الإيمان في الحياة اليومية

الإيمان هو منبع و مركز الحياة الدينية والإجتماعية. وعلى الإنسان أن يتجاوب بالإيمان مع قصد الله وهدفه الذي يحققه من خلال الزمن الحاضر. يدعو بولس إبراهيم "أبي كل المؤمنين" (رومة 4/11). ماذا فعل إبراهيم حتى استحق أن يُدعَ "بأبي المؤمنين"؟ سمع إبراهيم كلام الله، فترك أرضه وعشيرته وانطلق إلى أرض غريبة عنه وعن حضارته وثقافته (تكوين 12/1-2). هذا فعل إيمان ممزوج بالطاعة لكلمة الله، حيث أنه تجرد من الإرتباطات الأرضية المادية في سبيل هدف أسمى ألا وهو إقامة علاقة مبنية على الإيمان والثقة والصدق مع الله، لذلك لم يتردد في ترك أرضه ولم يتردد في تقديم إبنه وحيده حبيبه اسحق قُربانًا إلى الرب، الذي أحبه ووثق به.

 

من خلال الإيمان نحصل على النعمة التي هي عطية مجانية من الله للإنسان، وهذا ما قصد بولس الرسول إيضاحه بقوله: "فبِالنِّعمَةِ نِلتُمُ الخَلاصَ بِفَضلِ الإِيمان. فلَيسَ ذلِك مِنكُم، بل هو هِبَةٌ مِنَ الله" (أفسس 2: 8). من هنا نستطيع أن ننمو في النعمة كما يقول بطرس الرسول: "ولكن انموا في النعمة وفي معرفة ربنا يسوع المسيح" (2 بط 3: 13). فالنمو في النعمة يتطلب معرفة حقيقية ليسوع المسيح من خلال أقواله وأفعاله وأعماله، فالمطلوب منّا أن نعيش على مثال يسوع في حياتنا اليومية. هذا الإقتداء بيسوع يتطلب أن ندخل إلى عُمق الإيمان المرتبط تلقائيًا بالنعمة والمعاش في هذا الزمن الحاضر أي من خلال العائلة والمدرسة والمجتمع.

 

الإنسان وحدة متكاملة، أي لا يمكن فصل أي جزء من حياته عن الأخر، أي لا يمكن في الانسان الفصل بين ما يخص حياته المادية والإجتماعية والأخلاقية والروحية والسياسية. هذه كُلها أمور متميّزة لكنها ليست منفصلة، أي انا إنسان واحد أعيش أكثر من مجال في حياتي.

 

لا يمكن للإنسان المسيحي في أي مكان أن يعيش على هامش المجتمع. أي دون أن يشعر بما يشعر به المجتمع، وأن يعاني ما يعاني منه المجتمع، وأن يفرح لما يفرح منه المجتمع. من هنا، الحياد والصمت في أمور الحياة العامة، أمر مستحيل، لأن الصمت هو موقف بحد ذاته، وللأسف الصمت هو موقف سلبي. نستطيع تجنّب تجربة الذوبان من جهة أي فقدان الشخصية الايمانية في خضم المجتمع، ونستطيع تجنّب تجربة الانعزال أي فقدان الهوية الثقافية والاجتماعية للمؤمن.

 

والحل هو في الحضور في المجتمع، والحضور الفعّال كمسيحيين. يجب فهم جيدا معنى ما قاله المسيح "أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله". المعنى هو أن لا يتم استغلال الله لمآرب سياسية، ولا استغلال السياسة لفرض الايمان. التمييز اذا لا الفصل. لأن هناك مجالات عمل مشتركة بين الله وقيصر مثل كرامة الانسان، الحرية، العدل، السلام، وما إلى ذلك من أمور تمس الإنسان في عُمق كيانه.

 

الهدف من العمل السياسي هو خدمة الصالح العام وذلك بضمان الكرامة الكاملة للإنسان كفرد وكجماعة. وبما أن كرامة الانسان مستمدّة من كرامة الله، يجب المحافظة على هذه الكرامة كأول أهداف الحياة العامة. القائد السياسي يستطيع بطريقته الخاصة المتميزة الفريدة أن يصنع ويُثبت أُسس المساواة والعدل والكرامة بدون التمييز والعُنصرية، بأن يجعلها كلها قيّم معاشة على أرض الواقع وليس في الخيال.

 

العمل السياسي هو خدمة، من هنا لا يجوز لأحد أن يتهرّب منها، او أن يتقاعس او يتخاذل، بحيث يعيش على حساب غيره وعلى جهد غيره ومعاناة غيره. كما أنه لا يجوز لأحد أن يحتكر هذه الخدمة بحيث يمنع غيره من المشاركة الفعالة في تسيير أمور الحياة العامة، ولا يجوز منع الأقلية مثلا من العمل السياسي بحجّة أنها أقلية.

 

فلدى كل الأفراد وفي كل المجتمعات، القدرة على العمل وتجاوز الصِعاب وتحدي المخاطر لذلك، لا أستطيع أن أقول: "أنا فقط لديَّ القدرة على اتمام أو إنجاح هذا العمل بل يجب الثقة في الأخرين وبالأخص الشباب منهم، واعطائهم الفرصة لكي يستطيعوا أن يحققوا ويثبتوا مقدِراتهم".

 

وهكذا ننتهي إلى أن الإيمان يتجسد في حياة الإنسان من خلال أفعاله التي هي بدورها ثمرة الإيمان، ولا نستطيع فصل إحداها عن الأخرى، أي الإيمان عن الأعمال. وكما يقول يعقوب الرسول: "ماذا يَنفعُ، يا إِخوَتي، أَن يَقولَ أَحَدٌ إِنَّه يُؤمِن، إِن لم يَعمَل؟ أَبِوُسْعِ الإِيمانِ أَن يُخَلِّصَه؟" (يعقوب 2/14). والإنسان المؤمن هو الذي يعيش حقيقةً إيمانه من خلال أعماله المتجسدة في حياته الخاصة والمرتبطة جذريًا بكل اشكال الحياة الإجتماعية منها والإيمانية أيضًا.

issa_love2000@hotmail.com

عن موقع ابونا