البحر وسفر الرؤيا 1

للاب هاني باخوم

" ورأيتُ سماءً جديدة وارضاً جديدة، لأن السماء الأولى  والأرض الأولى قد زالتا، وللبحر لم يبقَ وجود" (رؤيا 21 : 1). كثيراً ما استوقفتني هذه الأية، فهي تصف الواقع الابدي الذي سيكون عليه الكون بعد القيامة، قيامة الاموات. ما سيكون عليه الكون في الحياة الابدية، بعد المجىء الثاني للمسيح؛ سيكون هناك سماء جديدة وارضاً جديدة، وهذا شىء طبيعي، لانه سيكون هناك الخليقة المفدية والمخلصة وستزول تلك الاولى والتي سقطت في الموت بسبب خطيئة الانسان. لكن السؤال: لماذا لا تقول الاية سيكون بحرا جديدا؟ لماذا بالعكس تؤكد وتقول "للبحر لم يبق وجود"؟ اي انه في تلك الخليقة الجديدة لن يكون فيها وجود للبحر؟ لماذا؟ فما هو اذا معنى البحر في سفر الرؤيا ؟

الاب "فاني" في كتابه عن سفر الرؤيا يقول ان البحر يعني "مستودع او خزان الشر" اي مكان تجمع الشر وتراكمه، الشر الذي دخل الى العالم بعد الخطيئة، والذي ايضاً دفع الانسان واغواه للخطيئة. البحر اذاً يعني الشيطان. وليس فقط الشيطان بل كل ما هو مرتبط به وباعماله، كل الشرور، الالام والعذابات، كل النواقص والمضايقات. هذا هو البحر والذي سيُلقى في اتون النار في اخر الازمنة (رؤيا 20: 15).

لكن ماذا يعني هذا؟ لماذا لم يختر سفر الرؤيا رمزا اخر بدلاً من البحر ليعبر عن الشر؟

البحر بطبيعته لا يُقاد، لا يترك نفسه يُقاد، ولا نستطيع ان نؤسس عليه شيئا كي يبقى ويدوم. لتأسيس شىء عليه يجب نزعه وازالته اولاً، لا يمكن ان نترك عليه اثر او بصمة لشىء ما، فهو دائماً متغير، متحول، فهو عكس الارض الثابتة.

البحر غير مضمون، غير مستقر، صعب توقع احواله. فهو يرمز لعدم الضمان وخوف الانسان من المستقبل، من الامراض، من الوحدة، ومن الموت بالاخص. علامة لكل ما هو غير مستقر، لكل ما هو ليس ابديا اونهائيا، للصراع اليومي للانسان والذي عليه ان يواجهه كل يوم.

سفر الخروج (14: 15 ت) يذكرنا بان شعب الله في وقت ما يجد نفسه محاصرا؛ البحر امامه وفرعون وجنوده من خلفه، والذي كان يتبعه ليهلكه. الشعب يجد نفسه محاصرا، موت من الامام: البحر، وموت من الخلف؛ فرعون. الرب يفتح البحر ويمرر شعبه وعندما يمر فرعون وجنوده يرجع البحر ويغرقهم. البحر هو علامة للموت. الموت الذي يواجه الانسان كل يوم وبكل الطرق، ليس فقط الموت الجسدي، لكن موت الامل، موت اليأس، موت العجز، الظلم، المرض، الالم والعذاب، موت الكيان عندما يشعر الانسان ان حياته اصبحت محاطة من كل ناحية باللامعنى. لما احيا ولمن احيا؟ عندما يصيب الانسان شىء ما ويجد نفسه امام هذه الاسئلة. هذا هو الموت، هذا هو البحر.

سفر الرؤيا يبشرنا انه في الخليقة الجديدة، في السماء، هذا البحر لن يعود له وجود. نعم  لن يكون هناك بحر، لن يكون هناك شر، او الم،  عذاب، او موت. هناك سيكون الانسان فقط في سعادة،  شركة وحب مع الله و مع القديسين و مع المفديين بدم الحمل.

تلك الاية هي خبر مفرح للجميع، لمن يرى الموت امامه وهذا الموت يحطمه، لمن يرى البحر امامه يعلو ويوشك ان يغرقه، البحر سَيُطوعَ، ولن يعد له وجود، والموت بالفعل قد هزم. خبر مفرح يدعونا ان نرفع انظارنا للسماء ونرجو وننتظر سماء جديدة وارضا جديدة حيث لا يوجد البحر. تلك الاية تحثنا على ان لا نشك، ان لا نيأس، ان نرجو.

لكن البحر الان موجود، الان هو يهاجمنا، فماذا نفعل الان؟ هل ننتظر فقط تلك السماء الجديدة والارض الجديدة والتي فيها البحر غير موجود؟ البحر لن يكون موجودا في الحياة القادمة لكن الان هو موجود؟ فماذا سنفعل معه؟….للمرة القادمة.