البيان الختامي للمؤتمر الثامن عشر لمجلس بطاركة الشرق الكاثوليك

بكركي، الأحد 30 نوفمبر 2008 (zenit.org).

ننشر في ما يلي البيان الختامي الصادر عن مؤتمر مجلس بطاركة الشرق الكاثوليك في بكركي، والذي صدر ايضاً على موقع إذاعة الفاتيكان.

"مقدمة
عقد مجلس بطاركة الشرق الكاثوليك مؤتمره الثامن عشر من 24 تشرين الثاني/نوفمبر الى 28 منه في الكرسي البطريركي الماروني – بكركي، باستضافة صاحب الغبطة البطريرك الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للموارنة، وشارك فيه أصحاب الغبطة: البطريرك أنطونيوس نجيب بطريرك الإسكندرية للأقباط الكاثوليك، البطريرك غريغوريوس الثالث بطريرك أنطاكية وسائر المشرق والإسكندرية وأورشليم للروم الملكيين الكاثوليك، الكاثوليكوس البطريرك نرسيس بدروس التاسع عشر بطريرك كيليكيا للأرمن الكاثوليك، البطريرك فؤاد الطوال بطريرك القدس للاتين، البطريرك ميشيل صباح بطريرك القدس للاتين سابقا. كما شارك في أعماله صاحب السيادة المطران ميشال قصارجي ممثلا عن غبطة البطريرك الكاردينال مار عمانوئيل الثالث دلي بطريرك بابل للكلدان، سيادة المطران الياس طبي ممثلا بطريركية السريان الكاثوليك، وأمناء سر البطاركة، الأمين العام للمجلس قدس الأب خليل علوان، وسيادة المطران ميشيل أبرص النائب البطريركي للروم الكاثوليك، والمونسنيور ميكايل موراديان النائب البطريركي لجمعية كهنة بزمار البطريركية.

صلاة الافتتاح وجدول الأعمال

استهل المؤتمر أعماله بصلاة احتفالية في كنيسة الكرسي البطريركي في بكركي حضرها نيافة الكاردينال ليوناردو ساندري رئيس مجمع الكنائس الشرقية، وسيادة السفير البابوي في لبنان المونسنيور لويجي غاتي، وعدد كبير من المطارنة الكاثوليك والأرثوذكس، والمونسنيور توماس حبيب مستشار السفارة البابوية في لبنان، والرؤساء العامون والرئيسات العامات، والدكتور جرجس صالح الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط.
وقد ألقى نيافة الكاردينال ليوناردو ساندري كلمة هنأ فيها أصحاب الغبطة لرعايتهم كنائسهم وللاجتماع السنوي الذي يعقدونه لينسقوا عمل الرعاية ما بين كنائسهم.

وركز، في نهاية خطابه، على ثلاث نقاط تهم مستقبل المسيحيين وهي: الهجرة وقضايا الأسرة ولا سيما تناقص الولادات فيها، وتسليم الإيمان للأجيال الجديدة.

ثم ألقى صاحب الغبطة البطريرك مار نصرالله بطرس صفير رئيس المجلس كلمة الافتتاح قدم فيها موضوع المؤتمر وهو "بولس رسول المسيح لعالم اليوم في الشرق". وقال في كلمته: إن موضوع اجتماعنا في هذه السنة هو التأمل في سيرة القديس بولس رسول الأمم، في مناسبة مرور ألفي عام على مولده. وذكر قصة اهتدائه على أبواب دمشق وتحوله من مضطهد للمسيح إلى مبشر به في الشرق والغرب، حتى بذل حياته في سبيله. وذكر التقليد الذي يقول إن رحلته الرسولية بدأت من الشواطئ اللبنانية من طبرجا. وقال إن شخصيته وقوة إيمانه تصلحان مثالا لنا في الظروف الصعبة التي نعيشها اليوم.
في الجلسة الأولى، وجه الآباء البطاركة برقية إلى قداسة البابا بينيديكتوس السادس عشر أشاروا فيها إلى موضوع المؤتمر وأهميته وأبعاده، وشكروا له مساعيه لمصلحة السلام في هذه المنطقة المتألمة، ولتأييده للنداء من أجل الشرق الأوسط الذي أطلقه أصحاب الغبطة بطاركة الشرق الكاثوليك في أثناء سينودس الأساقفة العام الذي انعقد في روما من 5 إلى 26 من شهر تشرين الأول/ أوكتوبر الماضي. والتمسوا بركته وصلاته من أجل كنائسهم ومن أجل السلام في الشرق الأوسط.

ثم عالج الآباء المواضيع المدرجة على جدول الأعمال، فاستمعوا إلى سلسلة محاضرات عن شخصية القديس بولس رسول الأمم والشاهد ليسوع المسيح في أيامنا الحاضرة. وكان أول المحاضرين الأب جان ميشيل بوفي(Boffet) من الآباء الدومينيكانيين ورئيس سابق لمدرسة الكتاب المقدس الشهيرة في القدس (Ecole Biblique). ثم استمعوا إلى الأخت ياره متى المتخصصة في تعاليم القديس بولس والتي تدرس في المعهد الكاثوليكي في باريس.

كما استمع الآباء في القسم الثاني من المؤتمر إلى تقارير اللجان الشرق أوسطية العاملة تحت كنف المجلس وبإرشاده، ومنها: تقرير عن نورسات وتطوره وأثره الكبير في العالم المسيحي العربي والعالم أجمع، وتقرير عن إنشاء مرصد مسيحي لحقوق الإنسان في الشرق الأوسط، وتقرير الأمانة العامة للشباب الكاثوليكي، وتقرير عن مرشدية السجون في الشرق الأوسط، وتقرير هيئة التنسيق بين لجان العائلة، وتقرير الهيئة الكاثوليكية للتعليم المسيحي، وتقرير المكتب الكاثوليكي الدولي للتعليم الكاثوليكي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

اللقاء المسكوني

وفي اليوم الثالث من المؤتمر، خصص مجلس بطاركة الشرق الكاثوليك، كما جرت العادة، لقاء مسكونيا خاصا لمناقشة الأمور الراعوية المشتركة. فانضم إلى الجلسة ممثلون للكنائس الأرثوذكسية والإنجيلية وهم أصحاب السيادة المطارنة: ثاوفيلوس جورج صليبا مطران جبل لبنان للسريان الأرثوذكس، اقليميس دانيال كورية متروبوليت بيروت للسريان الأرثوذكس، نرساي دي باز مطران لبنان وسوريا وأوروبا للكنيسة الأشورية، كوميداس أوهانيان من بطريركية الأرمن الارثوذكس، الإيكونوموس جورج ديماس ممثل كنيسة الروم الأرثوذكس، القس جورج مراد راعي الكنيسة الإنجيلية المشيخية الوطنية. كما انضم إلى الجلسة: سيادة المطران رولان أبو جوده النائب البطريركي العام للموارنة، سيادة المطران الياس طبي ممثلا بطريركية السريان الكاثوليك، والأعضاء الكاثوليك في اللجنة المشتركة: سيادة المطران بشارة الراعي، وحضرة الأبوين مارون نصر ومخول فرحا في اللجنة. وفي الجلسة التالية من اللقاء، انضم إلى الجلسة الخوري دومينيك لبكي والخوري بولس وهبه.

وقد عالجوا في جلسة أولى موضوع إبدال المذهب أو الطائفة للحصول على الطلاق، فناقشوا الأمور التالية:

أولا، مسألة إبدال الدين أو المذهب من أجل انحلال الزواج.

ثانيا، مسألة ممارسة المحاكم الشرعية الإسلامية في شأن الأزواج المسيحيين المعتنقين الإسلام.

ثالثا، أوضاع القاصرين: اتباع مذهب أبيهم الذي يعتنق مذهبا آخر، وصلاحية المحكمة التي تنظر في حضانتهم وحراستهم والوصاية عليهم، ومصيرهم عندما يشهر أحد الزوجين إسلامه.

رابعا، مصير الإرث وحق الإرث عندما يعتنق أحد الزوجين الدين الإسلامي.
خامسا، كيفية تعاطي الكنيسة الكاثوليكية مع أحكام المحاكم الأرثوذكسية التي تفسخ الزواج أو تعلن بطلانه.

سابعا، إعفاء الطوائف اللبنانية والأشخاص المعنويين التابعين لها من الضرائب والرسوم والعلاوات.

وفي الجلسة الثانية، استمع الآباء إلى تقرير عن "كتاب التعليم المسيحي المشترك" قدمه حضرة الخوري بولس وهبه وعقب عليه الخوري دومينيك لبكي. وهذا الكتاب جرى اعتماده في الكثير من المدارس في لبنان وقد صدرت منه، حتى الآن، كتب للصفوف الأساسية السبعة الأولى، ويتألف كل كتاب من جزأين: كتاب تلميذ وكتاب المعلم. وقد ترجمت هذه الكتب إلى اللغات الأجنبية. وقد ثمن الآباء هذا العمل المشترك بين جميع الكنائس في الشرق، واعتبروه ثمرة حقيقية جلية للحوار المسكوني، وقرروا اعتماده في المدارس الرسمية وأوصوا بتبنيه في المدارس الخاصة. وطالبوا اللجنة بتحديث المنهج.

وفي ختام الجلسة، قرر الآباء البطاركة الكاثوليك وممثلو الكنائس الأرثوذكسية والإنجيلية رفع كتاب إلى السلطات المعنية لأخذ التدابير الحاسمة لمنع وقوع مخالفات لقانون الأحوال الشخصية المضرة بالمسيحيين ولمعالجة الأمور الراعوية والقانونية التي تعني الطوائف الأرثوذكسية والكاثوليكية والإنجيلية على السواء وبالأخص مشاكل الزواجات المختلطة.

الجلسة الختامية

وفي الجلسة الختامية صباح الجمعة 28 تشرين الثاني/نوفمبر، نظر الآباء البطاركة في التوصيات والقرارات. وحددوا مكان المؤتمر المقبل في القاهرة (مصر) بضيافة صاحب الغبطة البطريرك انطونيوس نجيب بطريرك الإسكندرية للأقباط الكاثوليك، بين 5 و9 تشرين الأول/اكتوبر، وموضوعه "دور العلمانيين في الكنيسة".

نداء
في ختام مؤتمرنا، نوجه هذا النداء إلى أبنائنا وبناتنا في البلدان العربية وبلاد الانتشار. إن هذه السنة توافق ذكرى ألفي سنة لميلاد القديس بولس رسول الأمم وهي لتسترعي انتباه المسيحيين وتدعوهم إلى العودة إلى الينابيع الصافية لإيمانهم المسيحي. وإننا، في مواجهتنا للظروف الصعبة في كل بلداننا، نرى في شخصية القديس بولس مثالا لنا، وهو المؤمن الذي لا يهاب والذي حمل بشرى الخلاص إلى العالم الروماني كله وقاسى في سبيل ذلك أشد المحن والشدائد حتى السجن وأخيرا الاستشهاد وبذل الحياة. انه مثال نقتدي بإيمانه وبقوته في الثبات عليه وإعلانه في وسط الصعاب والتحديات الكبيرة التي نعيشها اليوم. ومن ميزات إيمانه وضوح الهدف والبشارة، وهو يسوع المسيح: "لا أريد أن أعرف بينكم إلا يسوع المسيح وإياه مصلوبا"، مع أنه كان مدركا وواعيا كل الوعي أن موضوع بشارته كان "معثرة وشكا لليهود وحماقة لليونانيين". ومع ذلك، فقد أسس الكنائس وأكثر من توصياته إليها ودعا الى التزام الوحدة والمحبة في ما بينها، وأوضح أن الإيمان شركة بين المؤمنين الأفراد كما بين الكنائس، ولا أحد يدعي لنفسه حق البشارة ما لم يكن مرسلا من الله؛ وعلامة الرسالة الصحيحة هي الشركة والمحبة. وهذا ما تحتاج إليه كنائسنا اليوم لنكون علامة أمل لمؤمنينا ولبلداننا بمحبتنا ووحدتنا، فنسهم في توحيد القلوب والوصول إلى الاستقرار المنشود.
واننا نوصي اخوتنا الاساقفة في ابرشياتهم وكهنة الرعايا بان ينشروا بين ابنائنا النداء المليء بالرجاء الذي وجهه آباء السينودس الاساقفة الذي انعقد في روما في شهر تشرين الاول / اكتوبر 2008 بعنوان "كلمة الله في حياة الكنيسة ورسالتها". لأن كلمة الله ، كما قال قداسة البابا بينيديكتوس السادس عشر، "هي ينبوع حياة روحية قادرة على تجديد المؤمنين من خلالهم تجديد المجتمعات التي يعيشون فيها".

ونتوجه بنظرنا إلى مأساة العراق، حيث العراقيون كلهم يعانون الفوضى الأمنية ويتعرضون للموت والتشريد في كل يوم. كلهم في المأساة سواء، المسلمون والمسيحيون. وتوقفنا عند مأساة أبنائنا المسيحيين خصوصا لما يصيبهم من تهجير وقتل وتشريد من بعض الفئات المتطرفة وللصمت الذي يحيط بهذه المأساة. ولهذا، فإننا نناشد السلطات في العراق لتعمل ما في وسعها لحماية جميع مواطنيها، ونناشد الأسرة الدولية لتتحمل مسؤوليتها ولوضع حد لمأساة تسببت فيها يوم قررت غزو العراق.
كلمتنا إلى العراق هي كلمة رجاء ومصالحة لجميع أهل العراق. ولمؤمنينا نقول: إننا نعود بإيماننا إلى القرون المسيحية الأولى حيث بذل المؤمنون دمهم وحياتهم من أجل يسوع المسيح. واليوم، في ظروف خاصة حيث يُقتل المسيحي أو يُضطهد لأنه مسيحي، نقول لهم أمرين: أولا إن العراق كله يخوض اليوم معركة مصيرية. وإن الكثيرين من العراقيين الأبرياء من كل ديانة يذهبون ضحية الظلم أو الفوضى العارمة التي استولت عليه. وثانيا، إذا استُهدف بعضنا لأننا مسيحيون مؤمنون بيسوع المسيح له المجد، فإن وصيتنا هي أن نثبت على إيماننا، وأن نبذل حياتنا لا خوفا ولا ضعفا بل حبا ليسوع المسيح وشهادة له. وندعوهم الى البقاء والصمود في العراق، وإذا اضطر بعض أبنائنا إلى الرحيل، فلا ينسوا بلدا يتركونه، بل هم مدعوون حيثما كانوا إلى الإسهام في العمل لشفائه مما هو فيه. وليذكروا أنهم يتركون وطنا هو في حاجة إليهم أينما كانوا، ويتركون أهلا يتابعون حمل الرسالة ويستعدون حتى لبذل الحياة. لا يكن الرحيل انقطاعا عن الوطن ولا عن الأهل.
ونتوجه إلى أبنائنا وإلى جميع المواطنين في الاراضي المقدسة، في ظل الأوضاع المتردية في فلسطين، ولا سيما الحصار الجائر المضروب على غزة وعلى مئات الألوف من الأبرياء فيها. وفي ما نشكر ونقدر الجهود التي يبذلها جميع ذوي الإرادة الحسنة لكسر هذا الحصار، إنما نناشد المسؤولين المحليين والدوليين للتوصل أخيرا إلى السلام العادل والنهائي في الأرض المقدسة لتعود فتكون مصدر فداء ومصالحة وعدل ومغفرة لأهلها وللعالم. وإننا نناشد الفلسطينيين أنفسهم ليعودوا إلى الوحدة في ما بينهم في إطار الشرعية الفلسطينية المعترف بها وليجنبوا أهلهم استمرار الحصار والمذلة.
وأما لبنان، فإننا نتوجه إلى جميع أبنائنا فيه مذكرين إياهم بوصية السيد المسيح، الوصية الكبرى والأولى والصعبة، وهي وصية المحبة. "أحبوا بعضكم بعضا"، "وكونوا على رأي واحد وقلب واحد". إننا نسأل الله أن يضع الوحدة في قلوب المسيحيين ليكونوا صوتا واحدا وليكون موقفهم واحدا. وإننا وندعوه من أجل جميع اللبنانيين، مسيحيين ومسلمين ودروزا، ان يمنحهم نعمة الوحدة والتعاون والاحترام المتبادل، فيبنوا لبنان واحدا سيدا وحرا ووطنا يطمئن فيه جميع أبنائه.

كما نسأل الله أن يمنح سائر بلداننا، سوريا والأردن ومصر، وجميع البلدان العربية، الاستقرار الذي يتيح لها أن تنمو نموا طبيعيا وأن تزدهر بإيمان جميع أهلها وبمحبتهم بعضهم لبعض، وبتعاونهم لتعزيز أوطانهم فتتوافر فيها لجميع المواطنين حياة كريمة ومطمئنة، وبخاصة الشباب مستقبل اوطانهم.
نسأله تعالى أن يمنحنا النعمة لنقتدي بالقديس بولس في هذه السنة التي نحيي فيها ذكرى ألفي عام لمولده. لنقتدي بإيمانه وقوته وبالأمل الذي شدده في جميع الأخطار التي تعرض لها، ظل يحمله بالرغم من جميع الشدائد التي تعرض لها. ولنثبت مثله على إيماننا، ولنحمل مثله، بفرح المسيح، البشرى السارة في أوطاننا".