نشيد الأناشيد: قدس أقداس الكتاب المقدس

 

مقدمة

يندرج سفر نشيد الأناشيد في الكتاب المقدس بين الأسفار الحكمية، ولا عجب أن نرى هذا السفر الذي يتكلم عن الحب بين أسفار الحكمة لأن التفكير الحكمي بطبيعته يتطرق إلى المواضيع الهامة في الحياة ومنها طبعاً موضوع الحب.

من الطبيعي إذاً أن يتكلم الكتاب المقدس عن الحب، ومن الطبيعي أن تشيد الأسفار الحكمية بالحب الحقيقي والصحيح وسمّوه، لكن الغريب في الأمر، والذي يثير كثيراً من التساؤلات لدى عدد كبير من المؤمنين، هو أن نشيد الأناشيد لا يتكلم عن معنى وسمو الحب كما يتصوره قارىء الكتاب المقدس للوهلة الأولى، بل إنه يستعمل لغة خاصة تظهر الحب البشري بماديته المحضة، فيغدو هذا النشيد قصيدة رائعة تتغنّى بالحب البشري في كثافته الجسدية وبواقعية لا ينكرها الشعراء العصريون، إلى درجة يصعب القبول بهذه اللغة على أنها لغة كتاب مقدس، وهي من وحي الله وإلهامه.

إن نشيد الأناشيد في الحقيقة كتاب فريد من نوعه، ولكي نفهمه، علينا أن نغوص في أعماق هذا السفر لنستنبط مكنوناته الخفية وكنوزه الثمينة، ولنتعرف على مكانته السامية في الكتاب المقدس وفي حياة وتاريخ الكنيسة، وهذا ما سنحاول أن نفعله.

 

أ –  مصادر نصوص النشيد وقانونيته

لا شك أن النص ينطلق من قصائد حب قديمة تبادلها رجل وامرأة وكانوا ينشدونها في السهرات، ولعله يستوحي من الطقوس الوثنية كما تؤكده المقارنة مع قصائد من الشرق القديم. والسفر لا يذكر أية مؤسسة دينية ولا أي شخص من شعب إسرائيل (باستثناء سليمان)، ولا يذكر اسم الله سوى مرة واحدة، وبشكل خفي (8: 6).

عندما اجتمع اليهود في يمنيا حوالي سنة 90 م. ليحددوا قانونية كتبهم المقدس، كان هناك جدل كبير حول قانونية نشيد الأناشيد الذي يبدو أنه كُتب بعد العودة من المنفى، أي حوالي نهاية القرن الخامس قبل الميلاد، فكان لتدخل الرابي عقيبة فائدة كبيرة في معرفة معلومات قيّمة تخص هذا الكتاب. فقد تبيّن أن نص نشيد الأناشيد كان يقرأ بمعنى دنيوي في بيوت المشروبات، وهذا كان محل اعتراض واستنكار هذا الرابي الذي دافع عن هذا الكتاب وأكد مقامه في يهودية ذلك العصر قائلاً: إن العالم كله لا يضاهي اليوم ما أُعطي فيه هذا النشيد لإسرائيل. فالكتابات كلها مقدسة، لكن النشيد هو قدس الأقداس" (مقالة يدعيم 3/5).

لقد دخل السفر بعد ذلك في القانونية الكتابية اليهودية، وكانت قراءته كما يبدو قراءة رمزية تمثيلية تعتبر قصائده تنشد العهد، أي عهد الحب بين الله وإسرائيل، وهكذا كان يُقرأ أيضاً في قُمران حيث عثر في مكتبتها على أربع نسخ منه.

 

ب- قراءة تحليلية مبدئية للنشيد

يقسم أغلب الباحثين نشيد الأناشيد إلى مطلع (1: 2-4)، وخمس قصائد تتوزّع بحسب فصول السنة. تمثّل القصيدة الأولى (1: 5-2: 7) فصل الشتاء وزمن المنفى. والقصيدة الثانية (2 :8- 3: 5) فصل الربيع وزمن الخطوبة. والقصيدة الثالثة (3: 6- 5: 1) فصل الصيف والزواج. والقصيدة الرابعة ((5: 2-6: 3) تجعلنا نتردّد قبل أن نصل إلى فصل الخريف وقطف الثمار كما تحدّثنا عنه القصيدة الخامسة(6: 4-8: 4). وجاءت النهاية (8: 5-7) تعلن أنّ الحب قويّ كالموت. وكانت الأشعار الأخيرة (8: 8-14) بشكل صدى لما قيل في الأسفار الأولى.

إن ما يلفت انتباهنا ويثير تعجّبنا لدى قراءة النشيد هو أنه في زمنٍ كانت فيه المرأة خادمة للرجل، نرى في هذه القصائد أن الواحد يحب الآخر على قدم المساواة، في نضارة حنان لا يتنافى مع المصاعب. لذلك في قراءتنا المبدئية للنشيد يجب أن نأخذ بعين الاعتبار النقاط التالية:

*      علينا أن نقرأ النشيد أولاً بدون هدف، نقرأه كمستمعين لندع عالمه يخرج إلى الوجود.

*      نحن أمام عالم ليس من الكلمات بل مع الأصوات. إنه عالم صوتي من النداءات والأصداء والأسئلة والأجوبة.

*   النشيد لا يتحدث فقط عن الحب بل يغنّي الحب. إنه أولاً غناء. يؤكد ذلك تكرار الكلمات والعبارات والأدعية التي تواكب النص.

*    إنه نشيد غُني وما زال يُغنّى، هذا الغناء هو حوارٌ، التعبير فيه مباشر. يتوجه الأنا إلى الأنت، أو يوحي الأنا بالأنت داخل المونولوج.

*    هذا الحوار لا يؤدي بنا إلى معرفة هُوية المتحاوريْن: أهما حبيبان أم زوجان، أم خاطبان… النص يوضح الحب الذي يربط بين رجل وامرأة حبيبين يشيدان بالحب الذي يشدّ الواحد إلى الآخر: فهو فقط ما تقوله هي فيه، وهي الخليلة أو العروس.

*   إن صوت المرأة في النشيد هو الأكثر ارتفاعاً فهي تفتتح القصيدة وتختمها، لكن الرجل هو الذي يشد الرغبة ويقود القصيدة إلى الأمام.

*   إن هذه الإشادة بالحب تدل على أن عبارة الحب هي واحدة في ذروتها وكمالها، وهي تؤدي إلى كلمة واحدة وحيدة. إنها تخلق الوحدة من دون أن تمحو الاختلاف والبعد بين الواحد والآخر، وهما أمران لا يقوم أي حوار من دونهما.

 

ج – القراءة اليهودية للنشيد

أشرنا أن نشيد الأناشيد دخل في قانون الكتاب المقدس اليهودي في يمنيا في نهاية القرن الأول، وقد اعتبره الرابي الأول عقيبة قدس أقداس الكتاب المقدس. وبموجب هذه القراءة الدينية الرمزية، تصبح القصائد حوارا متبادلا بين الرب وشعبه.

لقد أطلّت صورة نشيد الأناشيد أوّل ما أطلّت مع هوشع نبيّ الحبّ، فقد أصبحت حياته مع امرأته جومر رمزاً إلى حياة الله مع شعبه، مع ما في هذه الحياة من اندفاع إلى الله، وخيانته، والعودة إليه بالتوبة (هو1-3). وتتابعَ هذا الموضوع مع إرميا(2-3) وأشعيا (اش54) وحزقيال (16) الذين رسموا ملامح إسرائيل بمثابة زوجة خائنة، طلقها زوجها، ومن ثم غفر لها.

هكذا يعيد النشيد في هذا المفهوم ذكر التاريخ المضطرب عن هذه العلاقات وعن البحث المتبادل الذي قام به الله وشعبه. فعلى سبيل المثال، يوحي "نوم" الحبيبة بأزمنة خياناتها، فيما يعني "هرب" الحبيبة محن إسرائيل، وفي مقدمتها محنة الجلاء. وهنا تبرز فكرة تقول إنّ العريس يمثّل الهيكل وبالتالي الله المقيم في الهيكل، والعروس تمثّل أرض فلسطين. فالعريس يقيم في قلب العروس كما الهيكل يقع في قلب فلسطين.

من هنا نرى أن القراءة اليهودية للنشيد تعتبره نشيداً يتغنّى بالحب المتبادَل بين الرجل والمرأة والذي هو رمز الحب المتبادل بين الله وإسرائيل.

لا يذكر النشيد الله أبداً، لكنه يتأمل في تك 2/23-24 وملا 2/14 وفي نصوص الأنبياء الذين أشادو بحب الله لشعبه على صورة حب العروسين. إنه يصف الحب البشري كأنه غاية في حد ذاته في العمل الحسن الذي عمله الله (تك 2/23-24)، لذلك فهو يحتوي، عن علم واضح أو غير واضح، على عناصر الزواج الوثني المقدس، ولكنه ينزع عنها طابع الأسطورة نزعاً تاماً، ليبيّن في وصف الحب الجسدي الأصيل (مثل 2/16-17 و ملا 2/14) بلغة العهد، إن محبة الله لشعبه هي مثال كل حب.

إنه من أقرب نصوص الكتاب المقدس إلى الإنسان لأنه يتكلم عن الشيء الأشد أُنساً والأكثر شمولية وهو الحب الذي يتبادله الحبيب والحبيبة. وإذا وُصف بأنه قدس أقداس الكتاب المقدس فلأنه يصف حقيقة هذا الاختبار البشري التي يجسّدها اللقاء بين الرجل والمرأة، ليس فقط ليذكّر بجمالها وعظمتها فحسب، بل ليفتح من خلال هذا التذكير آفاقاً أوسع تكون على مستوى تاريخ الخلاص، فيجمع بجرأة لا تنثني بين ما هو الأكثر إنسانية وما هو الأكثر ألوهية، بين اختبار الحب البشري في حد ذاته واختبار حب الله لشعبه.

هكذا قرأ اليهود هذا الكتاب فرأوا فيه من خلال نشيد حبّ بين العروس وعريسها، بين الزوجة وزوجها، نشيد حبّ الله لشعبه وحبّ الشعب لربّه.

 

د – القراءة المسيحية للنشيد

تبنّى آباء الكنيسة هذه القراءة اليهودية الرمزية وطبّقوها على العهد الجديد، ورأوا أن نشيد الأناشيد ينشد حب الله لشعبه في المسيح، هذا الحب الإلهي للبشر الذي سيتجلّى في ملء الزمان عندما يرسل الآب ابنه يسوع المسيح الذي من خلاله وبالاتحاد به يختبر الإنسان بشكل مطلق أن "الله محبة"(1يو4/8،16).

اختبار الحب هذا في النشيد الذي يجد صورته البشريّة في حبّ الرجل لامرأته، وصورته الإلهية في حب الله لشعبه، رآه أباء الكنيسة في نشيد حبّ المسيح للكنيسة وحب الكنيسة للمسيح مستندين في ذلك إلى نص الرسالة إلى أهل أفسس، حيث يُقابِل بولس الرسول حبّ المسيح للكنيسة بحبّ العريس لعروسه، ويُعلّم كيف ينبغي على المسيحيين المتزوجين أن يعيشوا (أف 5/25).

إن حب المسيح لكنيسته هو بمثابة وتد الحب الزوجي ونوره، وبكلمة أخرى، يتم تحوّل في حقيقة الحب البشري، بفضل حب الله المعلن في يسوع، والمعاش في الكنيسة. وهكذا لا يبدو في هذا الحب معنيان متضادان وكأنهما حُبّان: الحب البشري والحب الإلهي!

لقد كان يسوع "إلهاً حقا وإنسانا حقا"، لذلك لا تفصل الكنيسة ولا تُقيم، بأولى حجة، تَضادّاً بين الواقع البشري وسر الخلاص. ففي قلب كل أوجه الحياة البشرية – وبضمنها الحب والجنس- يتحقق الخلاص وتأليه أبناء الله. وإذا كانت حياة الرجال والنساء- وبضمنها الحب والجنس- قد تشوّهت بفضل الخطيئة، إلاّ أنها مدعوّة، بالمسيح، إلى الاهتداء وتجديد العلاقة معه والنمو في نعمته عبر الأسرار.

لكن القراءة المسيحية للنشيد تُشدِّد أيضاً على أنه نشيد الحبّ بين المسيح والنفس التقيّة. فالنفس التقية هي العروس، والرب يسوع هو العريس. ومن غير المستغرب هنا أن يكون سفر النشيد هو الكتاب الذي قرأه أكبر عدد من الرجال والنساء غير المتزوجين في الأديرة والبيوت الرهبانية: لقد تمّ تطبيق القراءة الرمزية على علاقة المسيح مع كل راهب أو راهبة. فالنشيد إنما يُشيد بالحياة الروحية، بارتفاعاتها وهبوطاتها، التي يعيشها أولئك الذين كان لهم المسيحُ الحبَّ الأول، لا بل الحب الوحيد، بانتظار رؤية وجهه والاتحاد به كُلّياً في الملكوت.

هكذا، فالقراءة المسيحية للنشيد لا تتوقف فقط على مستوى التكامل الجنسي ومستوى حياة الزوج مع زوجته واهتماماتهم الجسدية. إن القراءة المسيحية ترفعنا إلى مستوى الروح، إلى مستوى حبّ المسيح للكنيسة، إلى مستوى حب المسيح للنفوس المؤمنة، فنستطيع أن نقرأ هذا الكتاب ونتغذّى منه من أجل حياتنا الروحيّة والكنسيّة، لذلك وحدها النفوس التي يملؤها الروح تستطيع الولوج إليه والاستقاء من غناه.

إن نشيد الأناشيد هو كتيّب مهمّ جداً لأنه يربط العهد القديم بالعهد الجديد، ويربط الإله الخالق بالإله المحبّ، ويربط شعب التوراة بكنيسة المسيح، ويجعل كل النفوس المؤمنة على مستوى الروح الذي يُدخِلنا في تيّار الحبّ، حبّ الآب والابن، حبّ الله والعالم، حبّ المسيح ونفوس المؤمنين. لهذا، فالقراءة المسيحية لهذا الكتاب تحاول أن تَلِج إلى قلب الله الذي هو حبّ وعطف وحنان، والذي يريد أن يأتي إلينا ويجعل منّا مسكناً له.

 

هـ – نشيد الأناشيد في تاريخية تحليله وتفسيره

1- طبيعة النشيد وتكوينه

لقد خضع نشيد الأناشيد عبر الزمن لدراسات نقدية متعدّدة من خلال كثير من الباحثين والعلماء البيبليين، وفيما يخصّ تكوين النشيد وطبيعته، يقول فريق أنّ النشيدَ محبوكٌ بعناية، وهناك تطوّر وتوتّر في سياق قراءته ليجعل منه مؤلفاً درامياً. وفريق آخر لا يرى في النشيد إلاّ حركة تكرار ومراوحة، ويعتبره مختارات من أغاني الأعراس المجموعة والمُدْرَجة في مجلد واحد.

والحقيقة أنه لا يمكن أن يُعتبر السِفْر حبكة روائية حقيقية، إنما نحن أمام سلسلة من القصائد، تعيد كل واحدة منها اجتياز الطريق نفسه بوجه من الوجوه، لكنها ترسم في الوقت المحدد بعض التقدم نحو الأمام في اتجاه الامتلاك المتبادل، وفي اتجاه المستقبل الذي بات ممكنا الوصول إليه.

من ناحية أخرى، يُجمِع الباحثون أنّ النشيد دُوِّن في فترة ما بعد الجلاء حوالي نهاية القرن الخامس، لكن له تاريخ طويل في عمق الزمن.

لكن هناك فريق يربط النشيد بالعالم الوثني والثقافات المجاورة لإسرائيل – مصر وبلاد الرافدين – والتي كان له معها علاقة، فيأخذ هنا النشيد طابع التغنّي بجمال الحب البشري حيثما اختبره رجل وامرأة، أو طابعاً طقسياً مرتبطاً باحتفالات الحب والزواج بين الآلهة (تموز وعشتار). وفريق آخر يجعل النشيد في قلب العالم اليهودي، في المجال الخاص بإسرائيل والكتاب المقدس، فيكون بذلك وثيقة تتحدث عن المؤسسة العائلية في إسرائيل والتي ترقى إلى حقبة قديمة.

انطلاقاً من هذه الاعتبارات ينقسم المفسِّرون إلى فريقيْن فريق يُعلِن أن النشيد يتناول فقط موضوع الحب البشري وقراءته هي قراءة حرفية؛ وفريق آخر يعتبر أن معنى النشيد الحقيقي لا يمكن إلاّ أن يكون روحياً وأنّ قراءته هي قراءة تمثيلية محضة، واستخدام موضوع الحبيب والحبيبة هو فقط ليوحي بقصة العهد بين الله وشعبه.

هذا التباين أدّى بدوره إلى تمييز رأيين يخصّان انتماء النص الأدبي. فمنهم فريق أول يبرهن أن النص ينتمي إلى التقليد النبوي، أي إلى الخط الذي افتتحه هوشع واصفاً بتعبير الأعراس علاقة الله بإسرائيل، وتابَعَه بعده إرميا وحزقيال وأشعيا الثاني. فَيَهْوه هو العريس، وإسرائيل هي العروس، والموضوع هو تاريخ العلاقات بين الله وشعبه، وبذلك تغدو خلفية النشيد اختبار إسرائيل في بابل ثم تحرّره وعودته. هكذا يبدو النشيد بِمُجمله صدى واسعاً لأقوال ومواضيع نبوية سابقة، يستمد منها تماسكه الوثيق مثل: الكرم والشجرة والندى والعريس الذي هو تارة راعيٍ وتارة ملك، وموضوع التيقظ المرتبط بأقوال صهيون…وفي هذا الإطار يكشف النشيد عن ذاته أنه رواية درامية تندرج من نشيد إلى نشيد وتُخبِر قصة حب الله وشعبه، وتتطلّع نحو استيقاظ الأُمة. فيظهر هنا النشيد كأنه مدراش تمثيلي يواصل نصوص الأعراس الواردة في الأدب النبوي منذ هوشع، ويقودها إلى لحظة تحقيق العهد وكمال الحب المتمثّل في الرجاء المتجدِّد في الزمن الذي تلا الجلاء، حيث "سيعرف إسرائيل الله يوماً وسيحبه حباً في ملء الحق" كما يُعلِن ذلك (هو2/18-25) وإرميا (إر31/32-34).

إنه من الروعة أن يكون هذا السفر مُنشَغِلاً جداً بتاريخ إسرائيل الروحي وفي نفس الوقت مُصِرّاً بذكاء على جعلنا نعتقد بأنه لا يهتم إلاّ بقصةِ رجل وامرأة يحبان أحدهما الآخر حباً بشرياً وحسب.

أما الفريق الآخر فيعتبر أن النشيد ينتمي إلى عالم التقليد الحِكَمي, ويرفض أي تفسير تمثيلي له (تيودورس المصيصي). فالنشيد يسبَح في جوٍ من الحب الوفي بينما يتميّز التقليد النبوي باختبار عدم الأمانة في الحب. والنشيد تغنٍ بالحب البشري يوازي ما جاء في موضوع الحب الزوجي في الأسفار الحكمية، خصوصاً عند ابن سيراخ. إنه قصيدة حب تحوّلتْ إلى مؤلَّف حِكَمي في الكتاب المقدس. وإذا كان النص يتحدث عمّا يدل عليه بوضوح شديد فيعلن جودة الحب البشري وجماله، فإنه في الوقت نفسه ينزع عن هذا الحب الصُبغة الوثنية التي كانت تُضْفي طابعاً جنسياً على ما هو إلهي وطابعاً قُدْسياً على الهوى، ويتكلم عن الحب الصريح والمتبادَل مُدْخِلاً أهدافاً تربوية عليه: ففي مجتمع ينتشر فيه تعدّدُ الزوجات يؤكد النشيد على حب واحد وحصري، وأمام الطلاق الذي كان شائعاً يُشيد بالحب الذي هو قوي كالموت، وأمام عدم تساوي دوريْ الرجل والمرأة يُظهِر النشيد تساوياً تاماً، فيُحرّر الحب، الذي ينظر إليه نظرة كلّية تشمل التعبير الجسدي، من طابعه الأسطوري الوثني، أي من النزعة الطبيعية التي لا حشمة فيها ولا إنسانية، والتي تعطي للعلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة بُعْدَ العلاقة الزواجية بين الآلهة من أجل الخصب.

وإذا عُدنا إلى التقليد النبوي فإننا نراه يعتبر أن هناك علاقة زوجية جديدة حلّت مكان علاقة الزواج الإلهي، وهي العهد بين الله وشعبه والذي من خلاله يتدخّل يَهْوَه في تاريخ شعبه وتاريخ العالم، وهذا العهد يهدف إلى صنع التاريخ. إن هذا الكلام يُعيد للعلاقة بين الرجل والمرأة دورها الأساسي، وبكلامه عن خالق التاريخ، يدعو الخليقة لأن تعيش في قلب ذلك التاريخ وبهذا يبدو النشيد تفسيراً للفصل الثاني من سفر التكوين.

والخلاصة إن نشيد الأناشيد يتضمّن بِمُجْمله أقوالاً نبوية وأقوالاً حِكَمية، وفي كثير من القصائد هناك عناصر بعيدة جداً عن اهتمامات العهد، وبالتالي فالكتاب ليس من عمل مُؤلِّفٍ واحد بل هو تحرير لنصوص ترقى في جزء منها إلى ماض بعيد وفي جزئها الآخر إلى العصر الذي يقارب تحريرها وتدوينها وذلك بدون أن يكون هناك أي تنافر أو تناقض بينها. إنه شبيه بنهر يستمد منبعه من أرض بعيدة وغريبة، ثم يتّخذ عبر مجراه الطويل مكانه وشخصيته الخاصة. وإنه شبيه بقطعة موسيقية سيمفونية متعددة الأصوات ترتسم على عدة مُدرّجات وتُعزف على عدة أوتار من المعاني، لكنها تطرح موضوعاً رئيسياً هو تاريخ إسرائيل والوحي مع كل مراحله التي تقود هذا التاريخ وتجذبه نحو نهايته.

وإذا أردنا أن نفهم ذلك علينا أن نتصوّر أنّ هذا النشيد كان في البداية نصاً يشبه تقليد أغاني الحب على الطريقة المصرية، ثم رُبط في إحدى مراحل انتقاله بالتقليد النبوي خصوصاً في القرن الخامس، حيث يعود القسم الأساسي من النشيد وحيث يبلغ التأمل النبوي في الوحي ذروته.

في هذا التأمل النبوي تبرز صورة أنثوية مُدهِشة وخفية: فالحديث، عند أشعيا وبعد هوشع، عن الله عريس الشعب يؤدي إلى صورة غير مألوفة عند إسرائيل هي صورة صهيون المقدسة التي تلد أمة في يوم واحد (أش66/8)، وهنا نرى إسرائيل العروس ترتدي سمواً وقداسة جديدين يبعدان ذكريات الخيانة إلى ماضٍ بعيد. ولا غرابة أن نجد في نصوص ما بعد الجلاء دوراً نسائياً إيجابياً مشاركاً بوجه سري في الدفاع عن إسرائيل وفي مستقبله والخلاص الآتي مثل راعوت وأستير ويهوديت.

هناك نقطة أخرى هامة في التقليد النبوي, وهي صورة سليمان الذي يُنسَب إليه النشيد، فالتأمل في هذه الصورة المثالية هو توسّع في التفكير الحِكَمي المتعلق بالعهد المشيحاني المنتظَر، وبالتالي يكون الحبيب في النشيد ذلك الملك المشيح الذي تنتظره بنت صهيون والذي تنبّأت به صورة سليمان الذي يصفه سفر الأحبار بأنه المؤتمن على حكمة الله (2أخ1/1-12). كل هذا يؤدي بنا إلى أن نرى أن يهوه يبقى هو عريس إسرائيل الوحيد، ولا نجد غموضاً عندما يحل الملك المشيح مكان يهوه في النشيد الذي يُعتَبر في هذه الحالة وحي مسبق عن العهد المسيحاني الآتي، وصورة مسبقة عن ذلك السر الذي سينكشف مع يسوع المسيح ابن الله العريس الوحيد للكنيسة عروسته، الذي معه سيكون هناك عهد جديد وأزمنة جديدة، إحدى علاماته عهد الرجل والمرأة اللذين يعيشان فيه الإتحاد الذي أراده الله في البدء.

إنّ النشيد هو نوعٌ من الكلمة الشاملة التي تشير إلى سر الخلاص، حتى ولو اعتراه شيء من الغموض – وهذا طبيعي لأنه من ميزات سر الخلاص – وهو في كلامه عن اتحاد الرجل والمرأة يتحدث عن اتحاد البشرية والله جامعاً البداية بالنهاية، سائراً في اتجاه أسرار الخلق والتاريخ.

 

2- تفسير نشيد الأناشيد

انطلاقاً من نشيد الأناشيد كُتِبت نصوصٌ تعتمد القراءة التمثيلية وهي من أجمل ما كُتِب في الأدب الروحي المسيحي: تفسير أوريجانوس النموذجي والرائع في القرن الثالث، وتبعه غريغوريوس النيصي، ثم القديس برناردوس التي تتّسم مواعظه بالروحانية والعبقرية في القرن الثاني عشر، ثم النشيد الروحي للقديس يوحنا الصليب والذي هو تحفة التصوف المسيحي، ويوحنا السالسي وتريزا الأفيلية وغيرهم. هكذا نرى أنه لم يتجاسر أن يُفسِّر هذا الكتيّبَ الذي يتضمن نشيد حبّ الله لشعبه وحبّ الشعب لربّه إلاّ النفوسُ المشُبَعة بالحبّ الإلهي.

إن القراءة التمثيلية تقوم، كما رأينا سابقاً، على إعادة تفسير روحي فوري لدوريْ الحبيب والحبيبة، يتخطّى المعنى المادي والحرفي للنص إلى المعنى المجازي. هكذا من خلال كلمات الحبيبين في النشيد، نسمع الحوار القائم بين إسرائيل ويهوه، أو بين المسيح والكنيسة، أو بين المسيح والنفس الفردية. وقد شاعت هذه القراءة عند آباء الكنيسة في مدرسة الإسكندرية (اقليمنضس الاسكندري وأوريجانوس) ولاقت استنكاراً من مدرسة أنطاكية المعاصرة لها (تيودورس المصيصي ويوحنا فم الذهب) والتي كانت تهتم بحرفية النص ومعطياته التاريخية.

لقد أتت القراءة التمثيلية المسيحية للنشيد صدى للقراءة اليهودية ل "شير ها شيريم" والتي كانت تقرأ النص على أساس اقتناع لاهوتي ثابت، وهو أن الكتاب المقدس واحد، والتاريخ المقدس ينتمي إلى قصد واحد حيث تتجاوب الأحداث ويُمهِّد بعضُها لبعض ويُخاطب بعضُها بعضاً بوجه خفي، وبالتالي فَمَن يقرأ النشيد عليه أن يسير في داخل السر, ويتعرف على التخطيط الإلهي الذي يتجلّى شيئاً فشيئاً لبصيرة الإيمان.

لقد اعتبر التقليد اليهودي النشيد رمزاً تمثيلياً للمحبة التي يكنُّها الله لإسرائيل، والترجوم يعتبر أنّ النشيد يرسم مجمل تاريخ إسرائيل بطريقة رمزية، من موسى إلى عصر التلمود مروراً بالخروج من مصر وإعطاء الشريعة وبناء الهيكل وتدشينه، والجلاء والعودة وانتظار الملك المشيح. والمدراش يسير أيضاً على هذا النحو، فيعتبر مثلاً أن الفصح يشرح بإسهاب في نش 2/8-9 : "صوت حبيبي. هوذا مقبل وهو يطفر على الجبال ويقفز على التلال". هذا الحبيب هو تارة الله نفسه، وتارة موسى، وتارة المشيح الذي موسى هو صورة له، لأن عيد الفصح اتخذ تفسيراً أخيرياً ومشيحياً.

لكن النشيد يأخذ دوره أيضاً في قلب التقليد التصوّفي اليهودي منذ القرون الأولى، وخصوصاً في الحركة القبلانية التصوفية المتأثرة ب الزُهَر والذي اكتشف سفره (كتاب البهاء) على يد قابل اسباني في القرن الثالث عشر، وللنشيد فيه قيمة وإكرام كبيران حيث يعلن الزهر: "إن نشيد الأناشيد هو خلاصة الكتاب المقدس كله، وعمل الخلق كله، وخُلاصة سر الآباء…".

انطلاقاً من هذه الشهادة الإيمانية التي تعلن أن المسيح هو تحقيق لرجاء إسرائيل, ترى الكنيسة أن نصّ نشيد الأناشيد يعنيها بالدرجة الأولى، فالحبيب هو هنا المسيح والحبيبة تصبح صورة الكنيسة تارة في كيانها الجماعي، وتارة بوجهها الفردي. هكذا قرأت الكنيسة النشيد على أنه كلمة تختص في قلب الاختبار المسيحي، وفسره الآباء في هذا الإطار الروحي، ولنأخذ بعض الأمثلة:

*      أوريجانوس في تفسير نش1/1 "ليُقبِّلْني بِقُبَلِ فمه" يقول إنّ هذا هو تنهُّدِ الحبيبة، شعب الله، التي عرفت الله على مدى تاريخ إسرائيل، ولكن دائماً من خلال تأملات تحجب صورته، ويضيف: "إلى متى يرسل إلي عريسي قُبْله عن يد موسى، وعن يد الأنبياء. إنها شفاه العروس نفسها التي أرغب أن أصل إليها. فَلْيأتِ هو نفسه ولْينزِل هو نفسه" (مواعظ في النشيد 1، 2، عدد 37 مكرر).

هذا الموضوع أيضاً تناوله في نفس الخط التفسيري القديس برناردوس والقديس يوحنا الصليب فرأيا في نفسيهما نفس الرغبة التي شعر بها إسرائيل تجاه العروس. من هنا نرى أن الحوار في النشيد يصبح كلمة الأزمنة الأخيرة كما أورده مار بولس في افتتاح رسالته إلى العبرانيين: "إن الله، بعدما كلّم آباءنا مرات كثيرة بلسان الأنبياء كلاماً مختلف الوسائل، كلّمنا في هذه الأيام الأخيرة بالابن الذي جعله وارثاً لكل شيء" (عب1/1).

*      هيبوليطس (القرن الثالث) في مواعظه التي تعتبر أقدم تفسير للنص يُفسِّر نش 2/8 "صوت حبيبي. هوذا مُقْبِلٌ وهو يطفر على الجبال ويقفز على التلال. حبيبي يشبه ظبياً أو شادِن أيّلة"، فيقول: "قفز الكلمة من السماء إلى جسد العذراء. ومن الحشا المقدّس، قفز إلى الخشبة، ومن الخشبة إلى مثوى الأموات. ومن هناك إلى جسد البشرية على الأرض. آه! إنها قيامة جديدة. ثمّ ما لبث أن قفز من الأرض إلى السماء. وهناك جلس عن يمين الآب، وسيأتي ثانيةً في قفزة على الأرض من أجل الخلاص النهائيّ".

*      أغسطينس الذي رأى أنّ إسرائيل يُسمى في الكتاب المقدس "شعباً" و "كرماً" و"قطيعاً" يرعاه الله، رأى في النشيد أن كلمة عروس هي الأجمل وهي التي تناسب الكنيسة، إسرائيل الجديد، ويقول: "أنتم تعرفون العريس، إنّه يسوع المسيح. أنتم تعرفون العروس، إنّها الكنيسة، فأكرموا العروس كما تُكرِمون عريسها، لتكونوا أبناءَها" (العظة 90)

في هذا الإطار تأمّلَ آباء الكنيسة في الغنى المعنوي الروحي الذي وصف به مار بولس الكنيسة بأنها جسد المسيح، مُطبِّقاً تلك العلاقة المقدسة على علاقة الزوج بالزوجة (أف5/25-27). وهنا القديس برنردوس يفهم التجسد على أنه سر زواج فيقول في عظة الميلاد: "إنّ الكنيسة، التي ينعشها شعور العريس إلهها وروحه، تريح حبيبها على حضنها، في حين أنّها تحتل للأبد المرتبة الأولى في قلبه وتحتفظ بها. ذلك بأنّها جرحت قلب عريسها. وأدخلت عين التأمّل حتى عمق أعماق الأسرار الإلهيّة. هو وهي يجعل كلٌّ منها مسكنه الأبديّ في الآخر".

*      القديس غريغوريوس النيصيّ يفسر نش 1/5 "أنا سوداء لكنني جميلة يا بنات أورشليم" على أنها العبارة المُفضَّلة للتعبير عن هُويّة الكنيسة الغريبة، فالكنيسة الحبيبة مؤلفة من معمدين خاطئين يدعوهم الله من الظلمة إلى النور طوال حياتهم وطوال التاريخ، فهي مقدسة وخاطئة في نفس الوقت، والعريس يحبها رغم خطيئتها، يحبها بهدف تحويل بشاعتها إلى جمال سام: "لا تتعجّبوا من أنّ عريسي قد أحبّني حين كنتُ سوداء بفعل خطيئتي وأشبه بالظلمات بأعمالي. لأنّه جعلني جميلة بحبّه مُستبدِلاً جمالَه بتشويهي. وقد نقل إلى نفسه وَصْمة خطاياي فوهبني نقاوته، وإذ جعلني مُشارِكةً في جماله" ويتابع غريغوريوس أنّ في ذروة هذه المعجزة تبرز الكنيسة في نش 3/6 والتي يثير جمالها إعجاب واندهاش الحبيب: "0 مَن هذه الطالعة من البريّة كأعمدة من دُخَان معطّر بالمرّ والبخور وبجميع مساحيق التجار؟".

*      والقديس أغسطينس في تعليقه على المزمور 103 يقول في نفس الموضوع أن نعمة الرب بيّضت وأنارت الكنيسة بالتوافق مع قول بولس" بالأمس كنتم ظلاماً، أما اليوم فأنتم نور في الرب (أف5/8): "أنت جميلة أيتها الكنيسة فقد قيل لك في نشيد الأناشيد: "أيتها الجميلة في النساء" (نش5/9)، وأيضاً "من هذه الطالعة مُبيَّضة" (نش8/9). إنها مُبيَّضة بالنور الذي يغمرها، لأنها ليست بيضاء من تلقاء نفسها… مَن هذه الطالعة مبيَّضة ومنيرة وبريئة من الدنس والتغضُّن (أف 5/ 28). أليست تلك التي كانت غارقة في مَوحِل المظالم؟ أليست تلك التي كانت تزني مع الأصنام؟ أليست تلك التي كانت مستسلمة لكلّ الأهواء الفاسدة وكلّ شهوات الجسد؟ مَن هي إذاً هذه الطالعة مبيَّضة؟"

لقد أخذ النشيد في القرون الأولى وانطلاقاً من هذا المفهوم دوراً في تفسير حياة الأسرار في الكنيسة، فالكنيسة بأسرها، من أوضع الناس إلى أرفعهم، مدعوة إلى أن ترى نفسها في حبيبة النشيد، وكل عضو فيها مدعو أن يرى في نفسه عروس المسيح التي تُوجَّه إليه كلماتُ الحبيب، وأن يتحلّى باستعدادات قلب العروس ليستطيع بالتالي أن يقول هو أيضاً كلمات الحبيبة. لأنّ الحياة المسيحية نفسها يُنظرَ إليها كأنها حقيقة زواجية، والأسرار تُحقِّق خصوصاً هذا الاتحاد الذي يتحدث عنه النشيد. القديس أمبروسيوس يُفسِّر سر التثبيت فيقول: "كما أنّ الروح القدس في قلبك، كذلك المسيح في قلبك أيضاً. كيف؟ إنّك تجد ذلك في نشيد الأناشيد: اجعلني كخاتمٍ على قلبك، كخاتمٍ على ذراعك" (في الأسرار 6/6).

 

3- النشيد في التقليد الآبائي

I. مكانة النشيد وسموّه في الكتاب المقدس :

أوريجنوس يشجع على قراءة النشيد يقوله: "اسمع كلمات نشيد الأناشيد وأسرع في الدخول إليه، مردّداً مع العروس ما قالته العروس، لتستطيع أن تسمع ما سمعته العروس نفسها" (مواعظ في نشيد الأناشيد1/1)

غريغوريوس الكبير يقول إنّ الدخول في النشيد لا يتم إلا بشرط هو المفهوم الصحيح للمحبة والذي يطابق بينه وبين حُلّة العرس اللائقة: "علينا أن نأتي إلى ذلك العرس المقدّس، إلى زفاف العريس والعروس، مع أعمق مفهوم للمحبّة وبكلام آخر، أن نأتي إليه مع لباس العرس. وهذا ضروريّ: فإذا لم نلبس لباس العرس- أي مفهوم صحيح للمحبّة- سنُطرد من وليمة العرس إلى الظلمات البرانيّة، أي إلى عمى الجهل (4/6- 10).

غريغوريوس النيصيّ يتكلم أيضاً عن نفس الموضوع ويقول: "أنتم الذين، بناءً على نصيحة بولس، خلعتم الإنسان القديم مع أعماله وشهواته، كما تخلعون ثوباً بالياً، ولبستم، بنقاوة حياتكم، الثياب الباهرة التي أظهرها الربّ يوم تجلّيه على الجبل، أو بالأحرى لبستم سيّدنا يسوع المسيح نفسه، مع قميصه المقدّس، وتجليّتم معه لتصبحوا متحرِّرين من الأهواء وإلهيّين، تعلّموا أسرار نشيد الأناشيد. أُدخلوا إلى الخِدْر الذي لا يُفسد، لابسين اللباس الأبيض، لباس الأفكار النقيّة التي لا عيب فيها؟ (العظة الأولى).

 

II. النشيد كمال الحب التصوفي والنسكي :

لقد كان لنشيد الأناشيد التأثير الكبير في عمق الحياة التصوفية المسيحية على مر تاريخ الكنيسة. فأوريجانوس يصف النشيد بأنه يتلاءم مع كمال الحياة الروحية، في آخر درجات مسيرة النفس إلى الله. ويُشبِّه أوريجانوس الحياة المسيحية بأنها ارتقاء يحاول من مرحلة إلى مرحلة أن ينمو في علاقة حميمة مع الله. لقد شبه أوريجانوس هذا النمو بسبع مراحل أو درجات سُلَّم يصل الأرض بالسماء، ولكل مرحلة أو درجة نشيد من الكتاب المقدس يرافق سبع مراحل من حياة إسرائيل إبتداءً من نشيد موسى (خر15) إلى نشيد داود (1أخ 16) وإنتهاءً بنشيد الأناشيد. وكما تجد أيام الأسبوع الستة راحتها في السبت، هكذا يكون نشيد الأناشيد بمثابة اليوم السابع وذروة الأناشيد كلها. من هنا يحُدِّد أوريجانوس ويُوضِّح، وهو أول من شدَّد على ذلك، أنّ عملية فهم النشيد وفقاً لمعناه الإلهي يفترض أن يكون المرء قد تقدم بما فيه الكفاية بمعرفة الله: "فمَن كان غريباً عن معرفة الله لن يرى فيه سوى تعبير عن حبِّ بشريّ قد تكون عباراته الملتهبة نفسها حجر عَثَرة في إطار الوحي الكتابيّ. وقد يرى فيه دعوة إلى التمتّع يخشى أن تجعل من النشيد، في نظره، نصّاً مُضِرّاً وفي المقابل، يُمكن للقارئ "الروحي" أن يرى في الكلمات نفسها تجلّياً لأعظم حبّ ودخولاً في سرّ قلب الله. وأكثر من ذلك، سيرى هذا الإنسان نفسُه أنّ معنى النصّ يتجدّد بقدر ما يتعمّق فيه اختبارُ الله، لأنّ "كُلَّ نَفْس تجذب كلمة الله وتُدخِله فيها وفقاً لقدرتها وإيمانها".

يتبع أوريجانوس في نفس الموضوع القديس برناردوس فيقول: "في نشيد العرس الذي هو نشيد الأناشيد، يبرز الحبّ من كل مكان. وإذا رغبنا في التوصّل إلى فهم ما نقرؤه فيه، فلا بدّ لنا من أن نحبّ. وإلاّ فإننا نسمع قصيدة الحبّ هذه أو نقرؤها عبثاً: من دون حبّ لا نتوصّل إلى شيء، والقلب البارد لا يمكنه أن يفهم شيئاً من كلمة النار هذه" (العظة 79/1 حول النشيد).

ويتوسّع غريغوريوس النيصيّ بطريقة مميزة في فكرة أوريجانس القائلة بأنّ النشيد يتناسب وأعلى درجة في الحياة الروحيّة, فيصف مفارقة الحياة الروحية حيث يستطيع الإنسان أن يتقدّم في معرفة الله، ولكن من دون أن يُلغى شيئاً من التعالي الإلهيّ. وخلافاً للفكرة اليونانية الشائعة بوجه عامّ في عصره، والقائلة بأنّ التغيير لا يمكنه أن يكون إلاّ تقهقراً وخسارة، أكّد أنّ الحياة الروحيّة نموّ وديناميّة وحركة. وبما أن الله لا يحدّه حدّ، فإنّ التماس وجه الله طريقٌ غير متناهٍ لا يولّد السير فيه أي تعب أو إعياء. وَوَصَف النفس التي يدفعها العريس إلى الأمام من وقت إلى آخر قائلاً لها: "قومي، تعالي"، وداعياً إياها باستمرار إلى الانتقال إلى مكان آخر. ولأنّ الكمال لا يعرف حدّاً، فهي تقدُّم مستمر، وتحوّل "من مجد إلى مجد"، كما يقول القدّيس بولس (2قور 3/18). فالمطلوب إذا، بحسب عبارة غريغوريوس الجميلة، أن "نذهب من بداية إلى بداية ببدايات لا نهاية لها أبداً".

والقديسة تريزا الأفيلية تؤكد أيضاً: "إنّ النشيد يرسم خطّاً، عند قرّائه، بين مَن لا يجدون فيه سوى ذريعة للضحك ومَن يدركون، لأنّهم يعيشونه، "ما يجري بين الله والنفس".

لقد كان أوريجانوس أول من قرأ في النشيد قصيدة عن اتحاد النفس بكلمة الله فكان ذلك مصدر إلهام أساسي للتصوف المسيحي الذي فيه يتطور مفهوم الحواس الروحية الذي يجعل من التصوفية معرفة اختبارية للأمور الإلهية. منذئذٍ، وشيئاً فشيئاً، أصبح نشيد الأناشيد ذلك النشيد المثاليّ الذي يتغنّى بإلفة الحبّ مع الله، والنصّ المفضَّل عند الذين "يلتمسون وجه الله". إنّه قصيدة الحياة المسيحيّة التي تُفهَم بمعناها الجذريّ كحياةٍ مطعَّمة في سرّ الله، ومهتمّة بالنموّ، برعاية الله، في إلفة حضوره. ومن بين جميع النصوص الكتابيّة، يظهر وكأنّه النصّ الذي يلبّي على أفضل وجه رغبة النفس في "أن تكون متّحدة بكلمة الله وأن تلج أسرار حكمته وعلمه كما لو أنّها تَلِج خِدْر العريس السماويّ"، على حدّ قول أوريجانيس أيضاً.

إن فُهِم النشيد على هذا النحو، بدا متلائماً بوجه طبيعيّ جداً مع الحياة النُسكيّة، بقدر ما هي التماس لوجه الله وتغنٍّ بمجده واستباق للتسبيح الأبديّ. فمن الصفحات الأولى من قانون القدّيس مبارك، حدَّد تلك الحياة بأنّها التماس الإنسان لوجه الله، وهو نفسه يبدأ بالبحث عن الإنسان. إنّها تلبية الحبّ بالحبّ. وسيناريو النشيد ينسجم مباشرةً مع هذا الوضع. وعلى كلّ حال، قرئ السفر وفسِّر بلا ملل في حصون الأديرة على مدى الأجيال، ولاسيّما في العصر الوسيط، وخلافاً لما قد نميل للاعتقاد به، نحن المعاصرين، فإن التفاسير النسكية للنشيد "تشهد على أدب طاهر وعلى بيئة وحب طاهرين أيضاً" (الحب كما رآه النساك في القرن الثاني عشر، ص68).

هكذا فقد أضحى النشيد في قلب التصوف المسيحي لغة حقيقية يعرفها فقط "عشاق اسم الله"، مثال القديس برناردوس يوحنا الصليب وتريزا الأفيلية وتريز الطفل يسوع وغيرهم، لا بل يفهمونها ويتكلمونها، ويرون أنفسهم في كلمات النشيد، كما ترى الكنيسة نفسها في الحبيبة العروس التي خلصها المسيح بحبه وجعلها قادرة هي أيضاً على أن تحب حباً تاماً.

 

4- النشيد والنظرة التفسيرية المعاصرة

لا شكّ أنّ معنى النشيد المباشر، وهو معنى حوار غراميّ وإشادة متبادلة يحرّكان القلوب والأجساد، لم يُثر اهتمام القراءات الكنسيّة التمثيليّة المعروفة منذ القديم إلاّ قليلاً جدّا، إذ كان الهمّ الأوّل الإسراع في الابتعاد عن هذا المستوى من النص أو عدم ذكره إلاّ للتحذير من أخطاره.

هناك أبحاث أقرب إلى زمننا تدلّ على جودة الحب البشريّ الذي اشتبه به أو حطّ من قدره – لا الكتاب المقدّس- بل أجيال مسيحيّة باردة. وغالباً ما تضيف تلك الأبحاث أنّ التعبير المتهلِّل والشهوانيّ الذي يصف به النشيد هذا الحب ليس هو رسالة أقلّ أهميّة من المعنى الذي أضفته القراءة التمثيلية على القصيدة.

"خلق الله الإنسان على صورته، على صورة الله خلقه، ذكراً وأنثى خلقهم". على هذه الكلمات الافتتاحية وحدها، إذ إنّها وردت في الفصل الأوّل من سفر التكوين، أن تنبذ جميع أنواع التزمت وجميع أنواع ترويض النفس غير المفهومة كما يجب. وتأتي بقيّةُُ النصّ، في الفصل الثاني بإثبات، حين ترينا آدم يُعجب باكتشاف مَن دعاها "عظماً من عظامي ولحماً من لحمي". ويختتم النشيد تلك الرؤيا الكتابيّة بإظهار رجل وامرأة يحبّ أحدهما الآخر، في جو من المساواة والحريّة، الواحد إزاء الآخر، الواحد في سبيل الآخر، حبّاً يكون فيه الجسديّ روحيّاً والروحيّ جسديّاً. تلك هي الرسالة، البسيطة والثمينة إلى أبعد حدّ، التي يتضمَّنها هذا السفر الكتابيّ الذي كان موضوع جدال شديد.

من هنا نرى أن قراءة النشيد في عالم اليوم هي قراءة تجمع هذين العالمين اللذين يبدوان مختلفين وغريبين الواحد عن الآخر: عالم الحب البشري وعالم العهد كما اختبره إسرائيل والكنيسة. لقد وجدت الكنيسة في النشيد، على مر التاريخ وما زالت، تعبيراً عن أعمق ما تعيشه في صلتها بالله، لكن في الوقت نفسه هناك نظرة جديدة إيجابية لكلمات النشيد بحرفيتها كما كُتِبت، تستنير بفعل الخلق وتُنصِف هذه القصيدة وتحُرِّرها من التفسير الخاطىء.

ففي عالم الكتاب المقدس حيث يخرج الإنسان من يدي الله، ليس هناك حقيقة طبيعية غريبة عن الرِهانات الروحية. والحديث عن جودة الحب، في نظامه، والمتحرر من وسواس رتب الخِصْب الوثنية، هو طريقة للحديث عن الله، وأيضاً عن الرجل والمرأة، وفقاً للكتاب المقدس، وهو عمل لاهوتي عظيم.

هُناك إذاً عدّة مستويات من المعاني تشقّ طريقها في أيامنا أيضاً. وبدل أن يُرفع المعنى البشري في وجه المعنى الإلهيّ ويتضادّ المعنيان، يذكَّر بأنّهما جُعِلا ليردّدا الصوت معاً وليتآلفا، لأنّ ما هو بشريّ وما هو إلهيّ في الكتاب المقدّس ينسجمان من بداية الوحي إلى نهايته. ويذكَّر أيضاً غالباً بأنّ المفاهيم اللاهوتيّة تستمد قوّتها وغناها من كونها تستند إلى حقائق أنتروبولوجيّة نختبرها عموماً. والوحي الكتابيّ كلُّه مبنيّ على هذا المبدأ. والتقليد المسيحيّ هو، ولا شكّ، تقليد التجسد! وفي ما يختصّ بالحبّ فعلى مستوى أعلى أيضاً من مستوى ما يختصّ بسائر الأمور. إنّ الله يتجلّى لإسرائيل متّخذاً العلاقة الزوجية كنموذج و مرجع مفضَّلين، على رغم تزوير الحبّ والجراح التي تؤثِّر في هذا الواقع وتشوِّهه.

هناك اليوم إذا حديث عن تعدد المعاني في النشيد وعن الفهم المزدوج والمدى المزدوج حيث يعبر النشيد عن الحب البشري بين الرجل والمرأة لكن بلغة تستعيد لغة الحب الإلهي، لغة العهد الداودي والمشيحي. من هنا تأتي صحة الاستماع المزدوج للنشيد، وهذا الاستماع المزدوج الذي كان مألوفاً عند حكماء إسرائيل، يزيل عن النص تهمة الانعزال. إنه نشيد يتأصل الرمز فيه في الواقع فيجعل منه مثلاً رائعاً مزدوج المعنى، كل حقيقة فيه تسلط الضوء على الأخرى وتتعمق فيها. إن قوة النشيد تكمن في أنها تجمع بين هذين المَدَيَيْن، وبنفس الكلمات المتوازنة يعبر عن حقيقة العلاقة بين الرجل والمرأة، وحقيقة العلاقة بين الله والشعب الذي أعاد الله خلقه على وفق قلبه.

إن حب الرجل والمرأة في جمال كيانهما الأصلي، قد شوشته وشوهته الخطيئة فأضحى ممتزجاً بالعنف والإغواء، وهو مثال الأمور البشرية التي تحتاج إلى خلاص يعيد خلقها وصنعها وفقاً لاستقامتها الأصلية. هذا الخلاص هو العهد الذي عاشه إسرائيل وتجلى بملئه في المسيح، وهو الجواب على كل سؤال يخص موضوع الحب الحقيقي التي تشارك في جودته الأجساد والقلوب على السواء.

فليس إذاً من غير الجائز أن نقرأ في النشيد، مع التقليد، نشيد العهد الذي ينشده المسيح والكنيسة، كما أنّه ليس أيضاً من غير الجائز أن نرى فيه نشيد حبٍّ بشريّ يستمد من النشيد الأوّل جودته وجماله الأصليين والجديدين في وقت واحد. وأكثر من ذلك، يُنصَح حتّى أن يُقرأ النشيدان معاً! لأن الاستماع إلى صوت النشيد الخاصّ يقوم على الشعور بتعدّد الأصوات هذا. وفي ذلك تبرير جديد لاستعمال العنوان في صيغة التفضيل. فيصبح المعنى الحرفي ذلك المعنى المكثّف الكامل المُشبع، لأنّ فيه تتم خلاصة ما هو بشري وما هو إلهيّ، تماماً كما يلتقي الناسوتُ واللاهوت في المسيح ليكشفا معاً عن الآب وعن الإنسان. ونلاحظ أنّ التشابك بين الحبيّن، الإلهي والبشري، كما بين العهدين، الإلهي والبشري، هو من معطيات الكتاب المقدس الأساسية، وهذا واضح في الأسفار النبويّة، ولكن ذلك يتحقّق أيضاً على مستوى النص بمجمله.

إن النشيد موضوع في الواقع على مسار كبير ينطلق من التكوين إلى الرؤيا. وهو يُشبه فيه رأساً عالياً يُطلّ منه النظر، في وقت واحد، على بدايات العالم، والرجل والمرأة، ويستطيع منه أن يبلغ النهاية، حيث تصوّر الرؤيا مدينة أورشليم، "مثلَ عروسٍ مزيَّنةٍ لعريسها". ومن بداية السفر إلى نهايته، تمتدّ حركة أخذ وردّ بين الرجل والمرأة من جهة، والله وإسرائيل، والمسيح والكنيسة من جهة أخرى. أمّا نقطة الوصول فهي، ولا شكّ، نص الرسالة إلى أهل أفسس 5/32 حيث بلغ بولس بالمقارنة إلى حد إعلانه أن هناك "سرّاً عظيماً"، أي حقيقة تتعلّق بمخطّط الله الأزليّ، على التاريخ البشري وفيه.

إنّ القرّاء العصريّين أصبحوا، ولا شكّ، شديدي التأثر ببُعد أنتروبولوجي تجاهله الأسلاف، أو حجبه تفسير كنسيّ، فرديّ أو جماعيّ، متسرّع. ولا شكّ أنّها فرصة لزماننا الحاضر بأن نعرف كيف ننصف هذا المظهر على وجه أفضل، وبأن ندرك إدراكاً أفضل أنّنا لا نتجاهل ما هو إلهيّ حين نتوقّّف عند ما هو بشريّ. وهذا الإحساس الجديد هو ربح. فهو يمكّننا أن نتخطّى ضيق الأفق الذي ميّز في الماضي الصلة بالجسد وأبعد في الواقع عن الكتاب المقدّس. ونحن نعرف اليوم كيف نقرأ النشيد قراءة أفضل. فنتوقّف عند كلمات لنسمعَها فعليّاً ونكتشف أنّها تؤلف موقفاً لاهوتياً. وليست السرعة التي نبتعد بها عن المدى الجسديّ هي التي تجعل قراءة النشيد أكثر صبغة روحانيّة، بل بالأحرى الطريقة التي نكتشف بها، ونحن نسمع أناشيد الحبّ الساحرة التي ينشدها الحبيب والحبيبة، وحدة الحبّ وقدرته، ذلك الحبّ الذي يسند العالم ويوجّه التاريخ، باجتياز ظلمات الخيانات كلّها والإنهزامات كلّها".

 

خاتمة

لقد بدأ التقليد أولاً بقراءة الشيء الجوهريّ في نشيد الأناشيد، ورأى فيه نشيد حياة العماد والحوار الذي يكشف مَن هي الكنيسة ومن أيّ سرّ حبّ تُولَد وتحيا. وكان ذلك زمن القراءة التمثيلية، من دون أيّ مشاركة تقريباً: فإنّ معنى النصّ الحرفيّ، وقد فُهِم على أنّه المعنى الذي قصده الكاتب، كان مطابقاً لهذا التفسير. ثمّ جاء في العصر الحديث زمن آخر لم يشأ أن يقرأ، وبجدل كبير أحياناً، إلاّ نشيد الرجل والمرأة كما تحلم به البشريّة. فتطابق المعنى الحرفيّ مع المعنى الأنتروبولوجيّ. ثم قام زمن ثالث- قد يكون زمننا- بوضع خلاصة لهاتين القراءتين: فاعتبر أنّ النشيد يعبّر عن علاقة الحبّ القائمة بين الله وشعبه وبين المسيح والكنيسة، ويتيح لنا، في الوقت نفسه، أن نرى الرجل والمرأة ونُعجبَ بهما، إذ إنّهما أصبحا قادرين على إتمام إنسانيّتهما، الواحد في سبيل الآخر، والواحد بالآخر، في ابتهاج هادئ. ويكون معنى النشيد حركة أخذ وعطاء متبادلة بين هذين المَدَيَيْن، لأنّ بشرى الإنجيل تطال هاتين الحقيقتين الواحدة بالأُخرى.

ومهما يكن من أمر يبقى نشيد الأناشيد هو أغنية الكنيسة المفضلة، لأنه نشيد الحب الذي ينشده عريسها المسيح لها وتنشده هي العروس له وتربي أبناءها من رجال ونساء عليه. إنه تعبير عن أجمل وأصدق اتحاد في الحب، إتحاد دائم وأبدي وصادق، حب خاتمه هو على القلب، حب لا يشوب جماله عيب ولا يقوى عليه الموت.

عن موقع جمعية التعليم المسيحي بحلب