قيامة السيد المسيح المجيدة بين العقل والايمان

الاب د. بيتر مدروس

تناقل الرسل والتلاميذ الخبر: "ان الرب قد قام حقّا، وظهر لسمعان"، سمعان أمير الرسل والناطق باسمهم، سمعان الوحيد الذي غيّر السيد المسيح اسمه مانحا اياه دور الصخر أي كيفا أو الصفاة. ولقيت تلك القيامة من أنكرها ومن شكك بها كما كان الصلب ذاته موضع رفض. وفي هذه السنة لا يخرج المرء عن حتمية القيامة السيدية، من جهة، وواقع المحاولات للنيل من السيد المسيح بأي شكل من الاشكال.

 

منذ أحد الشعانين

انه أحد النخل والزيتون، أحد "المسيح" الممسوح بالزيت نبيا وملكا وكاهنا، وزيت هذه البلاد المقدسة الاتي من "عصر" الزيتون -في الجسمانية- قد عصر قلبه وجسده "وقد داس المعصرة وحده" وتخضّبت ثيابه بالدماء قبل أن يخلعها عنه جند الاحتلال الروماني المنفّذين لطلب رؤساء كهنة العبرانيين وكتبتهم وفرّيسيهم. انه أحد النخل أي الظفر، حين هتفت الجماهير "هوشعنا" وهما لفظتان عبريتان -لا آراميتان- وتعنينيان أصلا "هوشع نا" أي "خلّص، لطفا" وأصبحتا لفظة واحدة مفادها التحية والاكبار أي "مرحى" أو "عاش!" وعرف قدماء العرب هذا الاحد بيوم السباسب. ويحلو للمرء أن يردد هنا قول النابغة يذكر فيه عيد السعانين بين بني غسّان: "رقاق النعال، طيّب حُجزاتهم يحيّون بالرّيحان يوم السباسب".

 

واللفظة الشعبية "شعنونة" تحريف ل "هوشعنا".

 

"خمس العهد" أو "خميس الغُسل" أو "خميس الاسرار"

قال المقريزي: "ويسمّيه أهل مصر من العامّة "خميس العدس" ويعمله نصارى مصر قبل الفصح بثلاثة أيّام ويتهادون فيه." وقد عرفه العرب أيضا بخميس الفصح. ورد على هذا اللفظ في ترجمة عُدي بن زيد (شاعر سابق للاسلام) في كتاب "الاغاني" (3 ، 32) حيث ذكر دخول هند بنت النعمان كنيسة الحيرة قال: "خرجت في خميس الفصح وهو بعد السعانين بثلاثة أيّام تتقرّب في البيعة (أي الكنيسة)".

 

"خميس الاسرار" يأتي هذا الاسم نسبة الى القربان الاقدس والكهنوت اللذين أسسهما السيد المسيح في العشاء "السري" او الاخير. ولا تعني لفظة "سر" شيئا مكتوما عن الناس خفيا بل هي مستمدة من الفكرة والايديولوجية اليونانية المسيحية وراء كلمة "ميستيريون" أي علامة مقدسة محسوسة تحمل النعمة. والامر "سر" لاننا لا ندرك عمل النعمة ولانه خفي لا يظهر للعيان ولا تلمسه الحواس وان كانت مادته محسوسة مثل الماء في المعمودية والخبز والكأس في القربان والزيت في كل من المعمودية والميرون والكهنوت ومسحة المرضى وما الى ذلك.

 

عندما ينقض الاعداء ترهاتهم بأنفسهم

تفنن خصوم السيد المسيح والكنيسة بالطعن به. قبل سنوات أطلقوا نظرية المسيح "زوج" المجدلية، حاشى وكلاّ، مع ان لا توثيق لهذا الاختراع حتى في المصادر الغنوصية بما انها تحسب الجسد رجسا والزواج رجسا وشرا مضاعفين والانجاب رجسا متكاثرا غير محدود، ومع ان اللفظة هي "كوينونوس" التي لا تعني شريكة بل رفيقة أو مشاركة في الفكر. وها هم هذه السنة يُطلقون بعد مسرحية سمجة عن "جسد المسيح" عرضا سينمائيا (اي فيلما) يفتقر الى التوثيق والموضوعية افتقاره الى الادب واللياقة والاحترام. ويدّعي -حاشى – ان السيد المسيح ورسله كانوا من المثليين أي الشاذين جنسيا! وما سبق لاحد من خصوم يسوع عبر التاريخ -وهم كثر- ان قذفوه بهذه التهمة، لا التلمود ولا الرومان ولا سيما الفيلسوف شيلسيوس! على اي حال، كيف يمكن "التوفيق" بين المثلية المطلقة وحب الجنس الاخر؟ ولا يفوت المرء في هذا المقام أن يعيد ويؤكد عاليا موقف الكنيسة الكاثوليكية الصارم الواضح من المثلية أي الشذوذ الجنسي انها شر كبير ومرض نفسي.

 

الجمعة الحزينة

عندما صرخ يسوع الانسان "الوهي الوهي لما شبقتاني؟" استشهد بالنقل الارامي لنص المزمور العبري الثاني والعشرين، ليبيّن ان محتويات المزمور تتحدث عنه وعن آلامه ومعاناته وعن تمجيده في آخر المطاف. ومن المحال ان يكون ينادي "اخوته من هيكل ايليوس"، اذ ان لا وجود لهذا الهيكل ولا تؤكده اية وثيقة. وكيف يمكن لاسينيين –اي يهود متعصبين مترفعين حتى عن هيكل اورشالم وكهنته- كيف يمكن لهم أن يبنوا هيكلا آخر وخصوصا أن يطلقوا عليه اسما يونانيا "ايليوس" اي "الشمس" (مع ان لا معنى مميزا للشمس في كتابات الاسيانيين سوى انها خليقة بديعة من عند الله).واذا كان يسوع يقصد "اخوته الاسينيين" –على ذمّة بعض المفكرين- الذين نسمع انهم تركوه وهربوا، فلماذا يسمح لنفسه بأن يخاطب الذات الالهية بآية بيّنة من كتاب الله الملهم الموحى به اي المزامير؟ ليس اللف ولا الدوران من شيم السيد المسيح. في مثل تلك الحالة، اذا وجدت أو صحّت، كان بامكانه أن يتأوه ويتشكى بكلمات كثيرة جدا من المزامير تشكو من تخلي الاحباء والاصدقاء والاقرباء عن المتكلم، وهذه بعض تلك النصوص على سبيل المثال لا الحصر: "ولو أن عدوا اهانني لاحتملته، ولو ان مبغضي تطاول عليّ لاتقيته، بل كانت اهانتي منك يا ندّي، يا اليفي وموضع ودّي، ومن كنت واياه أطيب العشراء، نسير معا الى بيت الله على الصفاء" (عن مزمور 55 (54): 13-15). وأيضا: "أصبحت عارا عند جميع خصومي، أي عار لجيراني ورعبا لمعارفي، ومن رآني خارجا فرّ منّي. كميت لا ينبض قلبه نُسيت ومثل سقط المتاع أمسيت…" (مزمور 31 (30): 12-13). وأيضا: "لم يتحرّك عند بليتي صحبي وأحبائي، وها قد وقف بعيدا اقربائي" (مزمور 38 (37): 12). وأيضا: "أبعدت معارفي عنّي وجعلتهم يحسبونني رجسا" (عن مزمور 88 (87): 9).

 

أحد الفصح المجيد

لهذا الحدث والعيد عدة اسماء منها "الفصح" (عن قورنثوس الاولى 5: 7 وتابع) المسيح حَمَلنا الفصحي اي الذبيح الذي يعبر (والفصح عبور) من الموت الى الحياة، "فلنعيّد بخمير الخلوص والحق". هذه وصية رسول الامم الاناء المختار بولس اي واجب التعييد للمسيح الحمل الفصحي. انه أيضا "الباعوث" أو "الباغوث" (في كتاب "المخصص 13: 102) وفي "تاج العروس" (1، 602) "الباعوث استسقاء النصارى وهو اسم سرياني. وقد خصوا بها رتبة تقام ثاني يوم عيد الفصح. انه "العيد الكبير" أو الاكبر بما ان عيد الميلاد ليس عيدا صغيرا! وفي معظم اللغات الاجنبية نجد لفظة الفصح" في اليونانية واللاتينية والفرنسية والايطالية والاسبانية والبرتغالية والهولندية وغيرها. صحيح ان الانكليزية "ايستر" تتفرد –مع الالمانية "اوسترن"- في لفظ آخر قد ينسبه بعضهم الى "عشتار" وهم يقولون -من غير دليل- ان اللفظة تسربت من بلاد الرافدين الوثنية الى بريطانيا في القرن الثامن بعد الميلاد الى اسم هذا العيد. ولكن المرجع في ايماننا المسيحي ليس بريطانيا ولا القرن الثامن الميلادي. وربما ليس صحيحا أن تُنسب "ايستر" الى "عشتار". على كل، كلمة "ايستر" ليست موجودة في نصوص الصلوات والرتب الكنسية (مثل الكعك والمعمول والبيض والارانب وغيرها من الرموز الشعبية) المقصود من الكلمة "ايستر" هو عيد قيامة يسوع من بين الاموات أو الاقرب الى الصواب العيد السنوي في حين ان الاحتفال الاسبوعي هو كل يوم احد.

 

هذا غيض من فيض. ولا تعني عبارة "قام من بين الاموات" سوى ان الجسد المصلوب هو هو الذي عاد الى الحياة . فلا معنى لعبارة "قام بالروح" لان الروح لا تموت، بل قام يسوع بحكم الروح (هذا ما قصده القديس بطرس في رسالته الاولى 3: 18، في اليونانية "بنوماتي" وليس "ان بنوماتي" أي بقوّة الروح لا بالروح) بما انه مات بحكم الجسد. ومن قال انه مسيحي عليه أن يؤمن بما ورد في العهد الجديد من غير فذلكات على النص، فالمسيح قام حقا قام. ومن انكر القيامة السيدية كان ايمانه باطلا وكانت دعوته ودعايته فارغة باطلة وكان من أشقى الناس (عن قورنثوس الاولى 15: 14).

 

خاتمة

بعد سفك دماء اهلينا الزكية في غزة والقطاع، وفي الظلم المستمر الذي يقع شعبنا له ضحية، نسأل السيد المسيح أن ينصرنا على الشر والخطيئة ويعيد الينا الحياة ويسمو بنا الى التحرر والتحرير!

 

وكل عام وأنتم بخير!

 

عن موقع ابونا