مَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ الأَوَّلَ، فَلْيَكُنْ عَبْدًا لِلْجَمِيع

بقلم الخوري جوزيف هلال

القبيات، الجمعة 2009 (Zenit.org).

نقدم نص إنجيل قداس الأحد بحسب الطقس الأنطاكي السرياني الماروني مع تعليق مقتبس من "نشرة الأحد" لرعية مرت مورا من "موقع القبيات الإلكتروني".

* * *

إنجيل الأحد:

35 ودَنَا مِنْهُ يَعْقُوبُ وَيُوحَنَّا، ابْنَا زَبَدَى ، وقَالا لَهُ: "يَا مُعَلِّم، نُرِيدُ أَنْ تَصْنَعَ لَنَا كُلَّ ما نَسْأَلُكَ".

36 فقَالَ لَهُمَا: "مَاذَا تُرِيدَانِ أَنْ أَصْنَعَ لَكُمَا؟".

37 قالا لَهُ: "أَعْطِنَا أَنْ نَجْلِسَ في مَجْدِكَ، واحِدٌ عَن يَمِينِكَ، ووَاحِدٌ عَنْ يَسَارِكَ".

38 فقَالَ لَهُمَا يَسُوع: "إِنَّكُمَا لا تَعْلَمَانِ مَا تَطْلُبَان: هَلْ تَسْتَطِيعَانِ أَنْ تَشْرَبَا الكَأْسَ الَّتي أَشْرَبُها أَنَا؟ أَو أَنْ تَتَعَمَّدَا بِالـمَعْمُودِيَّةِ الَّتي أَتَعَمَّدُ بِهَا أَنَا؟".

39 قالا لَهُ: "نَسْتَطِيع". فَقَالَ لَهُمَا يَسُوع: "أَلْكَأْسُ الَّتي أَنَا أَشْرَبُها سَتَشْرَبَانِها، والـمَعْمُودِيَّةُ الَّتي أَنَا أَتَعَمَّدُ بِهَا ستَتَعَمَّدَانِ بِهَا.

40 أَمَّا الـجُلُوسُ عَنْ يَمِينِي أَوْ عَنْ يَسَارِي، فلَيْسَ لِي أَنْ أَمْنَحَهُ إِلاَّ لِلَّذينَ أُعِدَّ لَهُم".

41 ولَمَّا سَمِعَ العَشَرَةُ الآخَرُون، بَدَأُوا يَغْتَاظُونَ مِنْ يَعْقُوبَ وَيُوحَنَّا.

42 فدَعَاهُم يَسُوعُ إِلَيْهِ وقَالَ لَهُم: "تَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذينَ يُعْتَبَرُونَ رُؤَسَاءَ الأُمَمِ يَسُودُونَهُم، وَعُظَمَاءَهُم يَتَسَلَّطُونَ عَلَيْهِم.

43 أَمَّا أَنْتُم فلَيْسَ الأَمْرُ بَيْنَكُم هـكَذا، بَلْ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ فِيكُم عَظِيمًا، فلْيَكُنْ لَكُم خَادِمًا.

44 ومَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ الأَوَّلَ بيْنَكُم، فَلْيَكُنْ عَبْدًا لِلْجَمِيع؛

45 لأَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ أَيْضًا لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَم، بَلْ لِيَخْدُم، ويَبْذُلَ نَفْسَهُ فِداءً عَنْ كَثِيرين".

(مر 10/ 35-45)

::: تأمّل من وحي الإنجيل :::

فِي هَذَا الأَحَد مِن زَمَنِ الصَّلِيب وَفِي هَذَا النَّصِ الإِنجِيلِي نَرَى يَسُوع مُحَاوِراً ابنَي زَبَدَى وَمُطَمئِناً وَمُوَجِّهاً لِبَاقِي الرُّسلِ المُغتَاظِين:

1- مُحَاوِراً:

حاور يسوع إِبْنَيْ زَبَدَى اللَّذَينِ أَتَيَا إِلَيْهِ بِطَلَبٍ مُهمٍّ جِدّاً لَو عَرَفُوا مَضْمُونَهُ بِحَسَبِ قَلبِ الرَّبّ وَهُوَ أَنْ يَجلِس أَحَدُهُمَا عَن يَمِينِهِ وَالآخَر عَن شِمَالِهِ. ولكِنَّ هَذَا الطَّلَب جَاءَ بَشَرِيّاً مَحضاً كما دلّ قَول يَسُوع لَهُمَا: "إِنَّكُمَا لا تَعلَمَانِ مَا تَطلُبَان" لأنّهما طنّا، كَبَاقِي الرُّسُل، بِأَنَّ يَسُوع أَتَى مَلِكاً زَمَنِيّاً ليُقِيمَ مُلكَهُ وَمَملَكَتَهُ عَلَى الأَرض وَبِالتَّالِي سَيَكُونُونَ مُعَاوِنِيهِ فِي الحُكمِ وَقَد أَتَوا يَطلُبُونَ مَنصِباً فِي هَذَا الحُكم.

فَوَجَّهَ يَسُوع نَظَرَهُمَا وَقَلبَهُمَا إِلَى الكَأسِ الَّتِي سَيَشْرَبُهَا وَالمَعمُودِيَّة الَّتِي سَيَعْتَمِدُ بِهَا إِشَارَةً مِنهُ إِلَى صَلبِهِ وَمَوتِهِ لِخَلاصِ البَشَرِيَّة وَطَمأَنَهُمَا بِأَنَّهُمَا سَيَكُونَانِ عَلَى مِثَالِهِ فِي هَذَا الأَلَم وَالمَوت.

وَنَحنُ عِندَمَا نَطلُب مِنَ الرَّب طلباً، هل نَعلَم مَاذَا نَطلُب أَو كَيفَ نَطلُب؟ وَهَل هَذَا الطَّلَب يَنفَعُ خَلاصَنَا الأَبَدِي أَم أَنَّهُ مَحض بَشَرِي يَقتَصِرُ عَلَى هُمُومِ الأَرض؟

فَلنَسمَع الرّبَّ يَسُوع يقُول "أُطلُبُوا مَلَكُوتَ اللَّهِ وَبِرَّهُ وَكُلُّ شَيءٍ يُزَادُ لَكُم ".

2- مُطَمئِناً وموجّهاً

طمأن يسوع بَاقِي الرُّسُل الَّذِينَ اغتاظُوا لِسَمَاعِهِم يَسُوع يَتَحَدَّثُ مَع ابْنَيْ زَبَدَى عَن مَنَاصِب وَمَكَاسِب أَوضَحَ لَهُم مَعنَى السُّلطَة بِنَظَرِهِ وَهَدَف رِسَالَتِهِ.

فَلَيسَتِ السُّلطَةُ للتَّسَلُّطِ وَتَسخِيرِ النَّاسِ لِخِدمَةِ الزَّعِيمِ والمَسؤُول لَكِنَّ السُّلطَةَ بِحَسَبِ نَظَرِ الرَّب هِيَ الخِدمَة: "فَمَنْ كَانَ عَظِيماً فَليَكُن لَكُم خَادِماً". وَالأَوَّل فِي القِيَادَة هُوَ الَّذِي يَكُونُ عَبداً لِلجَمِيع.

وَهَكَذَا يَدعُو يَسُوع التَّلامِيذَ لِلتَّشَبُّهِ بِهِ "حَسبُ التِّلمِيذِ أَن يَكُونَ مِثلَ مُعَلِّمِهِ". وَقَد عَاشَ أَمَامَهُم هَذِهِ الخِدمَة بِامتِيَاز عِندَمَا غَسَلَ أَرجُلَهُم وَقَال لَهُم: "إِذَا كُنْتُ أَنَا المُعَلِّمَ والرَّب قَد غَسَلتُ أَقدَامَكُم، فَيَجِبُ عَلَيكُم أَنتُم أَيضاً أَن يَغسِلَ بَعضُكُم أَرجُلَ بَعض. فَقَد جَعَلتُ مِنْ نَفسِي قُدوَةً لِتَصنَعُوا أَنتُم أَيضاً مَا صَنَعتُ لَكُم".

وَنَحنُ ، مَا هِيَ نَظرَتُنَا وَعَيشُنَا للسُّلطَة؟

فَلنَأخُذ بَعضَ شَواهِدِ الحَيَاة.

– كَآبَاءٍ أَو كَأَهلِ ، هَل نَتسَلَّط عَلَى أَولادِنَا فَنَصنَعهُم عَلَى ذَوقِنَا دون احتِرَام حُرِّيَّتِهِم أَم نَخدمهم وَنُوَجِّهُهُم وَنحتَرِمُ رَأيَهُم كَي يَصِلُوا إِلَى الحَيَاة فَتَفتَخِرَ بِهِم الكَنِيسَةُ وَالمُجتَمَع؟

– وَكَمُدَرِّسٍ فِي المَدرَسَة، هَل أَقُوم بِمَسؤُولِيَّتِي كَمُتَسَلِّط فَأُصبِح مُجَرَّدَ مُوَظَّف يَقُومُ بِوَظِيفَتِهِ رُوتِينِيّاً وَيَقبَضُ مَعَاشَهُ فِي آخر الشَّهرِ دُونَ إِحساسٍ بِأَنَّ مَنْ أَتَعاطَى مَعَهُم هُم أَمَانَةٌ فِي عُنقِي أَم أَكُونُ مُرَبِّياً وَمُوجِّهاً لِتَلامِيذِي وَمَعَ الحَرفِ أُعطِيهِم مِنْ ذَاتِي فَأَكُونُ قُدوَةً لَهُم وَأُقَدِّمَ لَهُم خِدمَةَ المَحَبَّة فَأُصبِحَ رَسُولاً يَصِلُ بِرِسَالَتِهِ إِلَى مُبتَغَاهَا عَارِفاً أَنَّنِي مُرَبِّي أَجيَال؟

– وَفِي السِّيَاسَة وَالمَسؤُولِيَة الإِجتِمَاعِيَّة، صَغُرَ حَجْمُهَا أَم كَبُرَ، هَل أَتسَلَّطُ عَلَى مَنْ أَوصَلَنِي لِهَذِهِ المَسؤُولِيَة وَأَتَنَكَّرُ لَهُ وَلِمَشَاكِلِهِ ضارِباً بِعرض الحائِط الوُعُود الَّتِي عَلَى أَساسِها وَصَلتُ إِلَى هَذَا المَركَزِ؟ أَم أَستَغِلُّ هَذَا المَركَز لِخِدمَةِ النَّاسِ بِمَجَّانِيَة وَأُسَانِدُ الضَّعِيفَ بِمِحَبَّة وَخَاصَّةً أَعدَائِي عَارِفاً أَنَّ السُّلطَة مِنَ الله وَالله مَحَبَّة.

فَلنَحمِل صَلِيبَ الخِدمَة وَلنَخدُم بَعضُنَا البَعض وَمَعاً فَلنَبنِي مَلَكُوت المَحَبَّة والسَّلام (ملكوت الله) عَارِفِينَ بأَنَّ مَنْ وَضَعَهُم الله عَلَى دُرُوبِ حَيَاتِنَا هُم إِخوَة لَنَا فِي مَلَكوتِهِ. آمِين.