إقامة لعازر

للاب هاني باخوم

لعازر والذي يحمل اسمه معنى "الله ينقذ، الله يخلص"، هو صورة للانسان في كلّ زمان و مكان. لعازر هو صديق المسيح، الذي يتأثر بموته ويبكي . لعازر هو الانسان الذي يختبر يومياً الموت. ليس فقط الموت الجسدي الذي به تنتهي حياته الارضية، بل الموت الداخلي، الكياني، موت من لا يزال يتنفس، بل و يرغب في الموت الفعلي والنهائي لكي يتحرر من موت كل لحظة ومن آلامه. موت من حطم حياته بسسب قرراته الخاطئة او بسسب خطيئة ما، جعلته يفقد ما كان لديه من حياة. موت من تحطمت حياته بسسب قرارات الاخرين و تأثير خطاياهم عليه. لعازر هو صورة الانسان: انا وانت. امام اشياء كثيرة نجد انفسنا ملفوفين باللفائف، مقيدين، عجزة ،حتى عن ان نصرخ ونطلب المساعدة. لعازر صديق المسيح، هو صورة الانسان بعد الخطيئة، هو تجسيد لواقع الانسان بعد خروجه من الفردوس، انسان يختبر الموت على كل المستويات.

لعازر من بيت عنيا، قرية صغيرة بالقرب من اورشليم، ومعناها بيت الآلام والعذاب، والتي فيها سيُمسح المسيح بالعطرلاحقاً، كعلامة لتحضيره للصلب والآلام.

هذا هو لعازر : شخص من بيت الآلام، شخص مريض مقدر له الموت. له اختان تتشفعان من اجله لدى المسيح، كي يأتي وينقذ ما يمكن انقاذه، قبل ان ينتهي كل شيء. قبل ان تبقى فقط عبارة "رحمه الله". ترسلان في طلب المسيح، فهو صديقهما. كم من مرّة اكل وشرب وعلّم في بيتهما. كثيراً ما شاهدتاه يشفي من هو محتاج و من يطلب منه ذلك. فكم بالاحرى الآن ولعازر مريض؟ بالتأكيد سيترك كل شيء ويأتي بسرعة، فلعازر صديقه.

امام هذا يقصد المسيح ان يتأخر، ان يترك لعازر يموت ويقول: "هذا المرض ليس للموت بل ليظهر مجد الله ويتمجد ابن الله". يقصد المسيح ان يتاخر حتى يموت لعازر ويتأكد الكلّ من موته. لان المسيح لديه كلمة امام هذا الموت.

هذا ما نعرفه نحن،لاننا نعرف نهاية القصة. لكن يا لخيبة امل الاختين! كانتا واثقتين انهما اكتسبتا صديقاً قديراً، قادراً حتى على الانقاذ من الموت, قادرا" على جعلهما  تتفاديان صعاب الحياة وتعيشان حياة بلا نهاية. فلماذا لم يأتي اذاً؟ لماذا لا يأتي؟ لا تعلمان، بالعكس تعلمان انه ابتعد اكثر.

ومات لعازر، بل وبدأ جسده يتعفن. انتهى كل شيء. لم يبقى سوى البكاء وصراخ الاختين مع النساء المجتمعات للتعزية. يبقى نحيب الاقارب ولوم الجميع للمسيح:" لو كان هنا لتمكّن من فعل شيء". مات لعازر وبهذا تمّ التأكّد ان لا مفر للانسان من الموت، من الآلام، من انه انسان زائل. هذا حقيقي، لكنها ليست النهاية! المسيح يسمح بموته كي تظهر اعمال الله. من هو الله؟

يصل المسيح وتجري عدة احداث واحاديث رائعة بينه وبين مريم ومرتا. يصل القبر وينادي لعازر: "لعازر هلم خارجاً". ولعازر يقوم خارجاً من القبر. يقوم الانسان من موته، من عجزه، من شلله التّام. نعم يقوم الانسان، وبهذا يعلن المسيح من هو الله؟ الله هو من له القدرة على اقامتك من الموت الذي تختبره الآن. الله هو الذي يُخرج الحياة من الموت. حيث الانسان يرى ويختبر فقط الموت وليس له المقدرة حتى على الصراخ، لانه في الموت ولا يرى اي مفر آخر، هناك يأتي المسيح وينادي:"هلم خارجاً".

نعم. لا يُعلن هذا الانجيل اليوم لكي نتأثر بقيامة لعازر وكأنها هي المركز الاساسي للانجيل، لان لعازر يرجع ويموت، بل ليُعلن لنا خبراً مهماً قد يغير الكثير من الاشياء في حياتنا، كما حول بكاء الاختين الى فرح، وهو ان المسيح له سلطان على الموت، لانه الوحيد الذي دخل فيه بارادته وبلا خطيئة، فحطمه من داخله. نعم له سلطان على الموت الذي يسود على الانسان اليوم. له سلطان ان يقول لي ولك اليوم:"هلم خارجا"ً. هلم خارجاً من تلك الحالة، من تلك الخطيئة، من الاحكام التي جعلتك ملفوفاً كلعازر، غير قادرٍ على السير. هلم خارجاً من القبر الذي وُضعت فيه لسبب او لآخر. لا تنظر ان كنت قادراً ان تخرج ام لا. هذا ليس بهام. المهم ان تسمع تلك الكلمة التي تقول لك :"هلم خارجاً". 

عندما يأتي خارجاً لا يتركه المسيح ملفوفاً باللفائف ، لكن يوصي ان يحُلُوه ويدعوه يذهب. لماذا يجب ان يتركوه يذهب؟ ما معنى ان الانسان عليه الذهاب بعد خروجه من تلك الحالة ،من قبره اليومي؟ ….. هذا ما سنراه في الاحاد القادمة….

احد مبارك.