سينودس اساقفة الشرق الاوسط بين الشركة والشهادة – 3

فئات الكنائس الشرقية الكاثوليكية

بقلم الأب هاني باخوم

 في المقالة السابقة استعرضنا ماهيّة الطقس وعلاقته بالكنيسة ذات الحق الخاص. في هذه المقالة يهمنا عرض فئات الكنائس الشرقية الكاثوليكية ذات الحق الخاص.

المجمع الفاتيكاني الثاني يؤكد ان الكنائس الكاثوليكية الشرقية منها او الغربية تتساوى كلها وتتنعم بكرامة متساوية، بحيث ان اي واحدة منها لا تتقدم على الاخرى بسبب طقسها (الكنائس الشرقية 3). بالاضافة ان كل واحدة منها لها الحق بل الواجب ان تحكم نفسها وفقاً لانظمتها الخاصة الذاتية (الكنائس الشرقية 5). اي ان الكنائس الكاثوليكية كلها تتنعم بنفس الكرامة و لها الحق لحكم ذاتها وان كانت تختلف الواحدة عن الاخرى حسب فئتها.

القانون الشرقي يقسم الكنائس الشرقية الكاثوليكية الى اربع فئات، وهي: الكنائس البطريركية ، كنائس الرئاسات الاسقفية الكبرى ، الكنائس المتروبوليتية ، والكنائس الاخرى ذات الحق الخاص. هذا التقسيم اوالترتيب هو السلم التنازلي لاستقلالية كل فئة كنسية والذي يطابق مدى نموها الداخلي على المستوى الكنسي، اي من الناحية الهيكلية (من اساقفة وكهنة ومؤمنين) وليس الاسراري[1]. فكل الفئات كما ذكرنا من قبل تتساوى في الكرامة. تلك الكرامة تنبع من امتلاكها التام لملء الخلاص وعناصره. ولكن في نفس الوقت تختلف عن الاخرى في تكوينها الداخلي وعلاقتها بالسلطة الكنسية العليا. سوف نستعرض في هذه المقالة الان كل فئة على حدة وعلاقتها بالكرسي الرسولي لاظهار مظاهر تلك الشركة التي توحدهم عملياً.

الكنائس البطريركية ذات الحق الخاص

تحتل الكنائس البطريركية المكانة الاولى ما بين مختلف فئات الكنائس الشرقية الكاثوليكية فقد تم تأسيسها وفقاً للتقليد العريق والذي اعترفت به المجامع المسكونية الاولى (ق 55).

المجمع الفاتيكاني الثاني بجانب ذكره لهذا التقليد العريق يضيف ان هذا التقليد هو من سماح العناية الالهية (نور الامم 23). هذه العناية ظهرت في بدء ميلاد العديد من الجماعات المسيحية بفضل اعلان الرسل وخلافائهم الخبر السار، الكريجم. التفت هذه الجماعات حول اسقفهم وبالتالي بدؤا تكوين ما يسمى بالايبارشيات. تلك الايبارشيات بدورها التفت حول اسقف ذو ايبارشية رئيسية فجعلت له مكانة خاصة وسطهم الى ان دعي بلقب بطريرك.

يترائس البطريرك الكنيسة البطريركية ذاتها وهو الذي يمثلها قانونياً امام السلطة المدنية وامام سلطة الكنيسة العليا. ويترأس ايضاً سينودس الاساقفة لكنيسته. هذا السينودس مع البطريرك يمثل المرجع الاعلى في جميع شؤون الكنيسة البطريركية.

هذه الفئة هي الاكثر استقلالية في حكمها الذاتي ولها علاقة شركة مع الكرسي الرسولي فيما يخص كل المجالات؛ بدءاً من انتخاب البطريرك، الاساقفة، تأسيس ايبارشية جديدة، فيما يخص الزواج والرهبان،…الخ. سوف نستعرض تكوين تلك الفئة بالتفصيل وروابط الشركة في المقالات القادمة مع توضيح اهم التحديات والمسائل التي لم تحسم من القانون الشرقي الحالي تجاه تلك الروابط.

كنائس الرئاسات الأسقفية الكبرى

فئة كنائس الرئاسات الأسقفية الكبرى تمثل الفئة الثانية بين الكنائس الشرقية الكاثوليكية ذات الحق الخاص. يترأسها رئيس الاساقفة الكبير.

لقب "رئيس الاساقفة الكبير" هو لقب شرقي قديم كان يمنح للاسقف الذي كان يتنعم بامتياز وسلطة أولية على الاساقفة الاخرين في المنطقة المحيطة به. والان يشير الى الاسقف الذي يترأس منطقة متروبوليتية تتكون من مجموعة ايبارشيات، ويطلق عليها كما ذكرنا كنيسة رئاسة الاسقفية الكبرى.

هذه الفئة تتمتع بنفس التكوين والاستقلالية مثل فئة الكنائس البطريركية فلها نفس الحقوق والواجبات (ق 152) مع اختلاف واحد اساسي وهو في انتخاب رئيس الاساقفة الكبير. فيجب ان يحصل بعد انتخابه شرعياً حسب القوانين على التثبيت من الكرسي الرسولي (ق 153 بند 2)، في حين انه في حالة انتخاب البطريرك يكفي اعلام الكرسي الرسولي (ق 76 بند 1).

بالنسبة ايضاً لعلاقتها بالكرسي الرسولي ينطبق عليها ماهو للكنائس البطريركية عدا الاختلاف الذي رايناه سابقاً.

الكنائس المتروبوليتية ذات الحق الخاص

الفئة الثالثة للكنائس الشرقية الكاثوليكية هي الكنائس المتروبوليتية ذات الحق الخاص. في الشرع القديم لم تكن تنعم بلقب طقس ولكن مع مجموعة قوانين الكنائس الشرقية نعمت هذه الفئة بلقب كنيسة ذات حق خاص وهذا بسبب تنعمها باستقلالية نسبية عما سبق.

يجب تفريقها عن الكنيسة المتروبوليتية والتي تكون تابعة لكنيسة بطريركية او لرئاسة اسقفية كبرى، او للكنيسة اللاتينية. هذه الفئة  تتبع مباشرة الكرسي الرسولي ولا تخضع لاي سلطة اقل منه.  فيحق فقط لتلك السلطة الكنسية العليا، اي الكرسي الرسولي، انشاء الكنائس المتروبوليتية وتغييرها والغائها ورسم حدود رقعتها (ق 155 بند 2).

يترأسها المتروبوليت، الذي يعينه مباشرة الحبر الاعظم (ق 155 بند 1). هذا المتروبوليت عليه خلال ثلاثة اشهر من سيامته الاسقفية، او من تنصيبه اذا سيم اسقف بالفعل ، ان يطلب من الحبر الروماني الباليوم والذي هو علامة سلطان المتروبوليت المنوحة له من الحبر الاعظم وايضاً علامة للشركة التامة لكنيسته مع الكرسي الرسولي (ق 156 بند 1).

سلطان المتروبوليت هو على الأساقفة وسائر مؤمني كنيسته التي يرأسها داخل حدود رقعة كنيسته (ق 157 بند 2) ولا استثناء في ذلك. هذا السلطان هو مألوف اي ينبع من وظيفته وليس موكل من احد. يمارسه بأسمه الشخصي ولكنه سلطان شخصي اي لا يستطيع ان يؤكل نائباً عنه لكل الكنيسة المتربوليتية ولا ان يفوض لاحد سلطانه لكل الحالات (ق 157 بند 1). يعود له ايضاً نفس حقوق وواجبات الاسقف الايبرشي داخل حدود ايبارشيته (ق 158 بند 2). بجانب هذا وبالاضافة للاختصاصات التي يمنحها له الشرع العام والخاص الموضوع من قبل الحبر الروماني. فالمتروبوليت له : ان يرسم اساقفة وينصبهم؛ دعوة مجلس الرؤساء الكنسيين وترؤسه ونقله وتمديده وتعليقه وحله؛ إنشاء المحكمة المتربوليتية؛ السهر على حفظ الايمان والنظام الكنسي بكنيسته واختصاصات اخرى يحددها القانون 159.

يساعد المتروبوليت في خدمته مجلس الرؤساء الكنسيين والذي يتكون من جميع الاساقفة المسامين لنفس الكنيسة المتروبوليتية (ق 164 بند 1).

القانون العام يحدد مهام هذا المجلس ودوره في مساعدة المتربوليت.

الكنائس ذات الخق الخاص الاخرى

هناك بعض الكنائس الشرقية الكاثوليكية التي لا تنتمي الى اي من الفئات السابقة نظراً لقلة عدد مؤمنيها وعدم وجود من له سلطة كنسية خاصة. هذه الفئة تدعى الكنائس ذات الحق الخاص الاخرى.

الشرع العام يصف هذه الكنائس بالكنائس ذات الحق الخاص الاخرى لرغبته في المحافظة على تقاليد وطقوس تلك الجماعة من المؤمنين. يرأسها رئيس كنسي، وقد لا يكون اسقفا، يعينه الحبر الروماني (ق 174). لذا فالكرسي الرسولي هو الذي يترأسها مباشرة عن طريق الرئيس الكنسي الذي يحدده.

تلك هي فئات الكنائس ذات الحق الخاص الذي يحددها الشرع العام. تتساوى فيما بينهما في لقب "كنيسة ذات حق خاص" وايضاً تتساوى في كرامة الطقس. لكن تختلف الواحدة عن الاخرى في تكوينها الداخلي وعلاقتها بالكرسي الرسولي.