تحقيق: المسيحيون في فلسطين: شهادتنا أن نحمل صليبنا

تصغي الحكومة الإسرائيلية الى مطالب الأقلية المسيحية بقدر ما يسمح لها طموحها بالتوسع. «البقعة» المسيحية في الأراضي المقدسة تتقلص منذ عار العام 1948 والهواجس نفسها على الجميع كظلهم: الخطر، اللااستقرار والغد المجهول. وكأحد حراس الأرض المقدسة، يفتح الأسقف الماروني الأول المقيم في الأرض المقدسة منذ العام 1996 المطران بولس صياح عبر «السفير» نافذة على «أرض القيامة» وجامع الصخرة.

يمثّل المسيحيون في أراضي العام 1948 حوالى 2 في المئة من عدد السكان، أي ما يقارب 135 ألف نسمة، في مقابل قرابة 50 ألف نسمة في الضفة الغربية وقطاع غزة أي حوالى 1,5 في المئة. ويعيشون ككل أقلية إذ يقول المطران صياح إنهم «يمارسون شعائرهم على سبيل المثال من دون أي مشكلة إلى حد ما، لكن كحضور مسيحي فإنهم أقوى وأكبر من حجمهم كعدد، وذلك يعود إلى المؤسسات والجمعيات والمدارس التي يقدمون الخدمات من خلالها للناس».
هذا الحضور، على فاعليته، لا يرضي الكنيسة. «فنحن نتمنى لو كان الوضع غير ذلك طبعا، إذ ان المسيحيين كانوا أكثر بكثير في الأرض المقدسة من اليوم، لكنهم أجبروا على الرحيل لأسباب اقتصادية وأمنية، وتبقى عودتهم مجددا الى فلسطين مجرد أمل» على ما يقول المطران صياح الذي يعود في التاريخ الى العام 1948 المفصلي. فمنذ ذاك العام المشؤوم اقتلع صاحب الأرض من أرضه وسجل التدهور الأكبر في الهجرة المسيحية.
يضيف «كانت رعيتنا المارونية في حيفا تعد قبل الاحتلال بنحو خمسة آلاف نسمة وسرعان ما انفخض هذا العدد الى حوالى 300 نسمة في غضون أسبوع واحد». وبعد «الهجرة الكبرى» التي توجهت خصوصا نحو الأردن محيطا وأوروبا وأميركا غربا، توالت الهجرات المسيحية في فترات متلاحقة لكن اليوم «تبدو الهجرة من إسرائيل ضئيلة جدا على عكس معدلها في الضفة والقطاع حيث بات العيش صعب جدا هناك، إذ ان الأجيال الطالعة لا ترى بصيصا للمستقبل، لدرجة أنها لا تتمكن في كثير من الأحيان من الحصول على العلم، وخصوصا الدراسة الجامعية فعدد الجامعات قليل، ناهيك عن غياب فرص العمل». هاجر الآلاف لا بل الملايين من «الجحيم» على ما يصفه المطران صياح «الذي أكثر ما تبدت ملامحه في الحرب الأخيرة على غزة».
ولكن ما هي هذه المفارقة التاريخية التي تجعل الأرض التي ولد فيها السيد المسيح تفرغ من المسيحيين شيئا فشيئا؟ يؤثر المطران صياح الواقعية أولا، «فالمسيحيون في الأرض المقدسة لم يكونوا يوما أكثرية ولكننا كمسيحيين ندرك أن علينا أن نعيش حياة المسيح ونشهد له ونحمل صليبنا، بالطبع كان لا بد من أن يكون العدد أكبر لكي يشهد لحياة المسيح وقيامته من بين الأموات ولكن المهم نوعية الشهادة، فحضورنا المسيحي يوجب أن نحمل صليبنا على الدوام وهذه هي شهادتنا ورسالتنا».
يغلب المذهب الأرثوذكسي على الحضور المسيحي في الأرض المقدسة وهو يضم كذلك الملكيين الكاثوليك واللاتين والموارنة بما يعادل 13 كنيسة في القدس. وتبرز اللحمة في ما بينها، إذ يعقد رؤساء الكنائس اجتماعات دورية في ما بينهم. ويتابع المطران صياح هموم الرعية وهواجســها منــذ العام 1996 كرئيس أساقفة حيفا والأراضــي المقدسة ونائب بطريركي في القدس وفي الأردن وفلسطين.
بماذا يحلم المسيحيون في فلسطين؟ نسأله فيجيب: «الجميع يحلم بالسلام والاستقرار سواء في فلسطين أو في إسرائيل إذ علينا أن ندرك أن الأخيرة ليست في نعيم، فشعبها يعيش الخوف في ظل عدم الاستقرار والأمن فضلا عن الوضع الاقتصادي الصعب كبقية الشعوب اليوم وإن كان الوضع في فلسطين بالطبع أصعب لكن الجميع يريد السلام ولكنهم أيضا لا يعملون من أجله، علما بأن الوضع الحالي على ما هو عليه، ليس في مصلحة أحد».
وتجسيدا لهذه اللحمة بين الكنائس، اجتمع سريعا رؤساء الكنائس الـ13 وأصدورا بيانا شاجبا للإساءة التي وجهتها القناة العاشرة في التلفزيون الإسرائيلي الى السيد المسيح والسيدة العذراء. ويروي المطران صياح عن «الاستياء العارم الذي لف الجميع من مسلمين ومسيحيين وحتى يهود، إذ لا نظن الشعب اليهودي شعبا متماسكا وكله على الخط نفسه. ونتيجة التحرك الرافض استنكرت الحكومة الإسرائيلية واعتذر مقدم البرنامج». وهل هذا يعني أن المسيحي يشعر بأنه دخيل في مثل هذا المجتمع؟ يجيب «على الإطلاق فالمسيحي هو صاحب الدار وقد يكون البعض ينظر اليه كدخيل أما هو فلا يشعر بذلك، إلا إذا أردنا أن نسير بالنغمة الجديدة القائلة إن إسرائيل هي لليهود».
السلام هو المنشود ولكن الاحترام يكاد يوازيه أهمية بالنسبة الى الأقليات. فالأقلية المسيحية «تحتاج الى أن يتم التعامل معها باحترام وأن تكون كلمتها مسموعة أكثر، فالقرى العربية من الناحية الاقتصادية والتنموية لا تنعم بمستوى الخدمات الذي تنعم به القرى الإسرائيلية، فما ان تمر بقرية ما لا نظافة فيها ولا تنظيم ولا حدائق حتى تدرك أنها عربــية». وهذا يعود الى الميزانيات الضئيلة المرصودة للقرى العربية، أي ما يقارب 3 في المئة من موازنة البلديات.
ويبقى عجز كل مسيحي في العالم عن تحقيق حلمه بزيارة الأماكن المقدسة «ظلما» على ما يصفه المطران صياح، «فالمسيحي الموجود في بيت لحم أي على بعد ربع ساعة من القدس، يحتاج الى إذن خاص إذا ما أعطي له لكي يتمكن من زيارة قبر السيد المسيح في القدس، وكذلك للمسلم لكي يصلي في جامع الأقصى وجامع الصخــرة بــناء على ترخـيص أيضا».

غراسيا بيطار- جريدة السفير