خطاب البابا إلى أساقفة أنغولا وساو تومي

"لا عجب أن أوجاع المخاض تتم فينا لكي يتكون المسيح بالكمال (راجع غلا 4، 19) في قلب شعبه"

لواندا، السبت 21 مارس 2009 (Zenit.org). – ننشر في ما يلي خطاب الأب الأقدس لدى لقائه بأساقفة أنغولا وساو تومي، في كابيل النيابة الرسولية في لواندا يوم الجمعة 20 مارس 2009.

* * *

السيد الكاردينال،

أيها الإخوة الأعزاء أساقفة أنغولا وساو تومي!

أشعر بفرج عارم للقائي بكم في هذا المقام الذي خصته أنغولا بخليفة بطرس – عادة من خلال شخص ممثل له – علامةً مرئية للعلاقات التي تربط شعوبكم بالكنيسة الكاثوليكية، التي تُسَر منذ أكثر من 500 سنة باعتباركم أبناءً لها. ترتفع تسابيحنا، متناغمة وحارة، إلى الله الآب الذي بفضل عمل ونعمة الروح القدس، لا ينفك يولد جسد ابنه السري بملامح أنغولية وسانتومائية، دون أن تخسر بهذا المعالم اليهودية، والرومانية والبرتغالية وملامح أخرى نالتها في الماضي، "لأنكم أنتم المعمدين في المسيح (…) أنتم واحد في المسيح يسوع" (غلا 3، 27 . 28).

إن الرب الصالح، الذي يريد أن يكمل عمل الولادة هذا من خلال الإيمان والمعمودية، قد شاء أن يحتاج إلي وإليكم، أيها الإخوة الأجلاء! لا عجب إذًا أن أوجاع المخاض تتم فينا لكي يتكون المسيح بالكمال (راجع غلا 4، 19) في قلب شعبه.

سيكافئكم الرب على كل جهد رسولي قمتم به بحالات صعبة، إن خلال الحرب أو خلال الأيام الحاضرة مع كثير من القيود، مسهمين بهذا الشكل بمنح الدينامية التي يعرفها الجميع لكنيسة أنغولا وساوتومي و برينسيبي.

وعيًا مني للدور الذي دُعيت للقيام به في خدمة الشركة الكنسية، أطلب إليكم أن تعبروا لجماعاتكم عن اهتمامي الحثيث نحوها، بَيْنا أحييها بعاطفة صادقة في شخص كل من أعضاء مجلس الأساقفة.

أوجه تحية خاصة إلى رئيسكم، المطران دامياو فرانكلين، شاكرًا إياه على كلمات الترحيب التي وجهها إلي باسمكم، مشيرًا إلى التزامكم في تمييز دقيق وفي تحقيق مشروع موحد ومتتابع لأجل جماعاتكم الأبرشية "ليجعل القديسين أهلا … فنصل بأجمعنا إلى وحدة الإيمان بابن الله ومعرفته ونصير الإنسان الراشد ونبلغ القامة التي توافق كمال المسيح. " (أف 4، 12 . 13).

بالواقع، في وجه نسبية متفشية، لا تعترف بأي شيء نهائي، بل تميل إلى جعل الأنا الفردي ونزواته مقياسًا نهائيًا، في وجه هذه النسبية نحن نعرض مقياسًا آخر: ابن الله، الذي هو أيضًا إنسان حق. هو مقياس الأنسية الحقة. إن المسيحي ذا الإيمان الراشد والناضج ليس من يتبع موجة الموضة وآخر المستجدات، بل من يعيش بشكل عميق متجذرًا في صداقة المسيح. تفتحنا هذه الصداقة نحو كل ما هو صالح وتقدم لنا معيار التمييز بين الخطأ والصواب.

إن مجال الثقافة هو بكل تأكيد مصيري بالنسبة لمستقبل الإيمان ولتوجه الحياة في هذه البلاد. وتتمتع الكنيسة في هذا المجال بمؤسسات أكاديمية شهيرة، يجب أن تضحي محل افتخار لكي ما يكون صوت الكاثوليك حاضرًا دومًا في النقاش الثقافي للأمة، حتى تتقوى، على ضوء الإيمان، قدرات التحليل العقلاني للأسئلة العديدة التي تنبع في مجالات العلوم والحياة المختلفة. إضافة إلى ذلك، إن الثقافة ونماذج التصرف تجد نفسها اليوم أكثر فأكثر متأثرة بالصور التي تقدمها وسائل الاتصال الاجتماعي؛ لذا فإنه لأمر حميد أن تصبوا  كل جهودكم للحصول في هذا المجال أيضًا على قدرة تواصل تمكنكم من تقديم تفسير مسيحي للأحداث والمشاكل والوقائع البشرية للجميع.

إن إحدى هذه الوقائع البشرية المعرضة اليوم للكثير من المصاعب والتهديدات، هي العائلة، التي تحتاج بشكل خاص إلى التبشير وإلى الدعم الملموس، لأنه إلى جانب الهشاشة وعدم الاستقرار الداخلي في الكثير من الاتحادات الزوجية، هناك الميل المتفشي في المجتمع وفي الثقافة على معارضة المهمة الخاصة الموكلة إلى العائلة المبنية على الزواج. استمروا، في اهتمامكم الرعوي بكل كائن بشري، برفع صوتكم للدفاع عن قدسية الحياة البشرية وعن قيمة المؤسسة الزوجية ولأجل تعزيز دور العائلة في الكنيسة والمجتمع، طالبين مقاييس اقتصادية و قانونية تمنح للعائلة الدعم في إنجاب وتربية الأولاد.

يغمرني السرور لأجل حضور العديد من الجماعات المتقدة الإيمان في بلادكم، إلى جانب حضور علماني ملتزم ينكب على القيام بالكثير من أعمال الخدمة الرعوية، ويضاف إلى ذلك العدد الكبير من الدعوات للخدمة الكهنوتية والحياة الرهبانية، بشكل خاص التأملية منها: تشكل هذه الوقائع علامة رجاء حقيقي للمستقبل. وبينما يضحي الإكليروس محليًا أكثر فأكثر، أود أن أعبر عن تقديري للعمل الصبور والجبار الذي يقوم به المرسلون لإعلان المسيح وإنجيله ولولادة الجماعات المسحية التي تحملون اليوم مسؤوليتها.

أدعوكم إلى متابعة كهنتكم عن كثب، عبر اهتمامكم بتنشئتهم المستديمة على الصعيد اللاهوتي والروحي، وعبر الانتباه لحالاتهم الحياتية ولعيش رسالتهم، لكي يكونوا شهودًا حقيقيين للكلمة التي يعلنونها وللأسرار التي يحتفلون بها. هلاّ استطاعوا، في تقدمة ذاتهم للمسيح وللشعب الذي يقومون برعايته، أن يبقوا أمناء لمتطلبات حالتهم ولعيش خدمتهم الكهنوتية كمسيرة قداسة حقة، ساعين إلى أن يتقدسوا لكي يولدوا من حولهم قديسين جدد.

أيها الإخوة الأجلاء، بينما أوكل نفسي إلى ذكركم المصلي في حضرة الرب، أؤكد لكم من ناحيتي صلاة خاصة لذلك الذي هو العريس الحق للكنيسة التي يحبها ويحميها ويغذيها: الابن الأوحد لله الحي، يسوع المسيح ربنا. فليساند بنعمته التزاماتكم الرعوية، لكي تضحي خصبة بحسب نموذج وتحت حماية قلب مريم العذراء الطاهر. بهذه المشاعر، أمنح بركتي لكل منكم، لكهنتكم، للمكرسين، للإكليريكيين، لملقني التعليم المسيحي، ولجميع المؤمنين العلمانيين، أعضاء القطيع الذي أوكله الله إليكم.

* * *

نقله من الإيطالية إلى العربية روبير شعيب – وكالة زينيت العالمية (Zenit.org)

حقوق الطبع محفوظة لمكتبة النشر الفاتيكانية – 2009.

البابا: "إن المسيحي ذا الإيمان الراشد والناضج ليس من يتبع موجة الموضة وآخر المستجدات، بل من يعيش بشكل عميق متجذرًا في صداقة المسيح"

ويحض الأساقفة على حماية العائلة وعلى تشجيع انخراط الكنيسة في مجالي الثقافة والاتصالات

بقلم روبير شعيب

لواندا، السبت 21 مارس 2009 (Zenit.org). – "في وجه نسبية متفشية، لا تعترف بأي شيء نهائي، بل تميل إلى جعل الأنا الفردي ونزواته مقياسًا نهائيًا، في وجه هذه النسبية نحن نعرض مقياسًا آخر: ابن الله، الذي هو أيضًا إنسان حق. هو مقياس الأنسية الحقة"، هذا ما قاله البابا بندكتس السادس عشر لدى لقائه بأساقفة الأقدس أنغولا وساو تومي، في كابيل النيابة الرسولية في لواندا يوم الجمعة 20 مارس 2009.

تحدث البابا في مطلع اللقاء عن "أوجاع المخاض" التي عاشها ويعيشوها المسيحيون في تلك المناطق، وألمح إلى أنه هذه الأوجاع تشكل جزءًا من عمل توليد صورة المسيح في شعب الله.

وأردف قائلاً: "سيكافئكم الرب على كل جهد رسولي قمتم به بحالات صعبة، إن خلال الحرب أو خلال الأيام الحاضرة مع كثير من القيود، مسهمين بهذا الشكل بمنح الدينامية التي يعرفها الجميع لكنيسة أنغولا وساوتومي و برينسيبي".

 

تحدي النسبية

ثم تحدث الأب الأقدس عن "نسبية متفشية، لا تعترف بأي شيء نهائي، بل تميل إلى جعل الأنا الفردي ونزواته مقياسًا نهائيًا"، مشددًا على أن المسيحية تعرض مقياسًا آخر: "ابن الله، الذي هو أيضًا إنسان حق. هو مقياس الأنسية الحقة".

وأضاف: "إن المسيحي ذا الإيمان الراشد والناضج ليس من يتبع موجة الموضة وآخر المستجدات، بل من يعيش بشكل عميق متجذرًا في صداقة المسيح. تفتحنا هذه الصداقة نحو كل ما هو صالح وتقدم لنا معيار التمييز بين الخطأ والصواب".

 

تحديات الثقافة

وبالحديث عن الحقل الثقافي قال: "إن مجال الثقافة هو بكل تأكيد مصيري بالنسبة لمستقبل الإيمان ولتوجه الحياة في هذه البلاد. وتتمتع الكنيسة في هذا المجال بمؤسسات أكاديمية شهيرة، يجب أن تضحي محل افتخار لكي ما يكون صوت الكاثوليك حاضرًا دومًا في النقاش الثقافي للأمة، حتى تتقوى، على ضوء الإيمان، قدرات التحليل العقلاني للأسئلة العديدة التي تنبع في مجالات العلوم والحياة المختلفة".

ودعا البابا إلى استعمال مختلف وسائل الاتصال المتوفرة حاليًا لنشر الإنجيل: "إن الثقافة ونماذج التصرف تجد نفسها اليوم أكثر فأكثر متأثرة بالصور التي تقدمها وسائل الاتصال الاجتماعي؛ لذا فإنه لأمر حميد أن تصبوا  كل جهودكم للحصول في هذا المجال أيضًا على قدرة تواصل تمكنكم من تقديم تفسير مسيحي للأحداث والمشاكل والوقائع البشرية للجميع".

 

حماية العائلة

وتوقف الاب الأقدس بشكل خاص على التحديات والمخاطر التي تواجهها العائلة. وأشار إلى أن العائلة "تحتاج بشكل خاص إلى التبشير وإلى الدعم الملموس، لأنه إلى جانب الهشاشة وعدم الاستقرار الداخلي في الكثير من الاتحادات الزوجية، هناك الميل المتفشي في المجتمع وفي الثقافة على معارضة المهمة الخاصة الموكلة إلى العائلة المبنية على الزواج".

وحض في هذا الإطار الأساقفة قائلاً: "استمروا، في اهتمامكم الرعوي بكل كائن بشري، برفع صوتكم للدفاع عن قدسية الحياة البشرية وعن قيمة المؤسسة الزوجية ولأجل تعزيز دور العائلة في الكنيسة والمجتمع، طالبين مقاييس اقتصادية و قانونية تمنح للعائلة الدعم في إنجاب وتربية الأولاد".