البدع والأمّية البيبلية

 

استغلال شهود يهوه لجهل المسيحيين للكتاب المقدس

بقلم روبير شعيب

روما، الاثنين 27 أكتوبر 2008 (Zenit.org).

بعد أن أثارت ظاهرة بدعة شهود يهوه ضجة كبيرة في الشرق الأوسط وفي أوروبا في العقدين الأخيرين، يبدو ظاهريًا كأنها لم تعد فاعلة كما كانت في السابق، بحيث تشير بعض الإحصاءات (في أوروبا الغربية مثلاً) إلى أن عدد المنضمين سنويًا إلى البدعة يعادل الصفر.

إلا أن هذا العدد لا يجب أن يقنعنا بأن البدعة لا تقوم بعملها لاستقطاب منتمين جدد. فالعدد صفر هو نتيجة خروج الكثيرين ممن انضموا إلى البدعة لبعض من الوقت بعد أن رأوا كيف أن التفسير الكتابي الذي يتبعه شهود يهوه يرتكز على تحريف المعاني ونحل الترجمات.

هذا الأمر يتطلب اهتمامًا رعويًا متجددًا لأنه يعني أن هناك عدد من الأشخاص يقعون في شباك البدعة يوازي عدد من يهجرها سنويًا. كما وأن هناك ضرورة رعوية تتمثل بمرافقة من خرج من البدعة لمساعدته في مواجهة المخلفات النفسية التي تنتج عن عملية "الانفصال" عن الجماعة، وإعادة بناء حياة روحية سليمة.

ولكن إلى جنب الحضور الرعوي إلى جانب من يترك البدع، هناك ضرورة أساسية تتمثل بالوقاية التي هي خير من ألف علاج. والوقاية في هذا الإطار تتمثل، إلى جانب بناء جماعة كنسية صلبة تكون حقًا بمثابة عائلة مسيحية موسعة، بالتعمق في فهم كلمة الله لأن "حفظ الوديعة" يتطلب معرفة الكتاب المقدس معرفة عميقة تجمع بين القلب والعقل.

وكما شرح الأب الأقدس بندكتس السادس عشر في كلمته قبيل صلاة التبشير الملائكي في ختام سينودس الأساقفة حول الكلمة، يجب ألا ينفصل الفهم الروحي عن الفهم اللاهوتي لكلمة الله في الكتاب المقدس. فالتعمق بفهم الكتاب المقدس هو بمثابة "لقاح" يحمي المؤمن من خداع البدع التي تعد سمومها منتظرة فراغًا في الفهم أو الانتماء لكي تفرغه في قلب المؤمن الساهي.

في كتاب له صدر عام 2007 بعنوان "شهود يهوه وتحريف (I Testimoni di Geova e la falsificazione della Bibbia)، قدم فاليرو بوليدوري أمثلة عن ترجمات محرّفة يقدمها شهود يهوه في "ترجمة العالم الجديد للأسفار المقدسة"، والتي هي الوسيلة الأولى التي يستعملها شهود يهوه في عملهم الدعائي، وهي بمثابة مصائد سهلة يقع فيها من لا يتمتع بالمناعة الإيمانية والثقافية الكافية لدحض إدعاءات البدعة.

يوضح بوليدوري أن كل تعاليم شهود يهوه تتبعها حاشية مطولة من الآيات الكتابية التي يزعمون أنها تساند ادعاءهم، الأمر الذي قد يبدو جيدًا لولا أن ترجمة شهود يهوه للكتاب المقدس تختلف بشكل كبير عن كل الترجمات الأخرى، خصوصًا في النقاط التي تتعلق بالمواضيع اللاهوتية الشائكة، على سبيل المثال لا الحصر: لاهوت المسيح، والثالوث الأقدس، وخلود النفس… نستشهد ببعض أمثلة بوليدوري لإيضاح المقصود:

في مقدمة إنجيل يوحنا، حيث نقرأ في أناجيلنا: "في البدء كان الكلمة، والكلمة كان لدى الله، والكلمة كان الله"، نرى في ترجمة شهود يهوه (ترجمة العالم الجديد): "في البدء كان الكلمة، والكلمة كان لدى الله، والكلمة كان الهًا"، وذلك تماسكًا مع فكرة الشهود بأن يسوع المسيح ليس إلا الملاك جبرائيل المتستر في جسد بشري: ليس الله بل "إلهًا"، أي خليقة وسيطة بين الخالق والخليقة.

وكذلك في نقطة أخرى – ولكان أمرًا مثيرًا للعجب لو كان غير ذلك! – نرى تمايزًا في ترجمة شهود يهوه عندما يقول يسوع لدى تأسيسه الافخارستيا "هذا هو جسدي" (مت 26، 26؛ لو 22، 19؛ 1 كور 11، 24)، فتقرأ ترجمة شهود يهوه: "هذا يعني جسدي". وهي ترجمة تسعى إلى نفي سر الافخارستيا، وحضور الرب يسوع في أعراض القربان الأقدس.

كما ويقومون بمحاولات خائبة في مواضع أخرى تتحدث جليًا عن ألوهة المسيح مثل: "فإِنَّ اللّهَ الَّذي قال: ‘لِيُشرِقْ مِنَ الظُّلمَةِ نُور‘ هو الَّذي أَشرَقَ في قُلوبِنا لِيَشُعَّ نورُ مَعرِفَةِ مَجْدِ اللّه المشعّ على وَجْهِ المسيح" (2 كور 4، 6)، حيث يترجم شهود يهوه: "…لكي ينيرهم بمعرفة الله المجيدة من خلال محيا المسيح"، وهي محاولة دنيئة لإخفاء إيمان الرسول بألوهة المسيح.

يعمل "برج المراقبة"، أي الهيئة الإدارية عند شهود يهوه على تغيير كل النصوص الكتابية التي لا تتطابق مع تفكيرها فمثلاً، بما أنها تقول أنه لا ينبغي الصلاة إلى يسوع المسيح، تقوم بتغيير ترجمة النص اليوحنوي القائل: "إذا سألتموني شيئًا باسمي فأنا سأفعله" (يو 14، 14)، وتجعله: "إذا سألتم شيئًا باسمي، فأنا سأفعله"، للإشارة إلى أن الطلبة لا ترفع إلى يسوع (كما يقول النص الإنجيلي)، بل إلى يهوه (كما تقول الهيئة الإدارية).

هذه فقط قليل من الأمثلة عن التحريف الكتابي الذي يقوم به شهود يهوه، والذي يتطلب من الكنيسة ومن المؤمنين عملاً جديًا للتثقيف الكتابي الأولي، حتى يتحصن المؤمنون بوجه البدع التي تزعم أنها تنطلق من الكتاب المقدس، ولكنها بالحقيقة لا تعمل إلا على تحريفه واستغلاله لإيصال الأفراد إلى اعتناق نظرتها الوجودية والاجتماعية والدينية.

لقد أوضح سينودس الأساقفة حول "كلمة الله في حياة الكنيسة ورسالتها" كيف أن حياة المسيحي لا يمكن أن تكون منفصلة عن معرفة الكتاب المقدس، لأن "جهل الكتب المقدس –  كما يقول القديس هيرونيموس – هو جهل المسيح". رجاؤنا أن تقوم الكنيسة مؤسسات وأعضاء بعمل ملموس في التعمق بكلمة الله لكي تكون هذه الكلمة درعًا للمؤمنين في حربهم ضد البدع، ومدرسة محبة يتعلمون فيها أن يحبوا المسيح بكل قلبهم، بكل فكرهم وبكل قوتهم.