بالشكل الذي لا يقاوم والنير الذي كشف به نفسه لبولس ليجعل منه رسول كل الأمم. ولكن نحن أيضًا نستطيع أن نلتقي بالمسيح، عبر قراءة الكتاب المقدس، والصلاة، وفي الحياة الليتورجية الكنسية. يمكننا أن نلمس قلب المسيح وأن نشعر بلمسته لقلبنا. فقط عبر هذه العلاقة الشخصية مع المسيح، فقط عبر هذا اللقاء مع القائم يمكننا أن نضحي مسيحيين حقًا. وبهذا الشكل ينفتح فكرنا، وتتشرع أمامنا حكمة المسيح بأسرها، وكل غنى الحقيقة".