مسودة الرسالة الختامية للسينودس الخاص بإفريقيا

 

"البركات الإلهية ما تزال وافرة"

حاضرة الفاتيكان، الاثنين 26 أكتوبر 2009 (Zenit.org)

ننشر في ما يلي القسم الأول من الرسالة الختامية للجمعية الثانية الخاصة بإفريقيا في سينودس الأساقفة، حسبما وردت في الجمعية العامة الثامنة عشرة في 23 أكتوبر. وقد اختتم السينودس البارحة.

***

مقدمة

1 – لقد كان الأمر بمثابة هبة خاصة من النعمة وشبه وصية أخيرة لإفريقيا عندما أعلن خادم الله يوحنا بولس الثاني في نهاية حياته في 13 نوفمبر 2004 عن تصميمه على الدعوة إلى جمعية ثانية خاصة بإفريقيا في سينودس الأساقفة.

هذا العزم عينه أكده خليفته الأب الأقدس بندكتس السادس عشر في 22 يونيو 2005 ضمن أحد أبرز القرارات الأولى في حبريته. فيما نجتمع هنا من أجل السينودس من كل بلدان إفريقيا ومدغشقر والجزر المجاورة، مع الأساقفة والزملاء الإخوة من كل القارات، مع رأس المعهد الأسقفي وتحت إشرافه، وبمشاركة بعض الممثلين الأخويين عن التقاليد المسيحية الأخرى، نشكر الله على منحنا هذه الفرصة السعيدة للاحتفال ببركات الرب في قارتنا، وتقييم خدمتنا كرعاة قطيع الله، وإيجاد الإلهام والتشجيع الجديدين للمهمات والتحديات الكامنة فيها.

خمسة عشرة سنة مضت على الجمعية الأولى التي عقدت سنة 1994. ولطالما كانت تعاليم وتوجيهات الإرشاد الرسولي ما بعد السينودس "الكنيسة في إفريقيا" دليلاً فعالاً لجهودنا الرعوية. مع ذلك، تمكن السينودس خلال هذه الجمعية الثانية من التركيز على موضوع ذات إلحاحية كبيرة لإفريقيا: خدمتنا للمصالحة والعدالة والسلام في قارة بحاجة ماسة إلى هذه النعم والفضائل.

2 – بدأنا عملنا هنا باحتفال افتتاحي بسر الافخارستيا ترأسه قداسة البابا بندكتس السادس عشر الذي ابتهل من الروح القدس "إرشادنا إلى الحق كله" (يو 16، 13). في تلك المناسبة، ذكرنا البابا بأن السينودس ليس أولاً حلقة دراسية وإنما بادرة الله، داعياً إيانا إلى الإصغاء: الإصغاء إلى الله، وإلى بعضنا البعض، وإلى العالم المحيط بنا في أجواء من الصلاة والتأمل.

3 – فيما نستعد للتفرق في مختلف مناطق خدمتنا، بالتزام وشجاعة متجددين، نتمنى توجيه هذه الرسالة إلى الكنيسة جمعاء، عائلة الله، وبخاصة إلى الكنيسة في إفريقيا: إلى إخوتنا الأساقفة الذين ننوب عنهم هنا؛ إلى الكهنة والشمامسة والرهبان وجميع المؤمنين العلمانيين، وإلى جميع القلوب التي قد يفتحها الله على الإصغاء إلى كلماتنا.

القسم الأول

النظر إلى إفريقيا حالياً

4 – إننا نعيش في عالم مليء بالتناقضات والأزمات العميقة. يقوم العلم والتكنولوجيا بخطوات هائلة في كل جوانب الحياة، من خلال تزويد البشرية بكل ما يلزم من أجل جعل كوكبنا مكاناً رائعاً لنا جميعاً. مع ذلك ما تزال الأوضاع المأساوية المتمثلة باللجوء والفقر المدقع والأوبئة والجوع تقتل آلاف البشر يومياً.

5 – في هذا الإطار، تعكس إفريقيا أكبر معاناة من كل ذلك. على الرغم من الموارد البشرية والطبيعية الغنية، ما يزال عدد كبير من أبناء شعبنا يتخبط في الفقر والبؤس، والحروب والصراعات، والأزمات والفوضى. هذه الأوضاع كلها نادراً ما تكون ناجمة عن كوارث طبيعية. وكثيراً ما تكون معزوة إلى قرارات بشرية ونشاطات أشخاص غير آبهين بالمصلحة العامة وإنما معتمدين على تواطؤ مأساوي وتآمر إجرامي للقادة المحليين والمصالح الأجنبية.

6 – مع ذلك يجب على إفريقيا ألا تيأس أبداً. ما تزال البركات الإلهية وافرة بانتظار استخدامها بحذر وإنصاف لمصلحة أبنائها. حيث توجد الظروف المؤاتية، أظهر أبناؤها أنهم قادرون على بلوغ قمة المساعي والمهارات البشرية، لا بل أنهم بلغوها. هناك الكثير من الأنباء السارة في العديد من أنحاء إفريقيا. لكن وسائل الإعلام الحديثة غالباً ما تميل إلى تسليط الضوء على الأنباء السيئة، وتركز بشكل أكبر على محننا وعيوبنا أكثر منها على الجهود الإيجابية التي نبذلها. أمم كثيرة نهضت من سنوات طويلة من الحرب وهي الآن تسير تدريجياً على درب السلام والازدهار. والحكم الرشيد يترك تأثيراً إيجابياً مهماً في بعض الأمم الإفريقية، داعياً أنظمة الحكم الأخرى إلى إعادة النظر في السلوك السيئ في الماضي والحاضر. هذا ما تبرزه بكثرة المبادرات الكثيرة الساعية إلى إيجاد حلول فعالة لمشاكلنا. هذا السينودس يرجو من خلال شعاره تحديداً أن يكون جزءاً من مبادرات إيجابية مماثلة. إننا ندعو الجميع بلا استثناء إلى التعاون لمجابهة تحديات المصالحة والعدالة والسلام في إفريقيا. كثيرون يقاسون المعاناة والموت: لذا لا يمكن تضييع الوقت.

القسم الثاني

على ضوء الإيمان

7 – تجبرنا خدمتنا كأساقفة على النظر في كل الأمور على ضوء الإيمان. بعيد نشر "الكنيسة في إفريقيا"، نشر أساقفة إفريقيا رسالة رعوية بعنوان "المسيح سلامنا" (راجع الوثيقة الختامية للجمعية العمومية لمؤتمر المجالس الأسقفية في إفريقيا ومدغشقر في روكا دي بابا، من 1 ولغاية 8 أكتوبر 2000، التي نشرت في أكرا سنة 2001) من خلال مؤتمر المجالس الأسقفية في إفريقيا ومدغشقر. خلال هذه الجمعية، كثيراً ما ذكرنا أنفسنا بأن مبادرة المصالحة والسلام تأتي من الله. كما يعلن الرسول بولس: "ذلك أن الله كان في المسيح مصالحاً العالم مع نفسه". هذا ما يحصل من خلال هبة المغفرة المجانية اللامحدودة "غير حاسب عليهم خطاياهم" ومعرفاً إيانا على سلامه (2 كور 5: 17، 20). والعدالة أيضاً هي عمل الله من خلال نعمته المبررة في المسيح.

8 – في المقطع عينه، يقول القديس بولس أن الله يضع "بين أيدينا رسالة هذه المصالحة" ويعيننا "سفراء المسيح، وكأن الله يعظ بنا". هذا هو التفويض السامي الذي نلناه من الله الرؤوف والرحيم. يجب على الكنيسة في إفريقيا أن تكون كعائلة الله وكمؤمنة أداة سلام ومصالحة، على مثال قلب المسيح الذي هو سلامنا ومصالحتنا. كذلك يجب أن تكون قادرة على القيام بذلك إلى حد مصالحتها الذاتية مع الله. لا بد من أن تسمو استراتيجياتها من أجل المصالحة والعدالة والسلام في المجتمع فوق الأساليب العالمية المعتمدة في معالجة هذه المسائل. على مثال القديس بولس، يدعو السينودس جميع الشعوب في إفريقيا قائلاً: "نتوسل بالنيابة عن المسيح منادين: "تصالحوا مع الله" (2 كور 5، 20).

بمعنى آخر، ندعو الجميع إلى السماح لأنفسهم بالمصالحة مع الله. هذا ما يفتح المجال أمام المصالحة الحقيقية بين البشر. وهذا ما يكسر الحلقة المفرغة من العدائية والثأر والهجوم المضاد. في كل ذلك، تبرز أهمية فضيلة المغفرة حتى قبل الاعتراف بالذنب. لا بد للأشخاص القائلين بأن المغفرة غير فعالة من اختبار مساوئ الثأر. إن المغفرة الحقيقية تعزز عدالة التوبة والتكفير عن الذنوب، وتؤدي إلى سلام وصولاً إلى جذور الصراع جاعلة من الضحايا والأعداء السابقين أصدقاءً وإخوة وأخوات. بما أن الله هو الذي يجعل هذا النوع من المصالحة ممكناً، لا بد لنا من تخصيص مجال مناسب للصلاة والأسرار في هذه الخدمة، بخاصة لسر التوبة.

القسم الثالث

إلى الكنيسة في العالم

9 – هذا السينودس يسلط ضوء الاهتمام والتضامن على قارة إفريقيا. نشكر الأب الأقدس على السير مع إفريقيا في كفاحها، والدفاع عن قضيتها بكامل حجم سلطته المعنوية. على غرار أسلافه، لطالما كان صديقاً فعلياً لإفريقيا والأفارقة. خلال مجابهة التحديات، أرشدتنا وقوتنا ثروات وحكمة تعليم البابوات حول المسائل الاجتماعية السياسية. في هذا الصدد، تعتبر خلاصة العقيدة الاجتماعية للكنيسة رفيقاً ملازماً ومورداً نوصي به جدياً لكل المؤمنين العلمانيين، بخاصة للأشخاص الذين يشغلون مناصب مرموقة في جماعاتنا.

10 – لقد اتخذ الكرسي الرسولي العديد من المبادرات المباشرة من أجل مصلحة إفريقيا وتنميتها. ويتجلى أحد الأمثلة عن ذلك في مؤسسة الساحل لمكافحة التصحر في المناطق الساحلية. كذلك لا يسعنا الانتقاص من أهمية الخدمات الكبيرة التي يؤديها الممثلون الحبريون في كنائسنا المحلية. حالياً، ينتشر سفراء الكرسي الرسولي في 50 من أصل 53 أمة إفريقية. هذا دليل مهم على التزام الكرسي الرسولي بخدمة القارة. لذا يعبر السينودس عن تقديره العميق لكل ذلك.

11 – نحيي بمحبة أخوية الكنيسة الجامعة القائمة في أماكن أبعد من السواحل الإفريقية، نحن الأعضاء في عائلة الله الواحدة الموزعون في شتى أنحاء العالم. إن حضور الممثلين من القارات الأخرى في هذه الجمعية ومشاركتهم الفعالة فيها يؤكدان على رابط قربنا الفعال والمؤثر. نشكر كل الكنائس المحلية التي تسعى إلى تأدية الخدمة في إفريقيا ومن أجلها في المجالين الروحي والمادي. وفي مجال المصالحة والعدالة والسلام، ستستمر الكنيسة في إفريقيا في الاعتماد على التأييد الفعال من قبل زعماء الكنيسة في البلدان الغنية والقوية التي تؤدي سياساتها أو تحركاتها أو تقاعساتها إلى التسبب في ورطة إفريقيا أو تفاقمها.

يوجد رابط تاريخي استثنائي بين أوروبا وإفريقيا. لذا، لا بد من ترسيخ العلاقة القائمة بين الهيئتين الأسقفيتين القاريتين، أي بين اتحاد المجالس الأسقفية في أوروبا ومؤتمر المجالس الأسقفية في إفريقيا ومدغشقر. كذلك نرحب بفرح بالعلاقة الأخوية بين الكنيسة في إفريقيا والكنيسة في الأميركيتين.

12 – كثيرون من أبناء وبنات إفريقيا غادروا بلادهم من أجل إيجاد مسكن لهم في قارات أخرى. كثيرون منهم ينجحون في الإسهام في حياة البلاد التي انتقلوا إليها. وآخرون يكافحون من أجل العيش. إننا نوصيهم جميعاً بالعناية الرعوية المناسبة التي تقدمها الكنيسة عائلة الله حيثما وجدوا. "كنت غريباً فآويتموني" (مت 25، 35) ليست فقط قولاً عن نهاية العالم لا بل واجباً لا بد من إنجازه اليوم. إن الكنيسة في إفريقيا تشكر الله على أبنائها وبناتها المبشرين في قارات أخرى. في هذا الإطار من تبادل الهبات المقدس، من المهم أن يستمر جميع أصحاب المسؤولية في العمل من أجل علاقة شفافة وعادلة وكريمة ومسيحية. خلال دورة السينودس، قبلت الكنيسة في إفريقيا تحدي الاهتمام بالأشخاص المتحدرين من أصل إفريقي في قارات أخرى، وبخاصة في الأميركيتين.

13 – من هنا يرى هذا السينودس ضرورة التعبير عن تقديره العميق للمبشرين ورجال الإكليروس والرهبان والمؤمنين العلمانيين من القارات الأخرى الذين حملوا الإيمان إلى معظم بلدان إفريقيا، والذين يعمل كثيرون منهم بحماسة وتفانٍ بطولي حتى أيامنا الحالية. نوجه شكراً خاصاً إلى من بقوا مع شعبهم حتى في زمن الحرب والأزمات الخطيرة. ومنهم من دفع حياته ثمناً لأمانته.

القسم الرابع

الكنيسة في إفريقيا

14 – نذكر بفخر منصف أن المسيحية كانت سائدة في إفريقيا منذ بداياتها، في مصر وإثيوبيا، وبعدها في أنحاء أخرى من شمال إفريقيا. هذه الكنيسة القديمة أثرت الكنيسة الجامعة بتقاليد لاهوتية وروحية وليتورجية مرموقة، وشهداء وقديسين معروفين، حسبما أشار البابا يوحنا بولس الثاني ببلاغة (الكنيسة في إفريقيا، 31). إن الكنائس في مصر وإثيوبيا التي شهدت العديد من المحن والاضطهادات تستحق اهتماماً كبيراً وتعاوناً أوثق مع الكنائس الأخرى الأحدث منها في باقي أنحاء القارة.

يعتبر هذا التعاون في غاية الأهمية إن فكرنا في آلاف المهاجرين والطلاب الشباب من جنوب الصحراء الذين يتابعون دراساتهم في المغرب. من بينهم العديد من الكاثوليك الذين يحملون معهم تشبثهم بالإيمان الذي ينعش الكنيسة المحلية في مكان إقامتهم. فالكنيسة المؤلفة بشكل رئيسي من أجانب في هذه الأماكن وغيرها تعتمد على تضامن الكنائس الأخوات في إفريقيا لإرسال كهنة "هبة الإيمان" ومبشرين آخرين إليها.

15 – ستستمر الكنيسة في شتى أنحاء القارة في التضامن مع شعبها. لأن أفراح شعبنا وأتراحه وآماله وطموحاته تخصنا نحن أيضاً (المجمع الفاتيكاني الثاني، فرح ورجاء، 1). إننا واثقون بأن أهم إسهام كنسي لشعوب إفريقيا يقوم على إعلان إنجيل المسيح. لذلك نحن ملتزمون بمتابعة إعلان الإنجيل لشعوب إفريقيا بكل نشاط، لأن "الحياة في المسيح هي العنصر الأول والرئيسي في التنمية"، حسبما يقول البابا بندكتس السادس عشر في "المحبة في الحقيقة" (8).

وبما أن الالتزام بالتنمية ينبع من تبدل روحي، فإن التبدل الروحي نابع من الاهتداء إلى الإنجيل. من هنا، نقبل مسؤوليتنا التي تقتضي أن نكون أدوات مصالحة وعدالة وسلام في جماعاتنا، "سفراء المسيح" (2 كور 5، 20) الذي هو سلامنا ومصالحتنا. في هذا الصدد، لا بد من أن يتحرك كل أعضاء الكنيسة من إكليروس ورهبان وعلمانيين للعمل معاً في الوحدة التي تحمل القوة. هنا نكتسب الشجاعة من المثل الإفريقي القائل "جيش منظم من النمل قادر على التغلب على فيل". يجب ألا نشعر بالخوف أو اليأس أمام ضخامة المشاكل في قارتنا.

16 – ترحب الكنيسة في إفريقيا بالدعوة التي أطلقت في قاعة السينودس من أجل تعاون "جنوبي جنوبي" في جهودنا. فالمشاكل التي تعاني منها إفريقيا والضغوطات التي تفرض عليها قائمة أيضاً في آسيا وأميركا اللاتينية. إننا نؤمن أننا قادرون على كسب الكثير ليس فقط من خلال مقارنة الملاحظات وإنما أيضاً من خلال شبك الأيادي ببعضها البعض. فليرشدنا الرب على هذه الدرب.

17 – إن مؤتمر المجالس الأسقفية في إفريقيا ومدغشقر هو مؤسسة التضامن الرعوي الأساسي لسلطة الكنيسة في إفريقيا (الكنيسة في إفريقيا، 16). مع الأسف، لم تلقَ هذه الهيئة الاستثنائية الدعم المطلوب، حتى من الأساقفة في إفريقيا. نشكر الله على أن هذا السينودس كان فرصة مباركة لتسليط الضوء على أهمية مؤتمر المجالس الأسقفية في إفريقيا ومدغشقر. من الصواب الوثوق بأن الدعوات التي وجهها العديد من آباء السينودس من أجل التزام أكبر بمؤتمر المجالس الأسقفية في إفريقيا ومدغشقر لقيت آذاناً صاغية. فيما نستعد للعودة إلى ديارنا، نحن ملتزمون بمنح هذا المؤتمر ما يحتاج إليه لإنجاز مهمته. أما اتحاد مجالس رؤساء الأديرة في إفريقيا ومدغشقر، الذي تأسس بمبادرة من مؤتمر المجالس الأسقفية في إفريقيا ومدغشقر والذي يعمل باتحاد أمين معه، فهو يتحول تدريجياً إلى أداة فعالة لتعزيز التضامن الرعوي الأساسي في حياة الرهبان وخدمتهم في إفريقيا، وذلك على المستوى القاري. لذا يرحب السينودس بإسهامهما في حياة الكنيسة ورسالتها في إفريقيا.

18 – إننا نقبل كأساقفة تحدي العمل في وحدة في مختلف مجالسنا وجمعيتنا الأسقفية، لنعطي للأمم مثالاً عن مؤسسة وطنية متصالحة ومستقيمة، فنكون مستعدين لتقديم أنفسنا صناعاً للسلام والمصالحة كلما دعينا وأينما دعينا. هنا نثني على الأساقفة الذين يؤدون أدواراً مماثلة، بخاصة على أساس مسكوني و/أو على أساس الإيمان، كما عرفناهم في مناطق مثل مالي وجمهورية الكونغو الديمقراطية وبوركينا فاسو والسنغال والنيجر وغيرها.

تعتبر وحدة الجماعة الأسقفية منبع قوة عظيمة، إلا أن غيابها يبدد الطاقات ويحبط الجهود ويفتح مجالاً لأعداء الكنيسة لإبطال شهادتنا. أما المجال المهم الذي يكون فيه التعاون والتماسك الوطنيان مفيدين فهو مجال وسائل الإعلام والاتصالات الاجتماعية. فمنذ صدور "الكنيسة في إفريقيا"، شهدت إفريقيا نمواً سريعاً للمحطات الإذاعية الكاثوليكية التي كان عددها حوالي 15 سنة 1994 وأصبح اليوم 163 في 32 أمة. إننا نحيي هذه الأمم التي شجعت هذه التنمية، ونوجه إلى الأمم التي ما تزال متحفظة في هذا الصدد دعوة إلى إعادة النظر في سياساتها من أجل خير الأمة والشعب.

19 – يجب على كل أسقف أن يضع مسائل المصالحة والعدالة والسلام على رأس جدول الأعمال الرعوية في أبرشيته. لا بد له من ضمان تأسيس لجنة للعدالة والسلام على كافة المستويات. ولا بد لنا من بذل قصارى جهدنا لتنشئة الضمائر وتبديل القلوب، من خلال تعليم ديني فعال على كافة المستويات، تعليم يسمو فوق "التعليم الديني البحت" للأطفال والموعوظين الجدد الذين يستعدون للأسرار. إننا بحاجة إلى وضع برنامج تنشئة مستمر لكل المؤمنين، وبخاصة لأصحاب المراكز المرموقة في السلطة. ويجب أن تكون أبرشياتنا مثالاً للحكم الرشيد والشفافية والإدارة المالية الجيدة.

ينبغي علينا أن نستمر في بذل الجهود لمعالجة مشكلة الفقر، العائق الأساسي أمام عملية السلام والمصالحة. هنا لا بد من الاهتمام باقتراحات برامج التمويل الجزئي. ختاماً، ينبغي على الأسقف رأس الكنيسة المحلية أن يحث المؤمنين على تأدية دورهم المناسب في التخطيط للسياسات الأبرشية وبرامج المصالحة والعدالة والسلام وصوغها وتطبيقها وتقييمها.

20 – إن الكاهن هو "المعاون الضروري والأقرب إلى الأسقف". أيها الإخوة الأعزاء في الكهنوت، في سنة الكهنة هذه، نتوجه بخاصة إليكم أنتم الذين تشغلون مناصب أساسية في رسالة الأبرشية. أنتم تمثلون وجه الإكليروس الذي يراه الناس في الكنيسة وخارجها. إن مثال تعايشكم في سلام بالسمو فوق الاختلافات القبلية والعرقية يشكل شهادة قوية للآخرين.

هذا ما يظهره مثلاً قبولكم لمن يعينه الكرسي الرسولي أسقفاً عليكم، بصرف النظر عن مكان ولادته. تلقى على عاتقكم مسؤولية تطبيق المخططات الرعوية الأبرشية من أجل المصالحة والعدالة والسلام. فالتنشئة الدينية وتنشئة العلمانيين والعناية الرعوية بذوي المراكز المرموقة لن تتقدم من دون التزامكم التام في رعاياكم ومختلف أماكن خدمتكم. لذا يحثكم السينودس على عدم إهمال واجبكم في هذا المجال. وستحققون نجاحاً أكبر لو تمكنتم من العمل على أساس خدمة متعاونة تشتمل أيضاً على مختلف أفراد الجماعة الرعوية من شمامسة ورهبان ومعلمي دين وعلمانيين ورجال ونساء وشباب.

في حالات كثيرة، يكون الكاهن من بين الأشخاص المستنيرين في الجماعة المحلية. ومن المتوقع أن يؤدي أحياناً دوراً قيادياً في مسائل الجماعة. لذا يجب أن تتعلموا كيفية تقديم خدماتكم على أفضل وجه وبطريقة محايدة، رعوية وإنجيلية. إن أمانتكم للالتزام الكهنوتي، وبخاصة لحياة التبتل في العفة، والتخلي عن الأمور المادية تجسد شهادة بليغة لشعب الله. كثيرون منكم غادروا إفريقيا لتقديم الخدمات التبشيرية في قارات أخرى. عندما تعملون وفقاً لتنظيم جيد، تعكسون صورة إفريقيا الجيدة. يحيي السينودس التزامكم بالمهمة التبشرية للكنيسة. ولتنالوا جميعاً المكافأة التي ستمنح لكل من ترك بيته… "من أجل ملكوت الله" (لو 18، 28).

21 – كذلك أصبحت إفريقيا في السنوات الأخيرة أرضاً خصبة للدعوات الرهبانية: كهنة وإخوة وأخوات. نشكر الله على هذه البركات العظيمة. إننا نحييكم أيها المكرسون الرجال والنساء الأعزاء على شهادة حياتكم الدينية المفعمة بالتوصيات الإنجيلية بالعفة والفقر والطاعة التي غالباً ما تجعل منكم أنبياء ومثل مصالحة وعدالة وسلام في ظروف ضغوطات قصوى. من هنا يحثكم السينودس على إعطاء فعالية كبرى لرسالتكم من خلال شركة مخلصة وملتزمة مع السلطة المحلية. أيتها الراهبات، يهنئكن السينودس على تفانيكن وحماستكن في رسالة الصحة والتربية وفي مجالات أخرى من التنمية البشرية.

22 – يميل هذا السينودس بحنو كبير نحو العلمانيين في إفريقيا. أنتم كنيسة الله في المجتمع. بكم ومن خلالكم يرى العالم حياة الكنيسة وشهادتها. لذلك تشاركون في تفويض الكنيسة لتكونوا "سفراء المسيح" العاملين من أجل مصالحة الشعوب مع الله ومع بعضها البعض. هذا يتطلب منكم السماح لإيمانكم المسيحي بأن يتخلل كل جوانب حياتكم؛ في العائلة والعمل والمهن والسياسة والحياة العامة. هذه ليست مهمة سهلة. لذا يجب أن تجتهدوا في الحصول على النعمة من خلال الصلاة والأسرار.

إن نص شعار سينودسنا الموجه لكل أتباع المسيح ينطبق عليكم بخاصة: "أنتم ملح الأرض… أنتم نور العالم" (مت 5: 13، 14). وهنا نرغب في إعادة التشديد على توصية "الكنيسة في إفريقيا" حول أهمية الجماعات المسيحية الصغيرة (الكنيسة في إفريقيا، 93). إضافة إلى الصلاة، يجب أن تتسلحوا أيضاً بمعرفة كافية بالإيمان المسيحي لتتمكنوا من تقديم جواب مقنع عن سبب الرجاء الذي في داخلكم (1 بط 3، 15) في أماكن تبادل الأفكار. أما الأشخاص الأعلى منكم مقاماً فإنهم يتحملون مسؤولية اكتساب مستوى متناسب من الثقافة الدينية. نوصي بخاصة بموارد الإيمان الكاثوليكي الأساسية: الكتاب المقدس، التعليم الديني الخاص بالكنيسة الكاثوليكية، وملخص العقيدة الاجتماعية للكنيسة الأكثر ارتباطاً بشعار السينودس. كل هذه الموارد متوفرة بأسعار معقولة.

ما من مبرر للبقاء جهلاء في الإيمان. في هذا الصدد، أوصى الإرشاد الرسولي ما بعد السينودس "الكنيسة في إفريقيا" بتأسيس جامعات كاثوليكية. نشكر الله على ظهور العديد من هذه المؤسسات خلال السنوات الـ15 الماضية وعلى الإعداد لمؤسسات أخرى. إنه مشروع في غاية الأهمية يكلف أموالاً طائلة. ولكنه ضروري إن أردنا الاستثمار من أجل مستقبل من العلمانيين الكاثوليك المعدين إعداداً جيداً، والمفكرين القادرين والمستعدين للشهادة للإيمان في العالم المعاصر. إنه حقاً مجال تبرز فيه الحاجة الماسة إلى تضامن الكنيسة عائلة الله.

23 – يحمل لكم السينودس رسالة مهمة وخاصة، أيها الكاثوليك الأفارقة في الحياة العامة. نحيي الكثيرين من بينكم الذين قدموا أنفسهم للخدمة العامة لشعبكم من غير الاكتراث بالأخطار والتقلبات السياسية في إفريقيا، في رسالة لتعزيز الخير العام وملكوت الله، ملكوت العدالة والمحبة والسلام، انسجاماً مع تعاليم الكنيسة (المجمع الفاتيكاني الثاني، فرح ورجاء، 75).

يمكنكم الاعتماد دوماً على تشجيع الكنيسة ودعمها. لقد عبر الإرشاد الرسولي ما بعد السينودس "الكنيسة في إفريقيا" عن الأمل في ظهور رجال سياسة ورؤساء دول أطهار في إفريقيا. هذا ليس تمنياً عبثياً. وما يشجع هنا هو العمل الجاري في دعوى تطويب جوليوس نييريري التانزاني. إن إفريقيا بحاجة إلى قديسين في سلطة سياسية عليا: رجال سياسة يطهرون القارة من الفساد ويعملون لمصلحة الشعب ويعرفون كيفية التأثير على رجال ونساء آخرين ذوي نوايا حسنة من خارج الكنيسة من أجل الانضمام إليهم لمكافحة الشرور الشائعة المحدقة بأممنا.

لقد أوصى السينودس بأن تكثف الكنائس المحلية رسالتها للعناية الروحية بالناس في الوظائف العامة من أجل خلق مراكز إرشاد فعال لهم وتنظيم مكاتب اتصال عالية المستوى لتبشير المجالس التشريعية. نحضكم أيها المؤمنون العلمانيون في مجال السياسة على الاستفادة من هذه البرامج أينما وجدت. هناك العديد من الكاثوليك أصحاب المراكز المرموقة الذين قصروا بشكل مفجع في تأدية مهامهم. لذا يدعو السينودس هؤلاء الأشخاص إلى أن يتوبوا، أو يستقيلوا ويتوقفوا عن التسبب بدمار الشعب وإلحاق السمعة السيئة بالكنيسة الكاثوليكية.

24 – نلتفت الآن إلى العائلات الكاثوليكية العزيزة في إفريقيا. نهنئك على تشبثك بمثل العائلة المسيحية وحفاظك على أفضل قيم لعائلتنا الإفريقية. نوصيك بالحذر من بعض السموم الإيديولوجية القاتلة التي تصدر عن الخارج وتدعي أنها ثقافة "معاصرة". لا بد لك من الاستمرار بالترحيب بالأطفال كهبة من الله وتثقيفهم في معرفة الله ومخافته ليكونوا في المستقبل أشخاصاً محبين للمصالحة والعدالة والسلام. إننا ندرك أن عائلات كثيرة تعيش تحت ضغوط كبيرة. وغالباً ما يسبب الفقر عجز الأهالي عن الاهتمام بأبنائهم مما يحدث تداعيات مشؤومة. ندعو الحكومات والسلطات المدنية إلى أن تتذكر أن الأمة التي يدمر تشريعها العائلات، تصاب هي أيضاً بالأذى. إن العائلات تطلب فقط ضروريات البقاء على قيد الحياة لأن لها الحق في الحياة.

25. يحمل السينودس كلمة خاصة لكن أيتها النساء الكاثوليكيات. كثيراً ما تعتبرن أساس الكنيسة المحلية. في العديد من البلدان، تشكل المنظمات النسائية الكاثوليكية قوة عظيمة لرسالة الكنيسة. لقد أوصى إرشاد "الكنيسة في إفريقيا" "بضرورة تثقيف النساء بشكل مناسب لكيما يحظين بإمكانية المشاركة في النشاط الرسولي على مستويات مناسبة" (رقم 121). وقد شهدت العديد من المناطق تقدماً في هذا المضمار. مع ذلك، ما يزال هناك عمل كثير.

لا بد من الاعتراف بصورة أكثر شمولية بإسهام المرأة ليس فقط في المنزل كزوجة وأم وإنما أيضاً في الدائرة الاجتماعية، ومن تعزيز هذا الإسهام. إن السينودس يوصي كنائسنا المحلية بالعمل على نطاق أبعد من البيان العام للكنيسة في إفريقيا ووضع بنى ملموسة لضمان مشاركة النساء الفعلية "على مستويات ملائمة". لقد منحنا الكرسي الرسولي مثالاً جيداً في هذا الصدد من خلال تعيين نساء في مناصب مهمة. في مختلف أنحاء إفريقيا، يجري الحديث عن حقوق المرأة، بخاصة من خلال خطط العمل الخاصة ببعض وكالات الأمم المتحدة. وكثير مما تقوله ينسجم مع أقوال الكنيسة. مع ذلك، من الضروري أخذ الحيطة والحذر في المشاريع الفعلية التي يتم تأييدها والتي غالباً ما تكون مرفقة بجدول أعمال مستتر.

نوكل إليكن أيتها النساء الكاثوليكيات مهمة المشاركة في برامج النساء في أممكن، بأعين الإيمان المنفتحة. من خلال التسلح بمعلومات جيدة وبالتعاليم الاجتماعية للكنيسة، احرصن على عدم تعريض الأفكار الجيدة للسلب من قبل مروجي الإيديولوجيات الأجنبية السامة أخلاقياً والمتعلقة بالجنس والنشاط الجنسي البشري. ولترشدكن أمنا مريم كرسي الحكمة خلال القيام بهذا العمل.

26 – كذلك يدعوكم السينودس أيها الرجال الكاثوليك إلى تأدية أدواركم المهمة كآباء مسؤولين وأزواج صالحين ومؤمنين. اتبعوا مثال القديس يوسف (مت 2: 13، 23)، في العناية بالعائلة وحماية الحق في الحياة منذ الحبل وتربية الأطفال. احرصوا على الانضمام إلى جمعيات ومجموعات عمل كاثوليكية تسمح لكم بتحسين نوعية الحياة المسيحية والالتزام بالكنيسة. هذا ما يمنحكم أيضاً مراكز أفضل لتأدية أدوار قيادية في المجتمع فتكونوا شهوداً أكثر فعالية للمصالحة والعدالة والسلام كملح الأرض ونور العالم.

27 – ختاماً، نتوجه إليكم أبناؤنا وبناتنا، الشباب في جماعاتنا. أنتم لستم فقط مستقبل الكنيسة: أنتم تشكلون جزءاً منا بأعدادكم الغفيرة. ففي العديد من البلدان الإفريقية، أكثر من 60% من نسبة السكان يقل عمرهم عن 25 سنة. كما أن هذه النسبة في الكنيسة لن تكون مختلفة. يجب أن تكونوا في طليعة التغيير الاجتماعي الإيجابي وتكونوا صناع سلام. نشعر بالحاجة إلى إيلاء اهتمام خاص بكم أنتم الشباب. كثيراً ما يتم إهمالكم وترككم عرضة لكافة أنواع الإيديولوجيات والبدع. وأنتم الذين غالباً ما تستخدمون وتجندون لأعمال العنف. لذا نحث كل الكنائس المحلية على النظر إلى خدمة الشبيبة كأولوية سامية.

28 – لقد قال يسوع: "دعوا الأطفال يأتون إلي ولا تمنعوهم، لأن لمثل هؤلاء ملكوت السماوات" (مت 19، 14). لم ينسكم السينودس أيها الأطفال الصغار. أنتم دوماً موضع اهتمامنا. لكننا نعترف أيضاً بأننا نتلهف إلى استخدام حماستكم وفعاليتكم بشكل إيجابي كعناصر ناشطين في التبشير بالإنجيل، بخاصة بين أترابكم. يجب أن تعطوا مجالات وتسهيلات وتوجيهات مناسبة لتنظيم أنفسكم للرسالة. نوصيكم بخاصة بمنظمة جمعيات الإرساليات الحبرية للأطفال: جمعية الطفولة المقدسة.

القسم الخامس

دعوة للأسرة الدولية

29 – إن عائلة الله تتجاوز الحدود المرئية للكنيسة لتشمل البشرية جمعاء. عندما يتعلق الأمر بمسائل المصالحة والعدالة والسلام، نلتقي جميعاً عند مستوى بشريتنا العميق. هذا المشروع يعنينا جميعاً ويدعونا إلى التحرك المشترك. لذلك يجب أن نرفع صوتنا لنطلق دعوة لكل الرجال والنساء ذوي النوايا الحسنة. نوجه الدعوة بخاصة إلى الذين نجاهر معهم بالإيمان المشترك بيسوع المسيح وإلى أتباع الديانات الأخرى.

30 – على العموم، تقوم وكالات الأمم المتحدة بعمل جيد في إفريقيا في مجالات التنمية وحفظ السلام والدفاع عن حقوق المرأة والطفل ومكافحة الفقر والأوبئة: فيروس نقص المناعة البشرية/ الإيدز، الملاريا، والسل وغيرها. يشيد السينودس بالعمل الجيد الذي تقوم به. ومع ذلك، ندعوها إلى أن تكون أكثر شفافية وثباتاً في تطبيق برامجها. ونحث البلدان الإفريقية على التدقيق بعناية في الخدمات المقدمة لشعوبنا لضمان ملاءمتها لنا. هذا ويشجب السينودس بخاصة كل المساعي السرية الهادفة إلى تدمير وتقويض القيم الإفريقية الثمينة الخاصة بالعائلة والحياة البشرية (المادة الـ 14 المشينة من بروتوكول مابوتو وغيرها من المقترحات المماثلة).

31 – إن الكنيسة لا يعلى عليها في مكافحة فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز والعناية بالمصابين به في إفريقيا. يشكر السينودس جميع العاملين بسخاء في هذه الرسالة الصعبة من المحبة والعناية. ونناشد بالحصول على الدعم المتواصل في سبيل تلبية احتياجات كثيرين للمساعدة (الكنيسة في إفريقيا، 31). يحذر هذا السينودس مع الأب الأقدس بندكتس السادس عشر، من عدم القدرة على التغلب على هذه المشكلة من خلال توزيع الواقيات. وندعو جميع المهتمين بوضع حد للانتقال الجنسي لفيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز إلى إدراك النجاح الذي أحرزته البرامج التي تقترح الامتناع للعازبين والأمانة للمتزوجين.

هذا المسار من العمل لا يقدم فقط أفضل حماية من انتشار هذا الوباء، وإنما ينسجم أيضاً مع مبادئ الأخلاق المسيحية. نتوجه إليكم بخاصة أيها الشباب. لا تدعوا أحداً يخدعكم ويدفعكم إلى الاعتقاد بأنكم عاجزون عن السيطرة على أنفسكم. أنتم قادرون على ذلك بنعمة الله.

32 – إلى القوى العظمى في العالم، نوجه هذه الدعوة: عاملي إفريقيا باحترام وإجلال. تدعو إفريقيا إلى تغيير في النظام الاقتصادي العالمي المؤلف من بنى ظالمة تثقل كاهلها. وتظهر الاضطرابات الأخيرة في عالم المال الحاجة إلى تغيير جذري في القواعد. لكن من المأساوي إجراء التعديلات فقط لمصلحة الأغنياء ومجدداً على حساب الفقراء. فالكثير من الصراعات والحروب والفقر في إفريقيا ينشأ عن هذه البنى الجائرة.

33 – تستطيع البشرية كسب الكثير إن أصغت إلى النصائح الحكيمة التي يقدمها الأب الأقدس بندكتس السادس عشر في المحبة في الحقيقة. إن النظام العالمي الجديد والعادل ليس فقط ممكناً بل ضرورياً لخير البشرية. هنا يتم توجيه دعوة إلى إجراء تعديل في عبء الديون على الأمم الفقيرة الذي يقتل الأطفال. يجب أن تتوقف الشركات المتعددة الجنسيات عن تدمير البيئة من خلال استغلالها الجشع للموارد الطبيعية. إن السياسة غير المتبصرة تتمثل في إثارة الحروب من أجل تحقيق الكسب السريع من الفوضى، على حساب الأرواح البشرية وإراقة الدماء. أما من أحد قادر ومصمم على وضع حد لهذه الجرائم المرتكبة بحق البشرية؟

القسم السادس

إفريقيا، إنهضي!

34 – يقال أن مهد الأجناس البشرية موجود في إفريقيا. شهدت قارتنا تاريخاً طويلاً من الامبراطوريات العظمى والحضارات الشهيرة. إلا أن تاريخ القارة المستقبلي لم يكتب بعد. لقد باركنا الله بالموارد الطبيعية والبشرية الهائلة. في التصنيف الدولي للمؤشرات المادية والتنموية، غالباً ما ترد البلدان الإفريقية في أسفل الجدول. لكن هذا الموضوع ليس مدعاة لليأس. وحصلت أعمال جسيمة من الظلم التاريخي مثل الاتجار بالرق والاستعمار، وما تزال تداعياته السلبية قائمة حتى الآن. لكن ذلك كله ليس مبرراً لعدم التقدم. هناك الكثير من الأعمال الحاصلة حالياً. إننا نشيد بالجهود المبذولة من أجل تحرير إفريقيا من الاختلال الثقافي والاسترقاق السياسي. الآن يجب أن تواجه إفريقيا تحدي منح أبنائها ظروف عيش كريم.

على الصعيد السياسي، يسجل تقدم في التكامل القاري إذ أن منظمة الوحدة الإفريقية توسعت إلى الاتحاد الإفريقي. ففي الوقت المناسب، قام الاتحاد الإفريقي والمجموعات الإقليمية الأخرى بالتعاون مع الأمم المتحدة باتخاذ مبادرات لحل الصراعات وحفظ السلام في عدة أزمات. وعلى الصعيد الاقتصادي، حاولت إفريقيا أن تضع لنفسها إطاراً استراتيجياً للتنمية يحمل اسم الشراكة الاقتصادية الجديدة للتنمية الإفريقية (نيباد). حتى أنها وضعت ترتيبات للآلية الإفريقية لمراجعة النظراء لمراقبة امتثال الأمم لها. يثني السينودس على هذه الجهود لأن هذه البرامج تربط بوضوح بين التحرر الاقتصادي الإفريقي وإرساء مقومات الحكم الرشيد. هنا مع الأسف تكمن المسألة الشائكة. فبالنسبة إلى معظم الأمم الإفريقية، ما تزال وثائق النيباد الرائعة حبراً على ورق. كما نتطلع إلى تحسين الحكم في إفريقيا.

35 – يهنئ السينودس بفرح بعض البلدان الإفريقية التي بدأت تسير على درب الديمقراطية الحقيقية. إنها تشهد الآن الأرباح الجيدة التي يتم كسبها من خلال السلوك الجيد. بعض البلدان نهضت من سنوات عديدة من الحروب والصراعات لتبني تدريجياً أمتها المحطمة. نأمل أن يشكل مثالها الجيد تحدياً لغيرها في سبيل تغيير العادات السيئة.

36 – يشعر السينودس بالأسى عندما يلاحظ أن الوضع في العديد من البلدان مخزٍ جداً. نفكر بخاصة في الوضع المحزن في بلاد الصومال التي تغرق في دوامة من الصراع العنيف منذ حوالي عقدين مما يؤثر على البلدان المجاورة لها. وتجدر الإشارة أيضاً إلى الوضع المأساوي الذي يعيشه ملايين الأشخاص في منطقة البحيرات الكبرى، والأزمة القائمة في شمال أوغندا وجنوب السودان ودارفور وغينيا كوناكري وغيرها من المناطق. إن المسؤولين عن إدارة المسائل في هذه الأمم يجب أن يتحملوا مسؤولية أدائهم المحزن. في معظم الحالات، نشهد طمعاً بالسلطة والثروة على حساب الشعب والأمة. أياً كانت مسؤولية المصالح الأجنبية، يبرز دوماً التواطؤ المشين والمأساوي للقادة المحليين: رجال السياسة الذين يخونون أممهم ويبيعونها، رجال الأعمال الفاسدين الذين يتآمرون مع الشركات المتعددة الجنسيات الجشعة؛ وتجار الأسلحة الأفارقة الذين ينشرون الأسلحة الخفيفة التي تسبب فوضى عارمة في الحياة البشرية؛ والعملاء المحليين لبعض المنظمات الدولية الذين يتقاضون أجراً للترويج لإيديولوجيات سامة لا يؤمنون بها.

37 – ها هي تداعيات كل ذلك تتضح أمام العالم أجمع: الفقر، البؤس والمرض؛ اللاجئين ضمن البلد عينه وفي الخارج؛ السعي وراء الأراضي الخصبة مما يؤدي إلى هجرة الأدمغة؛ الهجرة السرية والاتجار بالبشر والحروب وإراقة الدماء بالوكالة أحياناً، فظاعة تجنيد الأطفال والعنف المرتكب ضد المرأة. كيف يمكن للمرء أن يفتخر بـ "رئاسة" فوضى مماثلة؟ ماذا حل بحس الحياء الإفريقي التقليدي؟ هذا السينودس يعلن بوضوح تام: آن الأوان لتبديل العادات من أجل مصلحة الأجيال الحالية والمستقبلية.

القسم السابع

جمع قوانا الروحية

38 – نرغب في التذكير مجدداً بما قاله البابا بندكتس السادس عشر في عظته خلال القداس الافتتاحي لهذا السينودس: بأن إفريقيا هي "الرئة الروحية" للبشرية. إنها مورد أثمن من معادننا ونفطنا. لكنه حذرنا من أن هذه الرئة تتعرض لخطر الإصابة بالفيروس المزدوج المتمثل بالنزعة المادية والتعصب الديني. من خلال التصميم على الحفاظ على إرثنا الروحي، بوجه كل الاعتداءات والإصابات، يدعو السينودس إلى تعاون مسكوني أكبر مع إخوتنا وأخواتنا من التقاليد المسيحية الأخرى. كذلك نتطلع إلى مزيد من الحوار والتعاون مع المسلمين وأتباع الديانة الإفريقية التقليدية والديانات الأخرى.

39 – ينتشر التعصب الديني في كل أنحاء العالم، ويسبب الفوضى في مختلف أنحاء إفريقيا. من ثقافتنا الدينية التقليدية، استمد الأفارقة معنى الله الخالق. هذا ما حملوه معهم عند اهتدائهم إلى المسيحية أو الإسلام. عندما يسيء المتعصبون إدارة هذه الحماسة الدينية أو يتلاعب بها رجال السياسة، تنشأ صراعات تميل إلى التأثير على الجميع. ولكن في ظل الإدارة والقيادة الجيدتين، تصبح الديانات قوة للخير، بخاصة للسلام والمصالحة.

40 – لقد استمع السينودس إلى شهادة العديد من آباء السينودس الذين نجحوا في السير على درب الحوار مع المسلمين. قدموا شهادات تفيد بأن الحوار فعال والتعاون ممكن وفعال. كما أن مسائل المصالحة والعدالة والسلام تشغل الجماعات كلها بغض النظر عن العقيدة. من خلال العمل على القيم المشتركة العديدة بين العقيدتين، يمكن للمسيحيين والمسلمين الإسهام في إعادة إرساء أسس السلام والمصالحة في أممنا. هذا ما حدث في حالات عديدة. يشيد السينودس بهذه الجهود وينصح الآخرين بها.

41 – إن الحوار والتعاون ينجحان في ظل احترام متبادل. نحن الأساقفة الكاثوليك نحمل إرشادات واضحة للحوار متشبثين بإيماننا وإنما مقدمين للآخرين حرية الاختيار. تلقى السينودس أخباراً سارة عن جماعات مسلمة تسمح بحرية ممارسة الشعائر الدينية المسيحية. كذلك ترحب بالأعمال الاجتماعية التي تقوم بها الكنيسة وتستفيد منها. إننا إذ نشيد بذلك، نصر على عدم كفايته. تشتمل حرية الدين أيضاً على حرية مشاركة الإيمان واقتراحه لا فرضه، وقبول المهتدين والترحيب بهم. إن الأمم التي يمنع قانونها المواطنين من اعتناق الديانة المسيحية يحرمون مواطنيهم من حقهم البشري الأساسي في اتخاذ قرار حر بشأن العقيدة التي يريدون اعتناقها. على الرغم من أن ذلك يحصل منذ زمن بعيد، إلا أن الوقت قد حان لإعادة النظر في الوضع على ضوء احترام حقوق الإنسان الأساسية. هذا السينودس يحذر من أن فرض القيود على الحرية يفسد الحوار الصادق ويحبط التعاون الحقيقي. بما أن المسيحيين الذين يتخذون قرار تغيير عقيدتهم، يلقون ترحيباً في الإسلام، فلا بد من المعاملة بالمثل في هذا المضمار. الاحترام المتبادل هو السبيل إلى التقدم. في العالم الناشئ، لا بد لنا من إفساح المجال لكل عقيدة لتسهم في خير البشرية.

خاتمة

42 – أيها الإخوة الأعزاء في الأسقفية، أيها الأبناء والبنات الأعزاء في الكنيسة عائلة الله في إفريقيا، أيها الرجال والنساء أصحاب النوايا الحسنة في إفريقيا وخارجها، نتشارك معكم قناعة هذا السينودس: إفريقيا ليست عاجزة. ما يزال مصيرنا بين أيدينا. إن كل ما تطلبه هو مجال للعيش والنمو. إن إفريقيا تتقدم والكنيسة تتقدم معها مقدمة لها نور الإنجيل. قد تكون المياه مضطربة، لكننا قادرون على الوصول إلى ميناء المصالحة والعدالة والسلام من خلال النظر إلى المسيح الرب (مت 14: 28، 32).

43 – نعهد بهذه الرسالة وكل التزاماتنا المتحمسة إلى الشفاعة الوالدية لمريم الكلية القداسة، سلطانة السلام وسيدة إفريقيا.

إفريقيا، قومي احملي فراشك وامشي! (يو 5، 8).

"أيها الإخوة، في هذه الأثناء نتمنى لكم السعادة.

اسعوا إلى الكمال وساعدوا بعضكم بعضاً،

كونوا موحدين وعيشوا في سلام

وإله المحبة والسلام سيكون معكم" (2 كور 13، 11).

آمين!