سينودس اساقفة الشرق الاوسط بين الشّركة والشّهادة 1

هويّة الكنائس الشّرقية الكاثوليكية حسب القانون الكنسي الشرقي

للاب هاني باخوم

 

اعلن قداسة البابا بنديكتوس السادس عشر، يوم 19 سبتمبر الماضي، عن بدء سينودس من اجل اساقفة الشرق الاوسط بين 10 و 24 من اكتوبر 2010، والذي سيحمل عنوان "الكنيسة الكاثوليكية في الشرق الاوسط: شركة وشهادة".

هدف هذا السينودس، كما ذكره اعضاء اللجنة الخاصة بالشرق الأوسط والتابعة للأمانة العامة لسينودس الاساقفة، هو "حث المسيحين القاطنين في المنطقة والبعيدين عنها لأسباب مختلفة، على ادراك هويتهم الفريدة". السينودس سيحمل شعار "النظر في الوحدة في تعددية الكنائس الشرقية الكاثوليكية وكنيسة الطقس اللاتيني، وفي الحاجة الى عيش شركة عميقة، ثمرة عمل الروح القدس".

من هنا يتضح ان فكر اعضاء تلك اللجنة يتركز على التأمل في هوية الكنائس الشرقية الكاثوليكية وغنى كل منها داخل إطار الشركة والوحدة التي تربطهم معاً ومع الكنيسة اللاتينية ايضاً. تلك الشركة تجعل من الكنائس الشرقية الكاثوليكية واللاتينية في حد ذاتها شهادة للعالم المحيط بهم. فالوحدة او الشركة هي العلامة الكبرى التي تجعل العالم يعرف ان المسيح هو المرسل من الآب وان الآب احبهم كما احب ابنه الوحيد (يوحنا 17: 23).

هذه الشركة هي ثمرة عمل الروح القدس الذي يوحد الكنيسة. وبقوة الانجيل يعيد اليها شبابها ويجددها دوماً ويوجها نحو الوحدة الكاملة مع عروسها. وهكذا تظهر الكنيسة الجامعة شعباً موحداً في وحدة الآب والابن والروح القدس (نور الامم 4).

ينتمي الى هذه الشركة المؤمنون المعمدون في الكنيسة الكاثوليكية او من تم استقبالهم فيها، بفضل الاعتراف بالايمان والاسرار وارتباطهم بشركة السلطة الكنسية؛ اي ارتباطهم بمجموعة او مجتمع الكنيسة المنظورة والتي تدار بواسطة الحبر الأعظم والاساقفة (نور الامم 14).

يكون مؤمنو الكنائس الشرقية الكاثوليكية في كامل الشركة مع الكنيسة الجامعة عندما يحافظ اساقفتهم  على شركة السلطة الكنسية مع الكرسي الرسولي.

هذه الشركة بين الكنائس الشرقية الكاثوليكية والكرسي الرسولي يعرب عنها وتتجلى بطريقة واقعية وملموسة في مجموعة قوانين الكنائس الشرقية. في الواقع ، احد الأدوار الرئيسية للقانون ، وفقا للبابا يوحنا بولس الثاني[1] ، هو ان يشير للكنيسة كشركة وبالتالي يحدد العلاقات التي يجب أن تكون بين الكنائس المحلية او الكنائس الشرقية الكاثوليكية في هذه الحالة  والكنيسة الجامعة.

في سلسلة مقالات "سينودس اساقفة الشرق الاوسط بين الشركة والشهادة" سوف نستعرض بعض مظاهر تلك الشّركة الملموسة من خلال مجموعة قوانين الكنائس الشرقية والتي هي ثمرة من ثمار المجمع الفاتيكاني الثاني.

كمقدمة في هذه المقالة، يهمنا ان نُعرِّف هوية الكنائس الشّرقية الكاثوليكية حسب القانون الكنسي الشّرقي: اي ما المقصود بكنيسة كاثوليكية شرقية وكيف يُعبَّر عنها في القانون؟

 

– الكنائس الشّرقية الكاثوليكية حسب القانون الكنسي

مجموعة قوانين الكنائس الشّرقية تستخدم تعبير " كنيسة ذات الحق الخاص" لتُعرِّف الكنيسة الشّرقية الكاثوليكية، والتي هي في كامل الشّركة مع الكرسي الرسولي. في حين ان القانون 27 يعرّف عن الـ "كنيسة ذات الحق الخاص" بأنّها: جماعة المؤمنين الذين تجمعهم رئاسة كنسيّة حسب الشّرع، وتعترف بها السّلطة الكنسيّة العليا صراحةً او ضمناً.

من خلال هذا التّعريف نستطيع ان نستخلص اربعة عوامل اساسيّة لتحديد ماهيّة الكنيسة الشّرقية الكاثوليكية حسب القانون:

1.  هي جماعة المؤمنين "coetus" باللاتينية. اصل كلمة "جماعة" يعني مجموعة من الاشخاص متحدة ومنسجمة مع بعضها البعض على كلّ المستويات: الثّقافي، الاجتماعي والروحي ومرتبطة برقعة الارض واللّغة. وهنا تظهر اول صعوبة لتحديد ماهيّة الكنيسة الشّرقية حسب القانون. فالرقعة الارضية كانت ومازالت عاملاً اساسيّاً لتكوين تلك الجماعة. لكن مع التّغيرات المعاصرة والتّنقلات المستمرة والهجرة بالاخص لمؤمني الشّرق الاوسط، خارج رقعة جماعتهم الكنسية الاصلية، وايضاً ارتباطهم بثقافات مختلفة وعادات وتقاليد مختلفة عن جماعتهم الاصلية، هل نستطيع الاستمرار في تعريف وتحديد انتماء هؤلاء المؤمنين لكنيسة معينة حسب الرقعة او حسب الثّقافة؟ ام نقتصر مفهوم كلمة "جماعة"، على هؤلاء المؤمنين الذين كان يربطهم كل هذا من قبل، وان كانوا اليوم في رقعة خارج رقعتهم ووسط ثقافة مختلفة عن ما توارثوه؟

مجموعة القوانين الشرقية تحدد انتماء الشخص الى الكنيسة ذات الحق الخاص على مقياس الشرائع التي تنصها مجموعة القوانين نفسها. القانون 29 يذكر فعلاً، مقاييس تحديد انتماء شخص ما الى كنيسة ذات حق خاص.

2.  هذه الجماعة، او مجموعة المؤمنين متحدين سويا،ً تحت سلطة كنسية معينة هي تقوم بجمعهم. اي ان الدور الاساسي لتلك السّلطة الكنسية، جمع المؤمنين وتوحيدهم، لتجعل منهم جماعة تقودها عن طريق تنظيم حياتها الداخلية حسب القانون العام ( مجموعة قوانين الكنائس الشرقية) والقانون الخاص لتلك الكنيسة ذات الحق الخاص.  تقوم تلك السّلطة الكنسية، ايضاً بدور وساطي بين تلك الجماعة والكنيسة الجامعة. فشركة تلك السّلطة الكنسيّة مع الكنيسة الجامعة هي اساس وضمان شركة مؤمني تلك الكنيسة ذات الحق الخاص مع الكنيسة الجامعة.

3.  هذه السلطة الكنسية تتكون حسب الشّرع. اي انّها تكوّنت ليس حسب ارادة بعض الاشخاص او الهيئات، ولكن كيفية  تكوينها وصلاحياتها تُحدّد حسب القانون العام والقانون الخاص لتلك الكنيسة ذات الحق الخاص.

4.  الاعتراف من السّلطة الكنسيّة العليا بتلك الجماعة وبسلطتها. هذا الاعتراف الصّريح او الضّمني هو الذي يجعل من تلك الجماعة، المرتبطة بسلطة معينة حسب الشّرع، كنيسة ذات حق خاص. هذا الاعتراف صريحاً كان ام ضمنياً هو ضمان الشّركة بين تلك الكنيسة ذات الحق الخاص والكنيسة الجامعة المتمثلة بالبابا والكرسي الرّسولي.

مما سبق يتضح ما هو المقصود بالكنيسة ذات الحق الخاص حسب القانون الشّرقي. و يبقى الكثير من الاسئلة: هل يكفي هذا التّعريف لتحديد ماهيّة الكنيسة الشّرقية الكاثوليكية؟ التّعريف لا يأتي على ذكر اي شيء مرتبط بالطّقس. الا يدخل الطّقس كعامل اساسيّ لتحديد هويّة كنيسة معينة؟ وهل كلّ الكنائس تتمتع بنفس الحقوق والواجبات؟ هذا ما سنراه في المقالات اللاحقة.



[1]. AAS, 75 (1983), pars II, 12.