بيت أبي ليس مغارة لصوص

تعودت مدينة حلب كل عام أن تحتفل بأسبوع الآلام بمظاهر طقسية كنسية واجتماعية وتقوية لها خصوصيتها. فلا بد للمشارك في هذه الاحتفالية أن يزور سبع كنائس لما للرقم سبعة من رمزية شرقية وكتابية قوية فهو رقم الكمال ، فالأسبوع تكتمل أيامه بسبعة أيام والله جل جلاله خلق الدنيا في أيام، والأغنية الشعبية الحلبية لا ترى الكمال إلا بوصول الحبيب (كنا ستة على النبعة إجا المحبوب صرنا سبعة).

ونحن نقدر لأجدادنا هذا الإرث الحضاري الجميل، لكن ، نرى اليوم تفاقم ظاهرة غريبة كل الغرابة والتي بدأت تتحول إلى عادة أو طقس ألا وهي الباعة الجوالين الذين يبيعون الكعك والزعتر والحلويات. وأصبحت البركة لا تؤخذ مع قطعة القطن المبللة بالزيت المصلى عليه عند زيارة المصلوب بل أيضاً بسندويشة الزيت والزعتر التي تباع أمام الكنائس. والناس تعودوا أن يجهزوا القطع المعدنية الصغيرة (فراطة) لا من أجل التبرع للفقراء عند زيارة المصلوب فقط إنما أيضاً للشراء من الباعة الجوالين.

وبينما كنت واقفاً في ساحة المطران فرحات أتأمل هذا المشهد من البيع والشراء، خطر لي هذا الخاطر الذي أريد مشاركتكم به.

ماذا لو أن المعلم زارنا هو ليحتفل معنا بآلامه، واجتاز ساحة المطران فرحات يريد الوصول لأحد الكنائس، ورأى هذا المظهر، أنا متأكد أنه لن يستغرب المنظر فهو سيذكر تماما أسبوع آلامه هو…. عندما كان بأورشليم (القدس) دخل الهيكل ووجد نفس المظهر مع الباعة……

ولن نستغرب أبداً إن عاد وجدل سوطاً وقام بقلب طاولات الباعة وعربات الفشار ووقف قرب تمثال المطران فرحات يصيح بأعلى صوته ووجهه متجهمٌ غاضبُ وهو يقول :"بيت أبي بيت صلاة يدعى وأنتم جعلتموه مغارة لصوص"

ولا أستطيع أن أتخيل موقفه عندما يدخل الكنائس ويرى اللجان التي تجلس عند الأبواب وتنتظر التبرعات وتكتب الأسماء لتعيد نشرها بنشرات لجانها الخيرية مرتبةً إياها حسب المبالغ التي دفعت….

ناهيك عن الأخويات والأفراد الذين يبيعون السبحات والأسطوانات والأشرطة الدينية والصور وما إلى ذلك….

هل يا ترى سيسأل المعلم نفسه:" ما الذي فعلته؟؟؟؟؟ كل المظاهر التي حاربتها منذ ألفي عام هي هي دونما تغيير…" ألن نزيد من أوجاع الصليب… ألن نساهم بأصواتنا مع الذين صرخوا بصوت عال فليصلب ذلك المارق …ذلك الذي يجعل ضمائرنا توبخنا… ذلك الذي نخجل كل مرة نقف أمامه….ويحرجنا ونلقي حجارة الرجم والشتم من أيدينا ومن ألسننا وننسحب واحداً تلو الآخر تاركين الزانية بدون رجم…. نعم ليصلب…… وليذهب عنا وليخرج من سفينتنا وخير لنا أن يموت إنسان واحد ولا تهلك عادات وتقاليد الأمة بأسرها…. مت أيها المعلم نحن لا نريدك كما أنت ….نحن نريد الصورة التي بأذهاننا وإن لم تحققها فخير لك أن تصلب وتموت.

نحن نهدر الساعات في انتقاء ملابس وهدايا العيد… ولسنا على استعداد لإهدار دقائق من أجلك… فالوقت كالناردين الذي أهدرته تلك العاهرة على  قدميك خير له أن يباع ويعطى قسم منه للفقراء أو للصوص. أنت لا تفقه شيئاً بالترف أنت لا تعلم شيئا عن المجانية أنت يا محب العشارين والزناة… مت أرجوك فجودك يقلقنا وحضورك يبكت ضمائرنا ….. اذهب عنا نحن ألفنا جيش الشياطين كيف تغرقها مع الخنازير

دعنا نستمتع بأحاديثنا ..دعنا نغرق في النميمة .. وتقاذف الألقاب … وهتك الأعراض… وتبادل الأخبار.. لا تزعجنا أرجوك

أنا شخصيا لا أريدك، أنت تقلقني وتزعجني. أنا الآن أفهم جليا لماذا صرخ الناس أجمعين فليصلب وأنا اليوم معهم أصرخ بكل ما أوتيت من القوة لتصلب ولتمت. لا نريد فداءاً فالفدية تدفعها الضحية للإرهابي الذي اختطفها… ونحن والحمد لله.. بألف خير من الله…. فلا تزعجنا……. لا تقلقنا.

وتعال يوم الأحد لترانا بآخر صيحات الموضة نتبادل تهاني العيد فمسيحنا نحن قد قام منتصراً لا مسحوقاً، قوياً لا ضعيفاً محبوباً لا منبوذًا رجل سلطان وعزة وجهه جميلٌ منيرٌ ليس رجل أوجاعٍ وبشعٍ وليس فيه شيء نشتهيه فتأديب سلامنا على مسيحنا نحن وليس أنت…. وسنذهب للنوادي والمطاعم والمقاهي لنشرب ونحتفل ونبذخ….

وإياك أنت أن تقوم أنت أيها المسيح الدجال حبيب الجياع والعطاش.. الفقراء والمساكين والمساجين والمرضى نحن لا نريد المزعجين (قلبنا من العجور منجور).

أنت ابق صامتاً لا نريد أن نسمعك ….. واتركنا نحتفل نحن على طريقتنا وبمسيحنا

ونعلي الصوت ونقول مسيحنا قام  ………….. حقاً قام.

جورج برنوطي