بابا الفاتيكان يزور الأراضي المقدسة طالبا الوحدة والسلام

 

ابتهاج زبيدات – الناصرة

جريدة العرب اليوم الأردنية

 

يتوقع ان يكون لزيارة قداسة البابا بندكتس السادس عشر للأراضي المقدسة، في النصف الأول من شهر أيار المقبل، وقع خاص محليا وعالميا. اولا لانها زيارة غير عادية لشخصية لها مكانتها المميزة مسيحيا وعالميا، وثانيا لأنه ومنذ ان اعلن قداسته عن نيته القيام بتلك الزيارة، والنقاش دائر في اسرائيل حولها وضدها. في البداية حاول البعض التشكيك بجديتها، رغم دعوة وترحيب رئيس الدولة، شمعون بيرس بها. وفيما بعد اثير نقاش حول احد الكرادلة الذين شككوا بعدد ضحايا النازية من اليهود، وقامت القيامة من اجل الضغط على اقالته، او اجباره للتراجع والاعتذار. ثم افتعلوا قضية البابا بندكتس الذي اتهموه انه خلال الحرب العالمية الثانية سكت على الجرائم النازية ضد اليهود.

 

من جانب آخر كان من الواضح ان الحبر الأعظم سيقوم في جولته بزيارة المواقع المقدسة المرتبطة مع تاريخ السيد المسيح والديانة المسيحية،  بينها القدس، بيت لحم والناصرة, بلد السيد المسيح واكبر مدينة عربية في اسرائيل، وسوف تتوجه انظار العالم اليها من خلال القداس الاحتفالي الكبير، الذي يتوقع ان يحضره ما يقارب الـ40 الف شخص. الا ان اوساطا حكومية وبمساعدة بعض رجال الدين لم يرق لها اختيار الناصرة رغم مكانتها التاريخية والعالمية والدينية. فحاولوا نقل هذا القداس الخاص الى مدينة حيفا، واقامة القداس عند مينائها. واستمر هذا النقاش ردحا من الزمن، حتى حسمه الفاتيكان وقال كلمته الأخيرة باختيار مدينة الناصرة بلد البشارة، موقعا للقداس.

 

حكومة اسرائيل قررت في جلستها من يوم 9-3-2009 تخصيص ميزانيات بقيمة تعادل 10 ملايين دولار، لتغطية زيارة البابا، ولكنها لم تحول بعد المخصص للناصرة، مع ان الوزارات المختلفة قامت بتحويل الميزانيات المخصصة لبلدية القدس الغربية، حيث سيحل قداسته ضيفا عليها من دون اية مشكلة. الا انها لم تفعل ذلك مع الناصرة مع انه لا يفصلنا عن تلك الزيارة التاريخية سوى شهر واحد.

 

مستشار رئيس البلدية، سهيل دياب، الذي يتولى الاشراف على التحضيرات الضخمة لهذه الزيارة في الناصرة، يقول في حديث الى العرب اليوم، ان الناصرة ستستقبل قداسة البابا بأروع ما يمكن حتى لو استمرت العراقيل الحكومية. وأكد ان قرار اقامة القداس الاحتفالي في الناصرة، التي تعتبر واحدة من المدن المقدسة بالنسبة للديانة المسيحية وعلاقتها مع السيد المسيح، كان امرا مفروغا منه، وهو مناسبة لتطوير المدينة ورفع مكانتها سيعود بالفائدة مستقبلا على السكان وضيوفها، لأن كل مشروع جديد يقام سيبقى لخدمتهم. وأضاف: هناك عدد قليل من المدن المميزة في العالم كونها مقدسة لدى مئات ملايين البشر، مثل القدس وبيت لحم والناصرة للمسيحيين ومكة المكرمة والمدينة المنورة والقدس بالنسبة للمسلمين، وذلك بسبب ماضيها الحضاري ومساهمتها في كتابة التاريخ البشري، وتشبت الناس به بعد آلاف السنين، ومن السخف تفضيل مدن أخرى عليها مثل حيفا وغيرها.

 

ولالقاء الضوء بصورة اشمل على تفاصيل الزيارة بالكامل، كان لـالعرب اليوم اللقاء التالي مع المنسق الإعلامي لزيارة البابا في الأراضي المقدسة، الاستاذ وديع ابو نصار:

 

حدثنا عن برنامج قداسة البابا في اثناء زيارته للاراضي المقدسة في ايار المقبل. هل أصبح برنامج الزيارة واضحا؟

من المتوقع أن تستمر الزيارة التي سيقوم بها قداسة البابا إلى منطقتنا نحو ثمانية أيام، حيث من المتوقع أن يصل قداسته إلى عمّان بعد ظهر الجمعة الموافق 8 أيار، ليلتقي بعيد وصوله جلالة الملك عبد الله الثاني، في حين سيزور في اليوم التالي مدينة مادبا وجبل نبو المجاور حيث مات النبي موسى عليه السلام، كما سيلتقي في ذات اليوم عددا من أبرز الشخصيات الإسلامية في الأردن، وسينهي النهار في صلاة مع المسيحيين المحليين في كنيسة الروم الكاثوليك في عمان. أما يوم الأحد فسيستهل البابا نهاره بقداس كبير في ستاد عمان الدولي، وسيزور في ساعات بعد الظهر منطقة المغطس على الضفة الشرقية لنهر الأردن.

 

وسيغادر قداسته عمان بالطائرة صباح يوم الاثنين الموافق 11 أيار متوجها إلى مطار بن غوريون الذي سيصله نحو الساعة الحادية عشرة صباحا، وبعد مراسم استقباله سيتوجه قداسته إلى القدس حيث سيلتقي في ساعات بعد الظهر رئيس الدولة، شمعون بيرس. كما سيزور بعد ذلك قاعة ذكرى ضحايا النازية في متحف تخليد ضحايا النازية ياد فشيم وسيلتقي عدداً من المؤسسات الفاعلة في مجال الحوار بين الأديان في مركز نوتردام في القدس.

 

وفي يوم الثلاثاء الموافق 12 أيار سيزور قداسته الحرم القدسي الشريف حيث يلتقي مفتي القدس وعددا من أبرز الشخصيات الإسلامية الفلسطينية ومن ثم سيزور الحاخامين الأكبرين في إسرائيل وسيترأس قداسا كبيرا في البستان المجاور لكنيسة الجسمانية (على جبل الزيتون في القدس) بعد ظهر ذلك اليوم.

 

صباح الأربعاء 13 أيار سيتوجه قداسة البابا إلى بيت لحم حيث سيستقبله الرئيس الفلسطيني محمود عباس نحو الساعة التاسعة صباحا في القصر الرئاسي هناك, ومن ثم سيرئس قداسته القداس الكبير في ساحة كنيسة المهد, وسيزور قداسته مستشفى الكاريتاس للأطفال في المدينة في ساعات بعد الظهر قبيل زيارته مخيم عايدة للاجئين المحاذي للمدينة, وسيختتم البابا زيارته إلى بيت لحم بلقاء رسمي مع الرئيس الفلسطيني تعقبه مراسم وداع رسمية.

 

أما صباح الخميس 14 أيار فسيتوجه قداسة البابا إلى الناصرة بمروحية إسرائيلية ليبدأ نهاره بالقداس الكبير على جبل القفزة ومن ثم ينتقل إلى كنيسة البشارة حيث من المتوقع أن يلتقي عدداً من رجال الدين من مختلف الأديان إضافة إلى لقائه رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو واختتام النهار بصلاة الغروب في كنيسة البشارة مع نحو ألفين من رجال الدين والراهبات والمؤمنين.

 

وفي صباح الجمعة 15 أيار سيزور قداسته بطريركية الروم الأرثوذكس في القدس حيث سيلتقي مع رؤساء الكنائس في الأرض المقدسة كما سيزور قداسته كنيسة القيامة وينهي جولته في البلدة القديمة بزيارة إلى بطريركية الأرمن الأرثوذكس, من بعدها سيتوجه إلى مطار بن غوريون حيث من المتوقع أن يغادره بعد مراسم وداع رسمية عائدا إلى روما.

 

منذ قرر البابا تلك الزيارة وهناك في اسرائيل من يحاول التشويش عليها، فمرة يستلون قضية الكاردينال الذي شكك بالمحرقة اليهودية في زمن النازية وهناك من حاول افشال اقامة القداس الاحتفالي في الناصرة ونقله الى حيفا وغير ذلك. فهل تجاوزتم هذه العقبات؟

ما من شك بأن لكل طرف مصالح معينة وبأن بعض الأطراف تسعى لتسويق بعض المصالح حتى على حساب زيارة قداسة البابا، غير أننا نؤكد أن الزيارة تهدف بالأساس إلى خلق أجواء أفضل للحوار سواء بين الأديان أو دفع مسيرة السلام في المنطقة. أما بالنسبة للقداس في الناصرة فقد أكدنا مرارا أن البرنامج الأصلي للزيارة تحدث عن الناصرة كموقع طبيعي للقداس وقد طرح البعض حيفا كبديل بالأساس لأسباب لوجستية إلا أن الكرسي الرسولي قرر في نهاية المطاف إقامة القداس في الناصرة بعدما تأكد من جاهزية المدينة لاستقبال مثل هذا القداس، منوها إلى أن مكانة مدينة الناصرة أهم بكثير من مكانة حيفا بالنسبة للمسيحيين.

 

برأيك هل يوجد بعد فلسطيني عربي لزيارة قداسته؟

للزيارة توجد أبعاد عدة، لكننا نركز بأن البابا يأتي حاجا وراعيا روحيا أكثر من كونه رئيس دولة. إن اللقاءات التي سيقوم بها قداسته في كل من الأردن وإسرائيل وفلسطين تدل على احترامه لخصوصية كل من الأماكن التي سيزورها، لكن يبقى التشديد بأن الزيارة هي زيارة حج للصلاة في الأماكن المقدسة ومع المسيحيين المحليين وفتح حوار مع الجميع من مسيحيين ومسلمين ويهود. لكن يجب التنويه بأن زيارة قداسة البابا لمخيم عايدة للاجئين لها مدلولات عدة من أبرزها تعاطف الكنيسة عامة والبابا خاصة مع القضية الفلسطينية التي كان الكرسي الرسولي دوما من السباقين ليس فقط بالمناداة لحل عادل لها بل أيضا بتقديم الدعم المادي طوال عقود سواء من خلال الكنائس المحلية ومن خلال جمعيات كنسية مختلفة مثل الكاريتاس والبعثة البابوية وغيرها.

 

تأتي زيارة قداسة البابا بعد مرور تسع سنوات على زيارة البابا السابق والتي كان لها وقعها الخاص. ماذا تعني  الزيارة في هذه الفترة بالذات؟

الزيارة تأتي في هذه الفترة لتعبر عن أمل الكنيسة عامة والبابا خاصة بأن تساهم بدفع الحوار بين الأديان وبين الشعوب في وقت تبدو الأمور وكأنها تزيد تعقيدا. لقد عبر قداسة البابا عن رغبته بأن يأتي إلى بلادنا للصلاة من أجل الوحدة والسلام, ونحن نقول بأنه ربما تكون هذه الزيارة ضرورية لمنح الأمل للجميع بمستقبل أفضل ولحث المسؤولين السياسيين على التحلي بالمسؤولية المطلوبة للتوصل إلى سلام عادل يحقن الدماء ويعزز الحوار المبني على الاحترام المتبادل.

 

للبابا كلمة مسموعة ورأي ايضا لما يدور في العالم من حروب وويلات ضد البشرية، وقد قام مؤخرا بزيارات لبلاد منكوبة بذلك الوباء، وفي عظته امام المؤمنين تحدث عن تلك المواضيع بموقف واضح. وبمناسبة عيد الفصح الذي سيحل علينا قريبا، قرر  ان ترصد تبرعات المصلين لمساعدة الأهل غزة الذين دمرت بلدهم في الحرب الأخيرة عليهم. فهل هذه عادة لدى الفاتيكان أم انها خطوة خاصة بأهل غزة؟

لقد أعلن الكرسي الرسولي منذ عدة عقود خلت عن أن التبرعات التي تجمع في الكنائس الكاثوليكية حول العالم يوم الجمعة العظيمة مخصصة للأرض المقدسة حيث تحول هذه التبرعات من خلال حراسة الأراضي المقدسة للآباء الفرنسيسكان للقيام بمشاريع عدة مثل المدارس والمساكن وغيرها. وفي هذا العام، نتيجة للظروف الصعبة التي يعاني منها سكان غزة قرر قداسة البابا تخصيص التبرعات التي تجمع يوم خميس الأسرار، وهو اليوم الذي يسبق الجمعة العظيمة، دعما لغزة. الجدير بالذكر أن دعم الكرسي الرسولي خاصة والكنائس الكاثوليكية عامة لا يقتصر على هذا التبرع المادي بل يمتد ليشمل دعما لمشاريع عدة، إضافة إلى مساعدات عينية متواصلة، ناهيك عن المواقف المعلنة الداعمة لحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني ولحل عادل للصراع العربي-الإسرائيلي.

 

حكومة نتنياهو الاولى كانت قد فجرت في الناصرة (نهاية عام 1997 وبداية 1998) أزمة شهاب الدين، وأفلحت ولو الى حين في دق الأسافين بين أبناء الشعب الواحد. فكيف تنظرون الى هذه الحكومة اليوم، خصوصا في ضوء زيارة البابا ومكانة العرب المسيحيين في الأراضي المقدسة؟

إننا نأمل بألا تحدث أزمات جديدة لا في الناصرة ولا في أي مكان آخر. ونأمل أن تفاجئ الحكومة الإسرائيلية الجديدة الجميع، وربما أيضا قداسة البابا، بطرح تصورات جريئة من أجل دفع مسيرة السلام في المنطقة. كما أنه ليس بسر بأن قداسة البابا يأتي للصلاة مع المسيحيين المحليين ومن أجلهم على أمل أن تتعزز مكانتهم. لكن ليس بالضرورة على حساب أي طرف وليس أقل من أي طرف، بل ليكون المسيحيون مشاركين مع إخوانهم المسلمين واليهود في بناء مجتمع أفضل يعتمد العدل والمساواة كأسس في التعامل بين البشر.