كلمة المطران سليم الصايغ في مباركة حجر الأساس للكنيسة – المغطس

قداسة الحبر الأعظم:

 

في هذا الصباح، وبقلوب تفيض ببهجة عيد القيامة، أقمنا احتفال الافخارستية مع قداستكم، خليفة القديس بطرس نائب المسيح وراعي الكنيسة. نجتمع هنا من حولك في هذا الموقع المقدس ككنيسة وحجّاج لنجدد مواعيد معموديتنا وننضم إلى قداستكم و انتم تباركون حجر الأساس لكنيسة معمودية المسيح، قيد الإنشاء، إضافة إلى كنيسة الروم الكاثوليك التي  ستشيد في المستقبل. لقد تم التبرّع بالأرض لبناء هاتين الكنيستين من لجنة المغطس التي يرأسها سمو الأمير غازي. وهناك لجنتان من جمعية الكلمة المتجسدة ستؤكدان استمرارية الصلاة والخدمة الرعوية للحجاج في هاتين الكنيستين.

 

في موقع معمودية المسيح هذا، يلتقي العهدان القديم والجديد في طريق الخلاص. وفي الحقيقة، وبعد موت موسى، عبر من هذا النهر يشوع مع شعبه لدخول الأرض الموعودة (يشوع 3: 14-17) وقد كانت هذه الطريق رمزاً للطريق الذي يقدّمه المسيح لكل البشر، ممكّناَ إياهم من العبور من الموت إلى الحياة، ومن عبودية الخطيئة، إلى حرّية كونهم أبناء الله. 

 

أتى الرب بالنبي إيليا في السنوات الاخيرة من حياته إلى هذه الاماكن برفقة أليشع الذي خلفه وأعطِي ضعفين من قوة سيده الروحية ليتمم مهمته. "وفيما هما يسيران ويتكلمان ظهرت مركبة من نار وخيل من نار ففصلت بينهما فصعد إيليا في العاصفة إلى السماء" (ملوك الثاني 2: 11).

 

مضت السنون، ومن ثم ظهر يوحنا المعمدان هنا في هذا المكان وفي كل نواحي الأردن (لوقا 3: 3) حيث كان يقوم بمعمودية التوبة لغفران الخطايا. إنه آخر أنبياء العهد القديم وأول رسل العهد الجديد. كان يعمّد في ينابيع المنطقة (يوحنا 3: 23) وجعل من بيت عنيا عبر الأردن، التي ما تزال تحت الرمال، مقرّه الأساسي خلال فترة خدمته ( يوحنا 1: 28، 10: 40).

 

يخبرنا القديس يوحنا في إنجيله بأن الناس كانوا يأتون للتعمد من يوحنا، وبالنسبة إلى يسوع، فقد غادر الناصرة وتوجّه إلى حيث كان يقيم من أجل أن يعمّده في نهر الأردن. هو ذاك القدّوس الذي قال لليهود: "هل يسطتيع اي منكم ان يدينني بخطيئة؟" في إنجيل يوحنا 8: 46 هو ذات الشخص الذي وضع نفسه في صفّ الخطاة الذين أتوا ليتعمّدوا رمزاً للتوبة، فعمّده يوحنا في نهر الأردن كما جاء في إنجيل مرقس 1: 9.

 

بسبب هذه الحقيقة، صار ماء نهر الأردن مقدساً، وكذلك أيضاً الماء الذي ينسكب على رؤوس كل المتعمّدين في كل الأزمان والأماكن. إنه الماء الذي يسمح للنفوس بأن تُولَد إلى حياة الثالوث في كنف الكنيسة،نفوس حرّة من عبودية الخطيئة.

 

بعد أن تعمّد يسوع، خرج من الماء مباشرة وإذ بالسماء تنفتح فيرى روح الله نازلاً على شكل حمامة عليه، وصوت من السماء يقول: "هذا هو ابني الحبيب الذي به سُررت" (متى 3: 16-17، مرقس 1: 9-11).

 

أرسل يهود أورشليم إلى يوحنا في ذات المنطقة كهنة ولاويين ليسألوه: من أنت؟ فاعترف ولم ينكر قائلاً: لست المسيح. أنا صوت صارخ في البرية: أعدّوا طريق الرب. وفي اليوم التالي، رأى يوحنا يسوع آتياً نحوه فقال: "هوذا حمل الله" فسمع التلميذان ما قاله يوحنا وتبعا يسوع ومكثا معه في ذلك اليوم (يوحنا 1: 19-29)، ثم انضم إليهم ثلاثة آخرون، وكان بطرس أحدهم.

 

كما يخبرنا القديس يوحنا أيضاً أنه خلال فترة عيد تكريس الهيكل، كان اليهود مجتمعين حول يسوع فبدأوا يسألونه، وحاولوا يلقوا عليه القبض ولكنه هرب من جمعهم. ومرة أخرى، أتى يسوع إلى نهر الآردن إلى الأماكن الذي عمّده فيه يوحنا، وهناك بقي، فآمن به كثيرون (يوحنا 10: 40-42). وهناك أيضاً، أتى رسل مريم ومرثا ليجدوه ويقولوا: "يا سيّد، ان الذي تحبه مريض".

 

في عام 2000، ولأول مرة في التاريخ، أتى قداسة البابا يوحنا بولس الثاني خليفة القديس بطرس إلى هنا في رحلة حجّ لزيارة المواقع التي التقى فيها بطرس بيسوع لأول مرة. وها أنت بدورك تأتي إلى هنا يا قداسة الحبر الأعظم خليفة يوحنا بولس الثاني لتكرر حجّه وتفرح بيسوع في انتعاش وفرح ذلك اللقاء الأول، و لتخلع بركات غامرة على الكنيسة وعلى كل البشرية.

 

نشكرك يا قداسة الحبر الأعظم باسم مجلس رؤساء الكنائس الكاثوليكية في الأرض المقدسة والقطيع الذي نستودعه برعايتهم. نتضرع إلى صلواتك وبركاتك من أجل وطننا الأردن الحبيب، ومن أجل إحلال السلام في الشرق الأوسط، والحجاج الذين أتوا إلى هذه الأرض المقدسة متضرعين إلى رحمة الله وقوة الروح القدس ليكونوا أمناء في مواعيد معموديتهم.

 

باسم مجلس رؤساء الكنائس الكاثوليكية في الأرض المقدسة، نشكر أيضا جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين المعظم، وجلالة الملك رانيا العبدالله الذين رافقوا قداستكم في رحلة الحج إلى المغطس، وازاحوا مع قداستكم الستارة عن اللوحة التذكارية للكنيستيين في هذا الموقع المقدس. لقد أظهر جلالته خلال السنين العشرة الماضية تقديره وحماسه لمسيحيي المواقع المقدسة، وأعلن إلى جميع العالم بأن الأردنيين، مسيحيين ومسلمين سواء، يعيشون معاً كعائلة واحدة. إن جهود جلالته التي لا تكلّ من أجل إحلال السلام في الشرق الأوسط ليست معروفة في هذه المنطقة فحسب، بل وفي جميع ارجاء العالم. ليباركه الرب، وليبارك الله دولتنا الحبيبة الأردن.

عن ابونا