الاب انطونيوس مقار ابراهيم
راعي الاقباط الكاثوليك في لبنان
ماذا يعني التسليم بالنسبة إليّ؟ ما هو الفرق بين التسليم والاستسلام؟ هل التسليم هو عمل نابع عن قهر وإجبار وإرضاءٍ للربّ؟ أم هو عمل نابع عن إيمان ومحبة وثقة في الربّ؟ هل يعني التسليم بذل الذات؟ هل من أمثال في الكتاب المقدّس عن أشخاص سلموا حياتهم للرب؟ ما الفرق بين التسليم لله والاتكال عليه؟ وهل صحيح أنّ الله يهتم بالنفس المسلِّمة ذاتها له؟ وما هي البركات التي ينالها مَن يسلّم نفسه للربّ؟
لماذا تسليم الذات؟
كثيرٌ من الناس يركضون في الأزمات وراء أشخاصٍ يحسبون أنفسهم عظماء وزعماء ويسلّمون لهم ذواتهم فيطمئنون إليهم، ويتوسَّمون فيهم التأثير والقوّة، ويتَّكلون على أموالهم كضمان للمستقبل أو على مراكزهم وسلطانهم أو على عائلاتهم ونفوذها. هذا ضمان موقّت كضمان الجهاز الكهربائي يستمرّ عامًا وينتهي. هذه الاعتمادات والاتّكالات كلّها هي عبارة عن سندات لها تاريخ وتنتهي صلاحيّتها بانتهاء تاريخها وهي أيضاً قابلة للتغيير والتبديل في أي وقت من الأوقات. العالم كله سيمضي وشهواته (1يو 2: 17). الله هو مبدأ كل شيء وهو غايته، وهو المعتني بكل خليقته: بشراً وحيواناً ونباتاً. لذا، من الطبيعيّ أن نسلّم حياتنا له، بالرغم مّما يحيط بنا من ضعف ونقص وخوف وجهل وتجارب وهموم وأمراض وتقلُّبات الأيام ومفاجآتها، وضمنها الموت الذي لا نعرف متى يأتي إلينا أو إلى غيرنا مِمَّن نحبّ. فنحن في حاجة ملحّة ومستمرة إلى أن نسلّم حياتنا وأمرنا وما نعانيه كلّه الى من يقدر أن يسدّ احتياجاتنا ويجيب على رغباتنا فهو قادر أن يحفظنا ويعتني بنا ويحمينا، وينزع منّا الخوف خصوصًا في الأمور المصيريّة والحياتيّة (كالدراسة والعمل والهجرة والتكريس والزواج وغيرها). والله القادر على كلّ شيء والمُهيَّأ لهذه المهام كلها وأكثر، هو الجدير بالثقة لأن نسلّمه حياتنا.
نحن نؤمن بأنّ الله هو مبدأ الأشياء كلّها ويدعونا دائماً اليه ويريدنا أن نتّكل عليه ونتخلى عن قوانا البشرية ومشاعرنا وأشواقنا ومخاوفنا وحتى آمالنا ونهتم به وحده أي أن نسلمه جسدنا وروحنا وهنا يتبين أنّ التسليم هو بذل الذات لله أي أن ننسى أنفسنا ونضع كل اهتماماتنا ومشاكل حياتنا اليوميّة بين يديه بخضوع تامّ لمشيئته الإلهيّة حتّى نكون في حركة عطاء متبادل بين يسوع ونفسنا، عطاءٍ مبني على المحبة فيسري عمل الله في دمنا وعروقنا وفي أفكارنا وعواطفنا ومشاعرنا وأعمالنا، وتنساب حياتنا باستقرار في حضن الله الحاضر في كلّ مكان والذي يضع حكمته وقدرته لخلاص الانسان. فاعلم يا أخي أنّ الله يريدك أن تتقدّس وأن تنال حياة الكمال وتأكّد أيضاً بأنّ الله لا يطلب منك مقابلاً كي تكون قدّيساً إلا قلبًا قادرًا على الحبّ والخضوع بتسليم كُلي له. يعني هذا التسليم في فحواه التقاءً بين الله والنفس يتمّ في صميم ذوي الإرادة الحسنة المفعمة بالمحبّة. بالتالي، لم يكن بذل الذات أبداً عملاً نابعًا عن قهر أو إجبار لإرضاء الله وإنّما عملاً نابعًا من الإيمان العامل بالمحبة من قلبٍ مليء بحضور الله القادر والمحب والرحيم والحكيم والعادل والموجود والذي يسرع لاستجابة من يطلبونه .
إعلم يا أخي أنّ روح الكبرياء والغرور وروح التحكّم والسيطرة الموجودة في داخلنا هي التي تعطّل عمل الله الخلاصيّ. من ثم أن نطيع مشيئة الرب يؤدّي بنا إلى الإيمان وأن نسلّم ذواتنا له يغدق علينا البركات (إر17: 5) هكذا قالَ الرَّبّ: "مَلْعونٌ الرَّجلُ الَّذي يَتَّكِلُ على البَشَر ويَجعَلُ مِنَ اللَّحمِ ذراعاً لَه وقَلبُه يَنصَرِفُ عنِ الرَّبّ. فيَكونُ كالعَرعَرِ في البادِيَة فلا يَرى الخَيرَ إِذا أَقبَل بل يَسكُنُ الرَّمْضاءَ في البَرِّيَّة الأَرضَ المَالِحَةَ الَّتي لا ساكِنَ فيها . مبارَكٌ الرَّجُل الَّذي يَتَّكِلُ على الرَّبّ ويَكونُ الرَّبّ مُعتَمَدَه. يَكونُ كالشَّجَرَةِ المَغْروسَةِ على المِياه تُرسِلُ أُصولَها إِلى مَجْرى النَّهْر فلا تَخافُ الحرَ إِذا أَقبَل بل يَبْقى وَرَقُها أَخضَر وفي سَنَةِ الجَفافِ لا خَوفَ علَيها ولا تَكُفُّ عن إِعْطاءِ الثَّمَر".
يمتدح الكتاب المقدّس المتّكلين على الربّ في كلّ حين فهم محاطون بسياج منيع لا يقترب منه أحد ولا يستطيع أن يمسّه أحدٌ بأيّ أذىً نفسيّ أو جسدي ّ. كثيرون هم الأشخاص الذين امتلأت قلوبهم بالسلام والفرح …، بالرغم من صراعهم مع أجناد الشرّ الروحيّة. يتطلّب هذا الاتكال وهذا التسليم الاستعدادَ التام لعمل المشيئة الإلهية، إستعدادًا يمنح الإنسان نعمةَ التمييز في حياته وسلوكه درب القداسة وبذل الذات.
من أبرز الأمور التي تعيق عيشنا التسليم الكلي لله هو تفكيرنا في حياتنا ومستقلبنا لا بل مصيرنا بعيداً عن الله، فقلقنا ينبع من وجود:
1-أزمة شكر لله :
تأتي هذه مّما نعانيه بسبب الوضع الراهن ، سواء من تدني وسائل المعشية أو الأزمة الماديّة أو بسبب الوضع الاجتماعي الذي قاد الكثيرين الى الانحطاط الخلقيّ بارتكابهم الأخطاء والجرائم أو ادّعاء البعض بأنّهم أسياد المجتمع نظراً إلى ما يملكونه من سلطة ونفوذ فأخضعوا الناس لمشيئتهم وأجبروهم على القيام بأعمال تخريبيّة تتوافق ومزاجهم الشخصيّ فغاب عن بالهم أنّ ما هم عليه أتاهم من الله فغفلوا عن شكره.
2- أزمة انعدام الثقة بالله
يعاني البعض ويطالب الله بتبديل الوضع ويتّهمه بالعجز عن فعل ذلك، مع العلم أنّ لا بدّ لنا من أن نفكّر دائماً بثقةٍ بمحبةِ الله لنا ورحمته وبأنّه لن يدع قطّ مسقبلنا وحياتنا في أيدٍ خفيّة شريرة. لا بدّ لنا من أن نضع ثقتنا فيه، ونسلّمه قيادة حياتنا كالطفل بين يديّ والديه فلا همّ عنده لأنّه يثق بأن عملهما من أجله.
3- أزمة الاتّكال على الذات
آه لو فكّرنا قليلاً في ما قاله لنا داود النبيّ في المزمور لتَخلّيْنا عن هذه الأزمة وتوجهنا مباشرة الى الاتكال على الله مز-37-3: ب- توكل على الرب ومارس الإحسان أسكن الأرض وارع بأمان : ولتنعم بالرب نفسك فيعطيك بغية قلبك. ج- فوّض إلى الربّ طريقك وتوكّل عليه، وهو يدبّر أمرك يظهر كالنور برُّك وكالظهيرة حقُّك.
4- أزمة التعامل مع الله بشروط:
يجب علينا إخوتي الأحبّاء أن نتعامل مع الله كأبناء له يمنحنا الحكمة التي لا يمكنها أبداً أن تخيّب آمالنا وتوقعنا في الفشل ولا بدّ لهذا التعامل من أن ترافقه حياة الايمان الكامل الذي يعطينا أن نتعامل مع الله بدون شروط وبدون قيود. فالإنسان المؤمن عندما يسلم حياته لله، لا يفرض عليه شروطاً، ولا يطلب منه ضمانات.
5- أزمة نقص المحبة:
يغلق هذا النقص في المحبّة أمامنا أبواب الثقة والتسليم الكُلي لله الذي يعني بذل الذات، فمن تكون حياته ناقصة المحبة يرفض الاعتراف بأن يكون الله هو مصدر كل خير أما من له المحبة التي سكبها الرب فينا بروحه القدوس فهو شخص يثق في الله ومحبته وقدرته وحكمته والله يقود حياته دائماً لعمل الخير من أجله ومن أجل الآخرين.
6- أزمة الاستقلال والابتعاد عن الله:
أخطر ما يهدّد حياتنا الروحيّة هو استقلالنا عن الله. وهذه تعتبر خطيئة كبرى سقط فيها أناس عظام.
7- أزمة رفض الله ومنفعته :
تعتبر هذه الأزمة من أشدّ الأزمات التي يقع فيها الانسان خطورة وتقوم عندما يقرّر الابتعاد عن الله ويقول مع نفسه إلهي لا نفع منه. ليست هذه أزمة فحسب، بل خطيئة كبرى، فمثلاً شاول الملك قرر الاعتماد على ذاته (1 صم 16) فعمل بفكره وبتدبيره، بعيداً عن مشورة الله وعن شركته. لم يرَ أنه محتاج إلى أن يشترك الله معه في العمل، فجاءت النتيجة أن رفضه الله. وكأنه يقول: ما دمت أستطيع أن أعمل هذا العمل، فسأعمله، بكلّ قوّة، وبكلّ سرعة، وحتى من دون صلاة. وهب الله البشريةَ العقلَ والإرادة. ولكن ليس لتستقلّ عنه!
يقول لنا الكتاب المقدّس"وعلى فهمك لا تعتمد" (أم 3: 5). وقال الربّ يسوع "بدوني لا تقدرون أن تعلموا شيئاً" (يو 15: 5) ولنتذكّر أنّ خطيئة الإنسان الأوّل، كانت محاولته الحصول على المعرفة بعيداً عن الله (تك 3 ) ومتى بدأ الإنسان يقول "أنا أعرف ، وأنا أقدر، فما الحاجة في هذا الأمر إلى الله؟! "يكون حينئذ قد بعد عن الإيمان بالله بالأنا (الذات)
8- أزمة التذمُّر والشكوى:
نرى في مجتمعنا كثيرًا من الناس يشتكون من القلّة والعوز ودائماً يتذمّرون ويرون ما في أيديهم وكأنه لا شيء ويبكون الأيّام " رزق الله على الأيّام الفائتة" وهؤلاء في معظمهم يملكون كل ما تتخيله من مقدّرات بشريّة سواء المستوى الاجتماعي،المالي، المهني، وينسون عطايا الربّ لهم حتى وإن لم تكن أموالاً أو ممتلكات فالربّ منح الانسان القدرةَعلى صنع كماليته بنفسه ولكن للأسف تناسى الإنسان هذا وبقي مع ذاته مستسلماً لحياة التذمّر والشكوى وهذا ما يجعله في أزمة عدم القدرة على تسليم(بذل ) ذاته لله حتى يقبل الامور كلّها بفرح ورضى وشكر. أنت مدعوٌّ لأن تتحول من التذمر الى التذكّر ومن الشكوى الى الشكر ومن حياة العبوس الى الابتسامة الدائمة ومن حالة الجفاء الى البشاشة. هكذا، تتحوّل حياة من يسلّم ذاته للربّ الى فرح دائم لا يعرف الحزن.
هؤلاء لم يسلموا ذواتهم للربّ فكانت النتيجة:
آدم الانسان الأول. طُرد من الجنّة بسبب كبريائه ومعصيته وتمرّده والنظر إلى نفسه في تدبير الأمور من دون العودة الى الله فكانت النتيجة الموت: " موتاً تموت".
بناة برج بابل.هؤلاء، جلسوا يخطّطون لبناء أنفسهم، ففشلوا. وقالوا "هلّم نبن لأنفسنا مدينة وبرجاً رأسه في السماء. ونصنع لأنفسنا اسماً لئلا نتبدّد على وجه الأرض" (تك11:4). فجاء تخطيطهم عكس ما كانوا يفكّرون فيه ولم يدركوا أنّ طرق الله غير طرق البشر وفكره " أفكاري ليست كافكاركم" فأتى تخطيطُهم ضدَّهم. وكانت النتيجة أنّ الله بدّدهم "فبددهم الله على وجه الأرض كلّها " (تك11: 9).
آخاب الملك. باع نفسه وعمل الشرّ في عينيّ الربّ وقد حرّض على قتل نابوت اليزرعيلي وألقاه في الحقل حتى لحست الكلاب دمه ونتيجة عمله هذا جاءت أنّ الكلاب ذاتها ولحست دمه.
اشخاص سلموا ذواتهم للرب فكانت النتيجة:
1 –ابراهيم. سمع نداء الربّ ودعوته له بأن يترك أرضه وعيشرته فكانت النتيجة أنّه أعطيَ نسلاً بعدد رمال البحار ونجوم السماء "أترك أهلك وعشيرتك وبيت أبيك، إلى الأرض التي أريك" (تك12:1). وعن تقديم ابنه اسحق ذبيحه لم يتردّد بل نفذ. وقام باكراً ولم يشكّ في محبة الله وآمن فحُسب له ذلك برًّا، وإذ حَسِبَ أن الله قادر على الإقامة من الأموات أيضاً" ( عب 11: 17-19).
2- يعقوب. هرب من وجه أخيه عيسو، ونام مطمئناً في البريّة في حِمَى الله يتمتّع بحلم رأى فيه سُلَّمًا يرتفع من الأرض إلى السماء والملائكة تصعد عليه وتنزل. فلمّا استيقظ قال: "ما أرهب هذا المكان. ما هذا إلاَّ بيت الله، وهذا باب السماء" ودعا ذلك المكان بيت إيل (تك 28: 10-22). فحيث يكون الله لا مكان للخوف والهروب.
3 ويوسف الصديق. لم يُسلّم نفسه للشر لينقذ نفسه من السجن بل صرخ وسلّم نفسه للربّ وقال كيف أصنع هذا الشرّ العظيم وأخطئ أمام الله فكانت النتيجة أن تحولّت مكيدة الشرّ التي دبرها له أخوته الى فعل خير فأنقذ نفسه وشعبه من الجوع والهلاك وقال عبارته الشهيرة " أنتم أردتم لي شراً، أما الله فأراد لي خيراً" (تك 50: 20).
4- موسى النبيّ. بالرغم من الحوار الجدليّ الذي قام بين الله وموسى في بدء رسالته لمّا قال: " كيف أدخل إلى فرعون وأتكلّم إليه وأنا ثقيل اللسان" (خر3)، ولكن نما في قلبه الإيمان والتسليم.. ولم يُفكِّر كثيراً في عواقب ما يتعرّض له من صعوبات في سبيل قيادة شعب الله الى الحريّة والخروج من مصر. سلّم ذاته لله: "بالإيمان ترك مصر غير خائفٍ من غضب الملك، لأنّه تشدَّد، كأنه يرى مَن لا يُرَى" (عب 11: 27).
5- أيوب البار. مثال كلّ واحد منّا اليوم. كم من أشخاص تأتي عليهم أيّام ويشعرون أنهم فقدوا كل شيء. على هؤلاء ألاّ يستسلموا لحالة الفقدان بل أن يسلّموا ذواتهم لله كأيّوب الذي ظلَّ في معاناته كلّها مُستسلماً لله مُبارِكاً اسمه: "الربّ أعطى، والربّ أخذ، فليكن اسم الربّ مباركاً" (أي 1: 21).
6- داود النبي والملك. بدأ حياته كراعي غنم في البريّة. مسحه الله ملكاً بواسطة صموئيل النبيّ بالرغم من ذلك لم يتذمر أو يتكبّر بل ظلَّ يرعى الغنم. ثم اختير خادماً للملك شاول المرفوض من الله واستمر شاول يطارد داود الذي انتظر، بالهدوء والتسليم، خلاصَ الربّ. وقال: "صَمَتُّ، لا أفتح فمي، لأنّك أنت فعلتَ" (مز 39: 9). كما يبدأ الكثيرٌ من مزاميره بهذه الكلمات: "عليك توكَّلتُ" (مز 7؛ 11؛ 16؛ 25؛ 26؛ 31).
7-ارميا النبي. قاده الربّ الى طريق لم يعرفها أرميا مطلقاً وبالرغم لكنّه مع ذلك مشى بالإيمان وسار وراء الله، وأعطانا أعظم درس لحياة التسليم لمّا قال: "عرفت يا ربّ أنْ ليس للإنسان طريق، ليس لإنسان يمشي أن يهدي خطواته" (أر 23:10). يدعونا هذا إلى أن نسير وراء الله، الذي يقود حياتنا دائماً الى الامام لتحقيق الخير وليس وراء أفكارنا وأهوائنا ورغباتنا ومشيئة الناس ومشورتهم.
8- دانيال. سلَّم حياته كُلياً لله مستنداً إلى معونته، فتغلّب على أفواه الأسود ونزل إلى جُبِّهم مطمئناً والله "أرسل ملاكه وسدَّ أفواه الأسود" (دا 6: 22).
9- العذراء القديسة مريم. سلّمت ذاتها لله وأطاعته فأجابت الملاك: "هوذا أنا أمة الربّ. ليكن لي كقولك" (لو1: 38). صارت نموذجًا حيًّا لكلّ مؤمن وللكنيسة جمعاء " لأنه نظر الى تواضع أمته" فها منذ الآن تطوّبني جميع الأجيال"
10- الرسل والتلاميذ ومن بعدهم الشهداء والقدّيسون. ألقوا رجائهم كلّه على مخلِّصهم الذي أحبّهم حتى الموت. لم يُبالوا بالتهديد وقالوا: "ها إنّنا يا ربّ تركنا كلّ شيء وتبعناك" (لو 28:18). هذه هي حياة الطاعة في الايمان والتسليم لمشيئة الربّ والسير معه حيثما يذهب، بدون عراقيل ولا تفكير بالعودة الى الوراء. إلى من نذهب يا ربّ وكلام الحياة الأبديّة عندك.
ختاماً نقول:
تسليمُ الحياة لله وبذل الذات أو هبتها شهادة حيّة لإيماننا به وقناعتنا بأنّنا في واقع الأمر نسلّم ذوانتا ليس فقط من أجل الله بل من أجلنا فالله لا يحتاج إلينا بقدر ما نحتاج نحن لأنفسنا. يدرك المؤمن هذا اأامر لذا يفوض أمره لله في ظروف الحياة كلّها لكن من جميعها يُنجيهم الرب" (مز 34: 19).. و يتنقّى من الشوائب والمعوقات "إنّ الأشياء كلّها تعمل معاً للخير" (رو 8: 28)، وهكذا يختبر السلام وسط الاضطراب والقلق، والفرح وسط الآلام والأحزان ويسمع صوت الله يقول: "لأنه تعلَّق بي أُنجِّيه. أرفعُه لأنّه عرف اسمي. يدعوني فأستجيب له. معه أنا في الضيق. أُنقذه وأُمجِّده. من طول الأيّام أُشبعه، وأُريه خلاصي" (مز 91)كذلك، يحصل على أعظم هبة من الله الذي من أجله قدّم ذاته ليكون هو هبة الخلاص الأبديّ للجميع" (عب 5: 9) بينما يرى الملحدُ الله طاغية مستبدًّا يريد أن يستولي على الإنسان، يسلب حريته وشخصيّته.
نصوص وآيات للتأمُّل
دعوة للتسليم مز62/9 مز78/7 اش50/10 |
توكّلوا عليه أيها الشعب كلّ حين واسكبوا أمامه قلوبكم.إنّ الله معتصم لنا. حتّى يضعوا ثقتهم في الله ولا ينسوا أعمال الربّ بل يحفظوا وصاياه .من منكم يخاف الربّ فليسمع صوت عبده ومن يسير في الظلمات ولا ضوء له فليتوكّل على اسم الربّ وليعتمد على إلهه |
وجوب الاعتماد اش46/3-5 ام3/5 |
إِسمَعوا لي يا بَيتَ يَعْقوب ويا بَقِيَّةَ بَيتِ إِسْرائيل الَّذينَ أُقِلُّوا مِنَ البَطْنِ وحُمِلوا مِنَ الرَّحِم. إِلى شَيخوخَتِكم أَنا أَنا وإِلى مَشيبِكم أَحتَمِلُكم أَنا صَنَعتُكَم فأَنا أَحمِلُكم أَنا أَحتَمِلُكِم وأُنَجِّيكم. بِمَن تُشَبِّهوننيِ وتُعادِلونَني وبِمَن تُقارِنونَني فنَتَشابَه؟ توكل على الرب بكل قلبك ولا تعتمد على فطنتك |
بركات التسليم مز146/1-9 |
طوبى لِمَن إِلهُ يَعقوبَ نُصرَتُه في الرَّبِّ إِلهِه رجاؤه. صانع السَّمَواتِ والأَرضِ والبَحْرِ كلِّ ما فيها حافِظِ الحَقِّ لِلأَبَد. مُجْري الحُكْمِ لِلمظْلومين رازِقِ الجِياعِ خُبزًا. الرَّبُّ يَحُلُّ قُيودَ الأَسْرى. الرَّبُّ يَفتَحُ عُيونَ العُمْيان الرَّبّ يُنهِضُ الرَّازِحين. الرَّبّ يُحِبُّ الأبْرار. الرَّبُّ يَحفَظُ النّزلاء ويؤَيّدُ اليَتيم والأَرمَلَة ويُضِلُّ الأَشْرارَ في طَريقِهم. يَملِكُ الرَّبّ لِلأبَد إِلهُكِ يا صِهْيونُ إِلى جيلٍ فجيل. هَلِّلويا |
اتكال الابرار مز112/1 |
آ- طوبى لِلرَّجُلِ الَّذي يَتَّقي الرَّبّ ب- ويَهْوى وَصاياه جِدًّا. |
الثقة بالنفس |
ر-1-9: بل أَحسَسْنا أَنَّه قُضِيَ علَينا بِالمَوت، لِئَلاَّ نَتَّكِلَ على أَنفُسِنا، بل على اللهِ الَّذي يُقيمُ الأَموات. |
جزاء المتوكلين على غير الله مز16/4 ار46/25 ار48/8 |
كثرت أصنامهم والناس وراءها يتهافتون. أما أنا فدما لها لا أسكب وبشفتي أسماءها لا أذكر قالَ رَبُّ القُوَّات، إِلهُ إِسْرائيل: هاءَنَذا أَفتَقِدُ آمونَ نُوَ وفِرعَونَ ومِصرَ وآلِهَتَها ومُلوكَها، فِرعَونَ وجَميعَ المُتَوكِّلينَ علَيه، |
في اثناء الضيق مز39/9 م3/7 لو23/41 |
: مِن جَميعِ مَعاصيَّ أنقِذْني وعارًا لِلأَحمَقِ لا تَجعَلْني ام-3-5: تَوَكَّلْ على الرَّبَ بِكُلِّ قَلبِكَ ولا تَعتَمِدْ على فِطنَتِكَ. |
|
|