هل من عظمة حقيقة؟

اعداد الاب انطونيوس مقار ابراهيم

راعي الاقباط الكاثوليك في لبنان

مقدمة

 

وكانت هناك امرأة عظيمة…

بدايةً أنطلق من هذه العبارة التي قيلت في سفر الملوك الثاني عن المرأة الشونمية  " وكانت هناك إمراءة عظمية " وأطرح السؤال هل قيلت لها هذه الكلمة لكثرة غنتاها؟ أم لشهرتها ومكانتها ؟ أم عما صنعته مع رجل الله اليشع النبي؟

 وتوالت  الاسئلة الكثيرة على سبيل المثال  هل يوجد أحدٌ منا لايريد أن يكون عظمياً؟ وما الفرق بين العظمة والكبرياء؟ ومن هو الشخص الذي يمكن أن نقول عنه أنه عظيم؟ هل العظمة تعني شموخ واعتزاز؟ وغيره من الاسئلة التي روادتني.

اعتقد  إن سر عظمتها فيما فعالته مع نبي الله

شتان هو الفرق بين

الكِبَر                                 و            الكبرياء

الشموخ                              و            التشامخ

الحب                                و           الكراهية

الروح                               و           الحرف

الخير                             و             الشر

النور                               و           الظلام

المجد والكرامة                    و           المهانة

الانفتاح                             و           الانغلاق

الكمال                               و          النقص

الملء                               و           الفراغ

النعمة                               و         الخطيئة

القبول                               و        الرفض

الطاعة                              و         العصيان

لا بد من العودة الى الكتاب المقدس  منبع كل جواب وأعظم هديه قدمها الله للانسان ففي كلماته يوجد الرب، لذا علينا أن نفتش الكتب لنستقي من المعرفة الالهية فالرب يسوع المسيح استخدم في مواضع كثيرة تعبير العظمة سواء بقوله " لم يكن بين مواليد النساء أعظم من يوحنا أو عظيمٌ هو ايمانكِ أيتها المرأة اذهبي بسلام و قوله لقائد المئة لم أجد ايمان أعظم من ايمان هذا الرجل .

دعونا معاً نتأمل في معنى العظمة

كثيرةٌ هي النظرة الى العظمة

1- مِنَ الناس مَن يرون أن عظمة الانسان تكمن في مظهره الخارجي وفيما يمتلكه من اموال وثيابٍ فاخرة ويسكنون القصور هؤلاء يلخصون نظرتهم حول هذا المفهوم بالقول " الانسان عظيم بقدر ما له من مظهر يعيش به في المجتمع بين الناس"

إن مثل هذه النظرة الى العظمة قد رفضها المسيح لأنه كانت بالنسبة له لا تمثل سوى قشور كمن قال عنهم "أنهم يبيضون القبور من الخارج وداخلها النتانة " كمن يلبسون ثياب الحملان وهم ذئاب خاطفة.

2- مِنَ الناس مَن يرون أن العظمة فيما يملكه الانسان من نفوذ وسيطرة أوستبداد وكأنهم وحدهم الآسياد والأخرون عبيد لهم ويسودونهم ويتسلطون عليهم وعلى  مر العصور ظهر امامنا الكثير من الشخصيات المستبدة والطاغية وحسبوا كأنهم عظماء وجبابرة في الحروب والفتوحات

3- مِنَ الناس مَن يرون أن العظمة هي عند المفكرين والعلماء والفلاسفة لأنهم حملوا على عاتقهم  مسؤلية النهوض بالانسان من ظلمة الجهل الى نور المعرفة ومنهم الكُثر وعّدهم التاريخ رواد الحضارة

4- مِنَ الناس مَن يرون العظمة عند المخترعين والمكتشفين لأنهم ساعدوا الانسان على النمو والتطور والشعور بالرفاهية والرخاء

إذا فالنظرة الى العظمة سواء بشكل ايجابي كما رايناه عند العلماء والمخترعين ورواد التقدم أو بشكلها السلبي في ذوي الاموال والمستبدين والطغاة نستطيع أن نقول بأنها عظمة  مؤقتة لاتدوم

أما العظمة الحقيقة فهي النابعة من القلب والمتأصلة في الخدمة والعطاء ، وهي تبدأ من عظمة الانسان في انتصاره على نفسه واكتشاف ما في عمقها من نقص واحتياج والعثور على ما في ذاته من قوة على التضحية والخدمة والعطاء والكتاب المقدس يسطر لنا بأحرف من النور  الكثير والكثير من الشخصيات التى نذكرها بكل عز وافتخار منهم ابراهيم ابو الاباء الذي انتصر على ذاته في تخليه عن أرضه وعشيرته ومن ثم يوسف الصديق الذي قَبِلَ أن يُلقى في السجن بدلاً أن يخطئ امام الله ويحنا المعمدان الذي واجه بشجاعة الشعب محرضاً إياهم على التوبة وقَبِلَ أن تُقطع رأسه عوضاً عن المساومة

ويسوع المسيح رب المجد قبلَ أن يولد في مذودٍ ويعيش متواضعاً ولم يكن له ما يسند عليه رأسه وقف بشجاعة فائقة في الهيكل وقال روح الرب علىّ فمسحنى لأبشر الفقراء والمساكين وأطلق المأسورين احراراً، أُقيم الموتى وأشفي المرضي

المسيح هو حده عظيم فلم يسبقه أحد في تقديم ذاته عن الاخرين فقد قال " أتيت لتكون لهم الحياة وتكون لهم أوفر لأنه هو رب الحياة وله السلطان فبقوته أقام ابن ارملة نائيين وأقام لعازر بعد أن أنتن وقدم الشفاء للمفلوج قائلاً له قم احمل سريرك وأمشي وهب النظر للعميان هو وحده يسمع صراخ المستغثين به ويستجيب لهم

 

مَن أرادَ أن يكون عظيماً فليكن :

 

قادراً على صنع السلام ( طوبي لصانعي السلام)

خادماً على مثال معلمه (جئت لأَخدُم لا لأُخدَم)

متواضع القلب ( رفع المتواضعين)

مطيعاً لإرادة الرب واحتياجات الآخرين ( ابن الطاعة تحل عليه البركة

مُحباً للعطاء والتضحية( المُعطي المسرور يحبه الرب) .

تَقياً ويسعى دائماً لعيش القداسة( كونوا قديسين).

حكيماً (كونوا حكماء كالحيات).

وديعاً(كونوا ودعاء كالحمام) .

طويل الاناة ( بالصبر تقتنون انفسكم) وطولة البال تولد سعة الصدر.

وكي تكون عظيماً فعلاً عليك أن تكون بشوشاً فرحاً فالفرح هو من ثمرة الروح القدس  فالشخص البشوش والمبتسم دائماً مصدر سلام وطمأنينة للأخرين يننظر  ايجابياً إلى ما يتمتع به الأخر ويملكه  من إمكانيات ومواهب وقدرات قيم ،  فكلنا مخلوقون علي صورة الله، و علي نفس القدر من الأهمية، فليس هناك رجلا أو امرأة، حرا أو عبدا، فقيرا أو غنيا،  مهما كان لونه أو جنسه أومعتقده،. فسر العظمة  الحقيقية لا يكمن في السيطرة علي الآخرين وسلب حريتهم،إنما في وحدة الروح والمحبة والتفاني والعطاء المجاني .