لا هوية للكاهن خارجاً عن المسيح

 

                                                     اعداد       

                                             الاب انطونيوس مقار ابراهيم

                                          راعي الاقباط الكاثوليك في لبنان

مقدمة :

كرسّ قداسة البابا بندكتوس السادس عشر سنة 2009-2010 سنة كهنوتية بامتياز وجاء هذا التكريس في مناسبة مرور 150سنة على وفاة الكاهن جان ماري فياني الذي عاش حياة البساطة والحياة الأقرب إلى الخفية منها الى العلن والظهور انسجاماً مع يسوع الحاضر دائماً في سرّ القربان بسجوده المتواصل ليلاً ونهاراً.

من أين يستمد الكاهن اليوم هويته؟ وكيف يحافظ عليها بالرغم من الضغوطات والصعوبات التي يمر بها مجتمع اليوم؟

الهوية الكهنوتية هي في بادئ الأمر برنامج عمل لتحقيق حضور المسيح وعندها تصير هوية الكاهن أهم من أي عمل يمكن القيام به لتحقيق ذاته فقناعته أنه لا يحيا هو بل المسيح وأن المسيح يعمل في داخله وبه ومن خلاله.  أبرز المعايير المتاحة لتحقيق هذه الهوية هي عيش حياة الصلاة  والاهتمام بحياة الكلمة " فلا يجب علينا أن نهمل خدمة الكلمة لنهتم بالامور المعيشية"(أع6/1-7) حتى يكون العمل في المسيح التزام لشهادة المحبة في حياة مبنية على الكلمة والاتحاد مع الله بصورة متجددة دائماً وابداً في مسيرة صداقة مع يسوع تكون نتيجتها صداقة حقيقيّة فيما بيننا لبناء أُسس العمل الجماعي المشترك وركائزه. من كان صديقاً للمسيح لا يمكنه أن يهمل دور الآخر في بناء الجماعة. من المهم أن لا يقوم الكاهن بعمل كل شيء بشكل منفرد كي تبقى الجماعة قوية ومتجددة في الروح القدس. لذا فالكاهن مدعوٌّ إلى أن  يكتشف دعوته ومهمته بالحديث مع الله عن ضعفه من جهة ومن جهة أخرى إلى أن يمارس فعل التوبة والاهتداء والتفكير الدائم بالله بايمانٍ عميق يجعل من الكاهن انساناً متفرغاً واسع الانفتاح الرامي إلى الوصول الى الحقيقة الشاملة في  تخطى أفقه المحدودة نحو الجماعة ليتمكن من رؤية الصواب في التضامن مع المشاكل والواجبات والحلول لتخطى وجهة النظر الشخصية وكسب الشجاعة في تقبل الآخر. من هنا  تبرز "وجهة نظر شاملة" للإيمان بالكنيسة الجامعة" التي من أجلها يتجند الكاهن حتى في أكثر التفاصيل دقّة بصفته مدافعاً عن الجميع ولا سيما الذين ابتعدوا عن الكنيسة وعاشوا على هامش الحياة وهذا هو لُب الحياة الارسالية للايمان أؤمن بالكنيسة الرسولية"

هكذا عاش المسيح حياته منفتاحاً على الجميع مع ما كان يمرّ به من تجربة الوحدة  المؤلمة. فهو بالرغم من ذلك عاش حياة  الاتحاد التام مع مشيئة الله وحمل على عاتقه عوضاً عنا  الخطيئة والمحنة والتجربة التي ابعدتنا عن الله. .لقد قاد المسيح تلاميذه الى الوحدة الشاملة التي  تقودنا بدورها الى جوهر الانجيل وقلب الوجود وهنا يكمن الايمان  بالكنيسة الواحدة"

فالكهنوت أولاً وقبل كل شيء هو مسؤولية وخدمة كرازية لأن طابع الكنيسة هو إرسالى لإعلان إنجيل المسيح لجميع الشعوب لخدمة الانسان وإظهار محبة الله في المسيح يسوع الذي اعاد الانسان الى كرامته فأدرك هذا الأخير بوضوحٍ أكبر ورؤيةٍ أكثر جلاءً معنى وجوده.

 

أخي الكاهن كثيرةٌ هي الامور التي تجعل منا كهنة نجد هويتنا في المسيح، فربما أكون قد وضعت امامك بعض النقاط للتفكير وأنا بملء الثقة أوقول لك أنت ايضاً تملك الكثير من الامور والمعايير والقناعات حول تحقيق هويتك في المسيح.

فإذا غابت عنا هذه القناعات أو غيبناها نحن بدورنا، ما عسانا نكون؟