مريم والكاهن

كلمة الاباتي سمعان أبو عبدو الرئيس العام للرهبانية المارونية في افتتاح المؤتمر المريمي الثاني

دير سيّدة اللويزة – زوق مصبح، 23-24 تشرين الأول، 2009

زوق مصبح، لبنان، الاثنين 26 أكتوبر 2009 (Zenit.org).

ننشر في ما يلي كلمة الأباتي سمعان أبو عبدو الرئيس العام للرهبانية المارونية في افتتاح المؤتمر المريمي الثاني: "مريم والكاهن" في دير سيّدة اللويزة – زوق مصبح، 23-24 أكتوبر 2009.

* * *

إنّنا في قلب السنة الكهنوتيّةِ التي أعلنها قداسةُ الحبرِ الأعظمِ البابا بندكتوس السادس عشر، ، لمناسبة مرور مئةٍ وخمسينَ عاماً على وفاة القدّيس جان ماري فيانّيه، خوري آرس.

              وبما أننا الآن في شهر الورديّةِ المقدّسة، موعدِ مؤتمرِنا  السنويِّ عن مريمَ العذراء، نلتقي اليومَ لنفتتحَ هذا المؤتمر المريميَّ الثاني تحت عنوان "مريم والكاهن".

وكما تعلمون، فإنَّ الهدفَ الرئيسي لهذه المؤتمرات هو إبراز شخصيّةِ مريم المتعدّدةِ الصفاتِ والعميقة الأبعادِ، وتسليط الضوء على دورِها الهام في تنفيذِ تصميمِ الله الخلاصيِّ.

ولإنّنا مريميّون سليلو عبدالله قرعلي وجرمانوس فرحات المتعبِّدين لمريم العذراء،

ولأنّنا إخوةٌ للأبِ الشهيدِ جناديوس موراني الذي أُغرِمَ بمريم إلى حدِّ أنّهُ تنبّأ بتغيير اسمِ رهبانيّتِنا وجعلِهِ على اسمِ مريم، وقد تحقَّقت رغبتُهُ البنويّةُ هذه بعدَ اثنتي عشرةَ سنةً وصِرنا مريميّين بعدَ أن كنّا حلبيّينَ،

ولأنّنا إخوةٌ للأبِ الناسِكِ أنطونيوس طربيه الذي كرّمَ مريمَ وصلّى لها طيلةَ حياتِهِ،

ولأنَّ مركزَ الرئاسةِ العامَّةِ وجامعتَنا ومدرسَتنا تَحمِل اسمَ مريمَ،

ولأنَّ كلَّ صلواتِنا وطِلباتِنا ترتفِعُ إلى العليِّ بشفاعَةِ مريمَ،

ولأنَّ ابتهالاتِنا باسمِها تَتَردَّدُ أصداؤها في جميع أديارِنا وكنائِسِنا،

ولأنّنا نعتبِرُها "الملِكَةَ الوحيدَةَ" على قلوبِنا وفي مراكِزِنا ومؤسّساتِنا،

بل بالاحرى صاحِبةَ الدّارِ، والسيِّدَةِ، والأمَّ الحاضرةَ أبداً لتقودَنا الى ابنِها المخلّصِ يسوعَ المسيح،

لأجلِ كلِّ ذلك ولأجل سِواه ممّا لم نذكرْهُ الآن، فإنّنا سنواصِلُ اللقاءاتِ والمؤتمراتِ السنوية حولَ شخصيَّةِ مريمَ العذراء ِ ودورِها الفريدِ في الخلاصِ والشفاعةِ.

نَعَم، نحنُ مريميّونَ بامتيازٍ، نُحبُّ مريمَ من الصميمِ، نستحضِرُها في كلِّ صغيرةٍ وكبيرةٍ، نقدِّمُ لها الإكرامَ، نتشفَّعُها، نصلّي "لتلك المرأةِ العظيمةِ" التي فيها، كيفَ لا، وهي، إلى جانِبِ كونِها أُمَّ الإله وأمَّ الكنيسة، تمّت المصالَحَةِ والوَحْدَةِ والسلام.

إنّها مدرسَةٌ ومعلِّمةٌ ومِثالٌ لنا: منها نتعلّمُ التواضُعَ، إذ نسمعُها تردِّدُ: "أنا أمةُ الله"، ونراها، وهي أمُّ اللهِ، تخدِمُ بكل خَفَرٍ ومحبّة المدعوّين إلى عرسِ قانا الجليل.

مِطواعةٌ هي وساميةٌ في تواضُعِها الذي عَبَّرت عنه في رغبتِها بالخدمةِ عندما زارت نسيبتَها أليصابات،

ومنها نتعلّمُ الصلاةَ والتأمُّلَ في سرِّ المسيحِ، كيف لا، وهي الصامتَةُ الكُبرى التي تحفظُ كلمةِ اللهِ وتتأمّلُ بها في قلبِها. تظهر صلاة مريم في البشارة إصغاءً وتجاوباً مع إرادة الآب، وثقةً بصلاحِ الله واستسلاماً لإرادتهِ وقبولاً بمشروعهِ الخلاصيَ، صلاة الواثق الذي يسلِّم أمره لِيَدِ الله، ثقةً منه بأنَّه هو خيرُنا الأعظم، وأنَّ إرادتَه هي معين فرحنا الحقيقي: "ها أنا أمة الرب فليكنْ لي بحسب قولك"

ومنها نتعلّمُ أيضاً كيفَ يَتَطابَقُ شخصُ الكاهنِ بشخصِ يسوع الكاهنِ الاعظم فيتمكّنُ من التشبُّهِ بهِ في تقديمِ ذاتِهِ بكليَّتِها لله … وتقديمُ الذاتِ هذا، هو فتحٌ جديدٌ إستهلَّته مريمُ في الناصرةِ وكتبَ يسوع فصلَهُ الثاني فوقِ الجلجلة، وحريٌ بِنا أن نكتُبَ فصولَهُ المتتالية في حياتِنا الكهنوتيّةِ اليوميّةِ ، فنكونَ كهنةَ المسيح أو لا نكونَ، إذ ما نفعُ أن نُقدِّمَ ذواتِنا لله منقوصةً؟!

معكم أيٌّها الإخوةُ، ندعو مريمَ العذراء لتُرافِقنا في هذا المؤتمر وفي هذِهِ السنةِ الكهنوتيَّةِ لكيما، نكونَ على مِثالِها، مُرشدينَ  للمؤمنينَ الذينَ يوكلُهُم الربُّ لِعنايتِنا الرعويَّةِ. وجديرٌ بِنا ألاّ ننسى أنَّ مريمَ هي أوّلُ من قالَ "نَعم" للربِّ، لذا أصبحت أُنموذجاً لنا، وشاهدةً، وداعِمةً لكهنوتِ الرُسُلِ بِوصفِها أمّاً لهم وللكنيسةِ، وما زالَ حبُّها الوالدي يتدفّقُ بغزارةٍ على جميع الكهنة المدعوّينَ اليوم إلى حملِ المسيحِ، كما حَمَلَتهُ هي إلى الآخرينَ المتعطّشين الى نور الايمان وإحقاق الحقّ وإضرامِ نارِ المحبّة وتوطيد السلام.

إخوتي الأحبّاء،

باسمِكم جميعاً أُحيّي الأكاديميّةَ المريميّةَ الحَبَرِيّةَ العالميّةَ الموجودَةَ في روما، والتي نمثلها  في فرعَ الشرقِ الأوسطِ الذي يرعى بكلِّ عنايةٍ هذا المؤتمر.

وللمناسَبَةِ، يطيبُ لي أن أشكُرَ جميعَ المُحاضِرينَ والمنتدينَ الذينَ لبّوا الدعوةِ ليُتحِفونَنا بمّا أعدّوهُ وحضَّروهُ، وفي مُقدِّمِتهم صاحِبِ السيادَةِ المطران بشارة الرّعي رئيسُ أساقفةِ جبيل السامي الاحترام. كما أني أشكر مُديري الجلساتِ وحضورَكم المميّز والنّوعيّ الذي يعكِسُ حبَّكم لمريمَ والاهتمامَ بشخصيّتِها.

كما أشكُرُ منظِّمي المؤتمرِ ومُعدّيهِ، وبصورةٍ خاصة الاب مارون الشدياق الذي عمل بكل جهدٍ وإخلاص، سائلاً الربَّ أن يُكافِئَهُم على أتعابِهِم فيُحقِّقُ هذا المؤتمرُ أهدافَهُ ونعيشُ بفرحٍ كلمةَ الله.

أحبّائي،

هذا المؤتمرُ نريدُهُ لقاءَ حبٍّ وتعارُفٍ بينَ مريمَ والكاهن. مؤتمر مريم نضَعُهُ تحتَ رعايتِها وشفاعَتِها، وكم يطيبُ الكلامُ على مريمَ وفيها وعنها مع كونها تعلو كلَّ كلامٍ وتأملٍ ومديحٍ لأنَّ كلَّ هذه وما ماثلها لا تحُدَّها بل تبقى قاصرةً عن وصفِ شخصيّتِها الفريدة ودورِها الفعّال في تاريخ الخلاص.

بين مريم العذراء ولبنان عهد أبدي مليىء بالأمانة والاكرام والصلوات والبخور والحج والتضرع. هي وحدها تجمعنا، مسيحيين ومسلمين.

كم نحن بحاجة في هذه الايام، وفي هذا الوطن، الى امرأة مثل مريم، إلى زوجة مثل مريم، إلى أمٍّ مثل مريم، إلى اخت مثل مريم، الى شخصية مميزة مثل مريم، إلى عبقريةٍ أُنثوية على مثال مريم، تنادينا نحن اللبنانيين، تجمعنا تحت جناحيها، توحِّدنا كأبناء، مسيحيين ومسلمين.

أيها اللبنانيون، إخوتي الكهنة: تعالوا نلتجىء الى مريم، إلى امرأة المصالحة لا للقطيعة، إلى امرأة السلام لا للعنف، إلى امرأة الحوار لا للحواجز، إلى سيدة الوحدة لا للتشتت.

       وفي الختامِ كما في البدءِ نعلِنُ مريمَ أمّاً لنا نحنُ الكهنةِ، في هذِهِ السنةِ وعلى الدوام، عهدُ وفاءٍ، ونهتِفُ معاً: السلامُ لكِ يامريم والحبُّ لكِ ولكِ كلُّ ورودِ الدنيا وجميع قلوبِ أبنائِك المخلصين.

أيُّها الأحِبّاء!

بفخرٍ كبيرٍ أقدِّمُ إليكم كبيراً بذاتِهِ، كبيراً في قلبِهِ وفي قلوبِنا، كبيراً في كنيستِنا، بأدائهِ، بنشاطِهِ الدؤوبِ، بسَهَرِهِ، بِعلمِهِ وعملِهِ، بإدارتِهِ برئاستِهِ، بكلِّ ما فيهِ حتّى بحبّهِ لمريمَ. لا تزال بصماتُهُ مرتسمةٌ هنا في هذا الديرِ والمدرسةِ والجامعةِ والرعيّةِ. بفرحٍ كبيرٍ نستقبِلُ صاحِبَ السيادةِ المطران بشارة الرّاعي، فأهلاً بكم في بيتِكم، هذا البيتُ الأمُّ الذي يجمعُنا دائماً وأبداً. أهلاً بكم وقد جئتم تكلِّموننا عن مريمَ أمِّ الكهنة.

وبإهتمامٍ بالغٍ نُصغي إليكم،

فتفضَّلوا يا صاحب السيادة.