65 دولة، بينهم 12 ملك ورئيس، تشارك في حوار الأديان والثقافات بالأمم المتحدة

عن إيلاف

 

تثميناً لمبادرة المملكة العربية السعودية ودعوة خادم الحرمين الشريفين

سناء نصير- نيويورك

أبرزت مصادر الأمم المتحدة حرص ملوك ورؤساء الدول والحكومات الى جانب القيادات الدينية على المشاركة في مؤتمر حوار أتباع الأديان الذي يعقد يوم غد وبعد غد بالأمم المتحدة في نيويورك بمبادرة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بهدف تعزيز الحوار بين الأديان والثقافات من اجل نشر قيم الأمن والسلام.

وقد أعلن حتى مساء الأحد عن مشاركة كل من: الرئيس الأمريكي جورج بوش، ورئيس وزراء بريطانيا جوردن بروان، وأمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح، وملك البحرين الملك حمد بن عيسى آل خليفة، وأمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، ورئيس دولة الإمارات الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، وعاهل المغرب الملك محمد الخامس، والرئيس الفلسطيني محمود عباس، وعاهل الأردن الملك عبدالله الثاني، والرئيس الباكستاني آصف علي زرداري، والرئيس اللبناني ميشال سليمان، ورئيسة الفلبين، الى جانب مشاركة عدد كبير من وزراء خارجية الدول الأعضاء.

ومن المعروف أن مبادرة خادم الحرمين الشريفين بدعوة الأمم المتحدة لعقد مؤتمر لحوار الأديان يأتي استكمالا للمؤتمر العالمي للحوار الذي عقد في مدريد في يوليو الماضي الذي طالب بدعوة الجمعية العامة للأمم المتحدة بتأييد النتائج التي توصل إليها هذا المؤتمر والاستفادة منها في دفع الحوار بين أتباع الديانات والحضارات والثقافات من خلال عقد دورة خاصة للحوار وقد رأت الأمم المتحدة أهمية طرح مبادرة السعودية في إطار بند ثقافة السلام المدرج على جدول أعمال الجمعية العامة.

 

الأبعاد الاستراتيجية لحوار الأديان

هشام عليوان- بيروت

قد لا يكون أكثر من مصادفة حسنة، ان ينعقد مؤتمر حوار الأديان في نيويورك، في لحظة المراجعة الذاتية العميقة في الولايات المتحدة بالنظر إلى كل ملابسات وأخطاء الولايتين الرئاسيتين لجورج بوش الابن، التي أسفرت في نهاية المطاف عن إنجاز تاريخي تمثل بوصول أول رئيس من أصول افريقية وإسلامية إلى البيت الأبيض في بلد لا تزال فيه العنصرية نشطة والتيار اليميني الديني قوي.

فبعد سبع سنوات على تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر، وما تبعها من انزلاق في اتون حزب عالمية، ظاهرها الحرب على الإرهاب، وباطنها الكره لكل ما هو إسلامي، ومن إعلان بوش حرباً صليبية إلى الرسوم المسيئة للرسول في الدانمرك إلى محاضرة بابا الفاتيكان في ألمانيا، وما بين كل تلك المفاصل الحساسة، معتقل غوانتنامو الرهيب، وفضيحة سجن أبو غريب في العراق، وإهانة المصحف في أفغانستان، عاش العالم مصاديق نظرية صموئيل هاتنتغنتون حول صدام الحضارات، والتي أصدرها في كتاب عام 1996 تحت عنوان "صدام الحضارات وإعادة بناء النظام العالمي" بتأثير حرب الإبادة الوحشية التي شنها الصرب والكروات على مسلمي البوسنة والهرسك بين عامي 1992 و1995 وسط لا مبالاة العالم، حيث بدا للمنظّر الامريكي الكبير آنذاك أن العالم بعد سقوط جدار برلين عام 1989 يعود القهقهرى إلى الحروب الدينية التي كانت سمة القرون الوسطى.

من هنا، فإن مؤتمر حوار الأديان يتخطى المفهوم التقليدي للحوار الإسلامي المسيحي، الذي شهد القرن الفائت فصولاً منه، ولم يكن لها تأثير جذري على السياسات والممارسات، سواء بين الدول أو داخل البلدان ذاتها بين المكوّنات الدينية والعرقية فيها، بدليل انتشار الصراعات الدموية على أساس ديني، أو بذريعة الاختلاف الديني والعرقي، ذلك أن المقاربات الخجولة أو الدبلوماسية لم تعد تجدي لوضع حد لاستمرار التراشق الأيديولوجي بين ضفتي المتوسط، أو بين الشمال والجنوب عموماً.

 واذا كان الإرهاب المنطلق من أصول شرقية وإسلامية يستجمع جهود العالم بأكمله لمواجهته، فإن ما هو غير مستساغ أن ينبري في الغرب من يستفز المسلمين في مشاعرهم وشعائرهم ومعتقداتهم، ثم يدعو بعد ذلك إلى اجتثاث الإرهاب ومكافحته، إذ ان هذه المواقف لا يمكن وصفها إلا بالتهور المجاني لانها هي التي تمدّ الإرهاب بوسائل الحياة والنمو والانتشار في اماكن ومجالات كان محظوراً عليه الدخول فيها سابقاً.

 وحوار الأديان لا يعني أيضاً التخلي عن حقوق الشعوب، فلا يمكن اغتصاب الحقوق الأساسية لأي شعب، بذرائع دينية كمثل ما فعلته إسرائيل وما تزال تفعله في فلسطين، رغم كل المبادرات السلمية التي هدفت إلى التعايش السلمي، وكان آخرها وأبرزها على الإطلاق المبادرة العربية للسلام التي اطلقها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في قمة بيروت عام 2002 وما تزال إسرائيل حتى الساعة تماطل وتضع الشروط للتفاوض عليها بدلاً من الانطلاق بها نحو الأفق الموعود الذي يحقق ادنى الحقوق وحسب، وبالتوافق مع بعض مقررات الامم المتحدة لا كلها.

مع ذلك كله، فإن مؤتمر حوار الأديان يسهم بلا شك في نزع ذرائع التطرف ويسحب الأرض من تحت أرجل المتشددين من أي دين كانوا، بالعودة إلى جوهر الدين الذي هو حوار ودعوة بالتي هي احسن. ويمكن أن يؤدي في أفضل الاحتمالات إلى صياغة استراتيجيات عالمية أكثر ملاءمة مع تطلعات الشعوب وحقوقها الأساسية بالعيش بأمان ورفاهية في عالم آمن ومستقر ومزدهر.

 

مؤتمر نيويورك يعيد الأمل بإمكانية الحوار والاعتراف بالآخر

عبد القادر فارس- غزة

قال الباحث والكاتب في الشؤون الإسلامية ورئيس مركز البشير للدراسات الحضارية في غزة وعضو المجلس الوطني الفلسطيني الشيخ صالح عبدالعال إن حضور خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز في مؤتمر نيويورك يعزز حوار أتباع الأديان وذلك نظرا لدوره المميز في المؤتمرات السابقة، خاصة دعوته لاستمرار الحوار بين الديانات والحضارات من أجل السلام بين الشعوب. وقال عبد العال: لقد تمكن المفكرون والعلماء من كافة الألوان والأطياف والمعتقدات من خلال حواراتهم المستمرة وبياناتهم المتعاقبة ومواقفهم الواضحة ان يعيدوا الأمل من جديد في إمكانية العودة للحوار من خلال الاعتراف بالآخر، ودور كل طرف في بناء الحضارة الإنسانية، ولعل المسلمين الأكثر حرصا على المشاركة في مثل هذه المؤتمرات لكونهم الأكثر انفتاحا على الحوار. موضحا ان خادم الحرمين الشريفين يحمل رؤية تؤكد على ضرورة التخلص من نزعة الاستبداد والتفرد واعتراف الجميع بأنهم أمام الخالق سواء، ولا معبود في هذه الحياة سوى الله، وهذه القمة التي تجمع هذه النخبة من السياسيين والمفكرين والعلماء، هي قمة الحرية الإنسانية التي تفتقر لمعانيها البشرية.

وأضاف أن البعض يعتقد انه لا يوجد حوار للحضارات لأنها في الأساس حضارة إنسانية واحدة، والمتطرفون الجدد هم من فرقوها ومزقوها بادعاءاتهم المزعومة، وبالتالي يجب عدم الانجرار وراءهم والوقوع في شراكهم من حيث لا ندري. والبعض الآخر يعتقد كذلك بعدم صحة الحديث عن حوار الأديان لأنها كلها من مصدر واحد ولا اختلاف فيما بينها فرسالتها واحدة ولا يوجد ما نتحاور حوله أساسا، وهناك من يطرح فكرة حوار الثقافات لأن الثقافات هي التي تنوعت وتطورت واختلفت واستندت على ذلك في مجملها على الدين في بعض الأحيان وعلى التطور الحضاري في أحيان كثيرة، وهذا التنوع في الثقافات هو الذي أدى إلى بروز الصراع الذي دخل في أماكن كثيرة مراحل المواجهة التي أخذت أشكالا مختلفة أدت إلى الحروب وتزييف الحقائق واحتلال العقول وسرقة التراث وتطور الأمر إلى إنكار التاريخ واخذ صور بشعة أدت إلى الاقتتال ومحاولة طمس معالم شعوب في هذا العالم، لذلك كان من المهم البدء الفوري بإيجاد الأشخاص والمؤسسات والمنظمات التي يجب ان تأخذ على عاتقها هذه المهمة الصعبة وسط هذه الأمواج العاتية من الكراهية وانعدام الثقة ومحاولات إنكار وجود الآخر التي طغت في هذه المرحلة على البشرية.

 وقال عبد العال: وأيا كانت التسمية أو العنوان الذي يجب العمل على أساسه، سواء حوار أتباع الأديان أو حوار الحضارات، أو حوار الثقافات، فلا يختلف عاقلان على أهمية فتح الحوار العالمي الذي اخذ يحظى باهتمام دولي غير مسبوق من قادة العالم, سواء من السياسيين أو الأكاديميين أو العلماء من كافة الديانات لإدراكهم ان ذلك هو اقصر الطرق للوصول إلى الحقيقة.

 ومضى قائلا: ولأن منطقتنا من أكثر المناطق حاجة لمثل هذا الحوار، ولأن الأراضي المقدسة مهد الحضارات ومهبط الديانات والتقى على أرضها المقدسة الأنبياء ومر من خلالها التاريخ، وكان فيها لقاء السماء بالأرض وتلاقحت فيها الأفكار جميعا، فكان لزاما ان تنطلق منها الدعوة لحوار أتباع الأديان والحضارات، واليوم يأتي هذا اللقاء الحضاري هناك حيث يلتقي ممثلو الديانات الثلاث بحضور أطراف مختلفة من العالم ليعلنوا من هناك الحقيقة التي يجب ان لا يختلف حولها احد وهي ضرورة البدء الفوري في إنقاذ المنطقة والعالم أجمع من الفكر الذي يريد إنكار التاريخ بل وسرقته، وعلى الجميع ان يتحد لتبيان الحقيقة, ولنتحاور بعقول مفتوحة ونسترد التاريخ ونكشفه ونحرره من عقلية التخلف والعنصرية, ونعيد الأمور إلى طبيعتها في تحديد العلاقات الإنسانية فيما بيننا، وحتى ننجح في هذه المهمة الصعبة والدقيقة يجب تضافر الجهود جميعا والانطلاق لمخاطبة العالم بلغة واضحة وصريحة وقوية بأننا كما كنا في السابق, فنحن اليوم شركاء في صياغة الحضارة الإنسانية، ولدينا الكثير الذي يمكن ان نقدمه لتطور حياة الإنسان على هذه الأرض لضمان استعادة سعادته المفقودة.

 

كبير أساقفة كاتدرائية واشنطن: الحوار يؤكد سعي المملكة لتحقيق السلام الفكري والإنساني

محمد المداح- واشنطن

أوضح الأب روبرت جبسون كبير أساقفة كاتدرائية واشنطن -أبرز معقل كنسي في العاصمة الأمريكية- أن تبني الأمم المتحدة لموضوع حوار أتباع الأديان خطوة مهمة من أجل إعادة الفهم للكثير من القضايا المتداخلة ليس بين الأديان المختلفة فحسب بل بين قضايا الدين الواحد أيضا التي كثيرا ما تسبب إرباكا للناس البسطاء غير المتعمقين في القضايا الدينية. وقال الأب جبسون: إن نظرية صدام الحضارات التي خرجت في أوائل تسعينيات القرن الماضي أحدثت شرخا في التقارب الطبيعي بين الأديان المختلفة التي تتقاسم الكثير من الأبعاد الإنسانية والفكرية والخلقية والتاريخية.

 لافتا في الوقت نفسه الى أن إنطلاق حوار أتباع الأديان في مدريد بمبادرة سعودية يؤكد أن السعودية تسعى بخطوات جادة نحو تحقيق السلام الفكري والإنساني بين الكثير من شعوب الأرض عندما قامت بفتح باب الحوار في هذا الإتجاه. وقال ان العاهل السعودي قد بادر بلقاء بابا الفاتيكان العام الماضي من أجل أن يفتح الباب في هذا الإتجاه للحوار بين المسلمين والمسحيين وقد أمكن له أن يخطو بعد ذلك اللقاء بخطوات جادة أسفرت عن لقاء مدريد الصيف الماضي ثم أخذ قضية الحوار بين أتباع الأديان إلى أهم مؤسسة دولية ليناقش من على منبرها وفي حضور زعماء العالم، احدى قضايا الخلاف التي لها أبعاد من التوتر والعصبية بين أطياف مختلفة وكثيرة من البشر.

 واعتبر الأب جبسون أن هذا الحوار يجب أن يستمر تبني الأمم المتحدة لموضوع حوار أتباع الأديان خطوة مهمة من أجل إعادة الفهم للكثير من القضايا المتداخلة ليس بين الأديان المختلفة ولا يتوقف عند زمن معين أو عند جيل معين أو عند قضايا معينة، إنما هناك أهمية من استمراره والتواصل من خلاله كإحدى الضروريات الإنسانية من أجل ردم الهوة التي تركتها نظريات قديمة بالية حان الوقت لتصحيحها والنظر إليها من منظور أخلاقي وإنساني.

 وخلص الأب جبسون للقول: نحن كبشر نؤمن بأهمية الدين في حياتنا، لكننا نقف جميعا على مسافة واحدة عندما نعبد الله.