العنف في النصوص المقدسة

 المؤتمر اللاهوتي الخامس في الجامعة الأنطونية
لبنان الآن

الرئيس العام للرهبانية الأنطونية الأباتي بولس تنوري أشار في كلمة إفتتاحية الى أن المؤتمر يجيب عما إذا كانت المشكلة تكمن في النصوص المقدسة أم في طريقة فهمها وتفسيرها؟ ورأى أن "الوقفة الموضوعية في حرم المقدس تتيح لنا الفرصة  لندرك ما هو مقدس حقاً لأن رسالة الدين لا يمكن أن تدعو الى التفرقة بين الناس بل الى الأخوة والمساواة والمحبة والإحترام وقيم الحرية والعدالة."

 

وفي المحاضرة الإفتتاحية، بحث المفكر اللبناني الدكتور موسى وهبة في الأسس الميتافيزقية للأخلاق، مؤكداً أن العربية لا تمتلك تحديداً للعنف الذي هو "فعل أذيية موجه ضد شخص الغير أو هو مسلط علينا من الغير"، لافتاً إلى أن العنف هو فعل قصدي. كما أشار وهبة إلى إفتقار اللغة العربية لمصطلح يعبر عن نقيض للرحمة والرفقة كما يعبر مصطلح الحرب عن نقيض السلام، طارحًا عدة أسئلة أبرزها "كيف يمكن العيش بسلام دائم؟على أي أساس نبني ما يجب أن يكون وكيف يمكن أن نقيم ميتافيزيقا أخلاقية تعلو بنا فوق آثار القرن العشرين المدمرة؟".

 

وإذ مّيز بين العنف المقدس والعنف المدنس وهو العنف غير المطلوب، تساءل وهبة عن "الحد الفاصل بينهما طالما أن الخصم هو الحكم".

 

تناول المحلل النفسي الدكتور عدنان حب الله "العنف المقدس في مقاربة تحليلية" وتوقف عند المقدس قبل الديانات السماوية وفي الديانات السماوية وفي المجتمعات المعاصرة "مما جعل الدين منتقلاً من معتقد الأساطير الى معتقد الرمز المجرد"، لافتاً الى أن "للمقدس وجهين أولاً التعبير عن الحب وثانياً جمع الأفراد"، ومعتبرًا أنّ "الأديان رسالة لم يُستنفد موضوعها بعد".

 

أما أستاذ الفلسفة في الجامعة اللبنانية الدكتور مشير عون فقد طرح  المقاربة الدينية للعنف في لاهوت التوحيد"، مشيراً الى "إنفطار الأديان التوحيدية على قسط كبير من العنف وذلك إنطلاقاً من التوحيد والتماهي، فيما ينسب المؤمنون الأعمال العنيفة الى الله وأن الله يتبنى العنف من خلال إبادة الكافر".

 

وأشار عون إلى أن "الصدق في الإيمان الذاتي لا يعطل الصدق في إيمان الآخرين" وأن "شرط الشروط في التنوع أن نصون القيمة الإنسانية العليا أي الكرامة الإنسانية".

 

بدوره، ركّز أستاذ العهد القديم في جامعة البلمند الدكتور نقولا أبو مراد على "العنف في النصوص التشريعية"  على أن "العنف في الشريعة صورة رمزية وهو بعد روائي لإخراج الفاسقين من القصة لكي يبقى المشهد مشهد طهر المحبة".

 

هذا وتساءل أبو مراد عن "هدف العنف و القتل ومعنى كل منهما"، مؤكداً أن الهدف "ألا يبقى في النهاية حول الله إلا الذين يسمعون كلمته فقط".

 

وعن "العنف في الكتب التاريخية" وتحديداً في سفر يسوع بن سيراخ، شدّد الأب جوزف نفاع أن ما تقوله الأسفار التاريخية عن صراعات مع الوثنيين وتحريم وإبادة هو "زجر تربوي من قبل الكاتب المسؤول عن إيمان الجماعة ونموها الروحي فيستفيض في تضخيم أسلوبه الروائي" بغية إفهام القارىء مدى خطورة الوثنية التي هي بالنسبة الى الكتاب المقدس "الخطيئة العظمى" أو "الزنى بالله".

 

إلى ذلك، تناول أستاذ الكتابات القديمة في جامعة الروح القدس الكسليك الأب إميل عقيقي  "العنف في التوراة الشفهية"، مشيرا الى ضرورة تفسير التوراة "من أجل التخفيف من حدة العنف البارزة في النصوص الكتابية، لأن ذلك يشوه صورة شعب الله". وتوقف عند نص قتل قايين لهابيل مفصلاً الحسد في معنيين "الأول إيجابي يهدف الى تحسين الوضع البشري من خلال محاكاة الآخر المتفوق، والثاني سلبي حيث يفقد صاحب السيطرة على المعنى الأول لبصيح عبداً له، وهو أمر غير جائز".

 

 الأب جوزيف بو رعد تحدث عن "الحرب المقدسة في التقليد النبوي"، مشيراً الى أن "الحرب المقدسة في خطاب الأنبياء تبدل مفهومها حيث لم يعد الإله منحازاً بل يعمل على إحقاق الحق من الأرض". وتوصل الى خلاصة أن "تقديس الحرب أمر يشهد على تطور الفكر اللاهوتي في العهد القديم حيث أصبح الله منحازاً الى الحق والعدالة".

 

وتطرق رئيس جامعة الروح القدس – الكسليك الأب هادي محفوظ الى صور "العنف في الأناجيل" مبيناً أن "الله يتدخل بعنف تجاه الناس، علامة يعطيها لهم لكي يفهموا السر أو حافزاً يشكله من أجل التوبة، أو قصاصاً ينزله بهم وذلك من خلال مضمون حديث مريم عن أعمال عنيفة يقوم بها الله تجاه المتكبرين والمقتدرين والأغنياء".

 

وقد دافع الشيخ أحمد اللدن في دراسته "العنف و الدعوة: الإذن بالقتال" عن الإسلام ضد ما يظهر عنه من صور عنف، شارحًاً أن "الرسول حاور في البداية الناس ليؤسس لما هو جديد من خلال سؤاله عن الذي شن الحرب أولاً وعن الذي أخرجه من مكة". ورأى اللدن أن "الشريعة تدافع عن نفسها لذا يسمح لها إستخدام العنف".

 

أما الأستاذ في كلية الآداب والعلوم الإنسانية في الجامعة اللبنانية الدكتور وليد خوري فشرح أن "الخطاب الديني القديم والمعاصر إستثمر تراثاً كثيفاً من النصوص التي تحمل طابع التقديس، في نشر ثقافة من سماتها التكفير والتبديع والتفسيق والتأثيم والتجنيس"، مشيراً الى أن "هذه الثقافة ذهب روادها بعيداً في التوسع في تعريف المرتد، فإذا بالمعنى يخرج عن صيغة المطابقة التي تعني الخروج بالقلب واللسان والجوارح، الى صيغة إقتصر فيها المعنى على مجرد الإختلاف بالرأي، فأضحى معها كل مختلف عن ثوابت هذه الثقافة، بمنزلة التارك للدين والمفارق للجماعة".

 

أما الدكتور سعود المولى فقد كان له مداخلة مطولة في المؤتمر فند مضمونها بثماني محاور، المحور الأول تناول فيه العنف، الذي وضعه مع الحرب والقتال والعدوان والإرهاب.. في إطار "مفردات وعناوين للسلوك البشري، لم يخترعها الاسلام ولم تأت بها الاديان… وانما هي وُجدت منذ كانت البشرية، فهي قديمة قِدم العالم والكون".

 

أما المحور الثاني فتناول فيه المولى "الحرب والسلم" مستذكرًا الإمام محمد مهدي شمس الدين الذي قال كان يبدي "ومنذ مرحلة مبكرة من اجتهاده الفقهي اهتمامًا كبيرًا بهذه الظاهره البشرية ومحاولة للتنظير والتأصيل الاسلامي نلحظها خصوصاً في كتبه ودراساته عن الامام علي (ع) وأهمها : "دراسات في نهج البلاغة" وكتاب "السلم وقضايا الحرب عند الامام علي".

 

ثم تتطرق المولى للمحاور الستة الأخرى فتناولها بإسهاب وهي على التوالي: "العنف والحرب والدين، معنى الجهاد، الجهاد بمعنى القتال، الجهاد: شروطه وضوابطه، العنف ا لمسلح"، قبل أن يختتم محاضرته بمحور أخير تحت عنوان": الإمام شمس الدين ورؤيته للمقاومة".

 

"الصهيونية الدينية وقراءتها للنصوص البيبلية" عنوان مداخلة الوزير السابق ميشال إده الذي اعتبر أن "القراءة اليهودية الإنتقائية للتوراة تقدس العنف لاسيما في ما يتعلق بالأرض والدولة وبموقع الشتات، فغالبية يهود الشتات الساحقة منذ البدء والى اليوم رفضوا ويرفضون نداء العودة الصهيوني الى أرض "الميعاد"، بل يعتبرون الثورة وليس الأرض هي الوطن بالنسبة إليهم كما أن هناك يهوداً متشددين توراتياً، يرفضون أيضاً دولة إسرائيل في المبدأ".

 

ورأى إده أن "الصهيونية الدينية بدعة أملتها مصلحة المتطرفين الإسرائيليين الذين يصورون أي تنازل يرغمون على تقديمه وكأنه تنازل عن اليهودية لمصلحة الإسلام".

 

وقدم وزير الإعلام طارق متري مداخلة بعنوان "الصهيونية في صفوف الحركات المسيحية المتطرفة" فرأى أن "الصهيونية المسيحية 40 مليون شخص في العالم، وهؤلاء يعتبرون أن للنازيين إدارة يستخدمها الله ليعزز هجرة اليهود الى فلسطين"، مستغرباً تعلق فئة واسعة من الإنجيليين المحافظين بإسرائيل، ولافتاً الى أن "العلاقة تطورت في العقدين الأخيرين ولا يمكن نسبتها الى ما تربى عليه الإنجيليون في مدارس الأحد لجهة محبة إسرائيل حيث تعرفوا الى خريطة الأرض المقدسة وسمعوا القَصص الكتابي أحد بعد أحد".

 

وقال متري إن "معاشرة الكتاب المقدس بعهديه وإستعارة صورة منه عند الحديث عن تاريخ أميركا وخصوصيتها ورسالتها جعلتا من الأراضي المقدسة نوعاً من الوطن الروحي ما يعزز عند الأميركيين المتدينين الشعور بأنهم أصحاب مصلحة في تلك الأرض وكأنهم من المالكين الرمزيين لها".

 

وفي مداخلته، تحدث المدير العام لمعهد المعارف الحكمية الشيخ شفيق جرادي عن "الإسلام السياسي والحركات الجهادية"، مشيراً إلى أن "التمييز بين إسلام عبادي وإسلام سياسي هو محض تسطيح في فهم هذا الدين".

 

هذا وصنّف جرادي الحركات الإسلامية الى ثلاث: "المؤسسات التقليدية وخصوصاً تلك التابعة للسلطة، والإسلام السياسي وهو ما يصح على الحركات الإسلامية السلفية والدعوية، والمقاومة الإسلامية وهي حركات معنية برفض ومقاومة الإحتلال".