الـصـوم ابـعاده وبركاته

 الاب انطونيوس مقار ابراهيم

راعي الاقباط الكاثوليك في لبنان

Email: Naim.ibrahim@hotmail.com

اخوتي الاحباء  نستقبل في هذه الايام المباركة فترة الصوم الاربعيني المقدس فنود أن نقول ونوضح مفهوم الصوم وابعاده وثماره وبركاته كي يكون صوماً مقبولاً ومثمراً

يذكر القديس يوحنا الذهبي الفم قائلاً " من الواجب ان نعرف مقاصد صومنا كي لا نكون تائهين في بحر هذا العالم، ونعي أن الصوم هو الامساك عن الرذائل جميعها والتمسك بالفضائل كافّة والتخلي عن كل اثم وقطع رباطات الظلم وتجنب المكر والغش والاستعباد وكسر الخبز للجائع وضيافة الغرباء وانصاف الايتام والارامل ، والصوم المقترن دائماً بالصلاة هو انتصار على الشيطان والفوز بملكوت الربّ ونعيمه ومن يُصلي صائماً ويصوم مصلياً يملك جناحين اخف من النسيم يحلّق بهما نحو ساكن السماوات."

 الصوم في الكتاب المقدس

1_ الصوم في العهد القديم:

 صام النبي موسى في طور سيناء " وأقام هناك عند الرب أربعين يوماً وأربعين ليلة، لم يأكل خبزاً ولم يشرب ماءً فكتب على اللوحين كلام العهد الكلمات العشر ". ( خروج 34:    28 ).

وصام بنو إسرائيل في المصفاة من دان إلى بئر سبع وأرض جلعاد " فصعد بنو إسرائيل الشعب كله وأتوا بيت إيل وبكوا وأقاموا هناك أمام الرب وصاموا ذلك اليوم إلى المساء وأصعدوا محرقات وذبائح سلامةٍ للرب ". ( قضاة 20: 26 ).

وصام أهل يابيش جلعاد على مقتل شاؤل وابنه يوناثان وعلى شعب الرب وعلى آل إسرائيل لأنهم سقطوا في الحرب " وأخذوا عظامهم ودفنوها تحت الأثلة التي في يابيش وصاموا سبعة أيام ".

 ( الملوك الأول 31:13 ).

وأمرت إيزابيل زوجة آحاب ملك السامرة الشيوخ والأشراف للصوم " فنادوا بصومٍ وأجلسوا نابوت في صدر القوم . . . وأرسلوا إلى إيزابل يقولون قد رجم ومات ". ( الملوك الثالث 21: 12_ 14). ولما علم آحاب أنه فعل شراً في عيني الرب لأن إيزابيل امرأته قد أغوته " مزق ثيابه وجعل على بدنه مسحاً وصام وبات في المسح ومشى ناكساً ". ( الملوك الثالث 21: 27 ).

وصام إيليا النبي بعد أن دعاه الملاك للذهاب إلى طور حوريب لملاقاة الرب " فقام وأكل وشرب وسار بقوة تلك الأكلة أربعين يوماً وأربعين ليلة إلى جبل الله حوريب ". ( الملوك الثالث 19: 8 ).

وفي زمن إرميا النبي نودي بصوم " وكان في السنة الخامسة ليوياقيم بن يوشيا ملك يهوذا في الشهر التاسع قد نودي بصوم أمام الرب لشعب أورشليم وكل الشعب الآتين من مدن يهوذا إلى  أورشليم ". ( إرميا 36: 9 ).

وجاء في نبوة باروك عندما أخذ الكلدانيون أورشليم وأحرقوها بالنار، تلا باروك الكتاب على مسامع جميع الشعب الساكنين في بابل على نهر سُودٍ " فبكوا وصاموا وصلوا أمام الرب".( باروك 1: 5 ). ويتحدث النبي دانيال عن صومه بالقول " فجعلت وجهي إلى السيد الإله لممارسة الصلاة والتضرعات بالصوم والمسح والرماد ". ( دانيال 9: 3 ).

ويتحدث النبي نحميا عن صومه عندما علم أن من بقي في أورشليم بعد الجلاء يعيشون بضيق شديد " فلما سمعت هذا الكلام مكثت أبكي وأنوح أياماً وصمت وصليت أمام إله السماوات ".

 ( نحميا 1: 4).

يهوديت روي عن صومها " وكان على حقويها مسح وكانت تصوم جميع أيام حياتها ما خلا السبوت ورؤوس الشهور وأعياد آل  إسرائيل ". ( يهوديت 8: 6 ).

أما النبي زكريا فينقل إلى الشعب دعوة الرب للصوم " هكذا قال رب الجنود إن صوم الشهر الرابع وصوم الخامس وصوم السابع وصوم العاشر سيكون لآل يهوذا سروراً وفرحاً وأعياداً طيبة ".

 ( زكريا 8: 18 ).

دعا عزرا الكاهن اليهود المسبيين للصوم " فناديت بصوم هناك عند نهر أهوى لنتذلل أمام إلهنا مبتغين منه طريقاً مستقيماً لنا ولصغارنا ولجميع أموالنا . . . فصمنا ودعونا إلى إلهنا لأجل ذلك فأستجبانا ".  ( عزرا 8: 21- 23 ).

النبي يوئيل فيبلغ شعب إسرائيل دعوة الرب لهم للصوم "  قدسوا الصوم نادوا باحتفال اجمعوا الشيوخ وجميع سكان الأرض إلى بيت الرب ". ( يوئيل 1: 14 ). ويؤكد عليهم النبي يوئيل ذلك بالقول "  فالآن يقول الرب توبوا إليَّ بكل قلوبكم وبالصوم والبكاء والانتحاب . . . فالرب رأوف رحيم طويل الأناة وكثير الرحمة ونادم على الشر ". ( يوئيل 2: 12_ 13 ).

يونان النبي قبل الرب توبة أهل نينوى من خلال الصوم " وآمن أهل نينوى بالله ونادوا بصوم ولبسوا مسوحاً من كبيرهم إلى صغيرهم ". ( يونان 3: 5 ).

أمر يهوذا الشعب للصوم عندما بلغه أن أنطيوكس قادم إلى اليهودية بجيش كثيف " ففعلوا كلهم وتضرعوا إلى الرب الرحيم بالبكاء والصوم والسجود مدة ثلاثة أيام بلا انقطاع ".

( مكابيين ثاني13: 12 ).

خاطب الملاك رافائيل البار طوبيا قائلاً: " صالحة الصلاة مع الصوم والصدقة خير من ادخار كنوز الذهب ". ( طوبيا 12: 8 ).

النبي داود كان مثابراً على الصوم، وذلك واضح من خلال مزاميره " وأنا عند مرضهم كان لباسي مسحاً وكنت أعني نفسي بالصوم وكانت صلاتي ترجع إلى حضني ". ( مزمور 34_ 13 ). وأيضاً " وأبكيت بالصوم نفسي فصار ذلك عاراً عليَّ ". ( مزمور 68_ 11 ). وأيضاً " ونت ركبتاي من الصوم وهزل جسدي عن السمن ". ( مزمور 108_ 24 ).

2_ الصوم في العهد الجديد:

إنجيل متى يحدثناعن صوم الرب يسوع " حينئذ أخرج يسوع إلى البرية من الروح ليجرب من إبليس. فصام أربعين يوماً وأربعين ليلةً وأخيراً جاع ". ( متى 4: 1_ 2 ).

" وإذا صمتم فلا تكونوا معبسين كالمرآءين فإنهم ينكرون وجوههم ليظهروا للناس صائمين. ألحق أقول لكم إنهم قد أخذوا أجرهم. أما أنت فإذا صمت فاذهن رأسك واغسل وجهك لئلا تظهر للناس صائماً بل لأبيك الذي في الخفية وأبوك الذي ينظر في الخفية هو يجازيك ". ( متى 6: 16_ 18 ). ويعلمنا يسوع أيضاً أن الصوم المقرون بالصلاة يمنحنا قوة عظيمة على طرد الشيطان والأرواح الشريرة فيقول: " وهذا الجنس لا يخرج إلا بالصوم والصلاة ". ( متى 17_ 20 ).

 

إنجيل لوقا يحدثنا عن صوم حنة النبية " وكانت حنة النبية ابنة فنوئيل من سبط أشير قد تقدمت في الأيام . . . ولها أرملة نحو أربع وثمانين سنة لا تفارق الهيكل متعبدة بالأصوام والصلوات ليلاً نهار ". ( لوقا 2: 36_ 37 ).

سؤال الفريسيين ليسوع عن سبب صوم تلاميذ يوحنا المعمدان وعدم صوم تلاميذه " لماذا تلاميذ يوحنا يصومون كثيراً ويواظبون على الصلاة . . . وتلاميذك يأكلون ويشربون. فقال لهم يسوع: ستأتي أيام يرتفع فيها العروس عنهم وحينئذ يصومون في تلك الأيام ".( لوقا 5: 33 _ 35 ).

الفريسي الذي كان واقفاً في الهيكل يصلي " أللهم أشكرك . . . فإني أصوم في الأسبوع مرتين وأعشر كل ما هو لي ". ( لوقا 18: 11 _ 12 ).

سفر أعمال الرسل:

" بينما هم يخدمون للرب ويصومون ". ( أعمال الرسل 13: 2 ). وقد استعد الرسل للتبشير بالإنجيل بالصوم " . .  قال لهم الروح القدس افرزوا لي شاول وبرنابا للعمل الذي دعوتهما إليه. فصاموا حينئذ وصلوا ووضعوا أيديهم عليهما وصرفوهما ".

ا الرسول بولس عن أصوامه قائلاً: " وفي التعب والكد والأسهار الكثيرة والجوع والعطش والأصوام الكثيرة والبرد والعري ". ( كورنتس الثانية 11: 27 ).

 ابعاد الصوم  :

1-  البُعد الفردي  : في البعد الفردي والانساني في ذات الوقت يلتزم الفرد فضيلة الاقتداء بالمسيح ويجعل للمسيح مكانةً ومكاناً في حياته الشخصية، ويسعى جاهداً لتجديد معموديته وتوبته بنبذ كل أعمال الشر وتجنب المعاشرات الرديئة، كما أنه يلتزم مساعدة أخيه الانسان ( الاخر) إذا البُعد الفردي هو بُعد ( الأنا – الأخر)

2-   البُعد الأُسري : يقع على عاتق الأسرة المسيحية المؤمنة بالمسيح وكلمتة مسؤلية حفظ وديعة الايمان  والالتزام بها قولاً وفعلاً ويعملا على القيام بالدور القيادي تجاه تسليم هذه الوديعة إلى أبنائهم بكل صدق وايمان والتزام ومسؤولية ايضاً.

3-  البُعد الكنسي :  هذا البُعد الكنسي أو بمعنى أخر البعد الجماعي هو كمال البُعدين الأُولين وابرزها لابل أجودها ، فالكنيسة هي الجماعة المصلية العابدة الله بكل خشوع وتسبيح وتمجيد وهي أيضاً الشاهدة على خلاص وفداء الله للبشرية ، ففيها تتألف الجماعة وتصير عضواً واحداً رأسه المسيح ببمارسة الاسرار الكنيسة ولاسيما سري التوبة والتناول أي الغسل من الخطايا والاتحاد بنع النعم والمغفرة والحياة وبهذا تنمو الجماعة نمواً مستمراً يتشارك فيه الاعضاء كافة ويتقاسم الخيرات والهبات السماوية.

من يأكل ويشترك في الجماعة المقدسة بغيرةٍ لائقة، أفضل بكثير من الذي لا يأكل ويغيب عن الجماعة.

اذا فالكنيسة تعلمنا أن الصوم والصلاة هما الاقتداء بالمسيح مصدر كل قوة وانتصار على ابليس وتجاربه. كما أنها تعلمنا ايضاً بأن الصوم هو بداية كل فضيلة أي
1- أن يكون للانسان شبع روحي يجعل منه انساناً متواضعاً يحمل كل كيانه أفكاره –مشاعره –

      عواطفه باتجاه روحي صوب يسوع المسيح نبع كل حياة.

2- أن يتخطي كافة الاحتياجات الجسدية والشهوات الزائلة.

3- أن يكنز له كنزاً في السماء فحيث يكون الكنز هناك يكون القلب
4– أن يتحول من انسان أرضى الى انسان سماوى . يعيش الفرح ، والقوة وينتصر على القلق   

    والاضطرب والخوف.
معاني الصوم في المسيحية

1- الصوم هو نهج روحي يخلق انسجام في حياة المسيحى مع روح الله الذى يقوده فى طاعة  

     وخضوع

2- الصوم ليس مجرد انقطاع عن الأكل .. ولكنه صلب للذة شراهة الأكل .
3-الصوم انطلاقاً للروح للسيرفي المعيشة مع الرب يسوع .
4- الصوم مع الصلاة طريق توصلنى بالإيمان إلى إتمام قصد الله فىَّ .
5- الصوم تحرير النفس من الذات ومن الرباطات المادية + الصوم يعنى صلب الذات .
6- الصوم قوامه التوبة وثمرته القيامة .7-الصوم شركة حب مع آلام ربنا .
8- الصوم طعام يومى للحياة الروحية ..
اخي الحبيب في الرب إليك وصية الرب يسوع المسيح " متى صمت أغسل وجهك وأدهن رأسك كي لا تظهر للناس صائماً فيدعونا أن نصوم ونصلي ونتصدق في الخفية وهو يرانا.وينصحنا فم الذهب بالقول " لا تصوم فمك وحده بل عينيك واذنيك وقدميك ويديك وكل اعضاء جسدك. صوم يديك بالنقاوة من الاغتصاب والطمع والسرقة وقدميك من السعي وراء ملذات العالم وشهواته وعينيك من النظرات التي تجلب لك الخطيئة" 

صلاة ختامية :

 يا رب يسوع المسيح يا من علمتنا أن نصوم ونصلي في الخفية ها أني آتي اليك اليوم صائماً مصلياً ومصلياً صائماً فأقبل يا رب صومي وصلاتي وصدقتي واعطني دائماً أن أفتح لك قلبي في الخفية، فأريد أن أتحرر من الغرور والكبرياء وحب الظهور واتمتع بالحياة معك محرراً من كل قيد يستعبدني سواء في المأكل أو المشرب أو شهوات هذا العالم. أريد التحرر لأتعبّد لك وحدك وأراك في القريب قريبًا مني وأقضي الوقت في الصلاة كصديق لك، لأنك يا رب غايتي وكفايتي.

                                                                                 صوم مبارك ومقبول

الاب انطونيوس مقار ابراهيم