رحيل الأم إيمانويل راهبة الفقراء والمشردين في القاهرة والعالم 1908- 2008

شام برس

 

تشكل الحركة العالمية لمكافحة الفقر وخدمة الفقراء تجمعاً إنسانياً عابراً للقارات والأجناس والأعراق والأديان تبرز فيها أسماء أمثال الأم تيريزا التي أسست جمعية خيرية في كلكتا بالهند لخدمة الفقراء والمعوزين من مسلمين ومسيحيين وهندوس وانتشرت بعدها في العالم، والأب بيير نصير الفقراء والمشردين في فرنسا والشخصية الأقرب إلى قلوب الفرنسيين لمدة طويلة والمدافع عن الحقيقة وحرية الفكر في مواجهة الاضطهاد، ومحمد يونس من أندونيسيا الحائز على جائزة نوبل للسلام والذي أنشأ مؤسسة تقدم التمويل للمشاريع الصغيرة والتي ساعدت مئات الآلاف من الفقراء في البدء بمشاريعهم الخاصة التي تؤمن احتياجاتهم المادية والذي أعطى معنىً جديداً لمقولة الفيلسوف الصيني كونفوشيوس (أعطي رجلاً سمكة وستطعمه ليوم، علم الرجل الصيد وستطعمه مدى الحياة)، والأخت إيمانويل التي أمضت 32 عاماً في خدمة الفقراء في أشد أحياء القاهرة فقراً وهو "حي الزبالين"  في "عزبة النخل" وتعليم أبنائهم، والتي توفيت يوم 20-10-2008 عن قرن من العمر.

 

ولدت "مادلين سانكان" التي أصبحت فيما بعد الأخت مادلين في 16 تشرين الثاني عام 1908 في مدينة بروكسل عاصمة بلجيكا من أب فرنسي وأم بلجيكية، وكانت لوفاة والدها غرقاً وهي في السادسة من عمرها أثر كبير عليها، وعاشت بداية حياتها كشابة ميسورة عادية وورثت مصنعاً للنسيج وعاشت بين بروكسل وباريس حياة طبيعية قبل أن تقرر في 10 أيار 1931 وهي في الثالثة والعشرين أن تتخلى عن نمط حياتها الهانئ وتنضم لرهبانية السيد العذراء وتتخذ اسم الأخت إيمانويل.

 

عملت في تدريس الأدب الفرنسي في تركيا في مدرسة للطبقة الوسطى حيث كانت تصطحب تلميذاتها لإجراء تحقيقات اجتماعية في الأحياء الفقيرة ثم انتقلت إلى تونس ومن ثم إلى مصر البلد التي "أغرمت به من النظرة الأولى" حسبما قالت.

 

وفي العام 1971 حصلت على الأذن من رهبانيتها للعيش في القاهرة بين سكانها الأشد فقراً، واختارت العيش في "عزبة النخيل" على سفح جبل المقطم والذي كان حياً يتجمع فيه الفقراء الذي يعتاشون من جمع القمامة في القاهرة وخصصت كل طاقتها لبناء المدارس وروضات الأطفال والمستوصفات الطبية، وساهمت في تحويل حي الصفيح هذا إلى حي نظيف مؤلف من بيوت تصلح للسكن الآدمي.

 

أسست عام 1980 جمعية "أسماء" وهي جمعية علمانية إنسانية خيرية تهتم بمساعدة آلاف الأطفال الفقراء، وانضمت إليها فيما بعد جمعية "أصدقاء الأخت إيمانويل" ليصبح اسم الجمعية "أسماء – الأخت إيمانويل"، وتنشط هذه الجمعية في كل من مصر والسودان والسنغال وهايتي وبوركينا فاسو والبرازيل، وحصراً في أحيائها الفقيرة.

 

ورغم إعلان رغبتها أن تموت في القاهرة إلا أنها اضطرت إلى مغادرتها عام 1993 وهي في سن الـ 85 بناء على أمر من رهبنتها، واستقرت في دير في جنوب فرنسا حيث خصصت معظم وقتها للصلاة والتأمل وكذلك النضال من أجل المشردين والأشخاص الذين لا يملكون أوراقا قانونية، إلى جانب الأب بيير التي توصفه بالمعلم والصديق.

 

ورغم تقدمها في السن واضطرارها لاستخدام كرسي متحرك للتنقل في الفترة الأخيرة إلا أن الأخت إيمانويل لم توقف سعيها من أجل الأقل حظاً في العالم، فظلت تظهر على شاشات التلفزيون وتقابل قادة العالم دفاعاً عن حقوق الفقراء ولجمع الأموال من أجل بناء مساكن وقاعات ومدارس ومستوصفات للفقراء، وأصدرت في الحادي والعشرين من شهر آب الماضي كتابا بعنوان "عمري مائة سنة وأود أن أقول لكم"، وهو مجموعة من المقابلات تظهر فيها أنها رغم قرب بلوغها المائة من العمر لم تفقد شيئاً من حيويتها وجرأتها في التعبير.

 

وكانت سبق أن نشرت بعد عودتها من القاهرة عدة كتب منها "غنى الفقر" (2001) و"أسرار الحياة" (2000) و"يلا يا شباب" (1997)، و"السماء هي الآخرون" (1995).

 

ولم يقتصر جهد الأخت إيمانويل على بث روح المحبة والعطاء ومساعدة الفقراء بين البالغين فقط، بل عمدت إلى زرع هذه الروح لدى الناشئة، وأصدرت بالتعاون مع نجم الكرة الفرنسي زين الدين زيدان مجلة كرتونية تسعى إلى زرع حب مساعدة الفقراء بين الأطفال والمراهقين.

 

واحتلت الأخت إيمانويل المرتبة الثامنة في قائمة الشخصية المائة الأكثر شعبية في فرنسا التي صدت عام 2006.

 

ورغم أنها كانت ترفض أن توصف بالقديسة لكن المصريين الذين عرفوها في القاهرة يوصفون الأخت إيمانويل بأنها: "كانت ملاكاً، لا تعرف إلا الخير.. كانت تجوب طرقاً تراكمت فيها القمامة وتتحدث لكل واحد غير عابئة بالروائح الكريهة المنبعثة من أكداس الزبالة".

 

وتروي إحدى الطالبات كيف كانت الأخت إيمانويل "غالباً ما تأتي إلى المدرسة وتلعب معنا وحتى تشاركنا في حلقات لعب الأطفال"، وكيف كانت تصر لإقناع الأولياء بإرسال أبنائهم إلى المدرسة و"لم تكن تتردد في أن تمشي من بيت إلى بيت وتحكي بالعربي المكسر" في مسعاها هذا.

 

وقد وصف "كويشيرو ماتسورا" مدير عام اليونسكو الأخت إيمانويل بعد معرفته نبأ وفاتها بأنها: "المرأة التي كافحت ضد الفقر متمتعة بطاقة نادرة" وقال: "حزنت لرحيل الأخت إيمانويل، التي كانت راهبة بقدر ما كانت امرأة عمل، ستبقى خالدة في ذاكرتنا بفضل بساطتها كما بفضل طاقتها الرائعة التي في خدمة الجمعيات التي أنشأتها. إن معركة الأخت إيمانويل ضد الفقر ولصالح الكرامة الإنسانية هي معركة اليونسكو أيضاً".

 

وكانت الأخت إيمانويل توفيت "أثناء نومها" في مقر إقامتها في كاليان (جنوب)، وكانت متعبة من دون أن تكون مصابة بمرض معين.

 

وبناء على إرادتها سيقتصر الحضور في مراسم دفنها على المقربين جداً منها، وستقام صلاة على روحها في العاصمة الفرنسية باريس.

 

وكانت منظمة اليونسكو تستعد للاحتفال بعيد ميلاد الأم إيمانويل بمناسبة بلوغها المائة عام يوم 24  تشرين الثاني 2008 في مقر المنظمة، بالتعاون مع جمعية "الأخت إيمانويل".

 

 

الأخت إيمانويل توارى الثرى في مدينة كاليان بجنوب فرنسا
راديو الفاتيكان

شيعت مدينة كاليان في جنوب فرنسا بصمت وإجلال الأخت إيمانويل التي أحبها فقراء القاهرة وأحبتهم وكرست حياتها في سبيلهم، ووريت الثرى في المدفن الخاص بجمعية راهبات سيدة صهيون التي تنتمي إليها منذ أمد طويل. وتميزت الجنازة التي حضرها عمدة البلدية بالبساطة وحضرها عدد قليل جدا من المقربين والراهبات كما يتوقع أن يقام احتفال بالقداس لراحة نفسها نهار السبت القادم في كنيسة سيدة الإيقونة العجائبية في باريس كما جاء في وصيتها الأخيرة.

 

وأثناء القداس قال الكاهن موريس فرانك إن الأخت إيمانويل تمنت قبل وفاتها أن تجري لها جنازة متواضعة أسوة بأخواتها الراهبات في الجمعية وأضاف أنها لم تفقد أبدا هدوءها أمام أفول حياتها الأرضية بل كانت مستعدة تمام الاستعداد لبلوغ السعادة الأبدية التي أعدها الله لمحبيه. وقال إنه اختار خصيصا لجنازتها نصا بحسب إنجيل متى حين يجيب المسيح مؤمنيه بالقول: "كنت عريانا فكسوتموني، كنت جائعا فأطعمتموني".

 

هذا وأعدت دار نشر فرنسية تسجيلا صوتيا للأخت إيمانويل سيقدم لترويج كتاب مذكراتها الشخصية الذي سيصدر نهار غد الخميس، وقالت فيه: "حين تسمعوني، لن أكون موجودة بعد الآن. أردت من خلال سرد حياتي كلها أن أشهد بأن الحب أقوى من الموت. لقد اعترفت بكل شيء، بالصالح والأقل صلاحا، وأستطيع قوله لكم. ومن حيث أكون، لن تتوقف الحياة أبدا بالنسبة لمن يعرفون الحب".

 

راديو الفاتيكان

بصمت وهدوء وإيمان، رحلت الأخت إيمانويل صباح الاثنين في 20 من الجاري عن هذه الفانية لتلاقي ربها ومخلصها الذي عملت لأجله طوال حياتها مكرسة نفسها للأشد عوزا والأكثر فرحا، فقراء حي الزبالين في عزبة النخل بالقاهرة، وهي التي قالت: "أن نحيا يعني أن نعمل، يلاّ!".

 

بعد أن عملت سنين طويلة في حقل التعليم المدرسي في تركيا وتونس، حطت الراهبة البلجيكية رحالها في القاهرة فاكتشفت آنئذ دعوتها الأصيلة وهي خدمة الفقراء فاتخذت عزبة النخل بضاحية العاصمة المصرية مسكنا لها وسط أكواخ الزبالين فأسست مدارس وحضانات للأطفال ومستوصفات طبية مجانية كما سعت لإرساء حوار بناء مع المسلمين واليهود.

 

دعتها جمعيتها الرهبانية إلى التقاعد وهي في 85 من العمر، فأطاعت واستقرت عام 1993 في أحد أديار الراحة بجنوب فرنسا، مكرسة وقتها للتأمل والصلاة كما الكفاح عبر إطلالاتها الإعلامية المتكررة في سبيل مساعدة المشردين والمهاجرين غير الشرعيين. كتبت "يسوع كما أعرفه"، "غنى الفقر"، "أسرار حياة"، "يلا يا شباب" و"الآخرون هم الفردوس"، كما نشرت في صيف 2008 كتابا بشكل حوار "عمري مائة عام وأريد أن أقول لكم" تحدثت فيه عن أمثولات القرن الذي عاشته وتكرسها لله المطلق.

 

منحتها الدولة الفرنسية وسام جوقة الشرف عام 2002 وقلدتها وساما برتبة ضابط أكبر في شباط فبراير 2008. برحيل الأخت إيمانويل عن 99 عاما، فقد العالم ومصر خصوصا رائدة من رواد المحبة والتفاني والكفاح من أجل عدالة اجتماعية وإنسانية، وتوالت ردود الفعل في الأوساط المصرية .

 

أ ف ب

أعلنت جمعية "الأخت إيمانويل" الاثنين 20-10-2008، وفاة الأخت إيمانويل إحدى الشخصيات المفضلة لدى الفرنسيين، عن 99 عاماً بعدما أمضت حياتها في خدمة الفقراء وبخاصة في القاهرة.

 

وقالت مسؤولة في الجمعية، إن الأخت إيمانويل واسمها الحقيقي مادلين سانكان توفيت أثناء نومها ليل الأحد في مقر إقامتها في كاليان، وأضافت "أن الأخت إيمانويل كانت متعبة دون أن تكون مصابة بمرض معين".

 

وجاء في بيان صادر عن الجمعية، "بناء على إرادتها، سيقتصر الحضور في مراسم دفنها على القريبين منها، وسيقام قداس على نيتها قريباً فى باريس"، وقد أمضت الأخت إيمانويل أكثر من 20 سنة من حياتها بين الفقراء في مصر، وعملت على مكافحة الفقر والعزل بجرأة وحيوية زادا من شعبيتها إلى حد بعيد في فرنسا.

 

واستقرت في سن الثالثة والستين في عزبة النخل في القاهرة وخصصت كل طاقتها لبناء المدارس وروضات الأطفال والمستوصفات، وأسست في 1980 جمعية الأخت إيمانويل التي تهتم بمساعدة آلاف الأطفال في العالم، وبخاصة في مصر والسودان ولبنان والفيليبين والهند وبوركينا فاسو، ثم اضطرت إلى مغادرة القاهرة وهي في سن الـ85 بناء على أمر من رهبنتها، واستقرت في دير فى جنوب فرنسا وخصصت معظم وقتها للصلاة والتأمل وكذلك النضال من أجل المشردين والأشخاص الذين لا يملكون أوراقاً قانونية.

 

ونشرت الأخت إيمانويل كتباً عدة من بينها "غنى الفقر" (2001) و"أسرار الحياة" (2000) و"يلا يا شباب" (1997)، و"السماء هي الآخرون" (1995)، وولدت مادلين سانكان عام 1908 في بروكسل من والد فرنسي وأم بلجيكية وكانت ستحتفل ببلوغها سن المائة عام في 16 تشرين أول