الأحد الثالث من توت

حتمية التغيير وانتصار الروح

الأب بولس جرس

تقدم لنا قراءات هذا الأحد نظرة جديدة للصراع الدائر بين الروح والجسد، وتدعونا لأن نتوقف قليلا ونتأمل في كيفية تفعيل تلك الآليات الإنجيلية التي تقودنا في هذه المعركة المصيرية للنصر ضد آليات العالم ومنطقه وحساباته ووسائله وطرقه… تعالوا نتأمل سوياً قراءات هذا الأحد الرائعة…

البولس: 1 كورنثوس 2: 1-61

تركز هذه القراءة علي الصراع التاريخي القائم منذ الأزل والقدم بين العنصرين التقليديين:

·        روح العالم وروح الله

·        حكمة العالم وحكمة الروح

·        معرفة العالم ومعرفة الروح

ترى هل مازال هذا الصراع قائما إلى اليوم؟ نعم وبكل تأكيد، تؤكد هذا خبرة الكنيسة عبر الأجيال، خبرة بولس لرسول الأليمة في أثينا عندما أراد أن يعتمد أسلوب الحكمة البشرية في إقناع أهلها وفلاسفتها بالإيمان بالمسيح ( أعمال 8) فما كان منهم حين وصل إلى قيامة الأموات سوى أن قالوا له (فوت علينا بكرة)، وهي نفس خبرة البابا بنديكتوس السادس عشر عندما ألقى محاضرته الشهيرة في ألمانيا حول  العقل والإيمان فقامت الدنيا ولم تقعد… لذلك يؤكد بولس الرسول لأهل كورنثوس، أنا عن وعي وبكل إصرار  "شـئت ألا أعرف وأنا بينكم إلا يسـوع المسـيح وإياه مصلوبا" فاخترت:

1-  أن أعيش بروح الله لمواجهة من يحيا بروح العـالم

2-  أن استخدم روح الله وقوته مقابل حكمـة البشـر ومنطق قوتهم

3-  أن أتكلم بالروح القدس لا بكلام الحكمة البشـرية،

4-   أن استعمل حكمة الناضجين في الروح في مواجهة حكمـة العالم وروحه.

5-  ألا أعرف  أو أتكلم إلا عن يسوع المسيح مصلوباَ.

 

الكاثوليكون: 1بطرس 1: 13 – 21

تتناول القراءة الثانية نفس النقطتين، حيث يدعو القديس بطرس المؤمنين بالمسيح إلى حتمية التغيير: تغيير كياني عميق فقد صار المسيحيون أبناء لذلك ألآب القدوس، بعد أن حررهم الرب يسوع، "افتداكم لا بالفاني من الفضة بل بدم كريم" لقد تم التحول لا عن طريق وسـائل مادية بل بالفداء بدم ثمين على الصليب، دم الحمل الذي لا عيب فيه ولا دنس، دم المسـيح. فإذاً وقد أصبح الله غاية الإيمان والرجاء، وإذا كنا ندعو الله ربـا، فلنعش في مخافتـه. كونوا قديسين فإني انا قدوس لذلك فالدعوة هي إلى القداسة فقط ولا أقل من ذلك. تعالوا نتأمل:

·       العقل والنعمـة: هيئوا عقولكم وتنبهوا، اجعلوا رجائكم في النعمـة ،

·        طاعة لله أم الشـهوات: لا تتبعوا شهواتكم بك كونوا قديسـين،

·         أيام الهداية أم أيام الجهالة:  لا تصوروا أنفسكم على مثال شهواتكم السالفة في جهالتكم.

الابركسيس: أعمال 9: 22 – 31

نري من جديد الصراع الأبدي بين الخير والشـر، بين روح الله الذي جدد بولس وحوّلَه من مضطهد ومجدّف إلى مبشر ومجتهد "يزداد قوة"، ويركز على ما تم داخله من تغيير، وبين روح العالم (اليهود) الذين حاولوا قتله في دمشق وفي أورشـليم فاضطر للهرب إلي قيصرية ثم طرسـوس.

·       كان شـاول يزداد قوة في تبشـيره: عكس كل الظروف الخارجية فهو يعتمد على مصدر فوقاني علوي لا يرى ولا يلمس بالحواس … إنه يستمد قوته من اتحاده بفاديه.

·       وضع اليهود خطـة لقتله: كلما ذادت حرارة الإيمان وقوته كلما اشتدت الحرب (قصة الشياطين الكثيرة حول الدير والشيطان العجوز الذي يحرس المدينة غافياً في النوم).

·       فأخذه التلاميذ ليلا ودلوه في قفـة: كما سبق أنقذ موسى عن طريق قفة، يستخدم الله ابسط وأغرب واقل الوسائل قيمة ليحقق نتائج مبهرة، إنه يحتاج فقط لقليل من الإيمان ليتدخل ويخلص.

·        أخذت الكنيسـة في جميع اليهودية والجليل والسـامرة تنعـم بالسـلام وكانت تنمـوا وتسـير في خوف الرب وتتكاثر بمعونة الروح القدس: ألم نقل أن الله يخرج من الظلمة نورا ! لقد خرجت الكنيسة من الاضطهاد أكثر قوة وسلاماً.

المـزمور ال 17

حي هو الرب ومبارك هو إلهي ومرتفع إله خلاصي. وكيف لا يحبه ويعترف له وهو الذي يحول الضعف إلى قوة والظلمة إلى نور، ويخلص الذين يتقونه ويحتمون به، إنها علاقة حب متبادل بين المؤمن وربه…

 

الإنجيل لوقا 19: 1 – 10

يسـوع وزكـا

يسـوع دخل أريحـا – يذكرنا بدخول يشـوع أريحا (يشوع 6): كانت أبواب أريحا مغلقة في وجه بني إسرائيل ومقفلـة، قال الرب دفعت أريحا وملكها وجنودها إلي يديك، اهتفوا لأن الرب سلم المدينة إليكم، فهتف الشـغب هتافا شديدا فسقط السور في مكانه.كان فتح يشوع فتحاً عسكرياً بمعونة إلهية، فكيف يكون فتح يسوع اليوم؟؟؟ إنه فتح روحي لا يقل إعجازاً:

v    كان يطلب مريداً أن يري يسـوع: تعني المضارع المستمر وهنا في شوق دائم" يتحدث عنه القديس أغسطينوس فيقول" خلقتنا يا الله وقلوبنا مضطرمة إلى أن تستريح فيك"

v    كان قصير القامة فما تمكن أن يراه لكثـرة الزحـام: يلاقي شوق قلب الإنسان لرؤية الله والدخول معه في علاقة حميمة كثيراً من العجز  والعقبات، والقصور في الوسائل البشرية – منها ما هو:

  داخلي شخصي : الخجل، قصر القامة، التردد، الخوف، الشك…

– وما هو خارجي اجتماعي: كثرة الزحام، الوضع الاجتماعي..( البرستيج)…

v    أسـرع إلي جميـزة وصعـد ليراه: ها هي الشجرة التي كانت سبب الطرد من الفردوس تتحول في العهد الجديد إلى سبب بركة، وها هي الشجرة التي اختبأ بها آدم خوفا وهربا ومخبأ من لقاء الله تتحول في العهد الجديد إلى مكان وميعاد ولحظة اللقاء مع الله، إله العهد الجديد…كثيرا ما تبدوا وسائل حدوث المعجزة قاصرة وضعيفة لكن الله ينتظر دوما مساهمتنا البسيطة ليحقق المعجزة بقوته الإلهية.

v    كان يسـوع مزمعـا أن يمر بهـا: في نية الله ومقصده بل ومن أولوياته المطلقة أن يلتقي مع الإنسـان المتلهف لرؤيته، بل يقوم بمبادرة نحوه فهو مزمع دوما أن يلقانا في كل ظروف حياتنا،يكفي أن نرعب نحن في ذلك فنراه حاضر دوماً ورغم كل المعوقات والصعاب سنشعر به ونراه يعبر يوميا علي طرقات الحياة

v    فلما وصل يسـوع إلي هناك رفع عينيـه: رفع يسوع عينيـه هو نفس العمل عند معجزة تكسير الخبز، عند معجزة إقامة لعازر وعندما أسس سر القربان المقدس، وكما أشبع الجموع بالخبز ها هو اليوم يروي ويشبع نفس زكا العطشى، وكما نادي لعازر من الموت نراه اليوم يدعو زكا هلم إلى الداخل، وكما يغذي البشر بجسده ودمه في سر القربان اليوم يتغذى مع زكا فتعرف نفسه الشبع الحقيقي .

·        يا زكـا: إنه يعرفه باسمه" قبل ان يحبل بك في البطن عرفتك، صورتك، انت لي" ومن غيرك يستطيع لا أن يعرف اسم الشخص فحسب بل أن يقرأ ما في قلبه وضميره "أنك حقاً فاحص القلوب والكلى"

v    أسرع وانزل اليوم ينبغي أن أكون في بيتك: اليوم قيامتك أنت أيضا، اليوم يرفع الحجر عن هذا البيت الذي اعتبره الجميع مقبرة يصعب اقتحامها ويستحيل الدخول إليها، أتت الساعة ليتمجد ابن الإنسان أيضاً، جاءت النعمة في لقاء العجز البشـري فلم يعد هناك حاجز بين الله والإنسـان حيث تقوم النعمة الإلهية، لدي الاستعداد لقبولها، بسـد كل عجز وتغطية كل احتياج.

v    فنزل وقبله فرحاً: عودة الابن الضال إلى حضن الأب الرحيم هي فرحة، فرحة لقلب الآب" كان ينبغي أن نفرح لأن أخاك كان … وفرحة لقلب الابن ما أجمل لقياه، إنه دوماً تغيير حياة!!

v    هاأنذا: وضع الذات أمام الله: العذراء مريم، صموئيل النبي

v    يا رب: اعتراف بربوبية السيد المسيح، يعني الكثير في حياة زكا، بالأكثر تسليم حياة.

v    سـأعطي:  قيامة زكـا، القيامة عطاء، الغنى في العطاء لا في الأخذ فلطالما أخذ بالوسائل المشروعة وغير المشروعة وظل فقيرا وحيدا مرزولا وميتاً واليوم وقد دخل يسوع قبره وأخرجه وأعاده إلى الحياة صار يعطي بدون حساب ويهب بلا حدود.

v    تذمر الناس: عجيب امر الناس، ماذا يريدون، إنهم دائمو التذمر: كما تذمر الشعب في البرية على موسى مرة من أجل الجوع ومرة للعطش ومرة اشتهاء للحم ومرة شهوة للبصل والثوم … نراهم يتذمرون على يسوع: في معجزة تكسير الخبز :اصرف الجموع ،   في قيامة لعـازر: لقد أنتن، القربان المقدس : هذا الكلام صعب من يستطيع احتماله كيف يمكن أن يعطينا جسده  لنأكله؟ التذمر موجود دوما لكنه لا يوقف معجزات الله

اليوم حل الخلاص اليوم هو يوم  إنتصار الروح، في الأسبوع الأول دعانا الله لتحديد مواقفنا معه أم عليه وفي الثاني دعانا لأن نتأمل الفارق بين اختياراته واختيارتنا وكيف تتفوق اختياراته برغم صعوبتها، واليوم يؤكد لنا أن الانتصار الحقيقي هو الانتصار على الذات وأن القيامة الحقيقية هي العطاء وأن الخلاص لن يتم بقوتنا الذاتية ما لم يأت روح الله ونعمته في نصرة ضعف الأانسان وعجز حيلته وقصر قامته. تعالوا مع زكا وبطرس وبولس نحيا بالروح ونطلب بالقلب ونترك لله أن يحقق بنا ولنا وفينا انتصار الروح.