مشـيئة الله (4) خيرات الرب

 بقلم نيران إسكندر

     لو سألتك ياإلهي "ما هي مشيئتك؟"، لسمعتك تقول لي من خلال الإنجيل المقدّس بأن مشيئتك يا إلهي ومنذ بدء الخليقة هي أن نعرفك وبالذات أن نعرف محبتك الأبوية؛ فمنذ البدء أنت خالقنا وعلى هذا الأساس عاملتنا: أدخلت السرور والفرح والطمأنينة لقلوبنا، ووفّرت لنا المأكل؛ ما لذّ وطاب من الثمر (أرميا 31: 10-14)، وفجّرت ينابيع ماء متدفّقة لا تنقطع للحياة أثناء حياتنا اليومية (أرميا 2: 13) خلال رحلتنا الأرضية وألبستنا رداءً لا يبلى.

 

     مشيئتك يا إلهي أن تقودني من يديّ مثلما قُدت إبنك إسرائيل (الخروج 4: 22-23) وأدخلته الأرض الموعودة ووعدته بإطعامه من ثمارها المشبِعة والتي تروي العطش وتُحيِ؛ الثمار المروية من ينابيع قلبك القدوس التي لا تجف: (1) ينبوع الرحمة، (2) ينبوع السلام والتعزية والإرشاد، (3) ينبوع التعبّد والتقوى، و (4) ينبوع المحبة؛ وجعلته بيني بيته على أسس صلبة من حديد ويتطلع نحو الجبال ليراك (التثنية 8: 8). مشيئتك يا إلهي أن تدعوني أنا أيضاً بإبنك "إسرائيل" (أشعياء 44: 5)، أن تطعمني من ثمار ملكوتك وتجعلني أتمتع بالعيش معك في بيتك للأبد. من قال لي هذا ومن أعطاني هذا الوعد؟ قاله لي إبنك الحبيب في خطبته من على الجبل حيث إبتدأ حديثه بوعود لمن تُصبح قلوبهم في حالة سرور:

1.     المساكين بالروح أي الذين يؤمنون بأنك خالق أجسادهم من تراب وبأنهم الى التراب يعودون فيضعون كافة ثقتهم بك، يطيعون كلامك ولا يضعون أنفسهم بمساواتك فيهملون كلمتك ويفعلون ما يشاؤون، فتطعمهم ما يحتاجونه من ثمار الأرض الموعودة ليبقوا على قيد الحياة ويعيشوا معك الى دهر الداهرين في ملكوتك السماوي: القمح والحنطة أي خبز الحياة: كلمة الله المكتوبة والمتجسدة: السيد يسوع المسيح (يوحنا 6: 35، 48، 51-58).

2.     الحزانى أي الذين يعون على خطاياهم فيُحْزنهم سوء طالعهم لعدم طاعة كلامك فيندمون على خطاياهم ويتوبون؛ ومعرفة محبتك ورحمتك تُعزّيهم إذ أنك تسقيهم خمراً من كرمة الأرض الموعودة: الخلاص الإلهي/قوة يمينك (أي قُدسك): السيد يسوع المسيح (أشعياء 52: 9-10، يوحنا 15: 1، 5)، فتَغفر لهم ذنوبهم وتَجعلهم سعيدين الى الأبد.

3.     الودعاء والرحماء وأنقياء القلوب أصحاب القلوب الحنينة التي تُحب الآخرين ولا تعمل على الإساءة لأحد بل تعمل كل ما في وسعها لمساعدة الآخرين، وحين تُعامل بالسوء فإنها تَغفر وتُسامح لأنها تعرف بأنك سوف تُعاملها بالمِثل فتعطيهم الراحة والظل تحت شجرة التين التي تنمو في الأرض الموعودة: المعونة الإلهية: السيد يسوع المسيح (أشعياء 53: 1-12، متى 11: 28-29)، وتجعلهم يتذوَّقون حلاوة ثمرتها الطرية (أي يرون/يرثون السيد المسيح فيعاينونك).

4.      الجياع والعطاش الى البر الذين يغارون على إسمك القدوس فيلاحظون أنفسهم ويعملون على تقديس أعمالهم وأقوالهم أي لا يقومون بأعمال تُدنِّس إسمك القدوس (أي الأعمال التي لا ترتضيها)، فتسقيهم وتشبعهم بواسطة ثمر شجرة الرمان التي تنمو في الأرض الموعودة: محبة الله: السيد يسوع المسيح (1 يوحنا 4: 9-10)؛ تلك الثمرة التي تنمو عند نهاية أحد أغصان الشجرة، هذه الأغصان التي تبتدأ في البروز من الجذع كشوكة بدون أوراق وفي الربيع تبدأ الأوراق بالظهور عليها فيتكون الغصن الذي سيحمل الثمر، وهذه العملية تشبه الآلام التي عاناها السيد المسيح لكي تُغفر لنا خطايانا ونتمكن من أن نتشبّه به فنُصبح أبناءك لمجدك.

5.      فاعلي السلام الذين تمتلأ قلوبهم بالسلام ويعملون بكافة جهدهم لنشر هذا السلام للجميع فيُبشِّرون بملكوت الله والخلاص بمغفرة الخطايا بالسيد يسوع المسيح الذي هو السلام والذي يُرمز له بـ شجرة الزيتون التي تنمو في الأرض الموعودة، وأنت يا إلهي ستجعلهم أشجار زيتون كإبنك الحبيب إذ يعرفونك كآب سماوي لهم ويمجّدونك بالبر والتسبيح. هؤلاء الأشخاص قد تنَوَّرت قلوبهم بنور العالم، النور المنبعث من إحتراق زيت الزيتون: روح الله/ثوب الله: السيد يسوع المسيح (مزمور 104: 1-2، أشعياء 61: 1-3، يوحنا 1: 1-4) وأصبحوا أبناء الله ونوراً للآخرين لمجدك.

6.      المُعيَّرون والمضطهدون من أجل البر ومن أجلك، الذين لا يهابون شيئاً أو أحداً لإتِّكالهم عليك، ولايبخلون عليك بشيء فيقدمون أنفسهم طوعاً وبكل فرح وسرور للعمل من أجل إسعادك وذلك محبةً بك؛ عالمين بأنهم سوف يُكافئون بأحلى أجر كحلاوة العسل الناتج من التمر ثمرة شجر النخيل التي تنمو في الأرض الموعودة: مجد الله: السيد يسوع المسيح (كوجود ذاتي وفي سر القربان المقدس) (خروج 40: 34-35، يوحنا 1: 14، رومية 3: 21-24).

 

سبحانك يا إلهي لهذا الإعجاز في الخلق ومدى محبتك لنا منذ بدء الخليقة، فعجباً كيف أن ثمر الأرض الموعودة التي أتغذى بها هي نتاج قلبك القدوس أي "قلب يسوع الأقدس"، فكيف لا وهو من أُعتبر ثمراً حين أوحيت بذلك لإليصابات وهي مملؤة بالروح القدس وقالت وهي تحيّ أمنا العذراء مريم: "مباركةٌ أنتِ بين النساء! ومباركةٌ ثمرةُ بطنكِ!" (لوقا 1: 41-42). ويا لها من ثمر تدل على الشجرة التي أنبتتها، فنستطيع أن نراك حين نرى قلب إبنك الحبيب؛ القلب الإلهي المتجسد، أي حين نسمع أقواله ونشاهد أعماله (لوقا 6: 43-45).  يا لها من أرض موعودة (مزمور 23)، أرضها مراعي خصبة إن أقتاتت عليها الدواب تدرُّ الحليب بوفرة فيُأكل الزبد، وغرسها شجرٌ مُثمرُ زهراً يقتات من رحيقه النحل فيُنتج عسلاً شهياً يقتات منهما من يبقى على الأرض الموعودة الذي يستطيع التمييز بين الخير والشر فيرفض الشر ويختار الخير (أشعياء 7: 14-15، 21-22). تبقى الأطفال الصغار الذين لا يفطمون ولا يبتعدون عن الثدي (ينابيع الرحمة والسلام والتقوى والمحبة) (أشعياء 66: 10-14)، تبقى الأطفال التي تتشبه بأبيها فيتوبون عن خطاياهم ويلبسون البر والقداسة الى الأبد فيكونون شهوداً لك ونوراً للآخرين لمجدك (أشعياء 30: 18-26، 60: 18-22). ربي وإلهي، لتكن هذه الصلاة على جميع الألسن: "فليكن قلبك القدوس مباركاً وممجداً في كل زمان ومكان، وله الشكر على الدوام. آمين".

 

     مشيئتك يا إلهي أن أكون إبنك الذي يبني بيته على كلمتك، ويجعل سور سطح بيته عالياً بمدى إيمانه بإبنك المُخلّص يسوع المسيح (تثنية 22: 8)، والمُتطلِّع على الدوام الى العُلى ليرى نورك الساطع كالنحاس فأكون مولوداً منك، فيسكن روحك القدوس في قلبي ويصبح جميع أبناءك أخوتاً لي (1 يوحنا 5: 1)، فتفرح أورشليم بأبناءها ويرتفع سورها عالياً؛ سوراً منيعاً لا يقوى عليه أعداءها (أي الخطيئة) (نحميا 2: 17) ولا يسمح لمن بداخلها أن يخرج ويتيه عنها. مشيئتك أن أشبع من عطاياك وخيراتك فأنت أبي الذي أحبني ولم ينساني، الذي أوصى ملائكته لتحميني؛ آب عادل ورحيم، صادق وأمين لكل وعوده، قدّوس وصانع سلام، ومُحب لكافة أبناءه ولكنه لا يرتضي الخطأ والإساءة، العامل دوماً كارهاً الكسل، والذي أراد من أبناءه أن يكونوا على مِثاله لا يهابون شيئاً لأن روحك القدوس تسكن في قلوبهم (متى 10: 19-20). أجل، هذا ما قاله لي إبنك الحبيب السيد يسوع المسيح في إنجيل القديس متى البشير، إذ أعلمني وبأكثر من 24 مرة بأنك أبي السماوي، وكأي أبٍ صالح، فأنت:

 

 

1.     رأس البيت حيث تُصان كلمتك وكرامتك، وتُطاع مشيئتك من قِبل أبناءك.

2.     ترفع أبناءك وتضمّهم الى صدرك الحنون وتغمرهم بحبك فتُشعرهم بالدفء والأمان.

3.     تتقبل بسرور عودة الإبن الضال عالماً بأن التوبة قد ملأت قلبه الحزين.

4.     تُعطي نِعمك لأي من أبنائك الراغبين بإستثمارها من أجل إخوتهم ولمجدك.

 

أجل، فلقد علّمني إبنك الوحيد الكائن في حضنك ( يوحنا 1: 18) أسمك القدوس وما يعنيه هذا الإسم بالنسبة لي، فأنت إلهي الوحيد إذ ليس لديّ سوى آب واحد، وهذه العلاقة والمحبة لا تموت بموت الجسد بل هي علاقة أبدية لا تزول. هذه المحبة الأبوية التي رغِبْتَ أن تعرفها جميع الأرواح وخاصة من تأثروا بالشيطان فأعماها عن معرفتك ورؤيتك والتقرب منك، أو أَطرشها عن سماع كلمتك، أو أَسَرَها وقيّد تصرفاتها، أو أقْعدَها عن العمل لمجدك، أو أخرسها عن نشر محبتك فأرسلت السيد يسوع المسيح كـ "إبن" لك مؤكداً أنت لنا أبوّتك ومشاعرك تجاهنا، وأعطيته سلطاناً على الأرواح الشريرة ليُعيدنا الى بيتك السماوي (لوقا 4: 18-19)؛ وهذا ما أردت من جميع أبناءك أن يفعلوا مع إخوتهم الضالين (مزمور 111 و 145). أجل، ليس أحب للآب من أن يرى إبناءه يقومون على خدمته، وليس هناك من خدمة يؤديها الأبناء للآب كأن يكونوا بأعمالهم وأقوالهم مرآة تعكس صورة أبيهم للآخرين فيَتمجّد ويُكرّم، فيدخلون السرور الى قلبه.   

 

     كيف لي يا إلهي أن أشبع من خيراتك، وهي التي تُقرِّبني منك وتجعل قلبي شبيهاً بقلبك القدوس؟ أجل، ولعلمك بأني لن أرتوي وأشبع أبداً، فجعلت هذه الخيرات طعاماً يومياً شهياً نتطلّع لتناوله والتقرب منه في العشاء السري في سر الإفخارستيا حيث يولد القلب القدوس بالكلام الجوهري للسيد يسوع المسيح بقوة الروح القدس كولادة الخليقة الأولى التي هي على صورتك (أي ذات قلب نقي) بكلمة منك ونفخة نسمة الحياة فيها (تكوين 1: 26-27، 2: 7). بهذه الخيرات التي وعدت بها أبناء يعقوب (إسرائيل)، جعلت شعوب العالم أجمع روحياً من "بني إسرائيل" الذين ينظرون الى مدينتك المقدسة "أورشليم الأرضية والسماوية" ويقولون: "فيكِ كلُّ ينابيعِ سروري" (مزمور 87).

 

آه، كم بودّي يا أبتي أن يصرخ إليك جميع أبناءك يسألونك أن تعطيهم ثمرة حبُّك لنا قائلين كما أَوحيت لأحد الشعراء وتغنّى بها المغني:

          ثمرة الحب أَسقِنيها       همَّ قلبي تُنْسِني

          عيشةٌ لا حبَّ فيها        جدولٌ لا ماء فيه

 

فيُرتِّلون لك:

       شكراً لله الذي يقودنا        لطريق النصرة في كل حين

       كفقراء لا شيء لنا          ونحن نُغْني، نُغْني كثيرين