تأمل يومي مع القديس بولس في الأسبوع العظيم: خميس الأسرار

عن اذاعة الفاتيكان

"جعله الله خطيئة لأجلنا" (2 كورنثوس 5: 21)

 

إن الإله المتجسّد بوضعه ذاته في خدمة خليقته وغسل رجليها أفصح عن الصفة المميزة على الإطلاق لجوهره الإلهي فأظهر بذلك مجد محبته اللامتناهية لنا. بيد أنه قد أُعطي لنا ما هو أكثر أيضا، فمن حيث كون المحبة لا تتوقف من طبيعتها إلا عند أقصى حدودها اللامتناهية، فسيمضي الابن في هبة حياته (يوحنا 15: 10) "بجسده ودمه" في ذبيحة الافخارستيا التي سيرفعها على الصليب إلى ما يتجاوز حدود العقل البشري بلا قياس. بيد ان الحدث لم يكن ليتم بهذه السهولة التي نتصوّر، فالثمن كان غاليا إلى ما لا يحد، ولن يمكننا أن نفهم ما جرى في بستان الزيتون حين تعرّق الابن دما إلا إذا أدركنا أن هذا البار الذي لم يرتكب أي خطيئة قد صار خطيئة لأجلنا؛ فإذ أراد أن يخلصنا، توجب عليه أولا أن يجمع عليه كل خطيئة العالم الذي يهين الآب ليتسنى له أن يحرقها في نار آلامه، فهو "حمل الله الرافع خطيئة العالم" (كبش الفداء). وعندها ألن يختبر يسوع كل أنواع القلق الممكنة؟! فلا قلة النوم التي طالب بها تلاميذه بقوله "اسهروا وصلوا" ولا الخوف والمشاعر البشرية أمام الألم والموت المقبل تستطيع أن تشرح تحطّم كيانه الحميمي في عمق أعماقه. وحده يستطيع شرح ذلك "صراع المحبة اللامتناهية" الذي جرى حتى آخر رمق بين الله "الآب القدوس العادل الذي في السماوات" والذي ليس بإمكانه إلا رفض الخطيئة (لا الخاطئ) ونبذها عنه كليا (كونها تناقض جوهره بشكل مطلق "2 كور6: 14") والتي بات الابن في محبته لنا يحملها في ذاته كواقع يخصّه تماما، وبين الله "محامي الخطأة على الأرض" بعد أن اتخذ مكانهم بحريته حبا لهم وطاعة للآب، وقبل أن يحمل في ذاته ذاك التناقض المميت الذي لايحتمل من جراء شر الخطيئة المميت وخبثها وهو ما ظهر جليا في مدى العذاب الروحي والنفسي والجسدي الذي احتمله بسبب تنفيذ حكم الصلب الذي أودى بحياته الغضّة الطاهرة بعد أن سبق وقرّبها لنا حبا افخارستيا لا ينضب. يا له سرا لا يدرَك، سر المحبة التبادلية العجيب ذاك.

وبالمقابل فقد بقي التلاميذ متخلفين عن التجاوب مع دعوة فاديهم" للسهر معي" فتركوه وحده في نزاعه. ولا غرابة في الواقع، فلقد تعود الرب أن يبقى وحيدا (في بيت قربانه المذهّب!).

أتراه يجد يوما من يلبي دعوته؟

لقد أدرك شاول ذلك منذ حوالي ألفي سنة، فلم يعد يجد معنى لحياته إلا في تلك "المحبة التي تأخذ بمجامع القلب" (2 كورنثوس 5: 14).

وأنت، ماذا عنك؟

(إعداد الأب غسان السهوي اليسوعي)\"\"