مليار كاثوليكي وبنديكتوس السادس عشر

قلقٌ وتجديد
أثار قرار البابا بندكتوس السادس عشر في رفع الحرم عن أربعة أساقفة منشقّين كان قد رسمهم المونسنيور مرسيل لوفيفر والتصريحات الإنكارية لواحدٍ منهم فضيحةً ضخمة أعادت الكنيسة الكاثوليكية إلى واجهة المشهد. فمنذ 25 عاماً وهنري تينك يعلّق على الشؤون الدينية في يومية "لوموند". ومع كتابه الضخم "الكاثوليك" [1]، يتناول أساس ما يجب معرفته حول هذه الديانة وطقوسها وتاريخها وآلياتها وعقيدتها والمؤمنين بها: ما يعطي عملاً مميزاً جامعاً محكم الإنجاز بمتناول الجميع. لكن المؤلِّف لا يميل الى الاختزال.
مع ذلك نأسف لتعريفه تنوّع الحساسيات الكاثوليكية على شكل لعبة العائلات السبع: فهل المؤمن اليساري الذي يحبّ اللحن الغريغوري أو القداس باللاتينية – وهناك كثر في هذه الحالة – ينتمي إلى "العائلة التقليدية"؟ وهل يكون آخرٌ يمينيّ مؤيدٌ لزواج الكهنة "متمرداً" لهذا السبب؟ هكذا لا ينجو الكاثوليك من ظاهرة التشريع الذاتي الفرديّ للخيارات والسلوك. ومحاولة إعادة ترتيبهم في أدراجٍ محددة ليست مأمولة النتائج.
مع اندفاعة المحقّق الصحفي، يرسم تينك صورةً حيّة وبالحجم الكبير للمليار كاثوليكي الذين يتمّ إحصاؤهم مطلع الألفية الثالثة. فهذا الصحافي الذي غالباً ما غطّى رحلات البابا يوحنا بولس الثاني (1978 – 2005) عبر القارات، يصف الوجوه المتباينة لكنيسةٍ تجتاز ثورةً ثقافيةً لا سابق لها. وهو يشير عن حقٍّ إلى أن مركز ثقل الكثلكة لم يعُد قائماً في روما ولا في أوروبا، بل في أميركا اللاتينية والقسم الجنوبي من الكرة الأرضية. وقد اعتمد تينك مقاربةً سردية، ولو أنه لم يمتنِع عن إبداء رأيه في هذه الظاهرة أو تلك. فيأسَف مثلاً للنزعة المحافظة في العقيدة والحياة الإكليريكية التي حلّت محلّ دينامية الانفتاح التي أطلقها المجمع الفاتيكاني الثاني (1962-1965). لكن اختصاصي الأديان في "لوموند" لا يخفي أيضاً إعجابه بإبداع الجماعات المسيحية في مواجهة محيطٍ متعدّد الذهنيّات وعلماني. ويلقي المؤلف في النهاية نظرةً متفائلة على مستقبل الكثلكة، شرط أن تُحسِن الاستفادة من تنوّعها لتعيد ضخّ الكونية في عالمٍ معولمٍ يعاني القبلية والمركنتيلية.
أمّا مونيك هيبرار فتكرّس من جهتها كتابها الأخير لدراسة وضع الإكليروس في فرنسا [2]. فمن خلال استكشافها للجماعات الكاريسماتية وموقع المرأة والعلمانيين في الكنيسة، كانت قد حصّلت على شهرةٍ استحقتها بصفتها محقّقة متمرّسة. ففي كتاب "الكهنة"، طرحت أسئلةً بطريقةٍ فريدة على حوالى خمسين كاهناً من أصل الـ20523 في فرنسا (أرقام العام 2006). ويتحدّث هؤلاء الرجال من أجيالٍ وحساسيات مختلفة، وبدون محرّمات، عن دوافعهم والتزامهم وحياتهم الجنسية ومشاغلهم، لكن أيضاً عن المبادرات التي يدفعهم إليها النقص في الدعوات الكهنوتية. هكذا يكشف هذا التحقيق واقعاً إكليريكياً أكثر تعقيداً ومثيراً للتعاطف مما هو متوقّع. فهؤلاء الرجال الذين يرتدون الجبّة الرومانية أو يكتفون بلباسٍ مدني عاديّ يرفضون التحوّل الى "آخر الموهيكان" (أي إلى صنفٍ منقرض)!
قبل عشرين عاماً، رمى يوحنا بولس لثاني الحرم الكنسي على المونسنيور لوفيفر. وقبل عام، وسّع بنديكتوس السادس عشر من احتمالات تلاوة صلاة القداس باللاتينية، آملاً هكذا أن يعيد ما تبقّى من التقليديين المنشقّين الى الطاعة البابوية. ويساعد كتاب نيكولا سينيز [3] في استعادة هذا التاريخ وفهم التطورات الأخيرة في الفاتيكان. يشدّد المؤلّف على أن الخلاف بين التقليديين وروما ليس القداس التريدانتي (المعروف بقداس بيوس الخامس)، بل العقيدة المعلَنة من قبل المجع الفاتيكاني الثاني، لا سيّما حول الحرية الدينية وتوحيد الكنائس والمجلسية الأسقفية. ويبدو أن المصاعب التي يلقاها بنديكتوس السادس عشر لوضع حدٍّ لانشقاق جناحه التقليدي، تؤكّد الأطروحة المركزيّة لهذا الكتاب الصارم والمليء بالتعاليم.
 
الحواشي:
 [1] Henri Tincq, Les Catholiques, Grasset, Paris, 2008, 460 pages, 20,90 euros.
 [2] Monique Hébrard, Les Prêtres, Buchet-Chastel, Paris, 2008, 368 pages, 22 euros.
 [3] Nicolas Senèze, La Crise intégriste, Bayard, Paris, 2008, 194 pages, 15 euros .
 
نقلاً عن: "لوموند ديبلوماتيك"