كاهن إسرائيلي يروي تفاصيل دربه إلى الكهنوت

(القسم الأول)

الأب دايفيد مارك نيوهاوس

روما، الجمعة 13 نوفمبر 2009 (Zenit.org)

كيف تمكنت صداقة بين مراهق يهودي وراهبة أرثوذكسية في التسعين من عمرها من هداية الشاب إلى الديانة الكاثوليكية؟ ولاحقاً إلى الانضمام إلى اليسوعيين؟

قد تبدو النهاية عجيبة ولكنها القصة الحقيقية للأب دايفيد مارك نيوهاوس، نائب البطريركية اللاتينية المسؤول عن الكاثوليك الناطقين بالعبرية في إسرائيل (www.catholic.il).

في هذا الحديث مع وكالة زينيت، يروي الأب نيوهاوس ذكريات طفولته في عائلة يهودية هربت من الويلات النازية في أرضها الأم ألمانيا، وتفاصيل حياته الآن ككاهن كاثوليكي في الأراضي المقدسة.

عاشت عائلته في جنوب إفريقيا، ولكن دايفيد غادر إلى القدس في فترة المراهقة. هناك تعرف إلى راهبة أرثوذكسية مسنة كانت تشع بفرح المسيح عندما كانت تتحدث عن عقيدتها. وخلال هذه اللقاءات، أحس بالدعوة ليس فقط إلى الكثلكة وإنما أيضاً إلى خدمة المسيح كراع على الأرض.

يعلم الأب نيوهاوس الكتاب المقدس في الإكليريكية الأبرشية للبطريركية اللاتينية وفي جامعة بيت لحم.

هو حائز على شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية من الجامعة العبرية في القدس، وعلى شهادة دبلوم في اللاهوت من مركز سيفر بباريس، وفي الكتاب المقدس من المعهد البيبلي الحبري في روما. ننشر في ما يلي القسم الأول من حديثه مع زينيت.

زينيت – في الطفولة، ما كانت فكرتكم عن الدين؟ وهل كنتم متدينين؟

الأب نيوهاوس – ولدت في عائلة ألمانية يهودية لا تمارس كثيراً واجباتها الدينية، عائلة هربت من الكارثة النازية ولجأت إلى جنوب إفريقيا. كان والدي يذهب بانتظام إلى الكنيس، ولكن الممارسة الدينية في المنزل لم تكن منتظمة أبداً. كنت أرتاد إحدى المدارس اليهودية المحلية الممتازة حيث كنا نصلي كل صباح، وندرس الكتاب المقدس والدين واللغة العبرية.

لم أكن مهتماً بشيء من كل ذلك؛ كنت أعتبر أن الدين للمسنين الذين يخافون من الموت. إضافة إلى ذلك، كنت أنظر إلى المسيحية آنذاك كعلة معاناة عائلتي وكل الشعب اليهودي، بخاصة في أوروبا، مهملاً طابعها الروحي.

زينيت – تخليتم عن اليهودية عندما كنتم تعيشون في إسرائيل. ما الذي دفعكم إلى الاهتداء إلى الكثلكة؟

الأب نيوهاوس – عندما وصلت إلى إسرائيل بعمر 15 سنة، كنت مولعاً بالتاريخ، فرحت أبحث عن أميرة روسية كنت أعرف أنها مقيمة في القدس. كنت مراهقاً يهودياً عندما التقيت بـ "ابنة" الامبراطورية الروسية، الراهبة الروسية الأرثوذكسية منذ أكثر من 50 عاماً، الأم بربارا التي كانت تبلغ من العمر حوالي 90 عاماً.

أمضينا ساعات طويلة معاً نتحدث عن الأيام الأخيرة للامبراطورية الروسية، والثورة وتداعياتها. خلال أحاديثنا، كنت ألاحظ أن هذه السيدة الطاعنة في السن والضعيفة كانت تشع فرحاً. كنت أجد ذلك غريباً إذ كنت أراها طريحة الفراش وقابعة في غرفة صغيرة من الدير من دون خيار مستقبلي إلا الموت.

في يوم من الأيام تشجعت وسألتها: "من أين لك هذا الفرح؟". كانت تعرف أنني كنت يهودياً وبدأت تتردد، لكنها عندما راحت تتحدث عن حب حياتها، كانت تشع أكثر فأكثر. تحدثت إلي عن يسوع المسيح، ومحبة الله التي كانت تتجسد فيه، وعن حياتها السعيدة في الدير.

تأثرت كثيراً بكلامها. إنني أعلم الآن أنني رأيت في فرحها المتألق وجه يسوع للمرة الأولى. استمرت محادثاتنا على مر الزمن. وعندما رأيت أهلي بعد بضعة أشهر، أطلعتهم على رغبتي في أن أكون مسيحياً فذهلوا. وعدتهم بالانتظار لمدة 10 سنوات، ولكنني طلبت منهم القبول في حال لم تتغير قناعتي. وافقوا على ذلك آملين أن أستعيد رشدي خلال هذه السنوات.

زينيت – هل فكرتم أنكم ستصبحون يوماً كاهناً كاثوليكياً؟

الأب نيوهاوس – شعرت بالدعوة إلى الحياة الدينية عقب لقاء المسيح من خلال الأم بربارا. بعدها شعرت بدعوتي إلى الكهنوت عندما فهمت معنى وأهمية حضور المسيح في سر الافخارستيا. كنت أريد الحضور مع المسيح، وانتهاز الفرص للتعرف إليه، وإعلانه للآخرين. كنت أشعر أن العالم بحاجة إلى الفرح وأن المسيح كان مفتاح الفرح الحقيقي.

تتمثل اللحظات المؤثرة خلال السنوات الأولى لمرحلة التعرف إليه في ذهابي إلى الكنيسة الأرثوذكسية الروسية في فترة المراهقة للمشاركة في الليتورجيا الإلهية. أما قراءة الكتاب المقدس فقد بدأت لاحقاً وما زلت مولعاً بها حتى الآن. لكن اتصالي بالكنيسة الكاثوليكية استغرق بعض الوقت.

جذبني طابع الكنيسة الجامع ومحبتها واهتمامها بالعالم. وكنت أجد التعزية في بحث الكنيسة الكاثوليكية عن درب مصالحة مع الشعب اليهودي، من خلال تصحيح ما كان ظالماً في الطريقة التي كانت تعلم بها اليهودية للكاثوليك.

كنت أستلهم من التعليم النبوي للكنيسة الكاثوليكية حول العدالة والسلام، والتزامها بالمظلومين والمحرومين. والسؤال الذي كان يطرح من قبل عائلتي وأصدقائي اليهود هو التالي: كيف تمكنت من الانضمام إلى جماعة اضطهدتنا على مر قرون؟

كنت أجد التعزية في الطوباوي البابا يوحنا الثالث والعشرين والكاردينال أوغستين بيا، وفي عمالقة المجمع الفاتيكاني الثاني الآخرين، وفي عملية إعادة صوغ تعليم الكنيسة المتعلق باليهود. فهمت منذ البداية أنني لو أردت أنا اليهودي الدخول إلى الكنيسة، فإنه ينبغي علي أن أخدم ولا أكتفي بأن أكون مجرد مسيحي آخر. قبل عمادي، أدركت أن هذه الخدمة كانت مرتبطة تماماً بجعل المسيح حاضراً في العالم من خلال السر والكلمة.

زينيت – ما الذي جذبكم إلى الرهبانية اليسوعية؟

الأب نيوهاوس – في البداية، لم أنجذب إليها بسبب اغناطيوس دي لويولا الذي تعرفت إليه لاحقاً خلال سنتي الطالبية الأولى. تعرفت أولاً إلى يسوعيين اثنين في القدس هما: الأب بيتر الأميركي الذي جاء للعمل مع الفلسطينيين كأستاذ فلسفة ولاهوت في جامعة بيت لحم الكاثوليكية (التي أعلم فيها حالياً)؛ والأب خوسيه النيكاراغواني الذي جاء للعمل في مجتمع إسرائيلي ناطق بالعبرية وكان يمارس خدمته في الكنيسة الكاثوليكية الصغيرة الناطقة بالعبرية (التي أشغل فيها حالياً منصب النائب البطريركي).

إن تفاني هذين الرجلين اللذين تخليا عن كل شيء من أجل خدمة المسيح حرك أعماقي. تأثرت بالروحانية الثابتة والمكانة الفكرية لهذين الرجلين. تأثرت بقدرتهما على مواجهة التعقيد وعلى عدم تقليص الوقائع إلى مجرد شعارات. وأكثر ما تأثرت به هو ألفتهما مع الآخرين في الرب. كان أحدهما يعمل بتضامن عميق مع الفلسطينيين، والآخر بتضامن عميق مع اليهود الإسرائيليين. وعلى الرغم من دوامة العنف والبغض، تمكنا من بناء صداقة بينهما والصلاة والتحدث والضحك معاً.

هذا ما كان يفسح المجال أمام حالات يبدو أن واقعنا كان يدينها، ويقدم آمالاً ونفحة حياة في الأماكن التي كانت معدومة فيها. أعدني الأب خوسيه للعماد وعمدني، واهتم الأب بيتر بتنسيق قبولي في الرهبانية اليسوعية وألبسني الثوب الكهنوتي خلال سيامتي.