كلمة البابا قبيل تلاوة صلاة التبشير الملائكي نهار الأحد 9 أغسطس 2009

كاستل غاندولفو، الثلاثاء 18 أغسطس 2009(Zenit.org).

ننشر في ما يلي الكلمة التي ألقاها قداسة البابا بندكتس السادس عشر في ساحة القصر الرسولي في كاستل غاندولفو قبيل تلاوة صلاة التبشير الملائكي نهار الأحد 9 أغسطس 2009.

* * *

أيها الإخوة والأخوات الأعزاء،

في سياق السنة الكهنوتية التي نحتفل بها، وكيوم الأحد الفائت، لا بد لنا من التأمل اليوم أيضاً ببعض القديسين الرجال والنساء الذين تحيي الليتورجيا ذكراهم خلال هذه الأيام. باستثناء القديسة كلير الأسيزية التي كانت مهتمة بالمحبة الإلهية في تضحياتها اليومية المبذولة في الصلاة والحياة الجماعية، يعتبر الآخرون شهداء قتل اثنان منهم في معسكر الاعتقال في أوشفيتز هما القديسة تريزا بنديكتا للصليب، إديت شتاين التي ولدت يهودية واستمالها المسيح في مرحلة البلوغ وأصبحت راهبة كرملية خاتمة حياتها بالشهادة؛ والقديس ماكسيميليان كولب، أحد أبناء بولندا وفرنسيس الأسيزي، أحد أعظم رسل مريم الطاهرة. من ثم نجد شخصيات أخرى رائعة، شهداء كنيسة روما، منهم البابا القديس بونتيانوس، القديس هيبوليتوس الكاهن، والقديس لورانس الشماس. رائعة هي مثل القداسة التي تقدمها لنا الكنيسة! هؤلاء القديسون هم شهود هذه المحبة التي تحب "حتى النهاية" والتي لا تأخذ بالاعتبار الظلم وإنما تكافحه بالخير (1 كور 13: 4، 8). منهم نستطيع نحن الكهنة بخاصة أن نتعلم البطولة الإنجيلية التي تدفعنا إلى بذل حياتنا من دون خشية من أجل خلاص النفوس. والمحبة تنتصر على الموت!

إن كل القديسين والشهداء بنوع خاص هم شهود الله المحبة Deus Caritas est. تعتبر معسكرات الاعتقال النازية ككافة معسكرات الإبادة رموزاً للشر والجحيم الذي ينفتح على الأرض عندما ينسى الإنسان الله ويحل محله مغتصباً حقه في اتخاذ القرارات بشأن الأمور الجيدة والأخرى السيئة، وبشأن منح الحياة ووضع حد لها. إلا أن هذه الظاهرة المحزنة ليست محدودة مع الأسف بمعسكرات الاعتقال. فهي تشكل بدلاً من ذلك أوج واقع شامل وواسع ذات حدود متبدلة في معظم الأحيان. يدفعنا القديسون الذين ذكرتهم بشكل موجز إلى التأمل في الاختلافات العميقة القائمة بين الإنسانية الإلحادية والإنسانية المسيحية. هذا التناقض يتخلل التاريخ برمته ولكنه بلغ مرحلة مهمة من خلال العدمية المعاصرة في نهاية الألفية الثانية، كما أدرك أدباء ومفكرون عظام وحسبما أظهرت الأحداث. فمن ناحية أولى، هناك فلسفات وإيديولوجيات وإنما أيضاً سبل تفكير وتصرف تمجد الحرية كالمبدأ الأوحد للإنسان كبديل لله وتحول بذلك الإنسان إلى إله مزيف يتصرف بطريقة تعسفية. ومن ناحية أخرى، نجد القديسين الذين يعبرون عن رجائهم من خلال ممارسة إنجيل المحبة. إنهم يظهرون الوجه الحقيقي لله المحبة والوجه الحقيقي للإنسان الذي خلق على صورة الله ومثاله.

إخوتي وأخواتي الأعزاء، فلنتضرع إلى مريم العذراء لكي تساعدنا جميعاً ومن بيننا الكهنة بخاصة لنكون مقدسين مثل شهود الإيمان والتفاني حتى الشهادة. إن المحبة في الحقيقة هي الإجابة الوحيدة المعقولة والشاملة التي يمكن تقديمها للأزمة الإنسانية والروحية في العالم المعاصر.

* * *

نقلته إلى العربية غرة معيط – وكالة زينيت العالمية

حقوق الطبع محفوظة – مكتبة النشر الفاتيكانية