من حكم الموت (الشريعة) الى نعمة الحياة

 

 

الاب انطونيوس مقار ابراهيم

راعي الاقباط الكاثوليك في لبنان

يطلعنا سفر دانيال النبيّ الإصحاح الثالث عشر عن قصّة سوسنّة العفيفة التي اتّهمها شيخان قاضيان في المدينة بالزنى وحسب قولهما إنّها أُمسكت في ذات الفعل. لهذه القصّة ما يماثلها في العهد الجديد وإن اختلفتا قليلاً: قصّة المرأة التى جاءت بها جماعة من اليهود  الكتبة والفريسين  في مظهر التقوى الخارجية يصحبون معهم إمراءة متّهمةً إيّاها بأنها أمسكت في ذات الفعل.هم لم يكذبوا في شأنها .هذه المرأة تحولت امام يسوع الى نعمة الحياة والسلام فقال لها إذهبي بسلام. لكن دعونا نتحدّث عن قضيّة سوسنة ملابساتها وحيثيّاتها.

 

الأشخاص في القضيّة

النتيجة

أقوالهم

صفاتهم

الأسماء

سبّحا الله لأجل ابنتهما لأنّ شيئًا قبيحًا لم يوجد فيها63

حضرا الجلسة ولم يدليا بشيء

والدا سوسنّة وكانا بارّين أمام الله

حلقيا وزوجته

 

 

 يقيم في بابل ،غنيّ، ومن أعيان البلدة ، يقصده اليهود بصفته أحد الوجهاء. تزوّج من سوسنّة

يواقيم

صرخت الى الرب وقالت "أيّها الإله الأزليّ البصير بالخفايا والعالم بكلّ شيء قبل أن يكون، إِنّك تعلم أنّهما شهدا عليّ بالزور وهاآنذا أموت ولم أصنع شيئاً ممّا افترى عليَّ هذان من الكذب". فاستجاب الربّ لصوتها42-44

عندما وجهت إليها تهمة الزنى قالت" لقد ضاق بي الأمرمن كلّ جهة"، فإن فعلت هذا كان الموت مصيري. وإن لم أفعل فلن أفلت من أيديكما، ولكن خيرٌ لي أن لا أفعل ثم أقع في أيدكما من أن أخطأ إلى الربّ22-23

زوجة يواقيم،جميلة جداً، تربّت على مبادئ شريعة موسى ، تتّقي الربّ في حياتها.

سوسنّة

انكشف أمرهما وفقدا ثقة الشعب الذي قام عليهما61وصنع بهما كما نويا أن يصنعا بخبثٍ بالقريب

قالا أمام الشعب: كنّا نتمشّى في الحديقة وحدنا، فدخلت هذه ومعها جاريتان وأغلقت أبواب الحديقة وصرفت الجاريتين فأتاها شاب وضاجعها فلمّار أينا الإثم أسرعنا إليهما، ولم نستطع أن نمسك الشاب لأنّه كان أقوى منّا فهرب34-40

 

 

قال عنهما الربّ "إن الإثمَ قد صدر من بابل من شيوخ قضاة يحسبون أنفسهم قادة الشعب"5.أهملا ملهما وانشغلا بسوسنّة. كانا مشغوفان بها يرغبان في مضاجعتها11 ونسيا الاهتمام بقضايا الناس. يترقبانها.16 هجما عليها ولاسيما عندما أغلقت أبواب الحديقة20 وقالا لها لبي رغبتنا وكوني لنا وإلا نشهد عليك أنْ قد كان معك شاب21

 شيخان قاضيان

من المؤكد أنهما انزعجتا من أجل التهمة ولكنّهما فرحتا للبراءة

 

كانتا في خدمة سوسنّة تفعلان ما يُطلب منهما. أحضرتا زيتًا وطيوبًا كي تغتسل سيّدتهما بهما 17وأغلقتا أبواب الحديقة وخرجتا من باب جانبي18

 الجاريتان

عظُمَ أمامهم شأنُ دانيال64

 

عندما سمعوا الصراخ جاؤوا ليروا ما جرى26

أهل البيت والخدم

شعروا بنكسة وهزيمة في أمر غير مُصدق ولكنّهم اعتزّوا وافتخروا ببراءة سوسنة من التهمة الموجَّهة إليها وأخذوا يسبّحون الربّ ويذكّرونه بأنّه مخلّص الذين يرجونه60

 

اجتمعوا الى زوجها ليستمعوا إلى ا3الشيخين وصدّقوا كلامهما41 وحكموا عليها بالموت41

الشعب و أهل قرابتها جميعهم

 

طالب بتفريق الشيخين الواحد عن الآخر. فقال للأوّل موبِّخاً إيّاه على أفعاله القديمة الاّثمة والشرّيرة "إن قد رأيت هذه المرأة فقل لنا تحت أيّ شجرة، فأجاب تحت شجرة السنطة50-55

وطرح السؤال نفسه على الثاني فأجاب تحت شجرة السنديانة الخضراء 58وهنا تضاربت الأقوال وظهرت الحقيقة

شاب حديث السن45. صرخ بأعلى صوته وقال " أنا بريء من دم هذه"46، وطلب العودة الى القضاء للنظر في القضية، لأنّ الشيخين شهدا زورًا على سوسنّة49

دانيال

 

سوسنّة العفيفة زوجة يواقيم أحد وجهاء اليهود على قدر وافر من الجمال ومحطّ أنظار الجميع. وقعت في مأزق خطير لمّا وُجِّهت إليها تهمة الزنى فحُكم عليها بالرجم وهي بريئة. تخلّى عنها الجميع لكن بقي لها شاهد وحيد على براءتها وهو الله الذي قال اطلبوني تجدوني، وقال عنه الكتاب إنّه يحفظكم مثل حدقة العين، وعينه علينا الأيّام كلّها من أوّل السنة إلى آخرها. ألم يقل هو في إنجيل القدّيس متّى: "ها أنا معكم كلّ الأيّام إلى انقضاء الدهر"؟ أخي الحبيب وأختي المؤمنة، علينا أن نثق في وعد الله لنا بأنّه معنا ويرعانا مهما انسدّت الطرقات أمامنا، فعندما نلتجىء إليه ونلتمس منه النجاة يتدخّل. سوسنّة، هذه الإنسانة التي من الممكن لا بل من المؤكّد أنّها تمثّل حالة كلّ واحد منّا عندما يتخبّط في الحياة ويصطدم بالكثير من المآزق والأزمات، لجأت الى الربّ والتمست منه النجاة. لماذا؟ لأنّها فقدت الأمل من البشر ووثقت به . أبدتْ الجماعة اليهوديّة استعدادها لتنفيد حكم الشريعة ومن الممكن أن تكون الجماعة المحيطة بك على الاستعداد عينه فلا تيأس، ثق أنّ الله له تدخُّلٌ آخر وتدبير آخر يختلف تماماً عن موقفنا تجاه بعضنا البعض. ألم يقل هو: "طُرقي غير طرقكم وأفكاري غير أفكاركم"؟

نحن مدعوّون اليوم إلى أن نتّكل على الله خصوصاً في الأوقات الصعبة.

سؤال للتفكير:

هل الموقف الذي واجهته سوسنّة والمرأة التي أمسكت في ذات الفعل المذكورة في الانجيل بعيدٌ عنّا؟

ألم تواجهنا مآزق وأزمات تجعلنا نجد أنفسنا أمام طريق مسدود؟

لمادا ما زلنا نتخبّط في الأزمات؟ لماذا نشعر باليأس والإحباط؟

لسنا أبداً بعيدين عن هذه الأمور كلّها، فمنّا مَن يمرّ بمأزق في العمل أو في نقص الحاجة أو الاتّهامات الباطلة، وشهادات الزور أو الوقوع في حبائل اليأس والإحباط هذا لأنّنا  نتّكل على ذواتنا وقدراتنا البشريّة ومهاراتنا الفكريّة.

 

تقول لنا قصة اليوم إن نتمسّك بالله ونسلّم أمرنا له ونلجأ اليه لا سيّما عندما تقف قوانا عاجزة عن إيجاد حلّ أو مخرج لأزماتنا فهو وحده قادر أن يذلّل الصعاب لأنّه أقوى من الظروف، من يأس الأحداث، من تدبير الإنسان وتفكيره وإمكانيّاته. لله الكلمة الأخيرة والنهائيّة لأنّ له الأرض وما عليها هو خالقها ومدبّرها يفيض عليها بحكمته ويجد الطريقة والأسلوب لخلاصنا من المآزق. طرقه متعدّدة وهو عندما قرّر إنقاذ سوسنّة أقام دانيال لتنفيد رحمته وهذا إيماننا. لذلك ضروريّ بمكان أن نَدْعُوَهُ بالصلاة التي هي مفتاح قلبه وفيها نضع اليد على دفّة العالم.

هذا ما تعلّمته القدّيسة تريزيا الطفل يسوع وعلّمتنا إيذاه حول كيف نبلغ الإيمان والرجاء. لقد آمنت تريزيا بأنّ يسوع يحبّها وقالت: "الله قدير وإيماني به قدير". وهكذا قال القدّيس بولس الرسول: "أفرح رغم كوني في مأزق ولا من منقذ والطريق مسدود " 2كو4/8

 

كيف يتمّ هذا؟

 

    توجد فتحة سريّة نخرج منها وننجو. هذا هو سرّ الله وما نسمّيه إيمان الطفولة (الأطفال) الذي يصعب على عالمنا المعاصر المؤمن بمعجزات العلماء والوصول إلى القمر ومع ذلك نحن المؤمنون نقول إنّ الله موجود ويعمل وهو هنا ومعنا

" إنّي أدعوك يا ربّ فاستمع لي          أتضرّع إليك أنصت اليّ      أصرخ اليك استجب لي

 

الله قريب مني يسمعني حين أهمس إليه وهنا لا تكون صلاتي مجرّد صرخة ألم وأنين بل نداءَ ثقةٍ ويقين.

 

 

قد يكون عندي أمل في العلوم، في الطبّ، في كلّ تقدُّمٍ من شانه أن يساعد البشر. إلاّ أنّ هذه كلّها لا تبعد عنّي شبح اليأس القادر أن يلاشيَ معه كلّ أمل. لكنّ رجائي هو في المسيح الذي اخترق ظلام اليأس فانبثق نور الرجاء من بطن القبر المظلم.

 

صلاة ختاميّة

   

    يا يسوع لقد تهت في الطريق لأنه مسدود ولا أمل فيه، عليك أنت أن تعمل على إعادتي الى الطريق الصحيح وتخرجني من المأزق التي تكتنفني كظلام الليل. ألجأ إليك أنت يامعين من ليس له مُعين ورجاء المتكلين عليه بأن تنقذ نفسي من الموت والهلاك، أثق تماما بأنه لاوجود لطريق مسدود أمام رحمتك وحبك وعطفك غير المتناهي. أعطني ربي دائماً الشعور والاعتراف الدائم بوجود عنايتك في كل ظروف حياتي