ايوب الجزء الرابع: رسالة البار

للاب هاني باخوم

 

ايوب تلاقى مع الله. عرف من هو بالفعل، وهذا قد كفاه. شاهد الله، الانتصار على الموت، و علم ان شوكة الموت قد تلاشت، هذا ما رآه عندما راى الله. تستمر الامه، تتراكم اوجاعه، لكنه لا يتذمر مجدداً على الرب. مازال الموت يقترب اكثر فأكثر. لكن ايوب لا يلعن يوم ولادته من جديد. لا يبرر نفسه. لا يحاكم الله. كيف يحاكمه وقد رآه؟ كيف يحاكمه وقد راى خلاصه؟ كيف يحاكمه وقد نال عربون الحياة؟

وهنا كان من الممكن ان ينتهي الكتاب. ايوب راى الرب راى الخلاص ، فانتهى نزاعه. دخل في السلام. لكن الله لا يكتفي بهذا، ليس من اجل هذا فقط  خاطر منذ البداية، واسلمه ليجرب من ابليس. ليس فقط ليريه نفسه ويعود لسلامه. ماذا هناك اكثر اذاً؟

يرجع الرب للحديث وهذه المرة مع اصدقاء ايوب. نعم اصدقاء ايوب الثلاثة الذين دافعوا عن الله حتى النهاية، الذين ارادوا ان يحموه من اتهامات ايوب الباطلة. يقول لهم: غضبي قد اضطرم عليكم لانكم لم تتكلموا بالحق كعبدي ايوب. غريب هو الرب!!!!! يغضب ممن يدافع عنه، ممن يحميه ويقول عمن يتهمه ويهاجمه انه تكلم بالحق!

لا الرب ليس غريباً. اصدقاء ايوب لم يعرفوا من هو الرب في الحقيقة. كانوا يعرفون الهاً عادلاً حسب البشر: من اخطأ يجب ان يعاقب. من اذنب يجب ان ينال الجزاء. لم يعرفوا الاله الحقيقي، الاله الرحيم والخالق، الذي لا ينتظر شيئاً من الانسان حتى يعطيه كل شيء. لم يعرفوا هذا الاله الذي احب الانسان مجاناً وخلقه من فيض حبه وجعل كل شيء في خدمته. لم يعرفوا هذا الاله الذي وعد بمخلص من نسل المراة لكي ينتزع الانسان من عمق الموت. لم يعرفوا ان الله يشرق شمسه على الاشرار والابرار سوياً وينتظر عودة الخاطئ لكي يحيا الى الابد. عرفوا فقط الهاً عادلاً، معاقباً للبشر، مترصداً لهم، لا يهمل في حقه. حدّوا الله وجعلوا منه وثناً بحسب افكارهم. انهم يعبدون الهاً، ليس باله ايوب. لذا تكلموا بالسوء عنه لانهم ابداً لم يعرفوه.

ايوب تكلم بالحق كما يقول الرب. ايوب على عكس اصدقائه، لا يؤمن بهذا الاله، اله اصدقائه. ويرفض ان يؤمن به وان كان هو الاله الحقيقي، يفضل ان يهاجمه و ألاّ يؤمن به. ايوب يهاجم الله ليجبره ان يخرج عن صمته، ويجعله يرجع لحالته الاولى، او على الاقل، يفسر له كل ما يحدث. وبالفعل تكلم الرب ورد على ايوب. اي ان ايوب قد انتصر في معركته. لكن الرب لم يجب ايوب بل اغرقه بالاسئلة، وايوب تراجع عن موقفه وهجومه واعترف بخطئه. اي ان الرب قد انتصر على ايوب. لكن ايوب الان في حالة سلام وراحة. اي انه انتصر. هل انتصر ايوب ام انهزم؟

الله يستمر في حديثه مع اصدقاء ايوب قائلاً: ارجعوا الان الى عبدي ايوب وقدموا ذبائح امامه واطلبوا منه ان يصلي لي من اجلكم، فارفع عنكم غضبي. ايوب يتلقى رسالة جديدة. ايوب بعد رؤية الله يتسلم منه رسالة. يصبح شفيعاً لمن غضب الرب عليهم. شفيعاً للخطأة. اي  شخصاً مقرباً من الله، فيطلب منه ان يرحم كل من الخاطئين فيستجيب له الرب. ولا ينظر لحماقة خطيئة الخاطىء بل، لتضرع ايوب مستجيباً له.

ايوب يرتفع من حالته كانسان عادي ،عليه ان يبرر نفسه، الى انسان له كلمة مسموعة عند الله لتبرير الخاطيئن. ايوب يصبح صورة لدم المسيح، مراق على الصليب، شفيع ابدي لمن هو في عمق الخطيئة او في احضان الجحيم.

ايوب يصبح معاون الله في عمله: اي في رحمة الانسان وخلقه من جديد بالتوبة. ايوب اصبح شفيعاً. فما اعظم كرامة ايوب؟

ويصلي ايوب بالفعل لاصدقائه، ويرحمهم الله. ولكن شيئاً غريبا" يحدث! يقول الكتاب: اعاد الرب لايوب مكانته الاولى لانه صلى من اجل اصدقائه. ايوب الان والان فقط استرجع كل شىء: الاولاد ،الممتلكات، الخيرات و الاقارب، لانه استرجع نفسه ورسالته ومكانته الاصلية. ايوب لم يكن مدعوا كما كان في بداية الكتاب ان يحيا حياة خير ورفاهية فيها يعبد الله ولا يخطىء، هذا حسن ولكن قليل جداً. ايوب لم يكن مدعواً ان يربي فقط اولاده ويجعلهم يعبدون الرب فحسب. هذا حسن ولكنه قليل جداً. ايوب الان بعد ان راى الله يرى رسالته الحقيقة: ان يكون وسيطاً بين الخاطىء والرب ، شفيعاً لمن غضب عليه الرب. لم يكن على دراية بدعوته ورسالته لكنه الان فهم لما خلق. خلق لكي يشارك الله في عمله، في استمرارية خلقه للانسان وانقاذه من الموت الابدي.

والان فقط يشفى ايوب من مرضه وتعود اليه كل خيراته بل واكثر. لان ايوب استرجع ما هو اهم من كل هذا استرجع سبب وجوده اي دعوته ورسالته. الآن لا يحيا فقط لكي يحافظ عليهم او لكي يبرر نفسه امام الله. بل يحيا من اجل الذي خلصه ومن اجل خلاص الاخرين.

كل شىء يعود بوفرة : الاموال، الممتلكات، الاولاد، والوعي لرسالته وهويته الحقيقية. لكن يبقى في العقل سؤال: الم يكن يوجد طريق اخر كي يحصد ايوب ما حصد بدون آلام واوجاع، بدون موت وخراب؟ اكان يجب ان يتألم ايوب؟ كتاب ايوب ينتهي لكن الكتاب المقدس لا ينتهي. لذا سنحاول ان نستعرض ذلك من خلال شخصية كتابية اخرى…ايليا النبي …..للمرة القادمة.

للاب هاني باخوم،

نائب مدير اكليريكة ام الفادي بلبنان.