حوار الأب الدكتور يؤانس لحظي لحامل الرسالة

 "كل ظلام العالم لا يستطيع أن يطفئ ضوء شــــــمعة"

 

الأب يؤانس لحظي جيد واحد من جيل الشباب من الكهنة الذي دعاه الله إلى رسالة فريدة في خدمة الحضور الكاثوليكي على الخريطة الدولية، حيث يعمل سيادته في خدمة السلك الدبلوماسي لدولة الفاتيكان. ويشغل الأب د. يؤانس لحظي موقع سكرتير أول سفارة الفاتيكان بجمهوريتي الكونغو والجابون. إلى جانب ذلك يولى سيادته أهمية خاصة للحضور الكاثوليكي على فضاء الإنترنت إذ يتولى جنابه رئاسة تحرير موقع "كنيسة الإسكندرية الكاثوليكي"، والذي كان أول موقع يعرض الفكر القبطي الكاثوليكي على شبكة المعلومات الدولية "الانترنت"، بالإضافة إلى تأسيسه لدار القديس بطرس للبرمجة وهي أول دار للنشر بالكنيسة القبطية الكاثوليكية. وفى زيارة خاطفه له إلى مدينة أسيوط كان لنا هذا الحوار.

 

·        ماذا عن أهم ملامح السيرة الذاتية للأب يؤانس لحظي ؟

         الأب يؤانس لحظي جيد من مواليد القاهرة 21 يوليو 1975 التحقتُ بالكلية الإكليريكية عام 1992 وتمت سيامتي الكهنوتية في 29 يونيو 2001 وعملتُ مساعد راعى بكاتدرائية القديس بطرس ببني سويف. في عام 2002 أُرسلتُ إلى روما لدراسة القانون الكنسي وحصلت على الماجستير في القانون الكنسي الشرقي عام 2004 وفى عام 2005 التحقتُ بالأكاديمية الحبرية للخدمة في دبلوماسية الفاتيكان وفى عام 2007 أنهيت دراستي بالأكاديمية وحصلت على ماجستير العلوم الدبلوماسية والقانون الدولي. وفى نفس العام حصلت أيضاً على الدكتوراه في القانون الكنسي. وأخيرا تم تعييني من قبل قداسة البابا بنديكتوس السادس عشر كسكرتير أول لسفارة الفاتيكان بجمهورية الكونغو وجمهورية الجابون.

·        لماذا اخترت القانون الكنسي مجالاً للتخصص ومن ثم العمل؟

         لم يكن اختياراً بقدر ما كان إرسالاً من قبل الكنيسة في مصر حيث أوفدني مثلث الرحمات الأنبا اسطفانوس الثاني إلى الدراسة في الأكاديمية البابوية. لكنى أؤمن أن لا شيء يأتي مصادفة، فقد كان اختياراً من الله، ولا أستطيع سوى أن أشكر الرب أولاً على نعمة الكهنوت وكذلك نعمة دراسة القانون الكنسي والعمل من خلاله في خدمة الكنيسة الجامعة. ولو عاد بي الزمان للوراء لاخترت أيضاً القانون لأن القانون الكنسي ليس إلا صياغة تشريعية دقيقة للإيمان المسيحي، ولكيفية عيشه.

·        أعطنا فكرة عن عملكم كدبلوماسي بالسفارة البابوية في الكونغو والجابون ؟

         عمل السكرتير بالسفارة هو مساعدة السفير في مهمته سواء الدينية أو المدنية. ونتيجة قلة عدد الدبلوماسيين ففي كل سفارة يعمل اثنين فقط من أعضاء السلك الدبلوماسي لدولة الفاتيكان هما السفير والمعاون له، وغالبا ما يكون باقي طاقم البعثة من الموظفين العلمانيين أو الكهنة المحليين. وعمل السفارة البابوية هو على الجانب الديني متتابعة وخدمة الكنيسة المحلية ورفع بعض الأمور ذات الأهمية الكبرى إلى كنيسة روما. أما الجانب المدني فهو تمثيل دولة الفاتيكان لدى الحكومة والهيئات بغرض إعلان موقف الكنيسة تجاه القضايا التي تمس حرية العقيدة وكرامة الشخص البشري.

·        بحكم عملكم كدبلوماسي .. ما موقع الدبلوماسية في خدمة رسالة الكنيسة؟

– الكنيسة الكاثوليكية أكبر تجمع بشري مُنظّم على وجه البسيطة فعدد الكاثوليك في العالم 1 مليار و165 مليون نسمة تقريباً وبالتالي يمثلون 17.3 % من التعداد الإجمالي لسكان الأرض. وإذا كان أبسط قواعد التأثير هو التعداد فهذا يؤكد مدى عمق تأثير الكنيسة الكاثوليكية في الخريطة العالمية. وعندما تقوم الكنيسة بدور سياسي من خلال بعثاتها الدبلوماسية فهذا حق طبيعي للكنيسة للتفاعل مع المجتمعات التي تحيا فيها. فالكنيسة لا تطمح من وراء هذا الدور إلى نفوذ أو حتى امتيازات إنما إعلان موقف الكنيسة والتعبير عن رأيها لإنارة الضمائر بنور الإنجيل، هذه هي رسالة الدبلوماسية الفاتيكانية.

·        ماذا عن رسالة الكنيسة الكاثوليكية في الكونغو والجابون مقر عملك؟

         الكنيسة الكاثوليكية في الكونغو والجابون كنيسة قوية حيث عدد الكاثوليك يصل في الدولتين إلى 50 % من عدد السكان وهناك كهنة وراهبات وطنيين من أبناء الدولتين ساعدوا ويساعدون على تحسين الأوضاع المعيشية للجميع. وتقوم الكنيسة الكاثوليكية بدور اجتماعي كبير في المدارس والخدمة الصحية والمشروعات التنموية إلى جانب دعم قضايا السلام والتنمية.

·        جنابكم مسئول عن دار القديس بطرس للبرمجة والنشر بمصر، لماذا يبدوا الهيكل الإداري غير واضح ولا توجد منافذ للتوزيع ؟

         دار القديس بطرس للبرمجة والنشر هو مشروع مازال في بدايته وبالتالي مازال يحتاج إلى أمور كثيرة مثل التي ذكرت. لكنى دعني أؤكد أن الدار هي حلم لأشخاص آمنوا بها وسعوا إلى تحقيقها منذ عام 2000 وحتى الآن. ونشكر الله إننا مؤخراً حصلنا عل الموافقة والمباركة الكنسية وعلى اعتراف السلطة الكنسية بأن الدار هي هيئة كنسية تابعة للبطريركية ويشرف عليها نيافة الأنبا مكاريوس توفيق مطران الإسماعيلية. واعتقد أن في الاعتراف الكنسي دعم كبير وستأتي لاحقاً بإذن الله بقية الخطوات العملية لنشر رسالة الدار بين أبناء الكنيسة الكاثوليكية في مصر، وخدمة كل الناطقين بالعربية.

·        تتولى سيادتكم رئاسة تحرير موقع كنيسة الإسكندرية الالكتروني، لماذا لم تعتمده السلطة الكنسية بمصر كموقع رسمي ؟

         ولد موقع كنيسة الإسكندرية الالكتروني كموقع الكنيسة القبطية الرسمي، لكن قبل أن نحصل على الاعتراف الكنسي بالدار لم يكن الموقف واضحاً لا من الدار ولا من الموقع. أما الآن فاعتقد انه بعد الإقرار الرسمي للدار من قبل الكنيسة فإن هذا الاعتراف ينطبق كذلك على الموقع الالكتروني لأنه تابع لدار القديس بطرس للبرمجة والنشر. ولا يمكن إنكار الدور الهام الذي لعبته الدار في السنوات الأخيرة كأول موقع قبطي كاثوليكي، ونطلب من الله أن يكون هناك أكثر من موقع للكنيسة، لأن الخير يزداد بالمشاركة. كما نشكر الله على أن موقع كنيسة الإسكندرية الالكتروني هو الآن من أشهر المواقع المسيحية على الفضاء السيبرى إذ زاره أكثر من 4 مليون وأكثر من 600 ألف زائر، وهو موقع معروف في الوطن العربي بخدمته التعليمية المسيحية المتميزة. وصدقني فإن جميع المشاركات الفكرية التي جاءت للموقع تم رفعها حتى يستفيد بها جميع أصدقاء الموقع والمتصفحين.

·        إذا خرجنا من دائرة المحلية إلى البعد العالمي للكنيسة الكاثوليكية .. في تقديركم لماذا يبدو صوت الكنيسة الكاثوليكية خافتاً إزاء قضية الحرب في العراق ؟

         لقد كان موقف طيب الذكر البابا يوحنا بولس الثاني واضحاً من الحرب على العراق حيث رفض الحرب بكل تداعياتها وبالتالي مازال الموقف ثابتاً ولم يتغير. والكنيسة تعمل الآن من أجل حماية المسيحيين في العراق ووحدة العراق وسلام أبنائه جميعاً. وربما لا يعلم الكثيرون أن سفارة الفاتيكان بالعراق هي السفارة الوحيدة التي لم تغلق أبوابها أثناء الحرب وحتى الآن، لأن الفاتيكان أراد أن يقف بجوار الشعب العراقي في فرحه وحزنه، في أمجاده وجراحه.

·        لماذا تتحفظ الكنيسة الكاثوليكية بشأن قضايا علمانية الدولة أو مفهوم الدولة المدنية؟

         الكنيسة الكاثوليكية تعترف بالعلمانية الناضجة وترفض العلمانية الخاطئة. الناضجة أي التي تؤمن بحرية الفرد في العقيدة وتحترم الاختلاف في الرأي. أما العلمانية الباطلة أو الفاسدة فهي التي تسعى إلى إخراج الدين من المجتمع وتحاول إسكات صوت الكنيسة وتصدر تشريعات ضد الإيمان المسيحي. الكنيسة تؤمن بأن ما لله لله وما لقيصر لقيصر لكنها ترفض كذلك العلمانية التي تخرج الدين عن حياة الناس. ومن ثمَّ فالكنيسة تحاول دائما أن تنظر إلى الإنسان كمخلوق على صورة الله ومثاله، وترفض أي نظرة تحصره فقط في الأرض، وتجعل من "الأرض"، والمادة، والاستهلاك… غايته القصوى، فالإنسان بدون الله لا يمكنه أن يحقق حتى إنسانيته.

·        ما أبرز التحديات التي تواجه الكنيسة الكاثوليكية في إعلان كلمتها للعالم؟

         أهم التحديات التي تواجه الكنيسة هي محاولة البعض إبعاد الله عن حياة البشر تحت دعاوى العلمانية والمادية التي تجعل الإنسان كائن أرضى فقط. كذلك السلبية واللامبالاة والتي تأتى أحياناً من أبناء الكنيسة أنفسهم. ولكن بالرغم من كل التحديات والصعوبات فالكنيسة تواصل رسالتها في إعلان الحق بقوة ووضوح ومحبة. معتمدة على نعمة الله وإرشاد الروح القدس لأن الإيمان هو زاد الكنيسة، فالمسيحية هي التي تقوى الكنيسة وليس العكس.

·        في تقديركم .. لماذا دعا قداسة البابا بنديكتوس إلى سينودس خاص بالكنائس الشرقية العام القادم ؟

         للكنيسة الكاثوليكية رئتان هما الشرق والغرب لذا للكنائس الشرقية الكاثوليكية موقع كبير من اهتمام الكنيسة الجامعة خاصة أن هناك بعض الأمور أو الأزمات التي تواجهها الكنائس الشرقية منها الحرب في العراق والإخلال بمبدأ الحرية الدينية وقضايا العنف. لذلك نأمل أن يعطى السينودس الخاص بالكنائس الشرقية دفعة قوية حتى تظل الكنيسة الشرقية منارة فرح ورجاء وشهادة في المنطقة.

·        في الختام ماذا تقول لقراء هذا الحوار ؟

         أكرر شعار الموقع: "كل ظلام العالم لا يستطيع أن يطفئ ضوء شمعة"، نعم، فالله لا يطلب الكثير لكنه يطلب السعي الأمين. الله لن يسألنا كم صنعنا؟ لكنه سيسألنا هل كنا صادقين فيما حملنا من وزنات ومسئوليات وفي سعينا اليومي لعيشها؟. الله جعل لكل إنسان رسالة ودور في الحياة عليه أن يقوم به على أكمل وجه حتى تتحقق مشيئة الله في العالم.

أجرى الحوار

ناجــح ســـمعـان