مصر التى أحلم بها

د. وسيم السيسى – عن المصري اليوم

أحلم بالمواطنة فى الدولة الحديثة، ألا وهى بحادثة الميلاد أى أنه لك كل الحقوق وعليك نفس الواجبات التى لأى إنسان آخر ولد على أرض مصر، وليست المواطنة بالعرق (مصرى أم أجنبى) أو الدين (مسلم أو غير مسلم) أو القرب من الحاكم (العمل أو القرابة) أو القوة المالية (غنى أو فقير).

أحلم بدستور أهم بنوده: نحن لا يهمنا لونك أو دينك.. يهمنا أن تعطى مصر أفضل ما عندك، وسوف تعطيك مصر أفضل ما عندها.

أحلم بمصر والمرأة فيها تعلمت.. فانتقلت من المرأة الجنس إلى المرأة الإنسانة، وأصبحت تعمل.. فتحررت من العبودية الاقتصادية للزوج، كما أصبحت تشغل خمسين بالمائة من البرلمان حتى تنال حقوقها السياسية.

أحلم بالأسرة المصرية وقد نظمها قانون للأحوال الشخصية.. وفى كلمات قليلة.. الزواج بأكثر من واحدة أو الطلاق أمام القضاء.. كما أن الاعتداء على الزوجات داخل المنزل أو خارجه.. جريمة يعاقب عليها القانون.

أحلم بقضاء: عدد القضايا فيه أقل ما يمكن، وسرعة البت فى الأحكام بأسرع ما يمكن، والقدرة على تنفيذ الأحكام النهائية بأقوى ما يمكن.. (18 مليون قضية، 2 مليون قضية بأحكام نهائية ودون تنفيذ! إحصائية).

أحلم بكل رئيس للوزارة يقرأ خطاب العرش فى مصر القديمة للوزير الأعظم:

أعلم أن الوزارة ليست حلوة المذاق بل مرة! واعلم أن الماء والهواء سوف ينقلان إلىَّ كل ما تفعل! عامل المقرب منى كالبعيد عنى.

واعلم أن احترامك يأتى من إقامتك للعدل.

عليك أن تطمئن أن كل شىء يجرى وفق القانون.

أحلم بتعليم يعلمنا كيف نفكر وبالتالى نبدع ونجدد، وليس تعليماً قال عنه زكى نجيب محمود «مجتمع جديد أو الكارثة» وعبر عنه الشيخ محمد عبده حين أخبره أحدهم أنه حفظ البخارى كله.. فقال له محمد عبده: زادت نسخ البخارى نسخة!

أحلم بمصر جاذبة للعقول وليست نازفة للعقول.. مثل زويل، مجدى يعقوب، فاروق الباز.. وغيرهم مئات!

أحلم بمصر تنتمى لأبنائها.. بتوفير الحياة الكريمة لهم من مسكن.. ومأكل، وصحة وتعليم.. وأمن.. حتى ينتمى أبناؤها إليها.. فهذه العبارات التى لا معنى لها.. الوطن نشم هواءه ونشرب ماءه! فكل نبات أو حيوان يشرب ماءه ويشم هواءه..! فهل هذا هو الانتماء؟

أحلم بفهم جوهر الدين قبل طقوسه وظواهره.. أحلم بحصص القيم الدينية المسلم بجوار المسيحى.. والمدرس يعلمهم.. قيمة مثل «الرحمة» وكيف قال الرسول عليه الصلاة والسلام: أنا رحمة مهداة، والسيد المسيح قال: أريد رحمة لا ذبيحة، وحتى بوذا قال لأحد الهندوس كن رحيماً بالناس.. بدلاً من أن تذهب لبحيرة جايا حتى تتطهر.. وبعد ذلك كل ماء تستحم به إنما هو كماء بحيرة جايا…! يكبر الطفل وهو يعرف أن هذه القيم السامية موجودة فى كل الأديان.. بل المذاهب غير السماوية!

أحلم بغياب علامة القسمة الشريرة عن مصر التى قسَّمت ظهورنا إلى مسلمين ومسيحيين، محجبات وغير محجبات، منتقبات وغير منتقبات.. حتى الأسماء أصبحت تفرق.. حتى الصور على المحمول.. حتى النداء على المحمول..

وكل هذا يصب فيما قاله «أودينون» المفكر الإسرائيلى: قوة إسرائيل ليست فى سلاحها النووى فهو سلاح يحمل فى طياته موانع استخدامه، ولكن قوة إسرائيل تكمن فى تفتيت الدول الكبرى التى حولها (مصر – العراق – إيران) إلى دويلات متناحرة على أسس دينية وطائفية.. ونجاحنا فى هذا الأمر.. لا يعتمد على ذكائنا بقدر ما يعتمد على غباء الطرف الآخر (نحن)! متى نفيق ونعرف أن عصور مصر الذهبية كانت فى وحدتها وتوحدها.

أحلم بفن راق.. فقد ترك لنا أفلاطون فى كتابه القوانين: الموسيقى فى مصر كاملة متكاملة.. علموا أولادكم (أولاد اليونان)كيف يتذوقون الفنون.. ثم بعد ذلك أغلقوا السجون..

أحلم مع شعراء المهجر:

أغض الطرف عن أخطاء صاحبى

وأعفو عن عدوى أو حسودى

وإذا سألتم عن دينى فإنى

مسيحى أحمدى بوذى يهودى

وأخيراً هو ذا إلياس قنصل يقول:

أحلم بعيد أمة محررة الأعناق من رق أعجم..

وبعلم من نسج عيسى وأحمد … وآمنة فى ظل أختها مريم..

سلام على حب يوحد بيننا … فالفتنة لفح من نار جهنم.

هذه هى مصر كما أحلم بها.. وإنى لعلى يقين من تحقيق هذا الحلم بثلاثة: الإصلاح الداخلى، الحتمية التاريخية، المتغيرات العالمية…! حينئذ..

سوف أهتف وأقول: هذه هى مصر التى طالما حلمت بها.