المقال الثاني: نُؤْمنُ

 

الفصل الثالث: جواب الإنسان لله من 166 – 184

166- الإيمان فعلٌ شخصي: إنه جواب الإنسان على مبادرة الله الذي يكشف ذاته. ولكن الإيمان ليس فعلاً مُنعزلاً. فما من أحد يستطيع أن يؤمن منفرداً، كما أنه لا يستطيع أحد أن يعيش منفرداً. وما من أحد أعطى نفسه الإيمان كما لم يُعط أحدٌ نفسه الحياة. فقد تقبل المؤمن الإيمان من غيره وهو من واجبه أن ينقله لغيره. إن محبتنا ليسوع وللبشر تحملنا على أن نُحدث غيرنا بإيماننا. وهكذا فكل مؤمن حلقةٌ في سلسلة المؤمنين الطويلة. ولا أستطيع أن أؤمن بدون أن أُحمل في إيمان الآخرين، بإيماني أنا أُسهم في حمل إيمان الآخرين.

167- «أؤمن»[1]: إنه إيمان الكنيسة يعترف به كل مؤمنٍ شخصياً، ولا سيّما إبان المعمودية. «نؤمن»[2]: إنه إيمان الكنيسة يعترف به الأساقفة المجتمعون في مجمع ، أو، على وجه أعم، يعترف به مجلس المؤمنين الليترجي. «أؤمن»: إنها أيضاً الكنيسة، أمُّنا، تجيب الله بإيمانها وتعلمنا أن نقول: «أؤمن»، «نؤمن».

1ً. «أُنْظُر، يارب، إلى إيمان كنيستك»

168- الكنيسة أولاً هي التي تؤمن، وهكذا تحمل إيماني، وتغذيه، وتدعمه. الكنيسة أولاً هي التي تعترف بالرب في كل مكان (ونحن نرنم في النشيد «أنت الله»: «أنت الذي تُعلن الكنيسة المقدسة في جميع أنحاء المسكونة أنك سيدها»)، ونحن معها وفيها محمولون على أن نعترف نحن أيضاً: «أؤمن»، «نؤمن». بالكنيسة وفي المعمودية ننال الإيمان والحياة الجديدة في المسيح. في «كتاب الرُّتب الروماني» يسأل خادم التّعميد الموعوظ: «ماذا تطلب إلى كنيسة الله؟ والجواب: الإيمان- وماذا يمنحك الإيمان؟ – الحياة الأبدية»[3].

169- الخلاص يأتي من الله وحده؛ ولكن بما اننا ننال حياة الإيمان عبر الكنيسة، فالكنيسة أُمنا: «إننا نعتقد بالكنيسة أُماً لولدتنا الجديدة، ولا نعتقد بها كما لو كانت مَصدر خلاصنا»[4]. وإذ كانت لنا أُماً كانت أيضاً مُربية إيماننا.

2َ. لغة الإيمان

170- إننا لسنا نؤمن بالصيغ، بل بالحقائق التي تُعبر عنها، والتي يتيح لنا الإيمان «مسها». «وفعل الإيمان الذي يفوه به المؤمن لا يقف عند التعبير بل عند الحقيقة المعبر عنها»[5]. ومع ذلك فإنّا نُقارب هذه الحقائق بمساعدة صياغات الإيمان. فهي تسمح بالتعبير عن الإيمان وبتناقله، والاحتفال به جماعياً، واستيعابه، والحياة به أكثر فأكثر.

171- الكنيسة، التي هي «عمود الحق وقاعدته» (1تيم3: 15)، تُحافظ بأمانة على «الإيمان الذي سُلم دفعةً للقديسين»[6]. إنها هي التي تحتفظ بمجموعة أقوال المسيح، وهي التي تنقل من جيلٍ إلى جيلٍ فعل إيمان الرُّسل. وكأُم تلقن أبناءها النطق، ومن ثمَّ الإدراك والتعامل، تلقّنُنا الكنيسة أمُّنا لغة الإيمان لتُدخِلنا في فهم الإيمان وحياته.

3ً. إيمانٌ وَاحد

172- منذُ قرونٍ، وعبر لغاتٍ وثقافاتٍ وشعوبٍ وأممٍ كثيرة لا تبرح الكنيسة تعترف بإيمان واحدٍ، آتٍ من ربٍ واحد، منقولٍ في معمودية واحدة، مغروس في الاعتقاد بأن لجميع البشر إلهاً واحداً وأباً واحداً[7]. والقديس إيريناوس، أسقف ليون، يشهد على هذا الإيمان ويُعلن:

173- «وإن كانت الكنيسة منتشرةً في العالم كلّه إلى أقاصي الأرض، فهي، بعدما تلقت الإيمان من الرسل ومن تلاميذهم (…) تحتفظ [بهذه الكرازة وبهذا الإيمان] بعناية كما لو كانت تسكن منزلاً واحداً، وهي تؤمن بهما على وجه واحد، كما لو لم يكن لها إلا روحٌ واحدة وقلبٌ واحد، وهي تكرز بهما وتعلمهما وتنقلهما على نهجٍ واحد كما لو لم تملك إلا فماً واحداً»[8].

174- «فلئن اختلفت اللغات في العالم، فمضمون التقليد واحدٌ لا يختلف. وليس للكنائس القائمة في جرمانية إيمانٌ آخر أو تقليد آخر، ولا لتلك التي عند الإيبيريين، ولا لتلك التي عند القلتيين، ولا لكنائس الشرق، ومصر، وليبية، ولا لتلك القائمة في وسط العالم»[9]. «وهكذا فرسالة الكنيسة حقيقية وثابتة، وإذ لديها طريق خلاص واحدة تظهر في العالم كله»[10].

175- «هذا الإيمان الذي نلناه من الكنيسة، نُحافظ عليه بعناية، لأنه لا يبرح، بفعل الروح القدس، كالوديعة العظيمة الثمن والمحفوظة في إناءٍ ثمين، يتجدد ويجدد الإناء الذي يحتويه»[11].

بإيجاز

176- الإيمان التصاق الإنسان بكامله التصاقاً شخصياً بالله الذي يكشف عن ذاته. إنه التصاق العقل والإرادة بالوحي الذي كشف الله عن ذاته بأعماله وأقواله.

177- للإيمان إذاً مرجعان: الشخص والحقيقة؛ الحقيقة من خلال الثقة بالشخص الذي يُثبتها.

178- ليس لنا أن نؤمن بأحدٍ سوى الله، الآب والابن والروح القدس.

179- الإيمان هبة من الله تفوق الطبيعة. ولكي يؤمن الإنسان يحتاج إلى معونة الروح القدس الداخلية.

180- الإيمان فعلٌ إنساني واعٍ وحرّ يتفق وكرامة الشخص البشري.

181- الإيمان عملٌ كنسي. إيمان الكنيسة يسبق إيماننا، ويبعثه، ويحمله، ويغذيه. الكنيسة أم جميع المؤمنين. «لا أحد يكون الله أباه ولا تكون الكنيسة أُمه»[12].

182- «نؤمن بكل ما تنطوي عليه كلمة الله المكتوبة أو المنقولة، وتدعونا الكنيسة إلى الإيمان به على أنه من وحيٍ إلهي»[13].

183- الإيمان ضروريٌّ للخلاص. الربُّ نفسه يثبت ذلك: «مَن آمن واعتمد يخلص ومَن لم يؤمن يُدان» (مر16:16).

184- «الإيمان هو تذوق مُسبقٌ للمعرفة التي ستجلُنا سعداء في الحياة الآتية»[14].

قانون الإيمان

قانون الرسل[15]

قانون نيقية- القسطنطينية[16]

أومن بالله،

الآب الكلي القدرة،

خالق السماء والأرض.

وبيسوع المسيح، ابنه الوحيد ربنا،

الذي كان الحبل به من الروح القدس،

وُلِدَ من البتول مريم،

تألم في عهد بنطيوس بيلاطس، وصُلِب،

ومات، ودفن،

انحدر إلى الجحيم.

في اليوم الثالث قام من الموتى،

صعد إلى السماوات،

وهو جالسٌ إلى يمين الآب الكلي القدرة،

من حيثُ سيأتي ليقاضي الأحياء والأموات.

أؤمن بالروح القدس

بالكنيسة المقدسة الكاثوليكية،

بشركة القديسين،

بغفران الخطايا،

بقيامة الجسد،

بالحياة الأبدية.

آمين

أومن بإله واحدٍ،

الآب الكلي القدرة،

خالق السماء والأرض،

الكون المرئي وغير المرئي.

وبربٍ واحدٍ يسوع المسيح،

ابن الله الوحيد،

المولود من الآب قبل كل الدهور:

هو الله الصادر عن الله،

نورٌ مولود من النور،

إله حق صادرٌ عن الله الحق،

مولودٌ غير مخلوق،

هو والآب جوهرٌ واحدٌ

وبه صنع كل شيء،

من أجلنا نحن البشر، وفي سبيل خلاصنا،

نزل من السماء،

بالروح القدس

تجسد من البتول مريم

وصار إنساناً.

وإذ صُلب لأجلنا في عهد بنطيوس

بيلاطس،

تألم ودفن،

وقام في اليوم الثالث،

وفاقاً للكتابات،

وصعد إلى السماء،

وهو جالسٌ إلى يمين الآب،

إنه سيرجع في المجد،

ليُقاضي الأحياء والأموات؛

ولن يكون لملكه إنقضاء.

وبالروح القدس،

الرب وواهب الحياة،

إنه ينبثق من الآب والابن،

مع الآب والأبن،

يُعبد العبادة نفسها ويُمجَّد التمجيد نفسه،

لقد نطق بالأنبياء،

أؤمن بالكنيسة،

واحدةً، مقدسةً، كاثوليكيةً رسوليةً.

أعترف بمعمودية واحدةٍ

لغفران الخطايا.

أترقب قيامة الموتى

وحياة العالم الآتي.

آمين




[1] قانون الرسل: د30

[2] قانون نيقية- القسطنطينية: د150 في الأصل اليوناني

[3] ر ت ب 75 و247

[4] فوستس دي رياز، في الروح القدس1، 2

[5] توما الأكويني، خ ل 2-2، 1، 2، م2

[6] رَ: يهو3:1

[7] رَ: أف 4: 4-6

[8] الرد على الهرطفات 1، 10، 1-2

[9] المرجع السابق، 1، 10، 2

[10] المرجع السابق، 5، 20، 1

[11] المرجع السابق، 53، 24، 1

[12] القديس كبريانوس، وحدة الكنيسة الكاثوليكية 6

[13] ق ش 20

[14] توما الأكويني، م ل 1، 2

[15] د30

[16] د150