كلمة البابا إلى المشاركين في المؤتمر الأوروبي لرعويات الدعوات

الفاتيكان، الاثنين 6 يوليو 2009 (Zenit.org).

ننشر في ما يلي كلمة البابا بندكتس السادس عشر لدى لقائه نهار السبت بالمشاركين في المؤتمر الأوروبي لرعويات الدعوات بعنوان: "زارعي إنجيل الدعوة: كلمة تدعو وتُرسل" (روما 2 – 5 يوليو 2009).

* * *

أيها الإخوة والأخوات الأعزاء،

إنه لفرح جزيل بالنسبة لي أن ألتقي بكم، إذ أفكر بالخدمة الرعوية الثمينة التي تقومون بها في إطار تعزيز، إنعاش وتمييز الدعوات. لقد أتيتم إلى روما للمشاركة في مؤتمر تفكير ومواجهة ومشاركة حول الكنيسة في أوروبا، حول موضوع: "زارعي إنجيل الدعوة: كلمة تدعو وتُرسل"، المكرس لضخ زخم جديد في التزامكم لأجل الدعوات. تشكل العناية بالدعوات لكل أبرشية أولوية رعوية، تضحي أكثر أهمية في إطار السنة الكهنوتية التي بدأت لتوها.

أوجه تحية قلبية إلى النواب الأسقفيين لرعويات الدعوات في مختلف المجالس الأسقفية، كما وأحيي مدراء مراكز الدعوات المحلية، ومعاونيهم وجميع الحاضرين.

وضعتم في محور أعمالكم  مثل الزارع الإنجيلي. بسخاء ومجانية، ينثر الرب بذور كلمة الله، علمًا بأنها قد تلاقي تربة غير مناسبة، لن تسمح لها بالنمو بسبب القحط، أو أنها قد تطفئ قوتها الحيوية وتخنقها بين الأشواك. ومع ذلك فالزارع لا يستسلم للقنوط، لأنه يعرف أن قسمًا من هذه البذور سيصل إلى "الأرض الطيبة"، أي إلى القلوب المتقدة القادرة على قبول الكلمة بجهوزية، لتجعلها تنمي بالثبات وتعيد الثمر بسخاء لخير الجميع.

تستطيع صورة التربة أن تذكرنا بواقع العائلة الصالحة أو الطالحة؛ ببيئة العمل الجاف والقاسي؛ بأيام الألم والدموع. التربة هي فوق كل شيء قلب كل إنسان، وبشكل خاص قلب الشباب، الذين توجهون إليهم خدمة الاصغاء والمرافقة: قلب غالبًا ما يعيش في الضياع والحيرة، ومع ذلك فهو قادر أن يحوي قدرات مفاجئة لهبة الذات؛ مستعد على الانفتاح في براعم حياة تعطى بسخاء حبًا بيسوع، قادرة على اتباعه بالكلية والضمانة الآتية عن إيجاد أثمن كنز في الوجود.

الرب هو وحده الذي يزرع دومًا في قلب الإنسان. وفقط بعد الزرع السخي والفائض لكلمة الله يمكننا التقدم في سبل المرافقة والتربية، والتنشئة والتمييز. كل هذه الأمور ترتبط بالبذر الصغير، الهبة السرية للعناية السماوية، التي تفجر من ذاتها قوة فائقة. إنها كلمة الله التي من تلقاء ذاتها تعمل بشكل فعال ما تقول وترغب.

هناك كلمة أخرى ليسوع، تستعمل صورة البذر، ويمكننا أن نقربها من مثل الزارع: "إذا حبة القمح لم تقع في الأرض ولم تمت، تبقى مفردة؛ أما إذا ماتت فإنها تعطي ثمرًا كثيرًا" (يو 12، 24). يشدد الرب هنا على الترابط بين موت البذر وبين "الثمر الكثير" الذي يحمله. يسوع هو حبة القمح بالذات. والثمر هو "الحياة الوافرة" (يو 10، 10)، التي حازها لنا من خلال صليبه. هذا هو أيضًا منطق الخصب الحق لكل عمل رعوي موجه للدعوات في الكنيسة: مثل المسيح، يجب على الكاهن والمربي أن يكونا "حبة قمح"، تتخلى عن ذاتها لعيش إرادة الآب؛ تعرف أن تعيش بعيدًا عن الضجيج والصخب؛ تتخلى عن البحث عن المظاهر وعظمة الصورة التي تضحي غالبًا اليوم معيار بل وهدف حياة الكثيرين في ثقافاتنا، ويقوم هؤلاء بجذب الكثير من الشباب.

أيها الأصدقاء الأعزاء، أنت زارعو الثقة والرجاء. بالواقع، إن حس الضياع الذي يعيشه شباب اليوم هو عميق. غالبًا ما تفتقر الكلمات البشرية للمستقبل والمنظور، وغالبًا ما تفتقر إلى المعنى والحكمة. يتفشى موقف نفاذ الصبر الجنوني وعدم قدرة عيش الانتظار. ومع ذلك، فهذه الساعة يمكن أن تكون ساعة الله: فدعوته، من خلال قوة ونفاذ الكلمة، تولد مسيرة رجاء نحو ملء الحياة. يمكن لكلمة الله أن تضحي حقًا نورًا وقوة، منبع رجاء، يمكنها أن تقيم مسيرة تمر من خلال يسوع، "الطريق" و "الباب"؛ من خلال صليبه، الذي هو ملء الحب.

هذه هي الرسالة التي تصلنا من السنة البولسية التي اختتمناها لتونا. لقد كان بولس الذي سباه المسيح مولدًا ومربيًا للدعوات، كما يمكننا أن نرى جيدًا من خلال تحيات رسائله، حيث تظهر عشرات الأسماء، أي وجوه رجال ونساء تعاونوا معه في خدمة الإنجيل.

وهذه هي أيضًا رسالة السنة الكهنوتية التي بدأت لتوها: فخوري آرس، القديس جان ماري فيانيه – الذي يشكل "منارة" هذه المسيرة الروحية الجديدة" – كان كاهنًا كرس حياته للإرشاد الروحي، بتواضع وبساطة، "متذوقًا ومعاينًا" صلاح الله في الحياة اليومية. لقد تجلى معلمًا حقًا في خدمة التعزية والمرافقة الكهنوتية.

وبالتالي، إن السنة الكهنوتية تقدم فرصة جميلة لإيجاد المعنى العميق لرعو يات الدعوة، كما وأيضًا لخيارات الأسلوب الأساسية: الشهادة، البسيطة والموثوقة؛ الشركة، عبر سبل تركز على الكنيسة المحلية ومقبولة بدورها في هذه الكنيسة؛ الحياة اليومية، التي تربي على اتباع الرب في حياة كل يوم؛ الإصغاء، الذي يقوده الروح القدس، لكي يوجه الشباب إلى البحث عن الله وعن السعادة الحقة؛ وأخيرًا الحقيقة، التي وحدها تستطيع أن تولد الحرية الداخلية.

أيها الإخوة والأخوات

فلتضح كلمة الله لكل منكم نبع بركات، وتعزية، وثقة متجددة، لكي تكونوا أهلاً لمساعدة الكثيرين لكي "يروا" و "يلمسوا" يسوع الذي قبلتموه معلمًا. فلتقم كلمة الله فيكم دومًا، ولتجدد في قلوبكم النور، والحب والسلام الذي يهبه الله وحده. فلتجعلكم قادرين على الشهادة وعلى إعلان الإنجيل، منبع الشركة والحب.

بهذا التمني، أوكلكم إلى شفاعة مريم الكلية القداسة، وأمنحكم من كل قلبي البركة الرسولية.

* * *

نقله من الإيطالية إلى العربية روبير شعيب – وكالة زينيت العالمية (Zenit.org)

حقوق الطبع محفوظة لمكتبة النشر الفاتيكانية – 2009.

 

الله يستطيع أن يخاطب الشباب حتى في حس الضياع وفي ضجيج العالم المعاصر

الأب الأقدس يقدم نقاطًا منهجية لتنشئة الدعوات

بقلم روبير شعيب

الفاتيكان، الاثنين 6 يوليو 2009 (Zenit.org).

"إن حس الضياع الذي يعيشه شباب اليوم هو عميق"، مع ذلك "يمكن أن تكون هذه الساعة، ساعة الله": هذا ما قاله بندكتس السادس عشر لدى لقائه نهار السبت بالمشاركين في المؤتمر الأوروبي لرعويات الدعوات، والذي ختم أعماله أمس الأحد في روما.

بعد الإشارة إلى أن العناية بالدعوات هي "أولوية رعوية، تضحي أكثر أهمية في إطار السنة الكهنوتية التي بدأت لتوها"، تطرق البابا في كلمته إلى موضوع لقاء التفكير بشأن رعويات الدعوات في الكنيسة في أوروبا: "زارعي إنجيل الدعوة: كلمة تدعو وتُرسل".  

 

مثل الزارع الإنجيلي

لفت البابا في أول مقام إلى مجانية دعوة الله: "بسخاء ومجانية، ينثر الرب بذور كلمة الله، علمًا بأنها قد تلاقي تربة غير مناسبة، لن تسمح لها بالنمو بسبب القحط، أو أنها قد تطفئ قوتها الحيوية وتخنقها بين الأشواك".

كما وشدد على ثقة الرب في قدرة خليقته على الخير، بالرغم من كل الأخطاء والزلات: "الزارع لا يستسلم للقنوط، لأنه يعرف أن قسمًا من هذه البذور سيصل إلى "الأرض الطيبة"، أي إلى القلوب المتقدة القادرة على قبول الكلمة بجهوزية، لتجعلها تنمي بالثبات وتعيد الثمر بسخاء لخير الجميع".

أولية كلمة الله

وذكر البابا أن أصل كل دعوة هو الرب، فهو الذي يدعو الإنسان؛ "الرب هو وحده الذي يزرع دومًا في قلب الإنسان". ولذا شدد على أنه "فقط بعد الزرع السخي والفائض لكلمة الله يمكننا التقدم في سبل المرافقة والتربية، والتنشئة والتمييز".

وأضاف: "كل هذه الأمور ترتبط بالبذر الصغير، الهبة السرية للعناية السماوية، التي تفجر من ذاتها قوة فائقة. إنها كلمة الله التي من تلقاء ذاتها تعمل بشكل فعال ما تقول وترغب".

مثال حبة الحنطة

ثم تطرق البابا إلى كلمة يسوع عن حبة الحنطة التي تموت لتعطي ثمرًا مقدمًا إياها كنموذج للحياة الكهنوتية: "هناك كلمة أخرى ليسوع، تستعمل صورة البذر، ويمكننا أن نقربها من مثل الزارع: "إذا حبة القمح لم تقع في الأرض ولم تمت، تبقى مفردة؛ أما إذا ماتت فإنها تعطي ثمرًا كثيرًا" (يو 12، 24).

وشرح الأب الأقدس أن يسوع يشدد هنا على الترابط بين موت البذر وبين "الثمر الكثير" الذي يحمله.

وأوضح أن "يسوع هو حبة القمح بالذات. والثمر هو "الحياة الوافرة" (يو 10، 10)، التي حازها لنا من خلال صليبه.

"هذا هو أيضًا منطق الخصب الحق لكل عمل رعوي موجه للدعوات في الكنيسة: مثل المسيح، يجب على الكاهن والمربي أن يكونا "حبة قمح"، تتخلى عن ذاتها لعيش إرادة الآب؛ تعرف أن تعيش بعيدًا عن الضجيج والصخب؛ تتخلى عن البحث عن المظاهر وعظمة الصورة التي تضحي غالبًا اليوم معيار بل وهدف حياة الكثيرين في ثقافاتنا، ويقوم هؤلاء بجذب الكثير من الشباب".

زمن الضياع وساعة الله

ثم تحدث بندكتس السادس عن وضع الشبيبة في زمننا فقال: "إن حس الضياع الذي يعيشه شباب اليوم هو عميق. غالبًا ما تفتقر الكلمات البشرية للمستقبل والمنظور، وغالبًا ما تفتقر إلى المعنى والحكمة. يتفشى موقف نفاذ الصبر الجنوني وعدم قدرة عيش الانتظار".

ولكنه أضاف: "ومع ذلك، فهذه الساعة يمكن أن تكون ساعة الله: فدعوته، من خلال قوة ونفاذ الكلمة، تولد مسيرة رجاء نحو ملء الحياة. يمكن ل� �لمة الله أن تضحي حقًا نورًا وقوة، منبع رجاء، يمكنها أن تقيم مسيرة تمر من خلال يسوع، "الطريق" و "الباب"؛ من خلال صليبه، الذي هو ملء الحب".

وبالتالي اعتبر الأب الأقدس أن السنة الكهنوتية تقدم "فرصة جميلة لإيجاد المعنى العميق لرعويات الدعوة".

وقدم نقاطًا يجب أن تشكل جزءًا من الخيارات المنهجية الأساسية:

– الشهادة، البسيطة والموثوقة؛

-الشركة، عبر سبل تركز على الكنيسة المحلية ومقبولة بدورها في هذه الكنيسة؛ الحياة اليومية، التي تربي على اتباع الرب في حياة كل يوم؛

-الإصغاء، الذي يقوده الروح القدس، لكي يوجه الشباب إلى البحث عن الله وعن السعادة الحقة؛

– وأخيرًا الحقيقة، التي وحدها تستطيع أن تولد الحرية الداخلية.