الأحد الرابع من توت

مقاييس الله ومقاييس البشر

الأب بولس جرس

 

الألم في حياة المسـيحي المؤمن جزء من إيمانه وهو يقبلـه بفرح، حتى صار الضيق والألم والاضطهاد المتزايد في حياة بولس يهبـه رجاء وتعزية لأنه من خلاله يشارك في آلام المسـيح ولا يعتمد أبدا علي قوته بل قوة الله الذي يقيم الأموات، و أصبح الموت الذي فقد سلطانه بقيامة الرب يسـوع، ينهزم اليوم أمام بطرس الذي يدعو طابثا من الموت فتفتح عينيها وتجلس وتخرج حيـة إلى الذين كانوا يبكونها متألمين لفقدهم إياها.

البولس: 2 كـورنثوس 1: 1 – 14

يبارك بولس الله الآب، أبو الرب يسوع ويبتهج بالروح برغم ما مر به من ضيق وحزن وألم يفوق طاقة البشر واحتمالهم أوصله إلى الموت حتى يأس من الحياة نفسها… ما السر في هذه الضيقات الرهيبة وما حكمة الله أن يتعرض لها المؤمنون الذين يتبعونه ويخدمونه ولماذا هي "كثيرة أحزان الصديقين"؟؟ يرد بولس نفسه على هذا السؤال المحير بقوله "كي لا نتكل على أنفسنا فيما بعد بل على الله الذي يقيم الأموات".  لا يتكل المؤمن على قوته الشخصية مهما عظمت بل على قوة الله التي في الضعف تكمل.

v     بولس رسول المسيح بمشيئة الله: الدعوة من الله، دعوة للقداسة والبر

v    مبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح: هذه بشارة الإنجيل: يسوع المسيح هو ابن الله

v    عزانـا في ضيقنا لنعـزي كل الذين في ضيقة كي نستطيع أن نعزي آخرين بالتعزية التي بها تعزينا.

v    كلما تكاثرت آلام المسـيح فينا تزداد بالمسـيح تعزيتنا.

v    رجاؤنا ثابت فيكم عالمون أنكم تشاركون في الألام.

v    ثقل علينا بإفراط فوق طاقتنا حتي يأسـنا من الحياة.

v    كان لنا في أنفسنا حكم الموت لا لنتكـل علي أنفسـنا بل علي الله الذي يقيم الأموات الذي أنقذنا وينقذنا.

الكاثوليكون: 1 يوحنا  3: 8 -12

المسيح ابن الآب وهب لنا هذه العطية الثمينة النادرة " الولادة من الله" صرنا أبناء الله…وكأبناء لهذا الآب القدوس يجب أن نسير في درب القداسة بالثبات في الكلمة التي يشبهها يوحنا بالزرع تأكيداً لمل الزارع الذي خرج ليزرع فإذا صار قلب المؤمن بالخصوبة المطلوبة  " فزرع الله ثابت فيه" ويعطي ثمراً كثيراً، وأهم ثمار الحياة كأبناء الله وأبرز مقاييس الإيمان المسيحي هي المحبة " ليعرف العالم أنكم تلاميذي" فكل من لا يعمل الخير  ولا يحب أخـاه  لا يحب الله .

v     كل مولود من الله لا يخطأ:

الابركسيس:أعمـال الرسل 9: 36 – 42

فقد الموت سلطانه بقيامة الرب يسـوع التي كسرت شوكته، لذا فليس غريباً أن نراه ينهزم اليوم من جديد أمام بطرس الذي يدعو طابيثا من الموت فتفتح عينيها وتهب من رقدة الموت جالسة وتخرج حيًـة لتعزي الذين يبكونها، من جديد يحول الرب الموت إلى حياة ويخرج من الظلمة نورا ويمد يده عن طريق بطرس ليحرر الغزالة من شباك الموت." أقامها لهم حية" واللافت للنظر أن قيامة الطابيثا ليست حكراً عليها بل هي لإخوتها بالأكثر. حين ظهر جلياً بكل المقاييس البشرية أن أمرها قد انتهى وذهبت في طريق اللا عودة أقامها الله بمقاييسه الإلهية وردها إلى إخوتها لتكون من جديد مصدر خير وفرح وعزاء.

v    طابيثا التي معناها الظبية أو الغزالة

v    كانت ممتلئة بالأعمال الصالحة

v    بطرس في يافا: لا تبطئ في القدوم إلينـا

v    أخرج بطرس الجميـع وجثا علي ركبتيـه وصلي

v    ثم إلتفت إلي الجسـد وقال يا طبيثا قومي.

المزمور 27: 9

الرب عـز لشـعبه وهو عضد خلاص مسـيحه…: هذا بيت القصيد في كل قراءات اليوم، يكفي أن يكون الرب محور حياتنا حتى يصير مصدر خلاص لمسيحه ولكل من آمن به فهو يخلصهم من الموت والألم ولا يهملهم بل ينجيهم من جميع مضايقهم.

 

الإنجيل: لوقا 7: 36 – 50

في الأسبوع الماضي شاهدنا يسوع المخلص في بيت زكا "رئيس العشارين" حيث تمم الخلاص لذاك البيت كابن لإبراهيم، واندهشنا أمام الميعاد الخفي لتلك النفس العطشى مع الرب عند شجرة الجميز… ها نحن اليوم نعيش لقاء آخر من نوع جديد "يسوع في بيت سمعان "الفريسي" وما أدراك ما الفريسي؟ إنه المعلم للشريعة، العالم بالناموس، الحافظ لأقوال الأنبياء، المنتظر تعزية إسرائيل…

 لقد نجح الرب كثيراً مع العشارين والخطأة وليس من عادته أن يرفض أو يرزل أو يهمل أحداً حتى من يرفضونه ويتربصون به!!!!! ها هو يقبل دعوة سمعان ويدخل بيته بلا قيد وبلا شرط فقلبه الإلهي مملوء رحمة ومفتوح للجميع… تمضي الوليمة بلا أحداث فلا معجزة ولا موعظة ولا مجادلة…وكأن الجميع يترقبون تحريك المياه…

v    وإذا إمرأة خاطئة في المدينة: كيف لامرأة خاطئة أن تدخل بيت حامي الناموس والشريعة وفي وجود ضيوف كرام من الكتبة والفريسيين  وفي حضرة هذا المعلم العظيم الذي سبقت شهرته وصيته وطهارته ونقاءه وتجرده وكرهه للخطيئة أبعد الحدود؟ إنها زانية المدينة وكل الناس يعرفونها فهل يعرفها هو أيضاً؟ كان هذا السؤالهو ما يشغل الجميع، ما يدور في نفسها، في نفس سمعان المضيف وفي نفوس الجميع.

v    علمت:  المعرفة وحدها غير كافية ما لم يصحبها الفعل والحركة. بحثت واستقصت وأحضرت أثمن ما لديها ، أخذت قارورة طيب ( يمكن سرد قصة الطيب).

v    وقفت من وراء …. باكيـة ….. عند قدميـه: تذكرنا حركاتها وتوجهاتها  بنفس إتجاهات مريم المجدلية بعد القيامة ولكن بدلا من ورائه … من أمامه لأنها تطهرت.

v    بدأت تبل قدميه بدموعها، تمسحهما بشعر رأسهـا: يقول أحد الحكماء إذا كانت دموع المرأة هي أرخص وأسرع وسائلها، فأن شعرها هو أثمن وأغلي ما عندها. والمرأة لم تدخر شيئاً سكبت كل حياتها على قدميه

v    بدأت تقبل قدميه: تقبيل القدمين مازال إلى اليوم علامة الخضوع الكلي والتسليم الغير مشروط…

v    وتدهنهما بالطيب: الطيب خلاصة الخلاصة من زهر الندردين الثمين والكثير الثمن وسكب الزيت أو الطيب على رأس الضيف أو لحيته من علامات الإكرام  والإجلال، فما بالنا بسكبه على قدميه!!

v     فلما رأي الفريسـي حدًث نفسه: لو كان هذا نبيا ….لعرف أنها خاطئة…..

v    عندي شيء أقوله لك : أيها الإنسـان عندي شيء أقوله لك اليوم: قبل أن تخرج القذى من عين أخيك، أخرج أولاً الخشبة التي في عينك…… السهل عندك أن تدين والصعب أن تصفح ….. الأيسـر لديك أن تبرر ذاتك وتجرّم الآخر…… المعتاد في مجتمعك أن تصنف إخوتك إلى صالح وشرير ، بار وخاطئ، طاهر ونجس، برئ ومذنب، قوي وضعيف، غني وفقيـر، نبيل وحقير، سقيم وسليم ، صالح  وطالح… 

أما في عيني الله  فالمقاييس مختلفة ……

       إنه يحب الصالح  ولكنه يبحث عن الطالح،

       يقبل الأبرار ولكنه يريد أن ينضم إليهم الأشرار،

       يعشق الأنقياء الأطهار لكنه يريد أن ينقي ويطهر من تنجس،

       يقدر الأبرياء حق قدرهم ولكنه لا  يجرم المذنبين،

       يزيد الأقوياء قوة لكنه لا يهمل المستضعفين

       يعطي الأغنياء خيرا فهو مصدر كل غني لكنه لا يحرم الفقير،

       يبارك العظماء لكنه لا يحتقر المسـتضعفين

       يقوي الأصحاء لكنه يشفيهم لا يرزل  المرضى

       يسيـر المهتدون خلفه كخراف تعرف راعيها ،  لكنه لا يتوقف أبداً عن التفتيش عن الخروف الضال.

هكذا أنا أيها الإنسان وهذه هى مقايسي وذلك هو ناموسى وتلك شريعة عهدي الجديد…

نحن هنا أمام موقفين متناقضين:

1-موقف الفريسيين:  موقف تقليدي، يعبر عن عقلية العهد القديم وهو نفس موقف لشريعة وأنبياء العهد القديم، يكرهون الخطيئة ويدينون من يرتكبها ويتحاشون حتى مجرد التحدث إليه، فما بال هذا المعلم الذي يحسبه الجميع نبياً خارقاً في القول والفعل يدعها تقترب إليه؟ تجلس عند قدميه؟ تلمسه فتدهن بالطيب قدميه وتقبلهما ؟؟؟

2- موقف يسوع: كثيراً، بينما تعددت يقرأ ما في القلوب، يعرف ما في النفوس، يحاول تقريب مفاهيم العهد الجديد إلى قلب مضيفه سمعان بمثل المديونين المفلسين. ليفسر له أن الجميع زاغوا وفسدوا وأعوزهم مجد الله، لكن الله بمقاييس العهد الجديد قادر على أن يغفر ويسامح ويجدد العهد مع كل أولاده من المجدلية إلى اللص اليمين، فمقياس العهد الجديد لا يكمن في حفظ الناموس والتمسك الشفوي الأعمى بحروف الشريعة، إنه مقياس مختلف تماماً وهو مقياس وحيد أيضاً إنه " مقياس الحب" أحبت كثيراً يغفر لها كثيراً  .

تعددت مقايسـنا وتباينت فهل نتوقف عن الدينونة هل نفكر قبل أن نقاضي هل نتأنى قبل أن نصدر أحكامنا؟ إذا كان صاحب الدين قد حررك أنت أيضا فلماذا تدين أخاك. هل تريج أن تفرض على الله مقاييسك أم ستفتح قلبك وتقبل مقياس العهد الجديد الذي لا يعرف سوى الحب.