"أحبوا المسيح كمثال لكم"
روما، الأربعاء 01 يوليو 2009 (Zenit.org)
"اهتموا بالتعرف أكثر إلى المسيح مع البقاء أمناء لصداقته وتذكر كلماته التي يجب أن تبقى لكم موضع تأمل. أحبوا المسيح كمثال لكم". هذه هي بعض الأفكار التي وردت في الكلمة التي وجهها الكاردينال أندريه فان تروا إلى شبيبة لبنان في مزار المسيح الملك في 28 يونيو الفائت.
وقد كان الكاردينال فان تروا، رئيس أساقفة باريس ورئيس مجلس أساقفة فرنسا، المبعوث الخاص الذي أرسله البابا بندكتس السادس عشر من أجل اختتام سنة القديس بولس في لبنان.
ننشر في ما يلي الكلمة التي وجهها الكاردينال أندريه فان تروا إلى شبيبة لبنان من مزار المسيح الملك في 28 يونيو 2009:
***
أعزائي ممثلي الشبيبة اللبنانية، أود أن أهنئ منظمي اختتام السنة البولسية أي لبنان الذين أعدوا ونظموا هذا اللقاء معكم. أنتم الشباب الذين تشكلون رجاء ومستقبل بلادكم وكنائسكم.
لقد طلب مني قداسة البابا بندكتس السادس عشر أن أمثله لاختتام السنة البولسية التي احتفلت بها الكنيسة الكاثوليكية في كل أنحاء العالم والتي أعتقد أنها تركت أثراً خاصاً في المناطق التي شهد فيها الرسول بولس للمسيح.
وبكل وضوح، طلب مني الأب الأقدس أن أحدثكم عن يسوع: يسوع الذي أقامه الله من بين الأموات (رو 10، 9). وطلب مني حث المؤمنين على عيش الإيمان في حياتهم اليومية بقوى متجددة، والتماس مشيئة الله في الصلاة والتأمل والتفكير في الاحتياجات الروحية.
إننا موجودون الآن في مكان مستم بهذا الإحساس تجاه الاحتياجات الروحية للبشر ومنهم بخاصة الأكثر احتياجاً على الصعيد الجسدي بسبب المرض أو السن. إننا الآن في المكان الذي اختاره الأب يعقوب الكبوشي اللبناني الذي تعرفونه جيداً والذي نحتفل بالذكرى السنوية الأولى لتطويبه. الأب يعقوب هو طوباوي لبناني عاش في القرن العشرين. استطاع أن يجد شخص المسيح في كل إنسان، ورآه في الفقراء والمرضى وقدم للشباب الذين كان يلتقي بهم ويجمعهم ويعلمهم شهادة عن المسيح. وكان الطوباوي يعقوب رسولاً حقيقياً للشبيبة.
يسرني وجودي بينكم أيها الأصدقاء الأعزاء شباب كنيسة لبنان، هذا البلد الصغير الرائع والعظيم بتقاليده التي تعود إلى تاريخ بعيد. إنه عظيم بخاصة بسبب الطابع الديني الذي يميز شعبه الذي يبحث بين المسيحية والإسلام عن وجه الله ويتمسك بالقيم والمثل الخاصة بالشرق، هذه المنطقة التي حظيت بهبة أن تكون منشأ الإيمان التوحيدي. في هذا الشرق الديني العزيز على العالم أجمع، تمكن القديس بولس بالنعمة التي نالها من المسيح على طريق دمشق من معرفة وجهه الحقيقي وتأمل في سر ابن الله الحبيب وتعلق به تعلقاً شديداً لأنه المخلص والرب الوحيد للبشرية والخلق أجمع.
إنني أتساءل كيف توصل هذا الرسول السامي إلى أفكاره العميقة وتعابيره الغنية وتجاربه الثابتة لو لم يكن في فترة شبابه ممتلئاً بالحماسة والاندفاع والثبات في البحث عن حقيقة الله.
على غرار يسوع والتلاميذ والشهداء وجميع القديسين، عاش القديس بولس فترة شبابه متمسكاً بمثال الحقيقة والخير الذي انكشف له في وجه المسيح القائم من بين الأموات والممجد. منذ ذلك الحين، أصبح له المسيح كنزاً لا يفنى وتمسك به بشكل نهائي. وبحسب كلمات مثل يسوع، فقد وجد القديس بولس اللؤلؤة الثمينة على مثال تاجر اللآلئ الجميلة، وما إن وجدها حتى ذهب وباع كل ما يملك، واشتراها" (مت 13: 45، 46).
أصدقائي الأعزاء،
من خل ال النظر إليكم في هذا المساء ومن خلال رؤية فرحكم وجذلكم، لا يسعني إلا دعوتكم إلى التفكير معي بيسوع الشاب الناصري، وبشجاعته وجرأته وشهامته وحبه. إننا نفكر بيسوع نفسه الذي يعلن حقيقة الله أبينا ويكشف رحمته ومغفرته تجاه الضعفاء والخاطئين والذي يعاني من الإهانة والتخلي عنه والحكم عليه بعذاب الصليب. أجل، لقد تمتع بالكثير من الجرأة لا بل أيضاً بالحب الكبير النابع من قلب صادق يجب أن يكون لكم أنتم الشباب المثال الذي يجتذبكم في جهودكم من أجل إدراك معنى حياتكم. لا يكتفي يسوع بتوجيه كلمات لكم وإنما يظهر لكم المثال قائلاً: "تعلموا مني أنني وديع ومتواض� � القلب" (مت 11، 29). إنه يبشركم بروح التوبة والصلاة والثقة بالله، وبدوره يطبق كل ذلك. هذه هي القاعدة التي يجب أن ترشد حياتكم وتسمح لكم بامتلاك الحكمة واختبار السعادة الحقيقية. إنها القاعدة التي تتلخص بكلماته: "تعلموا مني".
على غرار المسيح والقديس بولس، أنتم مدعوون إلى الاعتراف به كالمعلم الوحيد الذي يعلمكم الطاعة لله والاتكال على عنايته والثقة في محبته. إنه مخلصكم ومحرركم لأنه أحبكم كثيراً حتى الموت. فيه تجدون دوماً الشخص الذي ينحني على جراحكم ويدعم ضعفكم. لو أنكم تعلمون أنه دوماً حاضر هنا إلى جانبكم في قلوبكم لكي لا تشعروا أبداً بالوحدة! كصديق يرافقكم يومياً في حياتكم. إنه الصديق الأروع والأصلح والأصدق الذي لا يتخلى عنكم في الضيق. فهو لا يشيح عنكم بوجهه لا بل تتغلغل أمانته في أعماق قلوبكم وتقوي قدراتكم على المحبة وتكريس حياتكم لإخوتكم.
يسوع هو نوركم على دروب الحياة. كما بدل حياة بولس جاعلاً إياه رسول الأمم، فإنه يمثل لكم القوة القادرة على تبديل حياتكم مؤسساً إياها على الحق والخير والمحبة. لكل منكم ولكل شاب في العالم أجمع، يجدد دعوته الموجهة إلى الشاب الغني: "تعال اتبعني" (مت 19، 21). إننا نعلم مع الأسف أن الحزن والخوف كانا يستوليان على هذا الشاب الغائص في الثرو ات في عالمه الخاص. وبما أنه منغلق على ذاته وأفكاره ومشاريعه الخاصة، بقي في الظلمة ولم يخرج إلى النور وابتعد عن الرب.
أصدقائي الأعزاء، لا تغلقوا قلوبكم ولا تسمحوا للحزن والخوف أن يخيما على قلوبكم. لا تسمحوا للعالم ومبادئه الزائفة بإرشادكم إلى الحقائق المضللة واللامبالاة واليأس. تذكروا كلمات القديس بولس الرائعة والمفعمة بالثقة والرجاء: "ما دام الله معنا، فمن يكون علينا؟ ذاك الذي لم يمسك عنا ابنه، بل بذله لأجلنا جميعاً، كيف لا يجود علينا معه بكل شيء أيضاً؟" (رو 8: 31، 32).
كونوا مستحقين وفخورين بتعلقكم بالمسيح. قدروا شرف الانتماء إلى ا� �له الوديع والمتواضع ومشاركته حياته في المحبة والتواضع والرحمة. اهتموا بالتعرف أكثر إلى المسيح مع البقاء أمناء لصداقته وتذكر كلماته التي يجب أن تبقى لكم موضع تأمل. أحبوا المسيح كمثال لكم. حافظوا على الإيمان كنار تشتعل في نفوسكم وتحمي حماستكم ورجاءكم.
في ختام لقائه مع أحد علماء الشريعة الذي كان يسأله عن محبة القريب، قال يسوع بعد رواية مثل السامري الصالح: "اذهب، واعمل أنت هكذا!" (لو 10، 37). إن الله يدعونا جميعاً إلى هذه المحبة النبيلة والإلهية التي تحسن فينا صورته. أنتم رموز الله في لبنان. اذهبوا بلا خشية وانشروا المحبة في هذه الأرض المقدسة التي استضافت ربنا في صيدا وصور والتي زارها القديس بولس حسبما يذكر كتاب أعمال الرسل (21: 1، 7)، هذه الأرض التي استقبله فيها أهل صور خلال سبعة أيام. كذلك زار طبرجا وجبيل والبترون وحتى طرابلس وفقاً لأحد آباء الكنيسة. أنتم تحافظون بعناية كبيرة على آثار مروره من هنا. ويشهد تاريخكم الديني لعمق إيمان يزهر القديسين والقديسات اللبنانيين الذين رفعوا على مذابح الكنيسة جمعاء والذين يتشفعون دوماً لهذه البلاد ويطلبون لها البركة من الله لكيما تستمر عنايته في إخصاب أرض القداسة هذه.
أوجه لكم تحياتي الحارة وأصلي من أجلكم ومعكم لكيما يرافقكم المسيح ربنا بنعمته ومحبته لتحافظوا على شعلة رجائكم وتجدوا فيه درب سعادتكم التي تصبح سعادة بلادكم وجميع شركائكم في الوطن. فليتمجد إلى دهر الدهور. آمين!