كلمة البابا قبيل تلاوة صلاة التبشير الملائكي 17/11/08

الفاتيكان، الاثنين 17 نوفمبر 2008 (Zenit.org).

ننشر في ما يلي الكلمة التي ألقاها قداسة البابا بندكتس السادس عشر في ساحة القديس بطرس في الفاتيكان قبيل تلاوة صلاة التبشير الملائكي نهار الأحد 16 نوفمبر 2008.

* * *

أيها الإخوة والأخوات الأعزاء!

إن كلمة الله في هذا اليوم – الذي يصادف الأحد ما قبل الأخير في السنة الليتورجية – تدعونا لكي نكون متيقظين وناشطين، في انتظار رجوع الرب يسوع في نهاية الأزمنة. تسرد الصفحة الإنجيلية مثل الوزنات الشهير، كما ينقله القديس متى (25، 14 – 30).

كانت "الوزنة" عملة رومانية قديمة ذات قيمة كبيرة، وبفضل شعبية هذا المثل باتت مرادفًا للمواهب الشخصية التي يتلقى كل شخص الدعوة إلى تفعيلها في حياته.

بالواقع، يتحدث النص عن "رجل دعا خدامه، قبل مضيه في رحلة، وأوكل إليهم خيراته" (مت 25، 14). يمثل الرجل في المثل المسيح بالذات، والخدام هم التلاميذ والوزنات هي المواهب التي يوكلها يسوع إليهم.

ولذا فهذه المواهب هي أكثر من هبات طبيعية إذ تمثل الغنى الذي تركه لنا الرب يسوع كميراث لكي نجعله يعطي ثمره: كلمته، المدخرة في الإنجيل؛ المعمودية، التي تجددنا بالروح القدس؛ الصلاة – "الأبانا" – التي نرفعها إلى الله كأبناء متحدين بالابن؛ غفرانه، الذي أوصانا بأن نحمله إلى الجميع؛ سر جسده المذبوح ودمه المهراق. بكلمة: ملكوت الله، الذي هو المسيح بالذات، الحي والحاضر في وسطنا.

هذا هو الكنز الذي أوكله يسوع إلى أصدقائه، في ختام وجوده الأرضي الوجيز. يشدد مثل اليوم على الموقف الداخلي الذي يجب من خلاله أن نتقبل وأن نقيم هذه الهبة. الموقف الخطأ هو موقف الخوف: الخادم الذي يخاف من سيده ويرتعد من رجوعه، يواري الوزنة في الثرى فلا تأتي بأي ثمر. هذا الأمر يحدث مثلاً مع من تلقى المعمودية، والمناولة، وسر التثبيت، ولكنه يدفن هذه المواهب في أرضية من الأحكام المسبقة، تحت صورة مغلوطة عن الله تشلّ الإيمان والأعمال، وتخون توقعات الرب.

ولكن المثل يكرس أهمية أكبر للثمار الصالحة التي حملها التلاميذ الذين لفرحهم بالهبة التي تلقوها، لم يخبؤها بالخوف والغيرة، ولكنهم جعلوها تثمر عبر مشاركتها ومقاسمتها. نعم، إن ما وهبنا إياه المسيح يتكاثر عندما نهبه للآخرين! إنه كنز يجب أن ننفقه، وأن نستثمره، وأن نشارك به الجميع، كما يعلمنا مدبر مواهب المسيح الكبير، القديس بولس.

أثّر التعليم الإنجيلي الذي تقدمه لنا الليتورجية اليوم على الصعيد التاريخي والاجتماعي، معززًا في الجماعات المسيحية عقلية عملية وغنية بالمبادرات. ولكن الرسالة المحورية تتعلق بروح المسؤولية الذي يجب أن نقبل به الملكوت: مسؤولية نحو الله ونحو البشرية.

تُجسد مريم العذراء بالكامل موقف القلب هذا، إذ تلقت أثمن الهبات، يسوع بالذات، وقدمته للعالم بحب كبير. نطلب إليها أن تساعدنا لكلي نكون "خدامًا صالحين وأمناء"، لكي نستطيع أن نشترك "يومًا" في فرح ربنا.

* * *

نقله من الإيطالية إلى العربية روبير شعيب – وكالة زينيت العالمية (Zenit.org)

حقوق الطبع محفوظة لمكتبة النشر الفاتيكانية – 2008.