تعليق على انجيل الاحد الثاني من بابة

لوقا 5/ 1ـ 11

للاب هاني باخوم

 

     انجيل اليوم يصف لنا لقاء المسيح باشخاصٍ واقعيين مثلي ومثلك: لقاء يحولهم من اشخاص سائرين في طريقهم، حياتهم ومشاريعهم، الى تلاميذ يتبعون المسيح في طريقه وحياته ومشروعه.

         يذهب المسيح الي البحيرة ويرى سفينتين على الشّاطىء، وقد نزل منهما الصّيادون كي يغسلوا شباكهم. فركب احداهما وهي لسمعان بطرس وبدأ يعلم النّاس المجتمعين حوله. عندما انهى كلامه قال لسمعان: ارسل الشّباك للّصّيد. فردّ سمعان بأنّهم حاولوا ذلك طوال اللّيل لكنهم لم يصطادوا شيئاً.

       يا لخيبة امل الصّيادين! أُرهق بطرس واصدقاؤه طوال الليل دون نتيجة: لا شيء، لا مكسب ولا رزق. خيبة امل كبيرة، تجعل الانسان البسيط والذي يسعى الى رزقه اليومي في حالة يأس وتعاسة. هذا يظهر من كلام سمعان: تعبنا طوال اللّيل ولم نصب شيئاً. وهذا هو بالتحديد، الوقت الذي يختاره المسيح كي يلتقي بطرس. في وقت يختبر فيه الفشل، اذا صح التّعبير، التّعب بلا مكسب، هناك، التقى به المسيح.

         كثيراً ما يمرّ الانسان في حياته باوقات عصيبة: فشل، مرض، حدث محزن، موت قريب اوعزيز… وقت قد يختبر فيه بأنّه تعب كثيراً، لكن في النّهاية لا مكسب، لا فائدة، فكلّ شيء على حاله وربما اسوأ. الرّبّ قادر على استثمار هذه الاوقات، و جعلها فرصة للّقاء. لقاء قد يغير حياة الانسان.

         يقابل المسيح بطرس ويبدأ في التّعليم. ما هو هذا التّعليم؟ اهو اعلان الخبر المفرح واقتراب الملكوت؟ امكانية حياة جديدة؟ اظهار للجموع ان مشكلة الانسان الحقيقية ليست في عدم المكسب او كثرته، بل في قلبه وخوفه من ان ينقصه ما هو اساسي للحياة؟ تعليم عن تدبير الله وعنايته بالانسان: فهل يمكن ان يهمل من يعتني بعصافير السّماء وزنابق الحقول الانسان الذي خلقه من فيض حبه؟ هل هذا هو التعليم؟ لا نعلم. ما نعلمه هو ان المسيح تكلّم ، وكلامه جعل بطرس طائعاً له.

         المسيح لا يحضر السّمك لسمعان. المسيح يقول له ارمِ الشّباك. وبطرس عليه ان يعبّر ان كان قد آمن بالتّعليم الذي استمع اليه حتّى الآن ام لا. وهل بدأ يثق في من يكلمه، اكثر من خبرته الشخصية في الصّيد او في الحياة عموماً.

       عجيب طلب المسيح. يطلب من الانسان ان يثق به حيث لا رجاء. من اجتهد الليل كله ولم يصب شيئاً، من البديهي بالنسبة له، ان هذا هو الواقع والحقيقية: لا سمك،لا صيد. فإذاً لم التّعب من جديد؟

        المسيح يقول: أرسل الشّباك، وبطرس يجيب "تعبنا الليل كله ولم نصب شيئاً، ولكنّي بناءً على كلمتك أرمي الشّباك". ويرمي سمعان الشّباك ويصطاد كميّة كبيرة جذاً. هذا الواقع العقيم، بكلمة المسيح وفعل بطرس يتحوّل. كلمة المسيح التي تدعو بطرس ان يرجع كي يواجه واقعه حتّى وان تعب طوال اللّيل، ان يثق به ويعود فيرمي الشّباك. وبطرس يختبر شيئاً جديداً.

        انه وعد لكلّ انسان، وصل بحسب رأيه الى طريق مسدود، او واقعياً مسدود: فشل زوجي، ازمة في كهنوته، يأس من واقع معين، ويرى ان لا مخرج. فالواقع واضح فشل ولا حل. حاولت كثيراً  ولم اصب شيئاً. صارعت كثيراً ولكن لا شيء. فليسمع اليوم الكلمة نفسها: ارجع وارمِ الشّباك. وامام هذا، الانسان حر: يثق في هذه الكلمة او يضحك في نفسه ويقول انت لا تعرف واقعي.

         وهنا المفاجئة!! ليست ان الصّيد كثير! قد يكون هذا شيئاً هاماً، ولكن الاهم ما قاله بطرس، او بالاحرى ما اكتشفه بطرس. امام هذا التّعليم والصّيد الكثير بطرس  يتعرف على من يكلمه وعلى واقعه الحقيقي: "يا ربّ، تباعد عني فأنا رجل خاطىء".

        وهنا يقول له المسيح لا تخف ستكون صياد بشر. المسيح لا يتشكك من واقع بطرس كخاطىء. بل بالاحرى قبل ان يدعو بطرس يجعله يدرك هذا الواقع: انه خاطىء. فلا يمكن لشخص ان يتبع المسيح وهو في العمق مقتنع انه يستحق ان يتبع المسيح. حتى ان انهى جميع الدّراسات وحصل على مختلف انواع الدكتوراه، وصنع العجائب وفعل افعال الخير المتنوعة، لكن لم يكتشف في النّهاية واقعه الحقيقي انه خاطىء، لا يستطيع ان يتبع المسيح.

        وهنا يترك بطرس كل شيء ويتبع المسيح، بعد ان امتلأت السفينة بالسّمك. الآن الرّبّ يدعو بطرس كي يتبعه، الآن بطرس، لديه ما يتركه كي يتبع المسيح.

         انه لخبر مفرح. لكل من يشعر بالفشل في حياته ويختبر انه تعب اللّيل كله بلا فائدة، فليرمِ الشّباك، وسيرى. لكن ماذا يعني ان ترمي الشباك في هذا الواقع بعينه؟ هذا ما سنراه في اناجيل الآحاد القادمة.

احد مبارك.