التأمل البابوي حول سقوط جدار برلين

"لا بد من رفع الشكر لله من كل قلبنا"

حاضرة الفاتيكان، الاثنين 07 ديسمبر 2009 (Zenit.org)

ننشر في ما يلي الكلمة التي ألقاها بندكتس السادس عشر مساء الجمعة بعد حفل موسيقي أقيم على شرفه في كابيلا السيستينا وقدمه له رئيس ألمانيا هورست كوهلر، بمناسبة الذكرى السنوية الستين لتأسيس الجمهورية والعشرين لسقوط جدار برلين.

***

أيها الأحباء،

يصعب التكلم بعد الاستماع إلى هذا النوع من الموسيقى المهيبة والمؤثرة. ولكن، مهما يكن الأمر، أعتقد أنه من المناسب تقديم كلمة تتضمن التحية والامتنان والتأمل. وبالتالي أوجه تحية قلبية لكم جميعاً أنتم المجتمعون في كابيلا السيستينا. إنني ممتن بخاصة للرئيس الفدرالي ولفيفه الطيب على تشريفي بحضورهم في هذا المساء. إن زيارتكم تسرني أيها الرئيس الفدرالي العزيز لأنها تعبر عن قرب الشعب الألماني من خليفة بطرس ابن وطنهم ومحبتهم له. وليكافئكم الرب على كلماتكم الطيبة والبليغة وعلى هذه الأمسية. كذلك أوجه الشكر من أعماق قلبي إلى السيد راينهارد كاملر ومرنمي كاتدرائية أوغسبورغ وأوركسترا ميونيخ على أداء هذه الموشحات الجميلة. شكراً على هذه الهدية الرائعة!

إن مناسبة هذه الأمسية المهيبة ثنائية – كما سمعنا. فمن جهة نحتفل هذه السنة بالذكرى السنوية الستين لتأسيس جمهورية ألمانيا الفدرالية مع توقيع القانون الأساسي في 23 مايو 1949. ومن جهة أخرى نحتفل بالذكرى العشرين لسقوط جدار برلين، بوابة الموت التي جزأت موطننا خلال سنوات عديدة وفرقت الرجال والعائلات والجيران والأصدقاء بالقوة. كثيرون رأوا في أحداث 09 نوفمبر 1989 فجر الحرية غير المنتظر بعد ليل طويل ومؤلم من العنف والقمع اللذين فرضهما نظام شمولي أدى في النهاية إلى العدمية، إلى إفراغ النفوس. في ظل الحكم الديكتاتوري الشيوعي، لم تعتبر أي أفعال سيئة أم غير أخلاقية. فكل ما كان يخدم أهداف الحزب كان جيداً – مهما كانت وحشيته. لقد طرح أحدهم اليوم السؤال عما إذا كان النظام الاجتماعي الغربي أفضل وأكثر إنسانية. في الواقع أن تاريخ جمهورية ألمانيا الفدرالية يثبت ذلك. ويعود الفضل في ذلك إلى القانون الأساسي. لقد ساهم هذا الدستور بشكل أساسي في التنمية السلمية لألمانيا خلال العقود الستة الماضية. إنه يحث البشر في كل قانون تشريعي وبمسؤولية أمام الله الخالق على إعطاء أولوية لكرامة الإنسان، واحترام الزواج والعائلة كأساس كل مجتمع، وأخذ مقدسات الآخر بالاعتبار. فليتمكن المواطنون الألمانيون، من خلال إنجاز مهمة التجدد الروحي والسياسي بعد الاشتراكية الوطنية والحرب العالمية الثانية، كما يورد القانون الأساسي، من الاستمرار في التعاون لبناء مجتمع حر واجتماعي.

أيها الأحباء، من خلال النظر إلى تاريخ وطننا على مر العقود الستة الماضية، لا بد من رفع الشكر للرب من كل قلوبنا، وإدراك أن هذا التطور لم يحصل بفضلنا. لقد أصبح ممكناً بفضل رجال عملوا بقناعة مسيحية راسخة وبمسؤولية أمام الله وأطلقوا عمليات مصالحة سمحت بعلاقة جماعية متبادلة وجديدة بين الأمم الأوروبية. ويظهر تاريخ أوروبا خلال القرن العشرين أن المسؤولية أمام الله هي ذات أهمية حاسمة للعمل السياسي الصحيح (راجع المحبة في الحقيقة). إن الله يجمع شمل البشر في شركة حقيقية، ويجعل الإنسان يفهم وجود "الواحد" الأسمى الحاضر الذي هو علة حياتنا ووجودنا معاً، وذلك بالاتحاد مع الآخر. هذا ما يظهر لنا بخاصة في سر الميلاد حيث يقترب الله منا بمحبته ويطلب منا كإنسان وطفل أن نحبه.   

بطريقة مذهلة، يظهر أحد مقاطع الموشحات الميلادية هذه الشركة القائمة على المحبة والتواقة إلى المحبة الأبدية: تبقى مريم إلى جانب المذود وتصغي إلى كلام الرعاة الذين أصبحوا شهوداً لرسالة الملائكة عن هذا الطفل ومبشرين بها. هذه اللحظات التي تحفظ فيها هذه الأمور جميعاً وتتأملها في قلبها (لو 2، 19)، يحولها باخ من خلال طبقة الكونترالتو أريا إلى دعوة للجميع:

"احفظ يا قلبي معجزة السعادة هذه في إيمانك!

ولتخدم هذه المعجزة، هذا العمل الإلهي، في ترسيخ إيمانك الضعيف!"

يمكن لكل إنسان، بالاتحاد مع يسوع المسيح، أن يكون وسيطاً للآخر مع الله. لا أحد يؤمن لذاته، وكل إنسان يعيش في إيمانه بسبب التأملات البشرية. ولكن هذه التأملات لا تكفي بذاتها لبناء جسر نحو الله لأن ما من إنسان قادر بذاته على ضمان وجوده وقربه من الله. ولكن، بالاتحاد معه هو القرب عينه نتمكن نحن البشر من أن نكون وسطاء لبعضنا البعض – وهذه هي حقيقتنا. هكذا نتمكن من إيجاد أسلوب تفكير جديد وخلق طاقات جديدة في خدمة نزعة إنسانية شاملة.

ختاماً أود أن أشكر أيضاً منظمي هذه الأمسية الرائعة، الموسيقيين وجميع الأشخاص الذين سمحوا بإقامة هذا الحفل من خلال إسهاماتهم السخية. إن الموسيقى العظيمة التي استمعنا إليها في أجواء كابيلا السيستينا الرائعة ترسخ إيماننا وفرحنا بالرب لنشهد له في العالم. أمنحكم جميعاً بركتي الرسولية.

ترجمة وكالة زينيت العالمية (Zenit.org)

حقوق الطبع محفوظة لمكتبة النشر الفاتيكانية 2009