سعد زغلول قال عن الأقباط شأنهم شأننا

 

ثورة 19 وعقيدة الإخلاص بين المسلمين والأقباط

إعداد عزة فهمي

 من أعظم ثمار ثورة 1919 روح وعقيدة الإخلاص للوطن التي تجلت بوضوح ـ كما يقول المؤرخون ـ في اتفاق الأقباط والمسلمين من كافة فئات الشعب وطبقاته الي درجة تبادل اللقاءات والزيارات بين رجال الدين المسيحي والإسلامي في المساجد والكنائس وقام المصريون بمناسبة هذا الوئام وتعبيرا عنه ـ كما يقول أحد المؤرخين ـ بصنع أعلام وضعوا عليها الصليب مع النجمة والهلال وكان المتظاهرون يحملون أعلام جميع الدول ومنها المحايدة عدا العلم الانجليزي وكان الوفد المصري منذ تأليفه حريصا علي هذا التآلف الوطني وأن يضم بين أعضائه أقباطا ومسلمين يقول الزعيم سعد زغلول في مذكراته فكرنا في انتخاب جورج بك الخياط لضمه الي الوفد وقبل أن يقبل سألنا عن شأن الأقباط بعد الاستقلال التام الذي كان يسعي اليه سعد وصحبه من خلال مشروع تأليف الوفد المصري فقلت سعد يكون شأنهم شأننا لا فرق بين أحد منا إلا في الكفاءة الشخصية فُسر لذلك وطلب منا أن نسجله وضع الأقباط في محاضرنا وفعلنا ذلك وذكر سعد زغلول في مذكراته وكان سينوت بك حنا أول شخص من الأقباط فكرنا فيه وكان من الأسباب التي دعت الي وضع صيغة الحق في انتخاب من نشاء وانضم بعد ذلك جورج بك الخياط وقد كلف الوفد ـ أثناء وجوده خارج مصر والإعداد للسفر الي أمريكا لعرض قضية مصر ـ قرياقوس ميخائيل المقيم في لندن بعمل نشرة تشمل أهم ما تنشره الصحف الأمريكية عن مصر وأن يسعي في استكتاب ما يمكن من الجرائد ضد لجنة ملنر لصالح القضية المصرية  ويصف أحد كبار المؤرخين الاجتماع الذي شهدته الكنيسة المرقسية في 21 نوفمبر بأنه كان مظهرا بديعا للتضامن القومي ففي21  نوفمبر استاء الأقباط من موقف رئيس الوزراء القبطي يوسف وهبة باشا وقبوله تأليف الوزارة واجتمعوا في الكنيسة المرقسية وأعلنوا سنحطمهم علي وهبة باشا وقبوله الوزارة  وقالت الطائفة القبطية المجتمعة وفيها 2000 قبطي أنها تحتج بشدة علي شائعة قبولكم الوزارة وقالت أيضا إذا هو   القبول قبول للحماية الانجليزية علي مصر ولمناقشة لجنة ملنر وهذا يخالف ما اجتمعت عليه الأمة وطلب الاستقلال وقالت الطائفة نستحلفكم بالوطن المقدس وبذكري أجدادنا العظام أن تمتنعوا عن قبول هذا المنصب الشائن  وفي 12 ديسمبر 1919  شهدت ذات الكنيسة اجتماعا عظيما من السيدات المصريات مسلمات وقبطيات للاحتجاج علي وزارة يوسف وهبة باشا وقدوم لجنة ملنر وأصدرن بيانا برأيهن وتأييد مقاطعة لجنة ملنر والاحتجاج علي قدموها والتمسك بالاستقلال التام وكان سينوت حنا من الشخصيات القبطية البارزة وقد تجلي التآلف الوطني واقومي في شخصه وقيامه بافتداء الزعيم مصطفي النحاس ولد سينوت حنا في أسيوط 1880 من عائلات الصعيد العريقة وكان من أصدقاء مصطفي كامل وعرف سعدزغلول في الجمعية التشريعية وانضم الي الوفد المصري في نوفمبر 1918 وكان من الموقعين علي النداء الموجه الي الشعب في 24 مارس   1919 كما يشير المؤرخ عبدالعظيم رمضان وانتخب عضوا بمجلس النواب المصري عام 1924 وافتدي بنفسه أثناء النضال ضد إسماعيل صدقي فقد تلقي سينوت حنا عن مصطفي النحاس طعنة السونكي التي طعنه بها أحد الجنود الذين اعترضوا سيارة النحاس في مدينة المنصورة يوم 28 يوليو لإيقاف الركب عن سيره أجمع المؤرخون علي أن من حق الأمة المصرية أن تفتخر بثورة 19 التي تعد من الثورات الناجة في تاريخ الحركات القومية وأنها حققت نهوضا ونجاحا في كافة مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية النجاح السياسي للثورة وإن كانت الثورة لم تفلح في إجلاء الاحتلال فإنها قد حققت مكاسب قومية كبيرة ونجاحات علي المستوي السياسي وهو ما أكده ورصده المؤرخون حيث اعترفت الحكومة البريطانية في فبراير 1921 أن الحماية علاقةغير مرضية وأعلنت الغاءها في تصريح 28 فبراير 1922 وحق الشعب المصري الشرعي في حكم نفسه بنفسه وإقرار حقوق المصريين وحرياتهم السياسية والشخصية بإقرار الدستور نظاما للحكم وإعلانه عام 1923  والذي قرر سلطة الأمة وحد من سلطة الفرد ومن التدخل الأجنبي وهي بذلك قد أفلحت فيما أخفقت فيه الثورة العرابية من حيث تقرير الدستور نظاما للحكم في مصر كما يقول أحد المؤرخين الثورة والنهضة الاجتماعية كان للثورة كذلك أثرها في تطور النهضة الاجتماعية وازدياد عناصر النشاط فيها اذ أخذت طبقات المجتمع ـ كما يقول عبدالرحمن الرافعي ـ تحت تأثير الثورة تسلك مرحلة جديدة من مراحل العمل والنهوض وأول ظاهرة للتطور كانت ذيوع الروح الرياضية في الشباب وغيرهم وتأليف الجماعات والنوادي الرياضية وفرق الكشافة المصرية في المدن والأقاليم وتأسست في أبريل 1920 جمعية الكشافة الأهلية وكان نمو الروح الرياضية نتيجة للروح التي أوجدتها الثورة في النفوس الثورة والنهضة النسائية وكان لثورة 19 أيضا أثرها في النهضة النسائية فقد اعتادت النساء تأليف المظاهرات وإلقاء الخطب في التجمعات وتأليف الجمعيات ونشر آرائهن في الصحف والمجلات وساهمن في تطور الحوادث العامة والقيام بأعمال البر والإحسان خاصة بقصد النهوض بالطبقات الشعبية النهضة التعاونية والعمالية وأشار المؤرخون الي أن الثورة كان لها أثر فعال في النهضة التعاونية والعمالية بعد أن كانت قد ركدت خلال الحرب العظمي الأولي حيث بعثت من جديد الحركة التعاونية وزادت الجمعيات التي انتشرت في العواصم والمدن والقري عام 1920 وكان لها فضل كبير في مكافحة الغلاء والتيسير علي الطبقات الفقيرة واستأنف التعاون نشاطه في الريف والحضر الثورة والنقابات ونشطت الحركة العمالية خلال الثورة وفي أعقابها وزاد شعور العمال بالتعاون والمطالبة بحقوقهم وكثرة مطالبهم فألفت الحكومة في اغسطس 1919 لجنة للتوفيق بين العمال وأصحاب العامل وتعددت النقابات العمالية وسرت الروح النقابية كما يشير أحد المؤرخين كالمعلمين والخبراء والصحفيين والأطباء والتجار وبعض الموظفين فشرعوا من ذلك الحين في تأسيس نقابات لهم وبذلك كان للثورة أثر في النهوض بكافة الجوانب الاجتماعية النهضة الاقتصادية ظهرت في أعقاب الثورة دعوة الزعيم الاقتصادي طلعت حرب الي تأسيس بنك مصر في أغسطس  1919 وناصره الشباب وأيدوه وبثوا دعوته بين طبقات الشعب في المدن والأقاليم فنجحت الدعوة الي هذه المؤسسة العظيمة وتأسس البنك عام 1920 الذي كان نواة للنهضة الاقتصادية والمالية التي ظهرت بعد الحرب العالمية الأولي وهي الثمرة الاقتصادية للثورة ويؤكد عبدالرحمن الرافعي المؤرخ الكبير أن الروح العامة التي أوجدتها الثورة في النفوس كان لها أثرها في نجاح دعوة طلعت حرب مشيرا الي أن الدعوة الي تأسيس البنك الوطني كانت قد ظهرت إبان الثورة العرابية ثم تجددت قبل الحرب العالمية الأولي وقبل ظهور ثورة 19 بأكثر من 10 سنوات لكنها لم تلق من الأمة التأييد الذي يكفل لها النجاح وهو ما يؤكد أن الثورة بعثت في نفوس الشعب قوة معنوية كفلت نجاح الدعوة الي تأسيس بنك مصر نجاح معنوي أما النجاح الذي يرتبط بتاريخ الثورة القومي حيث تألفت من الثورة ـ كما يقول المؤرخ ـ صفحة مجيدة من البطولات والتضحية جديرة بأن تحيي في النفوس روح الإخلاص للوطن التي هي عدة النضال والكفاح فصفحات المجد في حياة الأمم لا تبلي عظمتها ولا تنال منها السنون فثورة 19  كانت بحق معينا لا ينضب لعقيدة الإخلاص للوطن 
سعد زغلول قال عن الأقباط شأنهم شأننا
ثورة 19 وعقيدة الإخلاص بين المسلمين والأقباط