عظة البطريرك صفير 19/04/09

الأحد، 19 أبريل 2009 (zenit.org).

ننشر في ما يلي عظة البطريرك الماروني الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير في قداس الاحد في كنيسة الصرح البطريركي في بكركي:

"نواصل الحديث عن كتاب قداسة البابا بندكتس السادس عشر "يسوع الناصرة" ويتناول الحديث اليوم صور انجيل يوحنا الكبرى ، ونتابع الحديث عن الماء :

سنجد التوتر عينه الداخلي الخاص بالكائن البشري في الفصل عن الخبز . موسى أعطى المنّ وأعطى الخبز النازل من السماء. ولكنه كان، بعد كل، "خبزا" أرضيا. المنّ هو وعد. وموسى الجديد سيعطي الخبز مجدّدا. ويجب أن يعطي أكثر، أكثر ممّا هو المنّ. ونرى مجدّدا "كما يقول الكتاب" ان الانسان هو توّاق إلى اللامتناهي، إلى "خبز" آخر، يكون حقا "الخبز النازل من السماء" .
وهكذا ان مواعيد المياه الجديدة والخبز الجديد يتقابلان . وهما يقابلان بعد الحياة الآخر ، الذي يتوق إليه الانسان حتما . ويميّز يوحنا بين الحياة البيولوجية والحياة الأرحب، التي هي ينبوع ، لا تخضع للموت ولا للمصير الذي يطبع الخليقة بمجملها. في الحديث الذي دار بين المسيح والسامرية، يصبح الماء، دونما شكّ ، في صيغة مخالفة ، رمز الروح، قدرة الحياة الحقيقية التي تطفيء ظمأ الإنسان العميق بإعطائه الحياة الكاملة التي ينتظرها دون أن يعرفها.
في الفصل الخامس اللاحق، يظهر الماء على سبيل المرور. انه تاريخ الانسان المريض منذ ثلاثين سنة، الذي ينتظر الشفاء من نزوله في حوض بيت حسدا، ولكنه لا يجد من يساعده على ذلك. فشفاه يسوع بقدرته. واتمّ على المريض ما كان هذا الأخير ينتظره من ملامسته الماء الصحي. في الفصل السابع ، الذي بحسب افتراض شرّاح حديثين مقتنع، كان يتبع منذ البدء مباشرة الخامس، نجد يسوع في عيد الخيام بما له من طقس هبة الماء الاحتفالي، وسنعود إلى ذلك بالتفصيل.
ونجد مجدّدا رمزية الماء الجديدة في الفصل التاسع. يسوع يشفي أعمى منذ ولادته. وعملية الشفاء تنطوي على أن على الأعمى، بناء على أمر يسوع، أن يغتسل في حوض شيلوحا. وهكذا يستعيد النظر. شيلوحا، "هذا الاسم يعني:المرسل" يشرح الانجيلي لقرّائه الذين لا يعرفون العبرية1 . ولكن الأمر لا يكتفي بملاحظة لغوية بسيطة. إن هذا يعلّمنا سبب الأعجوبة الحقيقي. ذلك أن "المرسل" هو يسوع. وفي آخر المطاف ، إنه يسوع هو الذي بواسطته وفيه يتطهر ليستعيد النظر. إن الفصل بكامله بدا أنه شرح للعماد الذي يعيد الينا النظر. المسيح يجود بالنور، وبواسطة السرّ يفتح منا العيون.
وفي معنى مشابه، لكنه لا يخلو من اختلاف، يبدو الماء في الفصل الثالث عشر، في الساعة الأخيرة من العشاء السري ، لدى غسل الأرجل. فيقوم يسوع عن المائدة ، ويضع ثوبه جانبا، ويأخذ منديلا يأتزر به، ويصبّ ماء في إناء ويبدأ بغسل أقدام التلاميذ2. إن تواضع يسوع الذي جعل نفسه خادما لتلاميذه ، هو غسل الأرجل المطهر الذي يجعل الناس أهلا للجلوس إلى مائدة الله.
وفي النهاية، يبدو الماء في نظرنا مرة جديدة ، كبيرا وعجيبا، في آخر الآلام . مات يسوع غير أن ساقَيه لم يكسرا لكن "أحد الجنود طعن خاصرته بحربته، وخرج منها حالا دم وماء"3. لقد أراد يوحنا ، دونما شك، أن يشير إلى سريّ الكنيسة الأهمّين، العماد والقربان ، اللذين يتفجّران من قلب يسوع المطعون، وبهذه الطريقة ، تولد الكنيسة من جنب يسوع .
إن يوحنا ، في رسالته الأولى، عاد إلى موضوع الدم والماء بإعطائه إياهما معنى آخر: ان يسوع المسيح هو الذي جاء من الماء والدم : ليس فقط من الماء، بل من الماء والدم… ومن يشهد ، إنما هو الروح، لأن الروح هو الحق. إنهم ثلاثة الذين يشهدون، الروح والماء، والدم: ويجتمع الثلاثة في شهادة واحدة4 . وهنا نجد أمرا في جدل ظاهر، ضد مسيحية تعترف، ولا شكّ، بعماد يسوع كحدث خلاصي، إنما بموته على الصليب. وهنا نعني مسيحية تريد ، اذا جاز التعبير، فقط الكلمة ، ولكنها لا تريد اللحم والدم. جسد يسوع وموته لا أهمية لهما، في آخر المطاف. ولا يبقى من المسيحية إلا "الماء" – والكلمة دون جسد يسوع تفقد قوتها . والمسيحية تصبح عقيدة بسيطة، وأخلاقية بسيطة ومسألة عقلية، غير انه يعوزها الجسد والدم. وميزة دم يسوع الفدائية تصبح غير مقبولة فهي تفسد الانسجام العقلي.
كيف لا نرى تهديدات لمسيحيتنا الحالية ؟ والماء والدم يشكّلان وحدة. والتجسد والدم، والعماد ، والكلمة والسرّ ، كل هذه لا سبيل إلى فصلها. وعلى الروح أن يضمّ إلى هذا المثلث الشاهد. وفي هذا المعنى، شناكنبرغ يشير بحق إلى أن شهادة الروح في الكنيسة، وبالكنيسة يجب أن نفهمها انطلاقا من يوحنا 26: 15 ويوحنا 16: 10 .
ولنكبّ الآن على كلمات الوحي التي فاه بها يسوع في إطار عيد الخيام ، التي نقلها إلينا يوحنا. كان ذلك يوم الاحتفال بنهاية العيد. وقف يسوع وصرخ :"من كان عطشان، فليأتِ إليّ ، ويشرب ، من آمن بي، على ما يقول الكتاب : تجرِ من جوفه أنهار ماء حيّ"5. وفي مؤخرة المشهد، كانت طقوس العيد التي كانت تقوم على انتشال الماء من ينبوع شيلوحا للقيام بأعمال التكفير في الهيكل طوال سبعة أيام العيد. في اليوم السابع، كان الكهنة يطوفون سبع مرات حول الهيكل بوعاء الماء المذهّب قبل المباشرة بإراقة هذا الماء. هذه الطقوس المتعلقة بالماء، تشير إولا إلى أصل العيد في ديانات الطبيعة. وكان العيد في الأصل صلاة للاستسقاء في بلد يهدّده الجفاف، ويحتاج أشد الحاجة إلى المياه . وبعدئذ ، كان الطقس يستذكر حادثة من تاريخ الخلاص، أي الماء الذي كان الله قد فجّره من الصخر من أجل العبرانيين، فيما كانوا سائرين في الصحراء ، على الرغم من شكوكهم ومخاوفهم 6.
أخيرا إن الماء الذي يتفجّر من الصخر كان قد أصبح تباعا موضوع رجاء مسيحاني. في أثناء السير في الصحراء، أعطى موسى اسرائيل خبز السماء وماء الصخر. وبالتالي، كانوا ينتظرون من موسى الجديد يسوع ، هاتين الهبتين الأساسيتين بالنسبة إلى الحياة. وترجمة هبة الماء المسيحانية هذه تنعكس أيضا في رسالة القديس بولس الأولى إلى أهل كورنتس :"لقد أكلوا جميعا الطعام عينه، الذي كا روحيا : وشربوا جميعا من الينبوع عينه، الذي كان روحيا ، لأنهم كانوا يشربون من صخرة كانت ترافقهم ، وكانت هذه الصخرة المسيح "7 .
بالعبارة التي لفظها يسوع، لدى طقس الماء، أجاب على هذا الرجاء. فهو موسى الجديد. وهو الصخرة التي تجود بالحياة. وكما أنه يكشف عن نفسه أنه الخبز الحقيقي الآتي من السماء، في الخطاب عن خبز الحياة، هكذا فهو يقدّم نفسه، بطريقة مشابهة ، لما قاله أمام السامرية، أنه هو الماء الحيّ الذي يتوق إليه الانسان في عطشه العميق، عطش الحياة و"الحياة بوفرة"8.
بالكلمة التي لفظها يسوع في أثناء طقس الماء، ردّ على هذا الرجاء، فهو موسى الجديد. وهو عينه الصخرة التي تهب الحياة. وكما أظهر عن نفسه أنه الخبز الحقيقي الآتي من السماء في خطابه عن خبز الحياة، هكذا يقدّم نفسه، بطريقة مشابهة لما فعله أمام السامرية، كأنه الماء الحي الذي يتوق إليه الانسان في عطشه العميق ، عطش الحياة ، و"الحياة الوافرة"9 ، حياة لن تطبعها الحاجات التي يجب إشباعها باستمرار ، بل حياة تنفجر منها لنفسها من الداخل. وأجاب يسوع أيضا على هذا السؤال : كيف يُشرب ماء الحياة ؟ كيف المجيء إلى هذا الينبوع، وكيف يمكن الاستقاء منه ؟ من آمن بي … "الايمان بيسوع، هذه هي طريقة استقاء الماء الحيّ، استقاء الحياة التي لا يتهدّدها الموت.
وعلينا الآن أن نصغي إلى النصّ بانتباه متزايد. وهو يتابع القول:"كما يقول الكتاب: تجري من جوفه أنهار ماء حي"10. من أي جوف ؟ هناك جوابان على هذا السؤال منذ الأعصر الأولى. إن التقليد الاسكندري الذي دشّنه اوريجانوس (مات نحو سنة 254) والذي أقرّه أيضا آباء لاتين بارزون مثل ايرونيموس وأغسطينوس، يقرأ هكذا العبارة "من آمن … تجري من جوفه" : الانسان الذي يؤمن يصبح هو عينه ينبوعا ، صحراء تتفجّر منها مياه طرية، سليمة ، القوة المانحة حياة الروح الخالق. والتقليد الآخر ، الذي هو أقل انتشارا، وهو تقليد آسيا الصغرى الذي بأصله أقرب من يوحنا ويمثّله يوستينيانوس الذي توفي سنة 165 وإيريناوس، وهيبوليتوس، وقبريانوس وافرام، يبدّل علامات الوقف. من كان عطشان ، فليأتِ إليّ ، ومن يؤمن بي، فليشرب. وكما يقول الكتاب : تجري من جوفه أنهار. و"جوفه" يعود الآن ألى المسيح. فهو الينبوع، والصخرة الحيّة ، التي يجري منها الماء الجديد.
من ناحية فقط لغوية، إن التفسير الأول هو مقنع أكثر، لهذا ، جريا مع آباء الكنيسة، يقبل بذلك أكثر آباء الكنيسة الحديثون . غير أنه لجهة المحتوى، هناك ميل إلى التفسير الثاني، تفسير "آسيا الصغرى" الذي يقول به مثلا شناكنبورغ دون أن نرى فيه تضادا مبدئيا يخرج التفسير "الاسكندري" . وهناك مفتاح هام للتفسير جاءنا من الصيغة على ما "يقول الكتاب ويسوع يصرّ على الموافقة على مواصلة الكتاب، ومواصلة تاريخ الله مع الناس. في انجيل القديس يوحنا ، وأيضا في الأناجيل الإزائية وما عداها في كل البيان الكتابي الجديد، إن الايمان بيسوع يبرّره ، وهو أن فيه تتلاقى كل أنهر الكتاب . وانطلاقا منه ، يظهر معنى الكتاب في كل ما فيه من انسجام، على ما يُنتظر من الجميع ، ونحو ذلك يتجه الكل .

أيها الاخوة والابناء الأعزاء ،
المسيح هو الخبز السماوي، وهو الماء الحيّ . ومن يشرب منه لا يعطش ابدا. وعلينا أن نعرف ، لدى سماع القداس والمناولة، أننا نتناول جسد الرب للحياة الأبدية.
راجَعَنا بعضُ أرباب المدارس الخاصة المجانية التي تعوّدت أن تتقاضى من الدولة مرتبا ضئيلا عن بعض الأولاد، ولكنه منذ سنوات لم تدفع الحكومة ما عليها، وهذا يرهق موازنة هذه المدارس، وهي لا تعرف كيف تتصرف. وقد تفكر في إغلاق أبوابها في وجه الطلاب، فهل هذا ما يريده أهل الحكم. لا نعتقد ذلك. لذلك على الدولة أن تستجيب لهذه المطالب المحقّة".