زيارة البابا الرسولية إلى جمهورية الكاميرون

عن موقع اذاعة الفاتيكان

بدأ البابا بندكتس السادس عشر عصر اليوم الثلاثاء زيارة رسولية للكاميرون الثالثة لحبر أعظم، بعد زيارتي يوحنا بولس الثاني عامي 1985 و1995. وقد ارتدت العاصمة ياوندي حلة العيد للقاء الأب الأقدس وازدانت شوارعها بشعارات الترحيب والأعلام الفاتيكانية في بلد يشكل فيه الكاثوليك نسبة سبعة وعشرين بالمائة من مجموع عدد السكان البالغ سبعة عشر مليون نسمة.

وصل الأب الأقدس مطار نسيمالين الدولي في العاصمة ياوندي قرابة الرابعة عصرًا في زيارة رسولية تستغرق أربعة أيام ينتقل بعدها إلى أنغولا. ألقى بندكتس السادس عشر كلمة عبّر فيها عن سروره الكبير بزيارة أفريقيا للمرة الأولى منذ اعتلائه السدة البطرسية، وحيا رئيس جمهورية الكاميرون السيد بول بييا ورئيس مجلس الأساقفة المطران تونيي باكوت والأساقفة والكهنة والمؤمنين العلمانيين وممثلي الحكومة والسلطات المدنية وأعضاء السلك الدبلوماسي، مشيرًا إلى دنو موعد احتفال الكاميرون وبلدان أفريقية أخرى بالذكرى السنوية الخمسين للاستقلال. تحية أخرى وجهها الأب الأقدس لممثلي باقي الطوائف المسيحية والمؤمنين من باقي الأديان، وقال إنهم يقدمون من خلال حضورهم اليوم علامة جلية على الإرادة الطيبة والتناغم الموجود في هذه البلاد بين الأشخاص المنتمين لتقاليد دينية متعددة.

وأضاف بندكتس السادس عشر أنه يأتي كراعٍ لتثبيت الأخوة والأخوات في الإيمان، وقال إنها الرسالة التي أوكلها المسيح لبطرس في العشاء الأخير، وهي رسالة خلفاء بطرس، وأشار البابا إلى أن شهادة قديسين كبار في هذه القارة، خلال العصور المسيحية الأولى، من بينهم القديسة مونيكا والقديسون قبريانوس، أغسطينس وأثناسيوس، تُظهر مكانة أفريقيا الفريدة في تاريخ الكنيسة، وأضاف: مذ ذاك الوقت وحتى يومنا هذا، واصلت أعداد لا تُحصى من المرسلين والشهداء الشهادة للمسيح في القارة الأفريقية كلها، وها هي الكنيسة اليوم مباركة بحضور زهاء مائة وخمسين مليون مؤمن.

وعاد البابا بالذاكرة لعام 1995 حينما قدم سلفه يوحنا بولس الثاني في ياونده الإرشاد الرسولي ما بعد سينودس الأساقفة الكنيسة في أفريقيا، وقال بندكتس السادس عشر إنه يزور الكاميرون لتقديم وثيقة عملِ ثاني سينودس خاص بهذه القارة المرتقب في روما في أكتوبر تشرين الأول المقبل حول موضوع "الكنيسة في أفريقيا في خدمة المصالحة والعدالة والسلام: أنتم ملح الأرض. أنتم نور العالم." (متى 5، 14 ـ 13).

وأضاف الأب الأقدس أن الرسالة المسيحية تحمل معها الرجاء على الدوام، حتى وسط آلام جمة، متحدثا بهذا الصدد عن حياة القديسة جوزيفين باخيتا التي قدمت مثالاً ساطعا على التغير الذي يستطيع أن يحدثه اللقاء مع الله الحي، في أوضاع الألم والظلم، وقال البابا: أمام المعاناة أو العنف، الفقر أم الجوع، الفساد أو سوء استعمال السلطة، لا يستطيع المسيحي التزام الصمت أبدا، وتتطلب رسالة الإنجيل الخلاصية إعلانها بقوة ووضوح، فيضيء نور المسيح هكذا في ظلمة حياة الأشخاص.

وهنا في أفريقيا ـ تابع البابا يقول ـ وفي أماكن أخرى من العالم، تتوق أعداد لا تحصى من الرجال والنساء لسماع كلمة رجاء وتعزية. فالنزاعات المحلية تترك الآلاف بلا مأوى أم معوزين، أيتامًا أو أرامل. وفي قارة رأت في الماضي العديد من سكانها ينقلون بوحشية وقسوة إلى ما وراء البحار للعمل كعبيد، أصبح اليوم الاتجار بالكائنات البشرية شكلا جديدا من أشكال العبودية.

وفي زمن قلة الغذاء والاضطراب المالي والتبدلات المناخية ـ تابع البابا ـ تعاني أفريقيا بشكل كبير للغاية: فأعداد متزايدة من سكانها تقع فريسة الجوع والفقر والمرض، وتبتهل بأعلى صوتها المصالحة والعدالة والسلام، وهذا ما تقدمه الكنيسة لهم. لا الأشكال الجديدة من الظلم الاقتصادي أو السياسي، إنما حرية أبناء الله. لا فرض نماذج ثقافية تنكر الحق في الحياة للذين لم يولدوا بعد، إنما إنجيل الحياة.

وتحدث الأب الأقدس عن رسالة الكنيسة الكاثوليكية في الكاميرون واهتمامها الرعوي بالمرضى والمتألمين، متمنيا أن يتمكن مرضى داء الإيدز في هذا البلد الأفريقي من الحصول على علاج مجاني. كما وأشار بندكتس السادس عشر إلى اهتمام الكنيسة بقطاع التربية والتعليم، وقال إن الجامعة الكاثوليكية في أفريقيا الوسطى تشكل علامة رجاء كبير لمستقبل هذه المنطقة.

وأضاف البابا يقول إن الكاميرون تشكل أرض رجاء لكثير من رجال ونساء منطقة أفريقيا الوسطى. فآلاف اللاجئين الفارين من بلدان اجتاحتها الحروب، تم استقبالهم هنا في الكاميرون التي هي أرض حياة، حيث تتحدث الحكومة بوضوح عن الدفاع عن حقوق الأطفال الذين لم يبصروا النور بعد، وهي أرض سلام أيضًا: فمن خلال الحوار، تمكنت الكاميرون ونيجيريا من حل النزاع حول شبه جزيرة باكاسي، وأظهرتا للعالم أجمع النتائج الجيدة للدبلوماسية الصبورة، وأضاف أن الكاميرون هي "أفريقيا مصغرة" ـ كما توصف ـ تضم أكثر من مائتي جماعة إتنية قادرة على العيش بوئام مع بعضها البعض.

وختم بندكتس السادس عشر كلمته في مطار نسيمالين الدولي في ياونده عاصمة الكاميرون، رافعًا الصلاة من أجل الجمعية الثانية الخاصة بسينودس أساقفة أفريقيا، وكيما تواصل الكنيسة هنا وفي أفريقيا كلها النمو بالقداسة في خدمة المصالحة والعدالة والسلام.