أيها الأخوة الأساقفة،
أيها الأصدقاء الأعزاء،
يغمرني فرح روحي عظيم إذ جئت لأبارك حجري الأساس للكنيستين الكاثوليكيتين اللتين ستشيدان عبر الأردن، هذا المكان المطبوع بأحداث عدة مرتبطة بالتاريخ البيبلي. النبي إيليا التشبي قدم من هذه المنطقة القريبة من شمال جلعاد باتجاه الشمال. وعلى مقربة من هذا المكان، أمام أريحا، انفتحت مياه نهر الأردن أمام إيليا الذي رفعه الرب بمرآبة نارية (2 ملوك 2، 9-12). هنا دعا روح الرب يوحنا، ابن زكريا، للتبشير بتوبة القلوب. يتحدث القديس يوحنا الإنجيلي عن اللقاء الذي تم في هذه المنطقة بين يوحنا المعمدان ويسوع الذي "مسحه" روح الله خلال اعتماده إذ نزل عليه وآأنه حمامة وأعلن ابن الله الحبيب (يوحنا 1، 28 مرقس 1، 9-11).
أحيي بفرح غبطة غريغوريوس الثالث لحام بطريرك أنطاآية لكنيسة الروم الملكيين، وأحيي أيضا بحرارة غبطة بطريرك القدس للاتين رئيس الأساقفة فؤاد الطوال. وأوجه تحياتي الحارة أيضا إلى غبطة ميشال صباح والأساقفة المعاونين الحاضرين هنا، خاصا بالذكر رئيس الأساقفة جوزيف جول زريعي وسيادة المطران سليم الصايغ وجميع الأساقفة والكهنة والرهبان والراهبات والمؤمنين المتواجدين بيننا. يسرنا جدا أن البناءين التابعين لكنيسة اللاتين وكنيسة الروم الملكيين سيساهمان في إنماء عائلة الله الواحدة كل وفقا لتقاليد جماعته الكنسية.
إن الحجر الأساس لأي كنيسة يرمز إلى المسيح. فالكنيسة ترتكز إلى المسيح ولا يمكن فصلها عنه. إنه الأساس الوحيد لكل جماعة مسيحية، الحجر الحي الذي رذله البناؤون، الثمين في أعين الله الذي اختاره فصار رأسا للزاوية (1 بطرس 2، 4-5. 7). معه نصبح نحن أيضا حجارة حية نقدم أنفسنا لبناء بيت روحاني، بيت الله (أفسس 2، 20-22 ، 1 بطرس 2، 5). كان القديس أغسطينوس يحب الحديث عن سر الكنيسة كالمسيح الكامل، ما يعني جسد المسيح الكامل والتام، الرأس والأعضاء. هذا هو واقع الكنيسة؛ إنها المسيح ونحن، المسيح معنا كالكرمة مع أغصانها (يوحنا 15، 1-8) وفي المسيح تصبح الكنيسة جماعة حياة جديدة وواقع نعمة حيوي ينطلق منه وبواسطة الكنيسة ينقي قلوبنا وينير عقولنا ويوحدنا مع الآب ومع الروح القدس ويقودنا إلى ممارسة يومية للمحبة المسيحية. نؤمن بهذا الواقع الفرح ككنيسة واحدة، مقدسة، كاثوليكية ورسولية.
نلج الكنيسة بواسطة سر العماد. إن ذكرى عماد المسيح حاضرة أمامنا في هذا المكان بشكل حي. وقف يسوع في صفوف الخطأة وقبل عماد مغفرة يوحنا كعلامة نبوية لآلامه ذاتها، وموته وقيامته من أجل مغفرة الخطايا. وعبر القرون قصد الأردن حجاج كثيرون لتنقية نفوسهم وتجديد إيمانهم ليكونوا قريبين من الرب. وهذا ما فعلته الحاجة إيجيريا التي دونت ما شاهدته من حجها في نهاية القرن الرابع. اعتمدت الجماعات المسيحية في كنائسها الجديدة سر العماد الذي نشأ بعد موت وقيامة المسيح وأولت هذا السر اهتماما خاصا. فليذكركم نهر الأردن على الدوام أنكم غسلتم بماء المعمودية وأصبحتم أعضاء في عائلة يسوع. لقد تحولت حياتكم، بفعل الطاعة لكلمته، إلى صورته ومثاله. وإذ تجهدون لأن تكونوا أمناء لالتزامكم في ارتدادكم عبر العماد والشهادة والرسالة، اعلموا أنكم أصبحتم أكثر قوة بفعل عطية الروح القدس.
أيها الأخوة والأخوات الأعزاء، ليكن هذا التأمل بهذه الأسرار مصدر غنى روحي وشجاعة أدبية لكم. أدعوكم مع الرسول بولس إلى النمو في مجموعة من التصرفات النبيلة التي تحمل اسم المحبة المسيحية (راجع 1 قورنتس 13، 1-13). اعملوا من أجل الحوار والتفاهم في المجتمع المدني وخصوصا عندما تطالبون بحقوقكم الشرعية. إن المسيحيين في الشرق الأوسط، المطبوع بآلام مأساوية وسنوات عنف ومسائل بدون حل، مدعوون إلى تقديم إسهامهم المستوحى من مثال يسوع، بالمغفرة والسخاء، من أجل المصالحة والسلام. واصلوا امتنانكم لمن يخدمونكم بأمانة كخدام للمسيح. حسنا تفعلون بقبولكم إرشادهم في الإيمان وعيا منكم أنه عندما تقبلون تعاليمهم الرسولية إنما تقبلون المسيح والإله الوحيد الذي أرسله (راجع متى 10، 40).
أيها الأخوة والأخوات الأعزاء، لنبارك الآن حجري الأساس، بداية الكنيستين الجديدتين. فليعضد الرب الجماعات التي ستمارس عبادتها فيهما وليقويها وليبارككم جميعا بعطية السلام. آمين!.