رسالة الأب الأقدس المصورة إلى المشاركين في الرياضة الكهنوتية الدولية

(آرس، 27 سبتمبر – 3 أكتوبر 2009)

حاضرة الفاتيكان، الخميس 1 أكتوبر 2009 (Zenit.org) – ننشر في ما يلي نص الرسالة المصورة التي سجلها الأب الأقدس بندكتس السادس عشر قبل أيام والتي عرضت خلال الرياضة الكهنوتية الدولية التي تعقد هذا الأسبوع في آرس تحت شعار "فرح الكاهن المكرس لخلاص العالم".

***

إخوتي الأعزاء في الكهنوت،

يمكنكم أن تتصوروا بسهولة أنني كنت سأفرح بأن أكون بينكم في هذه الرياضة الكهنوتية الدولية حول شعار "فرح الكاهن المكرس لخلاص العالم" التي تشاركون فيها بكثافة وتستفيدون من خلالها من تعاليم الكاردينال كريستوف شونبورن. أوجه تحياتي الحارة له وللواعظين الآخرين وأسقف بيلي آرس، المونسنيور غي ماري بانيار. لا بد لي من الاكتفاء بتوجيه هذه الكلمة المسجلة إليكم، ولكن اعلموا أنني بهذه الكلمات أخاطب كل واحد منكم شخصياً لأنني، وحسبما يقول القديس بولس "أضمكم في قلبي، وكلكم شركائي في النعمة".

كان القديس جان ماري فياني يشدد على الدور الرئيسي للكاهن عندما كان يقول: "إن الراعي الصالح، الراعي تبعاً لقلب الله، هو أعظم كنز يمنحه الله الصالح لرعية، وأحد أثمن هبات الرحمة الإلهية". إننا في هذه السنة الكهنوتية مدعوون جميعاً إلى إعادة اكتشاف عظمة السر الذي رسمنا على مثال المسيح الكاهن الأسمى والذي "قدسنا جميعاً في الحقيقة".

باختياره من بين البشر، يبقى الكاهن واحداً منهم ويدعى إلى خدمتهم مانحاً إياهم حياة الله. وهو الذي "يستكمل عمل الفداء على الأرض". تعتبر خدمتنا الكهنوتية كنزاً نحمله في أوان خزفية. لقد عبر القديس بولس بسعادة عن البعد اللامتناهي القائم بين دعوتنا وتواضع الأجوبة التي يمكن أن نعطيها لله. من هذا المنطلق، يوجد رابط سري بين السنة البولسية والسنة الكهنوتية. دعونا نحفظ في أذهاننا وقلوبنا هتاف الرسول المؤثر والواثق: "لأني إذا ما كنت ضعيفاً كنت قوياً". يؤدي الشعور بهذا الضعف إلى الانفتاح على الصداقة مع الله المانح القوة والفرح. كلما ثابر الكاهن في تنمية الصداقة مع الله، كلما تابع عمل الفادي على الأرض. الكاهن ليس لنفسه وإنما للجميع.

هنا يكمن أحد أبرز التحديات في عصرنا. الكاهن، رجل الكلمة الإلهية والمقدسات، يجب أن يكون أكثر من أي وقت مضى رجل الفرح والرجاء. سيعلن للبشر الذين لم يعد باستطاعتهم أن يفهموا أن الله محبة، أن الحياة تستحق العيش وأن المسيح يعطيها معناها الكامل لأنه يحب البشر، جميع البشر. إن عقيدة خوري آرس هي عقيدة السعادة وليس البحث المعتل عن الإماتة الجسدية كما اعتقدنا أحياناً. وكان يقول: "سعادتنا كبيرة جداً، لن نفهمها أبداً"، أو "عندما نمشي ونرى قبة جرس، لا بد من أن يخفق قلبنا لهذا المنظر كما يخفق قلب العروس عند رؤية بيت الحبيب". هنا، أود أن أحيي بحرارة الأشخاص الحاضرين بينكم المسؤولين رعوياً عن عدة قبب، والمتفانين في الحفاظ على حياة سرية ضمن مختلف جماعاتهم. تشعر الكنيسة بالامتنان الكبير لكم جميعاً! لا تفقدوا الشجاعة بل استمروا في الصلاة والحث على الصلاة لكيما يقبل الشباب الاستجابة لدعوة المسيح الذي يرغب دوماً في زيادة أعداد رسله لحصد حقوله.

أيها الكهنة الأعزاء، فكروا أيضاً في تنوع الخدمات التي تقدمونها للكنيسة. فكروا في أعداد القداديس الكثيرة التي احتفلتم بها أو ستحتفلون بها، مساهمين في كل مرة في جعل المسيح حاضراً على المذبح. فكروا في المرات الكثيرة التي منحتم فيها الغفران أو ستمنحونه، سامحين بشفاء الخاطئ. حينئذ تدركون الخصوبة اللامتناهية لسر الكهنوت. لقد أصبحت أياديكم وشفاهكم خلال ثوانٍ يدي الله وشفتيه. إنكم تحملون المسيح في قلوبكم: دخلتم بالنعمة إلى الثالوث المقدس. وكما كان يقول الخوري القديس: "إن تحلينا بالإيمان، رأينا الله محتجباً في الكاهن كنور وراء كأس، كخمر ممزوجة بالماء". لا بد من أن تؤدي هذه الملاحظة إلى تنسيق العلاقات بين الكهنة لبلوغ هذه الجماعة الكهنوتية التي كان يدعو إليها القديس بطرس لبناء جسد المسيح ونموكم في المحبة.

إن الكاهن هو رجل المستقبل: إنه الرجل الذي أخذ كلمات بولس على محمل الجد: "أما وقد قمتم مع المسيح: فاسعوا إلى الأمور التي في العلى". ما يقوم به على الأرض هو تنظيم الوسائل المطلوبة للغاية السامية. القداس هو نقطة الالتقاء الوحيدة بين الوسائل والغاية لأنه يتيح لنا أن نتأمل تحت شكل الخبز والخمر، جسد ودم من نعبد إلى الأزل. تساعدنا الكلمات البسيطة والعميقة التي قالها الخوري القديس عن الافخارستيا على إدراك غنى هذه اللحظة اليومية الفريدة التي نعيش فيها لقاءً شخصياً محيياً لنا ولجميع المؤمنين. وقد كتب: "لن نفهم سعادة الاحتفال بالقداس إلا في السماء!". لذلك أشجعكم على تعزيز إيمانكم وإيمان المؤمنين في السر الذي تحتفلون به والذي يشكل مصدر فرح حقيقي. وكان يهتف قديس آرس قائلاً: "يجب أن يشعر الكاهن بفرح الرسل عند رؤية ربنا الذي يحمله بين يديه".

إنني إذ أشكركم على ما أنتم عليه وعلى عملكم، أجدد قولي لكم: "لا شيء أبداً يحل مكان خدمة الكهنة في قلب الكنيسة!". أيها الإخوة الأعزاء، إنكم من خلال عيش الشهادة للقدرة الإلهية على العمل في ضعف البشر المكرسين لخلاص العالم، تبقون الأشخاص الذين اختارهم المسيح بنفسه ليكونوا بفضله ملح الأرض ونور العالم. أرجو أن تتمكنوا خلال هذه الرياضة الروحية من اختبار الجوهر اللامحدود للاتحاد بالمسيح في سبيل إعلان محبته حولكم والالتزام بالكامل في خدمة تقديس كل شعب الله. فيما أعهد بكم إلى مريم العذراء، أم المسيح والكهنة، أمنحكم جميعاً بركتي الرسولية.

ترجمة وكالة زينيت العالمية

حقوق الطبع محفوظة لمكتبة النشر الفاتيكانية 2009