الفاتيكان، الاثنين 2 نوفمبر 2009 (Zenit.org).
ننشر في ما يلي الخطاب الذي تلاه بندكتس السادس عشر خلال لقائه في القصر الرسولي بالمشتركين في الجمعية العامة للمجلس الحبري للاتصالات الاجتماعية، في 29 أكتوبر 2009.
* * *
السادة الكرادلة،
الإخوة الأجلاء في الأسقفية والكهنوت،
أيها الإخوة والأخوات الأعزاء في المسيح،
أرحب بكم بفرح بمناسبة الجمعية العامة للمجلس الحبري للاتصالات الاجتماعية. أود أن أعبر عن عرفاني للمونسينيور كلاوديو ماريا تشلّي، رئيس مجلسكم الكريم، لأجل الكلمات التي وجهها إلي باسمكم جميعًا. أوسع التحية لتشمل معاونيه وللحضور، شاكرًا إياكم لأجل الإسهام الذي تقدمون لأعمال الجمعية العامة، وللخدمة التي تقدمونها للكنيسة في حقل الاتصالات الاجتماعية.
تتوقفون في هذه الأيام للتفكير بتقنيات الاتصال الجديدة. يستطيع أي مراقب أن يلاحظ أن زمننا يعيش، بفضل أحدث التقنيات، ثورة حقيقية في إطار الاتصالات الاجتماعية، وأن الكنيسة تبدأ بعيش هذا الوعي بمسؤولية أكبر. بالواقع، إن هذه التقنيات تجعل الاتصال أسرع وأكثر نفاذًا، ويحمل على تبادل أوسع للأفكار والآراء؛ وهي تسهل الحصول على المعلومات والأخبار بشكل دقيق وبمتناول الجميع.
يتابع مجلس الاتصالات الاجتماعية منذ زمن تطور وسائل الإعلام المفاجئ والسريع، مرتكزًا على مداخلات السلطة التعليمية في الكنيسة. أود أن أذكّر هنا بشكل خاص توجيهين رعويين: "الشركة والتطور" (Communio et Progressio) للبابا بولس السادس، و "العصر الحديث" (Aetatis Novae) ليوحنا بولس الثاني؛ وهما وثيقتان هامتنا لسلفي المكرمين، ساهمتا وعززتا في تحسيس الكنيسة على هذه الموضوعات.
ومن ثم، إن التغييرات الاجتماعية التي تمت في السنوات العشرين الماضية قد حثت وما زالت على تحليل نبيه لحضور الكنيسة وعملها في هذا الحقل.
يذكر خادم الله يوحنا بولس الثاني في رسالته العامة "رسالة الفادي" (Redemptoris missio) – 1990 – بأن "الالتزام في وسائل الاتصال، لا يهدف فقط إلى مضاعفة البشرى: بل يهدف إلى أمر أعمق بكثير، لأن تبشير الثقافة الحديثة يعتمد بشكل كبير على تأثير وسائل الإعلام". ويضيف: "لا يكفي إذًا أن نستخدم وسائل الإعلام لنشر الرسالة المسيحية وتعليم الكنيسة، بل يجب أن ندمج البشرى عينها في هذه ‘الثقافة الجديدة‘ التي خلقتها وسائل الاتصال الحديثة" (عدد 37).
بالواقع، إن الثقافة الحديثة تنبثق، قبل مكنوناتها، من وجود أشكال جديدة من التواصل التي تستخدم لغات جديدة، وتقنيات جديدة وتخلق مواقف سيكولوجية جديدة. وكل هذا يشكل تحديًا للكنيسة المدعوة إلى إعلان الإنجيل لإنسان الألفية الثالثة دون تحريف مكنونات البشرى، ولكن مع جعلها مفهومة بفضل وسائل وأشكال تتطابق مع عقلية وثقافة اليوم.
إن وسائل الاتصال الاجتماعية، والتي أسماها بهذا الشكل القرار المجمعي "بين الاكتشافات الرائعة" (Inter Mirifica)، قد أخذت اليوم قوة ودورًا كان يصعب تخيله في ذلك الزمان. إن طابع وسائل الاتصال الجديدة المتعدد الوسائل والتفاعلي حد نوعًا ما من خاصية كل من هذه الوسائل وولد بشكل تدريجي نوعًا من أسلوب متكامل من التواصل، حتى أنه بينما تحافظ كل وسيلة اتصال على طابعها الخاص، يرغم التطور الحالي في عالم المواصلات أكثر فأكثر على الحديث عن شكل تواصل فريد يشكل خلاصة أصوات عدة ويضعها في ترابط متبادل ووثيق.
إن الكثير من بينكم أيها الأصدقاء الأعزاء هم خبراء في هذا المجال ويمكنهم أن يحللوا باحتراف مختلف أبعاد هذه الظاهرة، بما في ذلك البعد الأنثروبولوجي. أود أن أغتنم الفرصة لكي أدعو من يعمل في الكنيسة في ميدان الاتصالات ويحمل مسؤولية القيادة الرعوية لكي يعرف أن يقبل التحديات التي تضعها هذه التكنولوجيات الجديدة أمام التبشير.
في رسالة اليوم العالمي للاتصالات الاجتماعية لهذا العام، سلطت الضوء على الأهمية التي تحتلها هذه التقنيات الجديدة، وشجعت المسؤولين عن عمليات التواصل في كل المراحل، على تعزيز ثقافة تحترم كرامة وقيمة الشخص البشري، والحوار المتجذر في البحث الصادق عن الحقيقة، والصداقة التي ليست غاية منغلقة على ذاته، بل وسيلة قادرة على إنماء مواهب كل فرد لكي يضعها في خدمة الجماعة البشرية. بهذا الشكل تمارس الكنيسة ما يمكننا تسميته "خدمة الثقافة" في "القارة الرقمية"، وتجوب شوارعها معلنة الإنجيل، الكلمة الفريدة التي تخلص الإنسان.
يتوجب على المجلس الحبري للاتصالات الاجتماعية أن يتعمق بكل عناصر ثقافة وسائل الاتصال الحديثة، بدءًا بالأبعاد الأخلاقية، وأن يقوم بخدمة توجيه وهداية لمساعدة الكنائس الخاصة لكي تدرك أهمية التواصل، الذي بات يشكل نقطة ثابتة لا غنى عنها في كل برنامج رعوي.
إن خصائص وسائل الاتصال الحديثة تمكننا أن نقوم بعمل شورى وتقاسم وتنسيق واسع ومعولم، يسهم في زيادة فعالية نشر الرسالة الإنجيلية، ويتجنب أحيانًا التبذير العقيم للقوى وللموارد. إلا أن تقييم تكنولوجيات الاتصال الحديثة، بالنسبة للمؤمنين، يسير جنبًا إلى جنب مع نظرة إيمان ثابتة توقن أن فعالية إعلان الإنجيل، ما وراء كل الوسائل المستخدمة، تعتمد بالمقام الأول على عمل الروح القدس، الذي يقود الكنيسة ومسيرة البشرية.
أيها الإخوة والأخوات الاعزاء، يوافق هذه السنة الذكرى الخمسين لتأسيس مكتبة الأفلام الفاتيكانية، التي شاءها سلفي المكرم الطوباوي يوحنا الثالث والعشرون، والتي جمعت ورتبت موارد مصورة منذ عام 1896 وحتى اليوم تستطيع أن تنقح تاريخ الكنيسة. تملك مكتبة الأفلام الفاتيكانية إرثًا ثقافيًا غنيًا هو ملك البشرية بأسرها. وإذ أعبر عن عرفاني لما تم نتفيذه حتى الآن، أشجع على متابعة عمل الجمع المثير، الذي يرفق بوثائق موضوعية مسيرة المسيحية من خلال شهادة الصورة المؤثرة، لكيما يتم الحفاظ على هذه الخيور والتعريف بها.
أوجه من جديد للحضور عربون شكري للإسهام الذي تقدمونه للكنيسة في مجال بالغ الأهمية مثل حقل الاتصالات الاجتماعية، وأؤكد لكم عن صلاتي لكي يستمر عمل مجلسكم الكريم في حمل ثمار وافرة. أستدعي فوق كل منكم شفاعة السيدة العذراء وأمنحكم جميعًا بركتي الرسولية.
* * *
نقله من الإيطالية إلى العربية روبير شعيب – وكالة زينيت العالمية (Zenit.org)
حقوق الطبع محفوظة لمكتبة النشر الفاتيكانية – 2009.