أحاول جاهدا ان ادرك اكثر مبتغى ومنهجية الحوار بين الاديان، ولا سيما الحوار الاسلامي – المسيحي.
الحوار قبل كل شيء هو التفاهم والاتفاق والمحبة، ولا يقوم الحوار على إلغاء الآخر او طمس الحقيقة او المجاملة او التلفيقة. ولا مجال لوجود "القوة" في مفهومها الثاني، قوة العنف، من تعد واجبار على الخضوع بالاكراه.
بات معروفا ان الحوار الاسلامي – المسيحي ينطلق من دائرتين اساسيتين: الاولى وهي دائرة علم اللاهوت او علم الكلام، التي من خلالها افهم الآخر على حقيقته، افهم اكثر ايمانه ومعتقده وفكره وسلوكه، وقد نلتقي معا في مساحات ايمانية مشتركة، شرط ان يحافظ كلا الطرفين على الاسس والمبادئ والعقائد الايمانية العائدة لكل واحد منهما، ولا يصار الى ارضاء او تنازل للآخر على حساب المعتقد الايماني. من هنا نستطيع القول ان معرفتنا لبعضنا البعض هي شرط من شروط الحوار الاسلامي – المسيحي.
فهل انتهى هنا مفهومنا للحوار السلامي – المسيحي؟
واي طموح إذاً للحوار الاسلامي – المسيحي؟
هل توقف عند هذا الحد؟
الحق، ان الحوار ليس بين الديانتين، بل بين اهل هاتين الديانتين، واي طموح اكثر مفترض للحوار بين اللاهوت وعلم الكلام، لا يحقق هذا الهدف، بل قد يكون معوقا يحول دون استمرار تجربة الحوار ونجاحها.
لا اقول هذا لألغي دور اللاهوت وعلم الكلام، فدائرة الحوار الخاصة بهما كانت وستبقى، ولا يمكن إلغاؤها، لان العلاقة بينهما ناشئة من طبيعة الدعوتين ومن شموليتهما. بل اقول هذا لأخلص منه الى القول بأن القضية المطروحة على مشروع الحوار بين المسيحية والاسلام تتعدى طاقة اللاهوت وعلم الكلام وتخرج عن دائرة اختصاصهما.
هنا تأتي الدائرة الثانية التي منها ينطلق الحوار الاسلامي – المسيحي، وهي دائرة العمل المشترك بين الديانتين وهدفها اعادة الاعتبار الى الايمان بغية انقاذ الانسان. واستذكرت المغفور له العلامة السيد محمد مهدي شمس الدين فتصفحت كتابه "دراسات ومواقف في الفكر والسياسة والمجتمع" يشدد فيه "على ان الهدف في الحوار يجب ان يكون التزاما نضاليا تجاه قضايا الانسان والحضارة، لتصحيح عملية التقدم البشري، فيقيمها على ساقيها (المادة والروح) بدل ان تبقى كما هي الآن عرجاء تمشي على ساق واحدة، ويدفع ثمن تعثر سقوطها الانسان نفسه، ضياعا وشقاء وانحطاطا".
وولجت قدر المستطاع في فكر العلامة السيد محمد حسين فضل الله، لأرى ان الحوار الاسلامي – المسيحي كما يراه، هو تحرك يهدف الى اغناء الانسانية، فيبرز على المستوى العالمي، القيم السامية التي يلتقي عليها الاسلام والمسيحية، ويساهم في تثمير حركة الانسان، في تطلعه الى المستقبل. فأهمية هذه الدعوة الروحية المشتركة للحوار الاسلامي – المسيحي بنظر سماحته انها تختصر المسافات من جديد بين الانسان والقيم، وتفتح ذهنه على معنى انسانيته، وقيمة وجوده، واهداف هذا الوجود، والغاية من جهاده الدنيوي، فتجعله اقرب الى الله ليكون الى اخيه الانسان اقرب، والانسان على صورة الله.
وعدت بالتاريخ الى مقررات المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني الصادرة عام 1965 المنادية بدعوة المسلمين والمسيحيين جميعا على نسيان الماضي، وتحرضهم على العمل الصادق في سبيل التفاهم في ما بينهم، وان يحموا ويعززوا كلهم معا، من اجل الناس، العدالة الاجتماعية، والقيم الروحية، والسلام والحرية. وبت من المعتقدين اكثر بمقولة Rene Girard في كتابه "Violence and the Sacred" الصادر سنة 1997، اذ يقول: "بقدر ما يحمينا الدين من العنف، ينشد العنف حمايته في احضان الدين".
ويأتي Peter Gay ليوضح اكثر تلك الفكرة، فيقول في كتابه "The Cultivation of Harted" الصادر سنة 1993: "انه المنحى نفسه، كان ولم يتغير: اكان المعني امة او منطقة او مدينة، اكان دينا او طبقة اجتماعية او ارثا ثقافيا، فكلما ارتد حب المرء الى نفسه انعكس مزيدا من البغضاء للآخرين… وقد استغل السياسيون هذا الميل البشري عبر العصور والازمنة (…)".
يقيني اننا كلنا بشر، خلقنا على صورة الله ومثاله… ما نادى به فيلسوف البيعة او غوسطينوس يوم قال: "خلقتنا يا رب، وقلبنا سيظل مضطربا، ولن يرتاح الا فيك وبك ومعك".
نقلاً عن "النهار"