المزمور العشرون: ترنيمة فرح

همسات الروح

تأمل في سفر المزامير

بقلم الأب/ بولس جرس

أولاً: تقديم المزمور:

المزمور العشرون هو مزمور ملوكيّ، ليتورجي، ومسيّاني، ينشده الشعب وترفعه الأمة كلها إلى الله، من أجل الملك عندما ويتولّى مسؤولية قيادة شعب الله وُيتوَّج ملكاً، أو ساعة يحدق الخطر بشعب الله فينطلق إلى الحرب دفاعاً عن الأرض. نظمه داود ليُصليه بعد نجاح حملته ضد بني عمون وآرام الذين جاءوا بعدد عظيم من الخيل والمركبات لمحاربته (2 صموئيل 10: 6، 8؛ 1 أيوب 19: 7)، فوضع داود هذا المزمور كصيحة قتال، يحث به نفسه والشعب ويدفعهم إلى الصلاة. كان المزمور يُرتل بطريقة ليتورجية، كجزء من صلوات الذبيحة التي تُؤَدَّى قبل خروج الملوك إلى أرض المعركة، حيث يجتمع الشعب للصلاة في الهيكل، ليَهَب الله النصر للملك المحارب وجيشه ( صموئيل الأول 7: 9؛ 13: 9؛  ملوك الأول 8: 44؛ 2 أيوب 20: 18 إلخ…)

وهو مرتبط بالمزمور الحادي والعشرين الذي يليه، وفيه يرفع الملك باسم الأمة، صلاة الشكر لأجل النصر… تتمحور الفكرة في كلا المزمورين على الملك كممثل لله، وعلى انتصاره على الأعداء، أعداء الله والشعب، باعتباره ممثلاً مزدوجاً: ممثلٍٍ لله لدى الشعب وممثل للشعب لدى الله.

كان الملوك يستشيرون الكاهن أو النبي قبل دخول الحرب ويسمعون منهم كلمة الرب، ويرفعون على أيديهم الذبائح، ويسلّم أمرهم للرب، بينما يترنم الشعب الواقف وراء مليكه بهذا المزمور،  تعبيراً عن إيمان قوي،  في حين كانوا يترنمون بالمزمور الحادي والعشرين بعد نهاية الحرب، ليشكروا الرب الذي جاد عليهم بالنصر، وليؤكدوا ثقتهم ينصره لهم في جميع المعارك التي سيخوضونها باسمه وتحت رايته وبقيادة مسيحه الملك.

خاض داود النبي معارك كثيرة منذ صباه… ومع كل معركة كان يكتسب خبرة جديدة، وقد عبّر عن هذه الخبرات بتقديم مزامير رائعة، صارت سرّ قوة وفرح ورجاء للمؤمنين الله ونصره في معركتهم ضد إبليس؛ وهكذا يُخرِج الله من الضيقات عذوبة لا للمؤمن وحده بل وللشعوب كلها.

في طقوس صلوات الهيكل، كان المرتّلون ينشدون القسم الأول كصلاة توسّل، والثاني والأخير كصلاة شكر. وتبدو الآية السابعة وكأنها كلام أحد الأنبياء، حيث يقول الكاهن المحتفل للملك المحتفى به: إن الربّ رضي عن ذبيحة ملكه وسيتمّم مطلبه ويستجيب له من سمائه قدسه، بينما الشعب مجتمع في الدار الخارجية للصلاة لأجل نجاح الملك المسيّا في حربه المقدسة. كذلك يربط بعض المفسرين هذا المزمور بليتورجية ثابتة، هي ليتورجية بدء العام الجديد حيث يمجد الشعب اللهَِِ، ملك الكون مع بداية كل عام جديد، كأن بداية العام كانت تُحسب كعيد تجليس الله ملكًا على شعبه، وفي قلوبهم.

ثانياً: نص المزمور وتقسيمه:

ينقسم هذا المزمور إلى قسمين متساويين وهو مكوّن من تسع آيات، يُعتبر القسم الأول صلاة توسّل يصليها الشعب من أجل الملك، بينما يرفع الكاهن أو النبي أو قائد الترنيم في القسم الثاني، توسلاته مؤكداً استجابة الله لصلاة شعبه من أجل ملكه… بينما تُعدّ الآية الأخيرة كصلاة شكر ختامية من جميع الشعب ويمكن تقسيم المزمور للنقاط التالية:

القسم الأول:  صلاة توسل ( 1- 5):

1 – – صلاة من أجل الملك

2- – يُعينك الرب يوم الضيق. يرفعك اسم إله يعقوب.

3 – – يُرسل لك من مقدسه نصراً، ويُشدد ساعدك من صهيون.

4 – – يذكر جميع تقدمانك ويقبل محرقاتك كلها.

5 – – يُعطيك رغبات قلبك ويتمم كل مقاصدك.

القسم الثاني:  صلاة شكر وترنم ( 6-9):

6- – لنرنم فرحاً بخلاصك ونرفع الراية باسم إلهنا فالرب سيتمم كل طلباتك.

7- – الآن عرفت أن الرب يخلص الملك الذي مسحه. يعينه من قدس سمائه وبجبروت يمينه يخلصه.

8-  – لهم مركباتهم والخيول، ولنا اسم الرب إلهنا، تذكره ونسبّح له.

9-  – هم يرتمون ويسقطون ونحن نقوم متأهبين.

القسم الثالث:  صلاة شكر ختامية ( 10):

10-  – يا رب خلص الملك واستجب يوم ندعوك.

ثالثاً: تفسير المزمور:

القسم الأول:  صلاة توسل ( 1- 5):

1 – – يُعينك الرب يوم الضيق. يرفعك اسم إله يعقوب.

المرنّم الذي ذاق الألم، ويعرف المعاناة، ويقدّر معنى الشدة والأزمات، وصعوبة كل شيء في وقت الضيق حتى الصلاة نفسها؛ يطلب من إخوته في وقت الشدة الصلاة معه ولأجله ويركز على هذه اللحظات التي تُظهر المعدن الحقيقي للإيمان، كأنه يطلب من كل إنسان في شدة، أن يلجأ إلى الله، فهو وحده الناصر.

*        يرفعك اسم إله يعقوب:

كثيراً ما تختلف أسماء الله وتتعدد، لكنها في كل مرة تُستخدم للإشارة إلى موضوع بالذات ودور محدد، فحين يُذكر مثلاً باسم رب الجنود أو الجيوش أو القوات  فللإشارة إلى قوته، وحين يُذكر رب السماوات فللإشارة إلى سموه وترفعه، فالاسم إذاً يدل على صفات الشخص المذكور، فلماذا يذكر هنا إله يعقوب؟

نعرف أن الله " يهوه" هو الإله العامل والفعال في التاريخ، تاريخ شعبه وتاريخ البشر، ويقول عنه يعقوب: " استجاب لي في يوم ضيقي، وكان معي في الطريق الذي ذهبت فيه" ( تكوين 35: 3)، ولابد أن إله يعقوب سيفعل الشيء نفسه مع الملك ومع شعبه وأمّته، فهو إله العهد الذي وعد يعقوب ونسله بالبركة والخلاص والنجاة من أيدي أعدائهم، ولابد أن يحقق وعوده. ولما كان إبراهيم يمثل "الأبوة" وإسحق "الطاعة" ويعقوب "الصراع" فإن نصر الله لا يتحقق مجانًا وبسهولة دون مجهود يبذل، إنما يعمل الله يعمل فيمن يُجاهد ويصارع ويقاتل؛ فهو لا ينصر المتراخين والمتهاونين في حياتهم… إنه إله كل يعقوب مصارع!.

تُفيد الإشارة إلى إله يعقوب في التذكير باختيار إسرائيل وأمانة الله لهذا الاختيار وهي هنا إشارة مزدوجة:

*        إشارة إلى حياة يعقوب الحافلة بالصراع من مولده إلى مماته لدرجة أن صارع الرب ذاته: فمنذ مولده ممسكا بكعب أخيه عيسو، عبورا بصراعه معه على البكورية، ومرورا بسرقته لبركة أبيه الشيخ الضرير مدفوعاً من أمه، إلى هروبه عند خاله لابان، وحلمه الغريب الذي صارع فيه ملاك الرب إلى الصباح، وزواجاته الأربع، وصراعات أبناءه فيما بينهم وكرههم ليوسف أخاهم… وأخيرا بموته غريباً في أرض مصر موصياً بعظامه عندما يعود الرب فيتذكر عهده مع ابراهيم ونسله….

*        هو إشارة كذلك إلى وقوف الله بجانب يعقوب وتفضيله له عن سائر الناس، ودعمه المستمر لمسيرته وإنقاذه من كل ما مر به من أهوال وتحقيقه لكل ما وعده به، فقد صار أبو الأسباط وأعظم شخصيات الكتاب.

ويقصد المرنّم هنا كلا المعنيين، فإله يعقوب هو الذي يحمل مختاريه ويجتاز بهم الأهوال والمخاطر دون أن تُمس شعرة من رؤوسهم. (تكوين 25-48) كما أن استخدام هذا اللقب يؤكد لشعب الله أنه مهما عانى من صعاب فلن تفوق ما مر به يعقوب، ومهما حاق به من مخاطار فسينقذه من أنقذ يعقوب ….

3 – – يُرسل لك من مقدسه نصراً، ويُشدد ساعدك من صهيون:

         كان هيكل أورشليم المبني على جبل صهيون، ومازال إلى اليوم، برغم تحطمه واختفاءه مادياً، محطّ أنظار اليهود وكل من يطلبون الرب. وفي صلاة ُسليمان الملك يوم افتتاح الهيكل خير تعبير عن ذلك (ملوك الأول 8: 54-61): "… ليكن الرب إلهنا معنا كما كان مع آبائنا…ولتكن صلاتي إلى الرب إلهنا قريبة منه نهاراً وليلاً، حتى يستجيب لحاجة عبده وحاجة بني إسرائيل شعبه، كل يوم في يومه، لتعلم جميع شعوب الأرض، أن الرب هو الإله ولا إله غيره" ويضيف (33-34):" وإذا انهزم بنو إسرائيل شعبك أمام أعدائهم بسبب خطيئتهم إليك، ثم تابوا إليك واعترفوا باسمك وصلوا إليك وتضرعوا في هذا الهيكل، فاسمع  من السماء واغفر خطيئتهم وردهم إلى الأرض التي أعطيتها لآبائهم." وفي الآيات 44-45 يقول: "وإذا خرج شعبك لمحاربة أعدائهم، وفق مشيئتك، وصلوا إليك جهة المدينة التي اخترتها والهيكل الذي بنيته لاسمك، فاسمع من السماء صلاتهم وتضرعهم وانصر حقهم"

بل يطلب سليمان العون نفسه لكل من يلجأ إلى الله في هيكله المقدس حتى الغرباء إذ يقول في الآيات (41-43): " وكذلك الغريب الذي لا ينتمي إلى إسرائيل شعبك، إذا جاء من ارض بعيدة من أجل اسمك… وصلى في هذا الهيكل، فاسمع من السماء من مقامك، واعمل بجميع ما يلتمس منك هذا الغريب، ليعرف جميع أمم الأرض اسمك ويخافوك مثل شعبك إسرائيل…"

        يرسل الله عونه من صهيون، ويكون مع ملكه في الهيكل حيث تتمّ حفلة التتويج، ويكون العون مثلّثًا:

*        عون إله يعقوب والآباء،

*        عون إله داود وذرّيته،

*        عون إله الهيكل.

هكذا تتضح أهمية هيكل أورشليم وفاعليته في حياة المرنّم وشعبه، لاسيما في أوقات الشدة والضيق، إذ يكفي أن يرفعوا إليه عيون قلوبهم، ويطلبوا بإيمان وثقة من رب هذا الهيكل ما يشاءون فيكون لهم.وهكذا يؤكد الشعب لملكه : أيها القائد، لقد مثلت في بيت الله عابداً، صليت وسجدت منتظراً بركته، فلابد أن تجيئك البركة من مقدسه. إن كان الشعب يصلي لأجل مساندة الملك في حربه، فإن الله القدوس يقدّم له عونًا من خلال مَقدسه أو من خلال تابوت العهد، كتجاوب وتحقيق لوعده الإلهي وميثاقه مع شعبه المقدس المحبوب لديه. بقوله: "ومن صهيون يعضدك" يؤكد الوحي الإلهي دَوْر الجماعة المقدسة، وفاعلية صلواتها.

4 –  – يذكر جميع تقدماتك، ويقبل محرقاتك كلها.

بعد أن رفع الملك صلاته ساجداً في هيكل الله قدم قرابينه- والقربان هو ما نتقرب به من الله- يُشير المرنّم هنا إلى الذبائح التي كانت تُقدّم أثناء التسبيح بهذا المزمور قبل ذهاب الملك إلى المعركة… وتقديم الذبائح يُشير إلى أن سرّ النصرة يكمن في المصالحة مع الله بالدم، والمحرقات علامة الثقة وعربون النصرة؛ إذ يُقدّمُ الكل قلوبهم ذبائح محرقة ملتهبة بنار الحب الإلهي.

بحمل الملك قربانه وذبائحه ويقدمها إلى هيكل الرب حتى ينظر الرب إليه بعين الرضا قبل الانطلاق إلى الحرب والشعب يؤكد لملكه: الربّ سيذكر قربانك بالخير ويجده سمين في عينيه، فيقبله ويحقق لك كلّ ما تسأل وترغب.

كأن المرنم يرتقي سلماً متدرجاً فهو:

*        أولاً: يذكرنا بأهمية الصلاة في وقت الشدة.

*        ثانياً: ثم يرتقي لنا ليذكرنا إلى من نلجأ – إله يعقوب- الذي يحفظ عهده ولا يتخلى عن أحباءه في وقت الشدة.

*        ثالثاً: يصعد بنا مع الملك للصلاة في الهيكل، مكان سكنى الله وسط شعبه، خيث يحيا معهم ويلبي كل طلباتهم.

*        ورابعاً وأخيراً ينتقل بنا من المعطيات اللاهوتية والروحية، الجغرافية والتاريخية إلى الحياة مستوى الحياة الشخصية. فنصير في حضرة الله وكأننا نسمع صوتًا يعلننا أن الصلاة قبلت وستستجاب.

 5 – – يُعطيك رغبات قلبك ويتمم كل مقاصدك:

يقول الكاهن للملك إن الله يعرفك وسيعطيك ما تتطلبه اليوم، كرجل يتقي الله ويخدمه: كم عشت معه من اختبارات وكم وقفت أمامه! إنه يعرف أيضا صوتك  فكم وقفت بين يديه، كم قدمت من ذبائح شكر وتوبة وتهليل، وكم وهبت من صدقات وأغدقت من خيرات، وكم رفعت من رايات. كم مد يده ونجاك من شدائد، وقبل ذبائحك… إن الله الذي تعبده وتدعوه لنجدتك يعرف ما في قلبك من الحب والخير، من التوبة والانكسار والندم على ما سبق من خطايا ومعاص، لذلك سوف يحقق كل ما تريد، وسيُكمل ما نقص لديك حتى تصير حياتك "ترنيمة فرح"  بإله يعقوب الذي يخلص أحباءه.

 وفي هذا يقول القديس أوغسطينوس " عندما تفعل مشيئة الله كأنها مشيئتك، يفعل الله مشيئتك كأنها مشيئته. فلنراجع صلواتنا، ولنتساءل هل هي متوافقة مع مشيئة الله؟ ولنعلم أن التوافق ضمان للاستجابة".

القسم الثاني:  صلاة شكر ( 6- 9):

6-  – لنرنم فرحاً بخلاصك ونرفع الراية باسم إلهنا فالرب سيتمم كل طلباتك:

لقد وهب الله داود سُؤْل قلبه، لأن قلبه كان مثل قلب الله، ولم يهدف قط إلاّ إلى ما يُرضيه. وهكذا مَنْ يسلكون حسب مشورة الله وإرادته يتمم الله سُؤْل قلبهم ويحقق رغباتهم، واهبًا إياهم الفرح الحقيقي. فإن الذين يُثّبتون أنظارهم على خلاص الرب لا ينشغلون بالنصر في ذاته، بل بالرب وعمله الخلاصي؛ به يبتهجون وبأعماله العجيبة المملوءة حبًا يعترفون.

*        لنرنم فرحاً بخلاصك :

أبناء الله واثقون أنّه لا حاجة بهم،إلى الخيل والمركبات، فاسم الله يكفي لنصرتهم، فاسمه هو الراية التي تقود شعبه إلى النصر. المركبات يمكن أن تحترق والخيل تموت فينهار المتكلون عليها، أما المتكلون على ذراع الرب الأبدي وإسمه فلا يسقطون ولا يُخْزَون قط ، بل يتمتعون بالخلاص الأبدي.حينئذ يستطيع الشعب أن يعبّر عن فرحه: نهتف فرحاً بانتصارك ونرفع الراية باسم إلهنا. نرى في هذا المزمور (2: 6) قدرة اسم  إله يعقوب وإله القبائل الاثنتي عشر، الساكن في هيكل صهيون (3: 5) وهو صورة الهيكل السماوي (1 ملوك 8: 44- 45) ويتمّم بحضوره الحيّ الفعال رغبة الملك فيعطيه النصر. وفي هذا يقول العلامة ترتليانوس: "يمكن أن تحترق المركبات ويموت الخيل فينهار المتكلون عليها أما المتكلون على ذراع الرب الأبدي وإسمه فلا يسقطون قط ولا يُخْزَون بل يتمتعون بالخلاص الأبدي".

*        "وباسم إلهنا ننمو": 

في النص العبري: "وباسم إلهنا نرفع رايتنا". يعني رفع رايات النص التي تُرفرف أمام الجند. وكأن الملك متأكدًا من عمل الله معه بعدالصلاة قبل المعركة والبركة التي نالها من الكاهن  يُعِلن ثقته وبهجته برفع الرايات.

وعادة رفع الراية عادة قديمة، وجدت في حالات حدوث جريمة قتل، حيث تبقى الرغبة في الأخذ بالثأر إلى أجيال. لذا كان المطلوب قتله يلجأ إلى مدينة ما طالباً الحماية والرحمة من شخصية ذات وزن وتقدير؛ فإذا وافق الرجل وعفا عنه، يقوم بمصالحته مع عائلة القتيل. وحين يتحقق ذلك يجتمع الناس، ويجولون المدينة لإعْلِان النبأ السار في حين يحمل مَنْ تمتّع بالعفو راية فوق رأسه، ويصرخ داعيًا المدينة كلها كي تأتي وترى الإنسان الذي باسمه عُتِق من حكم الموت.

7-  – الآن عرفت أن الرب يخلص الملك الذي مسحه. يعينه من قدس سمائه وبجبروت يمينه يخلصه.

قال الشعب لصموئيل: "يخرج الملك أمامنا ويحارب حروبنا" (صموئيل الأول 8: 20). هذا هو ملخّص رسالة الملك في إسرائيل: يقيم العدالة داخل المملكة، ويحافظ على سلامة الحدود ضد الغزو الخارجيّ. لذلك يحتاج الملك إلى معونة الله التي تأتيه من تابوت العهد، حيث كان الكهنة يحملونه أمام الجيوش عندما تسير إلى الحرب. 

وكلمة الآن تعني الحاضر وهذا يُؤكد ثقة المرنّم بأن صلاته قد قُبلت، بل وتحققت بمجرد خروجها من شفتيه، كتعبير عن إيمان راسخ بالله الذي يلبي دوماً نداء طالبيه ويستجيب لهم، بل يتمادى الناطق باسم الله ليرى أعداء إسرائيل يخرّون ويسقطون، بينما يظل شعب الله واقفًا عالية راياته وهو رافع الرأس منتصرًا.

8-  – لهم مركباتهم والخيول، ولنا اسم الرب إلهنا، تذكره ونسبّح له:

يعتمد أعداء الله والملك على قوتهم الذاتية ويحسبون ما لديهم من مركبات وفرسان وخيول وأسلحة وعتاد وذخائر " أي ملك إذا أراد محاربة ملك آخر لا يجلس أولاً ويحسب النفقة، هل يستطيع بعشرة ألاف أن يلاقي من يأتي عليه بعشرين ألفا وإلا فما دام بعيداً يرسل سفارة طالبا السلام" ( لوقا 7:)… يُعْلِن الأنبياء دوماً أن إرادة الله تكمن في الاعتماد المطلق عليه وحده، لا أن يتنافس شعبه مع الأمم الأخرى لحيازة أفضل أسلحة الحرب كالمركبات والخيل (تثنية 17: 16؛ هو 1: 7؛ 14: 4؛ ميخا 5: 9؛ إشعياء 31: 1؛ زكريا 8: 9) إنماينبغي ان يكون سلاحهم هو الرب نفسه.

*        ولنا اسم الرب إلهنا:

بالطبع لا يستطيع أحد كداود أن يدعم هذه القضية بحياته، فهو الذي واجه في صباه جوليات الجبار الذي كان عملاقا عتياً وكان يسخر يومياً من جيوش إسرائيل وفرسانهم ويطلب أن ينازله أبطالهم ، فلم يجرؤ أحد على مواجهة ذلك الجبار إلى أن وصل الصبي داود حاملاً زاداً لإخوته، فغار غيرة على رب الجنود واسمه القدوس، وطلب منازلة ذلك الفلسطيني الأغلف (غير المختون) كما سمّاه، وبرغم محاولة الجميع إثناء الفتى عما عزم إلا أنه أصر ورفض حتى أن يحتمي بملابس القتال والتروس والدروع ورفض أن يحمل سلاحا في مواجهة الجبار ولم يرتعب في مواجهته بل قال له: "أنت تأتيني بالسيف والرمح وأنا آتيك باسم رب الجنود"، وبضربة واحدة من مقلاعه أرداه أرضاً وقطع رأسه بسيفه الذي كان يهدد به، ودحر قوته الحسية العاتية، بثقته في معونة اسم الرب إلهه! راجع (صموئيل الأول🙂

*        تذكره ونسبّح له:

يريد هنا أن يذكر نفسه والشعب بأعمال الله معهم وأن يعلّمهم أنهم ليسوا بحاجة إلى كل ما تحتاجه الأمم، يكفي أن يذكروا أعمال الله معهم فيسبحونه على معونته التي لا تتأخر أبداً عمن يطلبونه من كل قلوبهم ويثقون به ويمجدونه بالقول والعمل.

9- هم يرتمون ويسقطون ونحن نقوم متأهبين:

هذه الآية تأكيد على الخبرات المعاشة من قِبَل النبي وشعبه، حيث شاهد داود عدوه مرتميا ًصريعاً وعاين بأم عينيه كيف سقطت الجبابرة من جوليات إلى شاول…وكيف انكسرت جميع الفخاخ ونجا كالعصفور وها هو اليوم يقف أمام الله متأهباً كعادته دوماً.

القسم الثالث:  صلاة شكر ختامية ( 10):

10- – يا رب خلص الملك واستجب يوم ندعوك:

خاتمة رائعة لهذا المزمور، فكأننا أدركنا حياة جديدة بعد موت. وتأتي الخاتمة بشكل صلاة تتجاوب مع الآية الثانية: ليستجيب لك الرب. صلاة الملك والشعب المرتبطى المصير. فإذا تمّ الخلاص للملك، كان للشعب السلام والطمأنينة والحياة على بركة الله. وهو واثق انه يرى الخلاص بعينيه،  وأن الرب الذي خلقه واختاره ومسحه وأيّده بنعمه لن يتخلى أبداً  عنه بل يستجيب له في كل حين.

بدأ المرنّم المزمور بالحديث عن الضيق والآلام، فدخل إلى الهيكل وقدم صلاته وذبيحته حتى يتحقق مجد الله وخلاصه، فأتم الله مقاصده وخقق له أمنية قلبه بأن وهبه النصر على العدو، ليس بالجيوش وقوتها بل بقوة اسم الله وحده… وها هوذا الملك يختتم المزمور بنشيد النصر حتى قبل أن يخرج إلى المعركة.

رابعاً: تطبيق المزمور:

*        كيف عاش الرب يسوع هذا المزمور؟

لا يتكلّم المزمور عن المسيح بصورة مباشرة، ولكن كما يقول القديس أوغسطينس "المسيح الآتي يضيء على شخص ملك إسرائيل، إنه ترنيمة القيامة التي هي مجد يسوع المسيح المنتصر على أعدائه". والعنوان واضح إذ يحدثنا النبي عن المسيح الآتي منتصراً ويتغنى بالمستقبل في صيغة الرجاء. ويرى فيه كثير من آباء الكنيسة نبوة عن المسيح الخارج إلى المعركة ضد إبليس لأجل خلاص البشرية، ليقدم نفسه ذبيحة عن العالم كله.

فالجماعة اليهوديّة، وقد حُرمت من ملكها، انتظرت الخلاص على يد ملك جديد، ونحن شعب العهد الجديد، نستطيع أن ننشد هذا المزمور متطلّعين إلى المسيح ملكنا الذي خضعت له كل رئاسة وسلطة وقوة (1 كورنثوس 15: 24). وحين نتلو الصلاة الرّبيّة فنقول: "ليأت ملكوتك"، ننتظر يوم يضع يسوع جميع أعدائه تحت قدميه، لنملك معه ونشاركه في وليمة النصر (رؤيا 19: 15- 18). لذلك تصلي الكنيسة – كهنة وشعبًا – وتجاهد تعمل لأجل خلاص البشرية جمعاء.

مر الرب يسوع في خلال حياته على الأرض بأوقات حزن وضيق، فحولها جميعاً إلى أوقات صلاة عميقة واتحاد فريد بأبيه السماوي، "وإذ كان في جهاد كان يصلي بأشد لجاجة، وصار عرقه كقطرات دم نازلة على الأرض، وظهر له ملاك من السماء يقويه" (لوقا 22: 43-44) وهكذا انتصر فتمم خلاصنا.

بتقديسه لاسم أبيه السماوي قدم ذاته ذبيحة، فقدس بدوره الكنيسة التي هي جسده السري غير المنظور وهي تجد يقينها في تأمل حياته وآلامه وانتظار خلاصه بمجيئه في مجد عظيم.

  فليلبي الرب طلبة قلبك: تحقق في حياة الرب يسوع وبعد موته ما صلى من أجله وطلبه بإلحاح من أبيه "أحفظهم بحقك" فحفظه الله وحفظ كنيسته، ولم يلبي طلبة الذين صلبوه ليقضوا عليه ويهلكوه ويبيدوا اسمه، فبينما بل تحقق العكس تماماً لأن ثمرة الطاعة عظيمة، لذا أطاع فقدم حياته، فصار كحبة الحنطة التي " إن لم تمت فلن تأت بثمر".  ( يوحنا 12: 14).

بتهج قلبي بخلاصك: يلبي الرب ليسوع صلاته التي يرفعها حين كان على الأرض وبالأكثر شفاعته الخلاصية التي يرفعها عنا في السماء. ونحن كذلك سنفرح ونتهلل ونبتهج بالخلاص من سلطان الموت علينا عبر قيامة فادينا "فأين قوتك يا موت وأين غلبتك يا هاوية". ونجد فرحنا وابتهاجنا في اسمهالذي به نغلب ( مزمور 19: 6).

أعرف اليوم أن الرب خلص مسيحه: يعرفنا النبي بالروح أن الرب  يخلص مسيحه ويستجيب له ويؤيده بالروح القدس (أعمال 2) ففي يمينه قدرة الخلاص وقدرتنا تنبع من يمينه المخلصة. لأنه باطل هو خلاص البشر وممتلئون بالشر كل البشر الذين يجدون خلاصهم في الخيرات الأرضية.

في يوم شدتك: يوم الشدة هو اليوم الذي فيه حمل يسوع الصليب لأجل خطايانا، محتملاً موت الصليب، لأجلنا. لقد اجتاز ربنا يسوع هذا اليوم، ومات ودُفن في القبر، وقام ، وصعد إلى السموات، لكي يهبنا شركة مجده… هذا هو اليوم الذي صنعه الرب، إنه يوم شدة، لكنه مصدر فرح وبهجة.

*        كيف نعيش هذا المزمور ‏في حياتنا كمسيحيين:

لا اختلاف على أن هذا المزمور هو أيضا تجسيد للطوبى التي يحياها المسيحي الحقيقي:

 الشعب المسيحي إذ يدعو إلهه بصوت واحد وفكر واحد وقلب واحد، يعرف أن صلاته ستُسمع وتُستجاب من الله ، وأنها إجراء وقائي حيث لا يجب انتظار وقوع البلية ثم الصلاة لتعبر بل صلاة اليوم تبارك الغد وتؤمّن المستقبل. صحيح ان الرب يشجعنا كي نطلبه في وقت الضيق، لكن هذا لا يعني أن ننتظر الضيق حتى يقع فنصرخ. لذا نتعلم أن نقدم مشروعاتنا وأعمالنا لله قبل أن نشرع فيها.وحيث يصلي الكثيرون كرد فعل  لما يواجههم في الحياة من مشاكل، يعلمنا هذا المزمور أن نصلى يومياً وباستمرار، فتكون حياتنا صلاة " أما أنا فصلاة" ( مزمور 109: 4).

حيث تفتخر الأمم بقوتها الكامنة في المركبات والخيل وكل مظاهر القوة، تجد كنيسة المسيح قوتها في عمانوئيل السماوي الذي جاء متواضعًا ووديعًا ليحملنا إلى الأمجاد  السماوية.

يمكننا كمسيحيين أن نصلي هذا المزمور من أجل ملكوت الله " ليأت ملكوتك، لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض"، فكما أن الملائكة في السماء على استعداد دائم أن ينفذوا أوامر الرب بلا تهاون أو اعتذار ولا إبطاء، فلتتحقق في الأرض وفي حياة شعبك إرادتك وليتم ملكوتك فينا.ويمكن أن تصلي هذا المزمور كأسرة ترفع عائلها أمام رب العرش أو كنيسة ترفع راعيها وتطلب البركة والسداد لرؤسائها الأرضيين، لتقضي حياة هادئة وأزمنة سالمة مطمئنة في كل تقوى وورع (1 تيموثاوس2: 2) فالمزمور صلاة كل مسئول في موقع مسئوليته، وإذا صليناه بإيمان سيستجيب الرب من هيكل قدسه ويعطي للمصليين بركته الأبوية السماوية كما قال الرب يسوع لتلاميذه " إلى الآن لم تطلبوا شيئاً باسمي، اطلبوا تجدوا ليكون فرحكم كاملاً" ( يوحنا 16: 24)

فليعينك الرب يوم شدتك: أي ليساعدك الرب يوم تطلب منه أولاً: قدرة الاسم. نقرأ في 44: 6: "بك نقهر (حرفيا: ننطح كالثور) مضايقينا، وباسمك ندوس الهاجمين علينا". هذا الإله هو إله يعقوب. نقرأ في 46: 8: "ربّ الجنود معنا. ملجأنا إله يعقوب". وفي 75: 10: "أما أنا فأخبر إلى الأبد، أشيد لإله يعقوب". وفي 76: 7: "من انتهارك، يا إله يعقوب، هجعت العجلات والخيل".هذا الإله هو بالتالي إله الأسباط الاثني عشر المنحدرة من أربع أمهات مختلفة لكن أبوه واحد، وهو مثال الشعوب المسيحية التي برغم اختلاف أعراقها وجنسياتها، تعلن نفسها بنيناً لآب سماوي واحد وينتصر في المسيح الشعب المتحد تحت راية ملك واحد.

وهذه الشعوب الجديدة ليست البكر بين الأخوة، فشعب إسرائيل هو الابن البكر لكن إله يعقوب، يفضلها عن شعب إسرائيل كما فعل حين رفض البكر عيسو وأحب يعقوب، وقال إن الكبير يُستعبد للصغير" (تكوين 25: 23)

 العون يأتي من هيكل صهيون كما يقول  مزمور3: 5: "بصوتي إلى الربّ أدعو، فيجيبني من جبله المقدّس". والهيكل هو ما يقابل الهيكل السماويّ كما نقرأ في الآية 7: "يستجيب له من سماء قدسه"، من "معبده السماويّ".

إن حضور الله المحيي في قلب أعمار البشر، يعطي رغبات الملك ملئها ويتمّمها. هذا ما نقرأ في المزمور 3:21: " منية قلبه أعطيته ، وما رفضت طلب شفتيه".

  يُعطيك رغبات قلبك ويتمم كل مقاصدك: إذا طلبنا الله وعبدناه ودعوناه لنجدتنا وقدمنا له الذبائح الروحية، لاسيما ذبيحة الإفخارستيا فهو يعلم ما في قلبوبنا من الحب والخير، سوف يحقق كل ما نريد وسيكمل كل ما نقص لدينا حتى تصير حياتنا "ترنيمة فرح". وفي هذا يقول القديس أغسطينوس " عندما تفعل مشيئة الله كأنها مشيئتك، يفعل الله مشيئتك كأنها مشيئته" ف " شهوة الصديقين تُمنح" ( أمثال 10: 14)

وأخيرًا يذكرنا بأعمال الربّ لخلاص شعبه. "فما بسيوفهم ورثوا الأرض، ولا بسواعدهم نالوا الخلاص، بل بيمينك وساعدك ونور وجهك، لأنك رضيت يا ربّ عنهم" (مزمور 44: 4). ويدعو المرنّم شعب الله أن يتكل عليه وحده، فالقدرة الحقيقية تقوم في العون الذي يقدّمه الله. اعتبر الشعب اعتبارات بشريّة، فقالوا: "على الخيل نهرب… على مركبات سريعة نهرب". فقال الرب: "في التوبة والطاعة خلاصكم، وفي الأمان والثقة قوّتكم" (أشعياء 30: 15- 16).

عثروا وسقطوا: أعماهم مجد العالم فسقطوا في العمى الذي أصابهم، إذ فقدوا الرجاء في حياة الدهر الآتي وأملوا في مُلك هذا العالم "حتى لا يأتي الرومان ويهلكونا" (يوحنا 11: 48) ونلاحظ أنهم رفضوا عدل الله وفضلوا عدالتهم (رومية 9: 32) أما نحن فعلى عكس ذلك نقوم وننتصر (رومية9: 30) وهذا الانتصار لا يعود لقوتنا بل إلى قوة من أحبنا ففدانا وأقامنا معه.

المسيح الذي علمنا القتال عبر آلامه يقدم أيضا ذبيحتنا، حين يكون هو  نفسه لنا شفيعاً لدى الأب، فنحن واثقون أنه يستجيب يوم ندعوه، لاسيما حين نقدم للآب نذور طاعتنا ونسلم بين يديه مواثيق حريتنا. والملك الغالب في المعركة هو المؤمن (رؤيا 1: 6)، المدعو جندي المسيح. والمسيحي الحقيقي يلزمه أن يتلو هذا المزمور طول اليوم، مصليًا إلى الله الذي يَهَبه النصر الروحي في استحقاقات المسيح الذبيح.

خامساً: خاتمة المزمور

مسرة الله أن يستجيب صلوات مؤمنيه الذين يثقون فيه، واهبًا إياهم نصره وحمايته وسلامه.لحياتنا وجهان متكاملان، فهي "يوم شدة" "يوم فرح داخلي"؛ هي يوم شدة بسبب وجود عدو لا ينام، يحاربنا لكي ينتزعنا من أيدي إلهنا، وهي يوم فرح داخلي لأننا ننعم فيها بالانتصار على التحارب من خلال شركتنا مع المسيح كنزنا وسلامنا كعربون للحياة الأبدية.

يتعرض أعظم الرجال – حتى الرسل والقديسون والملوك المقتدرون – للألم والضيق، ويحتاجون إلى صلوات الغير عنهم، ليعينهم الله نفسه. ففي الليتورجيات القبطية يصلي الكاهن من أجل الشعب والشعب أيضًا من أجل الكاهن؛ فالكنيسة المصلية معًا- كهنة وشعبًا- لا يُستهان بها في السماء!

كما يلتزم كل مؤمن – كاهنًا أو من الشعب – ألا يحتقرَ صلوات الغير لأجله، بل يطلبها في جدّية، حتى من الذين يَبْدون أقل منه. غير أن هذه الصلوات لا تفيد كثيرًا حتى إن قَدَّمها قديسون  ما لم يُصَلِّ الإنسان نفسه أيضًا. فداود كان ملكًا، ورجل حرب، وقاضيًا وكان لديه كهنة وأنبياء وشعباً يصلون لأجله، ومع هذا لم يُعْفِ نفسه من الصلاة الشخصية ولا الحماعية. لقد تعلم داود الملك بما لديه من خبرة كرجل حرب أن يضع ثقته في الله، ليس فقط برفع صلاة لله في مخدعه أو حتى في الهيكل أمام تابوت العهد، وإنما أيضًا بطلب الصلاة لأجله من الكهنة والشعب، وأن يقدموا ذبائح عنه. وكأن العبادة الشخصية والجماعية متكاملتبن.

فالحياة الحاضرة هي "يوم شدة"، أو "وادي الدموع"، لأن الكنيسة كعروس للمصلوب تشارك عريسها آلامه، وتصارع بنعمته ضد الظلمة، وتجاهد حتى يتمتع كل واحدٍ بنعمة الخلاص. والآن إذ قدم السيد المسيح نفسه ذبيحة انفتحت أبواب السماء أمام الكنيسة لتعيش في السماء عينها، حيث يرفع روح الله القدوس صلواتنا بل ونفوسنا إلى السماء لتنال العوْن الإلهي عبر ذبيحة الإفخارستيا.

في حربه اليومية، يجد المؤمن الحقيقي نصرته في ذبيحة القداس، بالتناول من جسد المسيح ودمه، وقبول الألم والصليب كقوة للخلاص. يقول الرسول: "ولكننا نكرز بالمسيح مصلوبًا… فبالمسيح قوة الله وحكمة الله… لأني لم أعزم أن أعرف شيئًا بينكم إلا يسوع وإياه مصلوبًا" (1 كو 1: 23-24؛ 2: 2).

لنعرف أن الله يقبل محرقاتنا الروحية، إذا ما أشتعلت نفوسنا بنار الحب الإلهي التي الهبت قلوب قديسيه عبر الأجيال، ولا تقدر مياه كثيرة ولا كل قوات الظلام أن تطفئها… إنه يسكب فينا ببهجة أبدية قوة القيامة والانتصار على الموت. وكما يقول القديس أغسطينوس" ليت الصليب الذي قدمت عليه ذاتك كمحرقة كاملة لله (الآب)، يتحول إلى بهجة القيامة".

واخيراً فإن شهوة قلب الله هي خلاص البشر مما استدعى موت ابنه ذبيحة ومن ثِم قيامته وصعوده إلى الأمجاد. وكما يقول القديس أغسطينوس "إننا نبتهج، لأنه لم يكن ممكنًا للموت أن يؤذيك بأي حال من الأحوال؛ ولهذا تبرهن لنا أنه لا يقدر أن يؤذينا نحن أيضًا". ويتم الخلاص ويتحقق النصر بقيامتنا وتحررنا من سلطان إبليس. كذلك نحن إذ تصير لنا ذات شهوة قلب الله والمسيح، يحقق الآب سُؤْل قلبنا ويهبنا طلبتنا، مٌقدّمًا لنا بهجة الخلاص في حياتنا كما في حياة الغير.

لقد وهب الله داود سُؤْل قلبه، لأن قلبه كان مثل قلب الله، ولم يهدف قط إلاّ إلى ما يُرضيه. وهكذا مَنْ يسلكون حسب مشورة الله وإرادته يتمم الله سُؤْل قلبهم ويحقق لهم إرادتهم، واهبًا إياهم الفرح الحقيقي.

صـــــــــلاة

ربي أنت فرحي

قلبي يرنم لك ترنيمة فرح،  ونفسىي تنشدو  لك نشيد الخلاص

نعم يا رب، كياني مستريح لوجودك، قلبي فرح بك، نفسي مطمئنة لخلاصك، أعلم جيدا كم تصون عهدك، أعرف منذ الصبا أنك لن تنساني ولن تغفل عيناك عني، موقن يا رب أنك أبداً لن تسلمني إلى الموت ومن المستحيل أن تتركني فريسة للعدو

إلهي إلهي كن قائدي  في مسيرة عمري لأهندي

أدخل بي إلى معركة الصليب،

واهباً إياي الغلبة والنصرة على قوات الظلام

هب لي نعمة التمتع بمشاركتك آلامك

وشرف حمل صليبك الذي وإن كان للعالم حماقة وعثرة، فهو لي قوة الله وحكمته،

أيها القائد الحقيقي، علمني الحكمة

فلا أتكل على ذراع بشر،

بل على عملك في حياتي والعالم والناس،

اِمْلك يا رب في قلبي، وأقِمْ ملكوتك في داخلي، كي لا يكون للعدو موضع في كياني!

فيفرح قلبي ويهتف فمي ويعرد لساني بترنيمة فرح أبدي.آمين